عرض مشاركة واحدة
قديم 23-01-2009, 01:53 AM   رقم المشاركة : 15
أنا راحل
( ود جديد )
 





أنا راحل غير متصل










13

انفردت بنفسي أخيرا ً، ببطن يثقله غداء الجمعة الحاشد في منزل والدي، وضعت كوب الشاي على مكتبي الذي استعاد شيئا ً من النظام، بعدما زالت الكتب والأوراق التي كانت تملؤه، والتي كان يجمع بينها جد قديم.

بعد عدة رشفات، فتحت بريدي وطبعت قصائد حسن الأخيرة، وجلست أتأملها.

- تأمل نهاية ( حكاية لا تنسى) – قال فهد -.

- ما بها !!!

- تعطيك وهما ً بأن ( عفن) تتلوها في الترتيب فعلا ً، فهي تتحدث عن حب انتهى، ومن ثم يتبعها قصيدة عن فتاة يعذبها العفن، فتربط ذهنيا ً بين هذا وذاك، وتعتبر العفن هو الحب الذي انتهى.

- وما الذي تراه أنت؟

- أرى أنهما متزامنتان.

- كيف؟

- ( حكاية لا تنسى) تتحدث عن نهاية حب، حب غريب، ونهايته جاءت مباغتة، وبلا حسبان، وفي القصيدة التالية، نرى الفتاة تتحدث عن عفن غزاها وتمنت زواله طويلا ً فزال فجأة.

- لأن القصيدة تقول – أكملت أنا – (وكان يوم الأمنيات / فزال).

- بالضبط... بالضبط... هذا التزامن في النهايتين، يعني أن القصيدتين ذاتهما متزامنتين، وأن النهاية لهما واحدة، لأنهما انتهتا بشكل مفاجئ.

- وما الذي نستفيده من هذا؟

- فكر قليلا ً.

- آ... – بعد تأمل -، غريب !!! في القصيدة الأولى نجد ذلك الحب العاصف الذي ينتهي بسرعة وبشكل مفاجئ، ونجد في القصيدة الثانية تلك الفتاة التي تتمنى أن يزول العفن، وبما أننا نفترض أن القصيدتين متزامنتين، أي لهما ذات زمن الحدث، فهذا يعني أنهما لا علاقة لهما ببعضهما، وأن هذه حكاية، وتلك حكاية أخرى، وإلا كيف تكون حبا ً في الحالة الأولى، وعفنا ً في الثانية !!!

- رائع... هذا ما فكرت فيه أنا.

- حقا ً – قلت بسخرية -.

- ولكن لم َ يصنع حسن وهما ً بتوالي القصيدتين؟ لم َ يوردهما بشكل يجعل من يقرأهما، يصل نهاية هذه ببداية تلك؟

- الإجابة عند حسن.

- لم َ لا نسأله؟

- عن ماذا؟

- عن ما فهمناه.

- لن اتصل به لهذا.

- أرسل له رسالة، تشرح فيها ما فهمته.

- آ... فعلا ً، لم َ لا.

عدت إلى البريد، فتحت رسالة بيضاء، وكتبت فيها ما فكرت فيه، كنت أكتب سطورا ً أعود لأمسحها، أو لأعيد ترتيبها، أو لأزينها ببعض الكلمات أو الأفكار، وعندما صارت بين يدي رسالة مكتملة، دفعتها وأغلقت الجهاز، وانصرفت إلى كتابي.

* * *

كان يمكنني تلمس غضب لينا طيلة اليوم، غضب مخبئ، ملفوف بعناية، بقشرة باردة، وبلا مبالاة غريبة.

كانت موجودة وغير موجودة طيلة اليوم.

فلذا كان تسللي إلى المطبخ وهي تغسل أواني العشاء، والقبلة التي طبعتها وراء أذنها.

توقفت عن عملها لحظة، ولكنها عادت وإن لمحت ابتسامة خافتة في الانعكاسات المتعددة للصواني الغارقة في الماء، همست في أذنها:

- غاضبة؟

- مم َ أغضب؟ - حمل لي صوتها استغرابا ً، ونصف التفاتة متسائلة -.

- لا أدري، تبدين لي غاضبة اليوم أو متضايقة.

- لا... لا... لا يوجد ما يضايقني أو يغضبني.

- أكيد !!!

- أكيد.

- هههههههههههههههههههههههه، ولا حتى انتظارك ِ البارحة؟

- أي انتظار – وقد أسدلت يديها فأغرقهما الماء المتدفق -.

- البارحة... في الفراش.

غرقت في صمت مذهول، كان يمكنني ملاحظة تحفز وعصبية في يديها اللتين عادتا إلى الانشغال، وهروب في عينيها اللتين تركزتا على بقايا الطعام المستعصية.

