تعود زيارته فى المساءات الشاقة ,وفى كل مره يحتاج إلى سحق الحضارة والعوده إلى الفطره .
دار حول معصم الكهف ومن ثقب يخترق بؤرته النور كان يراقب الغبار المتسلل إلى لحيته المثقلة بأكف الزمن الشفافة .
استدرجه الكهف إلى جوفه بضباب النور الذي ينتثر هيبة .
اقترب من الشيخ ..
- كيف هو بياضك ؟!
يرفع الشيخ إليه وجه هادئ جدا
يسير بيده على خصال لحيته الناعمة ,ثم تستقر يده على صدره
-مازال يستطيل هنا ..ويتعثر هنا
- شد على يده إذا !
- خليط الحمق والحكمه هو الإنسان
- من يشد على يده ؟
- ارحل إلى الشمس كالهواء
- وأين هي الشمس ؟
- انثر مفاتيحك على طريقها وثبت الأقفال على طول الطريق ,واتركها بعد ذلك, دعها تجد الطريق إليك
- وأين الطريق ؟
- ستجده حيث لا تظن
وان لم تجده ..واصل البحث بشجاعة
ستجده في مكان ما ..
خرج من عند الشيخ يقتفى اثر الطريق في كل الأشياء روحه تتقاذفها دوامة رياح ينظر إلى كل الأشياء من ثقب صغير وبعين واحده ..
- أيها الطريق لا تبتعد كثيرا , أنا في الجوار .
رمى بنفسه في غابة اللحم صحراء البشر ,يلهث وراء ابره, في صدره إصرار كاف لإيجادها ..وفى قلبه شفقة على عيون الذين لا يبحثون عن نفس إبرته .
بحث دون جدوى في زوايا المطاعم والمقاهي عن أول اثر يقتفى به رحلة الطريق الآيلة إلى شنقه ,بحث في متاجر العاب الأطفال ومتاجر الحلوى .. وفى الأرفف المغبرة كان ينفض عن الذكرى الملل ويبحث في ارشيفها عن يد مرت وجدت الطريق ولو صدفة .. بحث في أسقف المنازل والشواطئ وفى كل جولة يتثاءب في وجهه البحث وينعقد في داخله خيط يأس.
تمر عليه الساعات سريعة تستل مع مرورها أجزاء الأمل ليتحول هو إلى كتلة من عقد وخيوط وهمية , كان في إحساسه كأصغر شيء و الأكبر من نفس الشيء ,كان مليء بالأشياء البريئة والأشياء القاسية ..
انحرف إلى الشوارع الخلفية تزكم انفه عطور بربرية وروائح متعفنة , هرب من كل الأشياء التي كان يظن انه يعرفها إلى أشياء أخرى أقسى وأقسى .
خاف أن يضيع في الدوامات جلس يستنشق نفسه .. تحسس أجزاء روحه ليجد رقبته قد طوقتها المدينة الممتلئة بقلوب سوداء وملامح مشوهه وسطحية تافهة . لم يعتقد انه سيجد لا الشمس ولا الطريق ولا كيفية تثبيت الأقفال في هذا التراكم المتلألئ الظاهر الخاوي الوفاض .
تمرد على كل ما يخنقه ويحجب عن عينيه الشمس , سار مبتعدا في كل خطوة يتجدد في داخله يقين أن هذا ليس عالمه . نفض أشياءه في وجه المدينة وغادر إلى جهة الحقول وحيدا إلا من نقاء..... ولم يعلم بعدها أحد هل وجد الطريق أم لا .