عرض مشاركة واحدة
قديم 29-10-2007, 02:11 PM   رقم المشاركة : 1
دامبيش
Band
 
الصورة الرمزية دامبيش
 







دامبيش غير متصل

الموقف الثاني : التأثر والبكاء عند الاستماع لآيات القرآن الكريم :

أخرج الترمذي (8)– رحمه الله تعالى – عن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – قال : قال لي رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : " اقرأ علي " فقلت : يارسول الله ، أقرأ عليك وعليك أنزل ؟ قال : " إني أحب أن أسمعه من غيري ". فقرأت سورة النساء حتى بلغت : (وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً) (النساء:41) قال : فرأيت عيني النبي – صلى الله عليه وسلم – تهملان .
قال ابن بطال : إنما بكى – صلى الله عليه وسلم – عند تلاوته هذه الآية لأنه مثل لنفسه أهوال يوم القيامة وشدة الحال الداعية له إلى شهادته لأمته بالتصديق وسؤاله الشفاعة لأهل الموقف وهو أمر يحق له طول البكاء . انتهى
قال الحافظ : والذي يظهر أنه بكى رحمة لأمته لأنه علم أنه لابد أن يشهد عليهم بعملهم ، وعملهم قد لا يكون مستقيماً فقد يفضى إلى تعذيبهم .
قال الغزالي :يستحب البكاء مع قراءة القرآن وعندها ، وطريق تحصيله أن يحضر قلبه الحزن والخوف بتأمل ما فيه من التهديد والوعيد الشديد والوثائق والعهود ثم ينظر تقصيره في ذلك ؛ فإن لم يحضره حزن فليبك على فَقْد ذلك وأنه من أعظم المصائب ) (9).
وأياً ما كان سبب بكائه – صلى الله عليه وسلم – فـإن هذا يدل على
تأثره بالقرآن الكريم ، ووقوفه عند آياته ، لأن هذا القرآن كما أخبر الله عنه بقوله :(اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ )(الزمر: 23) .
ومما يدل على شدة تأثر النبي – صلى الله عليه وسلم – بآيات القرآن وبكائه منها ما رواه ابن مردويه بسنده ، عن عطاء قال : انطلقت أنا ، وابن عمر ، وعبيد بن عمير إلى عائشة – رضي الله عنها – فدخلنا عليها وبيننا وبينها حجاب . فقالت : يا عبيد ، ما يمنعك من زيارتنا ؟ قال : قول الشاعر : زر غباً تزدد حباً (10).
فقال ابن عمر : ذرينا ، أخبرينا بأعجب شيء رأيته من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فبكت وقالت : كل أمره كان عجباً . أتاني في ليلتي حتى مسّ جلده جلدي . ثم قال : " ذريني أتعبد ربي " . قالت : فقلت : والله إني لأحب قربك ، وإني أحب أن تتعبد لربك . فقام وتوضأ ولم يكثر صب الماء ، ثم قام يصلي فبكى حتى بلَّ لحيته ، ثم سجد فبكى حتى بل الأرض ، ثم اضطجع على جنبه فبكى ، حتى إذا أتى بلال يؤذنه لصلاة الصبح . قالت : فقال : يا رسول الله ، ما يبكيك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال : " أفلا أكون عبداً شكوراً " وفي رواية فقال : " ويحك يا بلال وما يمنعني أن أبكي وقد أنزل الله عليّ في هذه الليلة ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآياتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ) (آل عمران:190) ثم قال : " ويلٌ لمن قرأها ولم يتفكر فيها " (11).