تراجعت أنا، اتكأت على حافة نضد، وجعلت أتأمل ظهرها، رقبتها التي تركها الشعر المرفوع عارية، نحيلة، ثم رفعت رأسي أتأمل السقف، أكملت:

- البارحة، كنت أعلم أنك ِ تريدينني، ولكني لم آتيك كما العادة، لأني أريد... – فرت مني الكلمات فجأة، لا أدري ما الذي حل بي، فجأة صرت غير قادر على قول ما كنت أظن أني سأقوله - ... احم، لأني أريد أن أشعر بأنك ِ تريدينني أيضا ً، وأنك ِ لا تكتفين بالإشارات وإنما تقتربين عندما لا أفعل أنا ذلك.

أنهت لينا عملها، أو أنها اختصرته، ومسحت يديها، وخرجت من المطبخ وأنا أبحث عن الجملة التالية.

لحقت بها إلى غرفة الجلوس، كانت تهم بالجلوس وبيدها جهاز التحكم، عندما مددت يدي وأطفأت التلفاز.

- كنت أتكلم معك ِ !!!

- من الأدب – أكملت عندما واجهتني عينيها الصامتتين- أن لا نترك من يتكلم معنا وهو لم ينته من كلامه.

- أنت ِ غاضبة من عدم استجابتي لرغبتك بالأمس، فلم َ لا تقولين شيئا ً !!!

- ماذا أقول؟

- أي شيء – بنفاد صبر –، هل احتاج إلى تعليمك ِ الكلام !!!

- ما بك اليوم؟ أنا لست غاضبة ولا شيء والله.

- هل أردتني البارحة أم لا؟

- أجيبي – عندما خفضت رأسها ولم ترد -.

- إيه.

- ولم َ لم تقولي أو تفعلي شيئا ً وتركتني أنام.

- لا حول ولا قوة إلا بالله – عندما لم ترد -.

- ماذا تريدني أن أقول؟

- لم َ لم تقولي شيئا ً البارحة، لم َ لم تحاولي التقرب مني!!!

- استحي !!! إذا أنت لا تريد، فأنا لا أريد.

- أنا أريد، ولكني لا أريد أن يتم الأمر في صمت تام من قبلك، أريد أن أشعر بأنك ِ تشاركينني، لا مجرد الاستسلام لي.

- الكلام معك ِ مضيعة للوقت – إذ عادت لصمتها -.

* * *

وجدت رسالة حسن، وقد لجئت إلى مكتبي، بعيدا ً عن غضبي وعن لينا.

(

ما شاء الله

ما شاء الله

منذ متى بدأت بالقراءة والتحليل يا أبا فالح

ليس لي كشاعر أن أشرح لك قصائدي، ولكني سأضع لك بعض القصائد، ربما تساعدك قليلا ً في تنقيباتك

من يصلحني؟

في روحي شروخ وصدوع
وفي قلبي فتات
وآلاف الأنات
فمن يصلحني؟

وفي روحي كسور لا تجبر
هشيم لازال يؤرقني
يمحوني... يفرقني
فأغدو مجروحا ً آلاف المرات

فتبا ً للنفس إذ منتني
بأن الكسر سيجبر
وأني سأعود جديدا ً
مغسولا بماء السماوات

وأني سآتيك ِ كطفل لا يحفل
بما يُكتب
وبما يملئ عليك ِ من الطعنات

وأنك ِ ستريني
ستملأ عينك ِ عيني
وسننسى الكثير من الكلمات

وأني من روحك ِ سأستل
عفنا ً كان قد احتل
ظننت ِ أنه قد زال
وطمرته السنوات

فالآن وقد كذبتُ ظنوني
ومضيت بعيدا ً
وتناسيت...
فمن يصلحني؟

نقش

كنت ِ نقشا ً غائرا ً
وقديما ً على جدراني
أخفيته حياء ً بستار

وانتظرنا طويلا ً
ما كشفتُ الستار
ولا أنت ِ سألت ِ
ما الذي يحويه الجدار

وعصية أنت ِ كنت ِ
في نقوشك
تنقشين كثيرا ً
ترهقين القلوب والأحجار

ثم تهنا
ابتعدنا كأننا ما التقينا
واقتربنا
كأن ما بيننا أشبار

ثم انتهينا
لا !!!
أنا انتهيت
لأني لا أجيد الانتحار
ولا أنت ِ تجيدين الانتظار

أنا... من أنا؟

1

أنا !!!
من أنا؟
إذا لم يكن في دمائي الخلاص
وتمتمات القدر

2

أنا !!!
من أنا؟
إذا لم أكن قتيل !
ذبيح !
يقي قومه موتة المنتحر

3

أنا ميت هذا الصباح
بسيف يسل
ويكسر إذا ما لطخته الدماء
فليس للذي انتزع روح الملك
وأهدى السيوف لأغمادها من بقاء

4

وسيبعث الزهر وطير الفضاء
إذا ما سقطت
وستتلقاني يدان
وألف لسان
وحكايات سيروونها لأطفالهم
عن الملك الذي ما استكان

5

أنا !!!
من أنا؟
أنا ملك لم يخف طعنة السيف
ولا ألهاه الصولجان

)