السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لماذا لا يقع العنكبوت في شباكه الخاصة ؟؟
للإجابة على هذا السؤال يجب أن نتفحص أولا معجزة هندسة نسيج العنكبوت . فمن
ناحية متانة الخيوط تعتبر الخصلات الحريرية التي تكون النسيج أقوى من الفولاذ ،
ولا يفوقها قوة سوى الكوارتز المصهور ، ويتمدد الخيط الى خمسة أضعاف طوله قبل أن
ينقطع .
في الواقع ، فإن هذا الخيط الصغير الذي يظهر أمام العين المجردة مصنوع بالطريقة نفسها
التي يصنع بها كابل الفحم ، حيث يتكون من خيوط عدة متناهية في الصغر ملتفة حول بعضها ،
وقد يبلغ سمك الخيط الواحد منها( 1 ) من مليون من الإنش . ومواد الصنع شائعة جدا ،
حيث يوجد في هكتار واحد من أحد المقاطعات البريطانية مثلا ، اكثر من مليوني وربع عنكبوت .
ولكل عنكبوت مغازل خاصة ، عادة يبلغ عدده ثلاثة . وهذه المغازل طبيعية موجودة اسفل البطن .
ويوجد قرب كل مغزل فتحات غدة صغيرة تخرج منها المادة التي تكون الخيوط الحريرية ،
وهي مادة تتشكل في غدد العنكبوت . واثناء هندسة النسيج ، يقوم العنكبوت بجمع الخيوط
الثلاثة معا لتكوين خصلة قوية ومتينة .
تغزل العناكب التي تعيش خارج المنزل نوع من النسيج معروف باسم الفلك نسبة الى شكله
الدائري ، وهو قطعة هندسية رائعة من الخطوط المتناسقة التي تظهر بشكل بهي جدا تحت
أشعة الفجر الأولى . وأنثى العنكبوت هي التي تقوم بمهمة بناء النسيج . وتستخدم ضغط
بطنها ، لتدفع الخيوط الحرارية خارج الغدد الست الموجودة في بطنها ، وتقوم بربط طرف
الخيط الأول ، المعروف باسم الجسر ، بساق عشبة ما ، أو ورقة شجر . ثم تهبط الى الأرض
مع الخصلة ، وهي مستمرة بعملية الحياكة ، ثم تنزل الى الأرض وتصعد إلى نقطة أخرى
مرتفعة ، لتسحب الخيط بقوة ، وتربطه في مكانه جيدا باستخدام مادة لاصقة تخرج من
إحدى غددها أيضا . فتقوم أولا بتثبيت خصلة ، بشكل أفقي دائما ، ثم تسقط خيطين حريرين
في كل طرف من أطراف الخيط الأول ، وذلك لتكوين جسور أخرى اقل ارتفاعا من الأولى
والتي ستصبح أساس شبكة العمل . ثم تقوم بغزل خيوط عدة داخل شبكة العمل هذه ، على أن
تلتقي الخيوط جميعا في الوسط . وهنا يأتي العمل الذكي ، حيث تقوم بوضع المادة اللاصقة
على الخيوط الخارجية من الشبكة فقط ، وعندما تنتهي كليا من صنع الشبكة تكمل عملية
وضع الغراء في الداخل وعلى بعض المقاطع فقط بحيث تترك مكانا لها لتتحرك عليه بسهوله .
بعد إنجاز الشبكة ، تقوم العنكبوته بصنع عش صغير لها بالجوار ، وعادة ما تقوم بلف ورقة
شجر وتضع لنفسها بالداخل سريرا مريحا من الحرير . لأنها بالطبع قد تنتظر طويلا قبل
وصول ضحيتها الأولى .
واخيرا تقوم بوصل خيط انذار بين عشها والنسيج ، كي تشعر بأي اهتزاز قد يحدث على
النسيج نتيجة سقوط أي حشرة عليه. وعند حدوث هذا الاهتزاز تسرع الى وسط النسيج
لتعرف الشيء الذي ستتعامل معه . وبسبب الضعف الحاد في الرؤية عندها ستعتمد العنكبوته
على حواسها الأخرى لتحديد صفات الفريسة . فإذا كانت ضخمة ومميتة تطلق سراحها من
بعيد ، اما إذا كانت كبيرة ولا تؤكل ، كاليعسوب ، فستلفها بخيوط الحرير من بعيد أيضا ،
باستخدام عضو متخصص آخر ، هو الغدة العنقودية الشكل . تجهد الحشرة الفريسة نفسها
بمحاولة التخلص من الشرك ، بعد ذلك تبدأ العنكبوته بالتقدم نحوها عبر الخيوط الآمنة التي
تركتها لنفسها دون مادة لاصقة ، وإذا صدف أن أخطأت مرة ووضعت أرجلها على المادة
اللاصقة فإن جسمها سيفرز مادة كالزيت تعمل كمحلل كيميائي للغراء ، يساعدها على التحرر
من جديد .
قد لا تحب العناكب ، لكن حين تفكر بقدرتها على تدمير الحشرات وتنظيف الأماكن الزراعية
منها ، فلن تقلل من شأنها وقيمتها بعد اليوم .
م / ن