السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

قطفت لكم من واحته الإيمانية الدانية الثمار هذه الإشراقات
فيكفي الزارع والقاطف
من القارئ الكريم
الدعاء بظهر الغيب

(1)

للهِ در القائل :

( ما دامتْ نفسكَ حيةً تسعى ، فإنها حيةٌ تسعى !! )

فافهم

نفسكَ الأمارةُ عدوكَ القريبُ منكَ ، اللاصقُ بك ، لا ينفكُ عنكَ
فكما أنكَ مطالبٌ بالدخولِ في معركةٍ لا هوادةَ فيها مع أعداءِ اللهِ
وهمْ يجهدونَ جهدهم لإخراجكَ من دينكَ ..
فاعلمْ أن جهادكَ لنفسكَ الأمارة لا يقلُ شراسة عن جهادكَ لأعدائكَ
نفسكَ الأمارةُ بحاجةٍ إلى أن تحملَ عليها حملاتٍ متتابعةٍ
ما بين كرٍ وفر ، ومناورة ومداورةٍ ..
وتشهر في وجهها سيفاً صقيلاً لا يعرف سوى الضرب
كلما مالت مع الريح !!
وثقْ أنها إذا علمتْ منكَ الجدّ .. لانت لكَ ، وارتاضت بين يديكَ
ولقد قيل : من عجزَ عن جهادِ نفسهِ ،
خذلتهُ ساعة الجهاد مع أعداء دينه
فاضربْ رأسَ الأفعى ، وسيتبعهُ الذنب لا محالة ..!

(2)

اجعلْ حركتكَ كلها للهِ سبحانه ،

( قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)

كنْ كذلكَ :
إن قمتَ أو نمتَ ..
إنْ سرتَ أو سكنتَ ..
إنْ تكلمتَ أو سكتَ ..
إنْ قرأتَ أو كتبتَ ..
إنْ نظرتَ أو سمعتَ ..
إذا كنتَ كذلكَ حقاً ، تصبحُ مباركاً أينما حللتَ أو رحلتَ ..
لأنك تغدو رجلاً ربانياً ، قدماكَ في الأرضِ ، وقلبكَ في سماءِ السماء
( وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ)
ومن هنا : يصبحُ لكلمتكَ صدى متميزاً ملحوظاً
لأنها تحملُ معها شحنةَ السماءِ فيها
فتقعُ مباركةً ، فتقدحُ أنوارها إذا وصلتْ إلى قلبِ سامعها .
فهنيئاً للأرضِ التي تحملكَ ، وللسماءِ التي تظلكَ ، وللخلقِ الذين يحيطونَ بكَ !!

(3)

أقوى دواءٍ لإصلاحِ قلبكَ وأنجعهُ وأنفعهُ :
دوامِ الالتجاء للهِ ، والتضرعِ بين يديه ، وحرارة الإقبال عليه
والانكسار ، وإظهارِ الافتقار إليهِ ..
لسان حالك في إقبالك وانكساركَ :

( مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ .. )

فإن سمحتْ عينكَ بدموعها ،
فما أروع عمليةِ الغسيلِ هذهِ لقلبكَ
والمرجو لحظتها ..
أن تتفتحَ لك بواباتُ السماءِ لتنهلّ عليكَ بركاتها وشوارق أنوارها ..
فإذا ذقتَ حلاوةَ ذلكَ بقلبكَ ..
فقدْ وضعتَ قدمكَ على الطريق السالكِ
فاحرص على أن لا يضيع الطريق من تحت قدميك ..

(4)

ما العيشُ في الحقيقةِ إلا عيشُ المحبين ..
الذينَ شُغفتْ قلوبهم بحبِ اللهِ جلّ جلاله ..
الذين يترجمونَ هذا الحبَ عملاً وسلوكاً في واقعِ الحياة
هؤلاءِ يتقلبونَ وهم في الدنيا في نعيم مقيم ، ومباهجَ متجددة
يتنسمونَ عبق الجنةِ ، وهم يانسونَ بمعية الله لهم ..
وهم في الآخرةِ في أعلى درجاتِ الجنةِ ..
مع النبيين والصديقين والشهداء ..
فالمحبةُ الصادقةُ العميقةُ تقذفُ بكَ رأساً إلى الجنةِ..
فاجعلْ همكَ الأولَ أنْ تطلبَ الكمالات ، لا ترضى بها بدلاً
وأكمل الكمالات : أن يشغفَ قلبك بمحبةِ ربكَ
ربك الذي خلقكَ فسواك فقدرك وهداكَ ويسر لك
حباً يجعلُ لسانكَ لاهجاً بذكرهِ
وعقلكَ مشغولاً بالفكرِ في آياتهِ واسمائه وصفاتهِ
وما يقربكَ إليهِ ..
وبدنكَ قائماً بخدمته على الوجهِ الذي يحب ويرضى .

(5)

كيفَ لا تحبّ من يُمسكُ لكَ أنفاسكَ
ويرعاكَ في كل خطواتكَ ، ويسوقُ لك رزقكَ
وييسر لك أموركَ كلما تعقدت
ويستركَ وأنت مقيمٌ على معاصيهِ ،
التي لو رآكَ الناس فيها ، لأبغضوك ونفروا منكَ ..؟!
كيفَ لا تحبّ من كوّنكَ جنيناً ، ورعاكَ صغيراً ، ويحفظك كبيراً ؟!
كيفَ لا تحبّ من يمدكَ في كل لحظة بكرمهِ وإنعامهِ ورحمته ؟!
كيفَ لا تحب من أنتَ محتاجٌ إليهِ في كل نفسٍ من أنفاسِ حياتكَ
لولاهُ لما كنتَ .. ولولا مدده لكَ ، لهلكت ساعةَ ولادتكَ
ولا تزال محتاجاً إليه في كل طرفةِ عينٍ ،
كيفَ لا تحبّ من أنتَ في قبضتهِ لا تفلت منها ، ولا تغيب عنه
بل كيف لا تحبّ من يراكَ معرضاً عنه ، مسرفاً على نفسك ،
وهو لا يزال يسترك ، وينتظر عودتك إليه ليبدل سيئاتك حسنات ..؟!
كيف لا ينكسر قلبكَ كلهُ حياءً منه ، وحباً لهُ .؟!
كيفّ لا تحبّ من لا يزالُ يتحببُ إليكَ
وهو غني عنكَ وعن العالمين ..
ويتوددُ إليكَ وكأنهُ محتاجٌ إليكَ .
مع أنكَ لولاهُ سبحانه عدمٌ محض ، أنتَ وهذا الكون كله بما فيه .؟!
كلّ شيءٍ هالكٌ إلا وجهه ..
اللهم اشغفْ قلوبنا بحبكَ ..
وأعنا على ترجمةِ هذا الحبّ في واقعِ الحياة ..
لتخضرّ بنا الدنيا وتزهر ..وتؤرقُ وتثمر ..
اللهم آمين .