عرض مشاركة واحدة
قديم 31-01-2009, 01:51 AM   رقم المشاركة : 149
!!! الرومـ ^_* ـانسي !!!
Band
 
الصورة الرمزية !!! الرومـ ^_* ـانسي !!!
 






!!! الرومـ ^_* ـانسي !!! غير متصل

الحلقةالثالثةوالثلاثون



**********





بعد الانتصار الذي حقّقته، ليلة أن أفسدت ُ على أروى سعادتها، شعرت بنشوة كبيرة!

كيف لا، و ليلتها.. بقى وليد قلبي معي في المستشفى ، يحيطني بالرعاية و العطف !

لقد زالت جميع الآلام المفتعلة التي أرغمت معدتي على التظاهر و الإحساس بها ، بمجرد أن رأيت وليد مقبلا نحوي بقلق !

و تحوّلت إلى رقص عندما رأيه أصابع يده خالية من أي محابس !

سألته بعد ذلك، و نحن في المستشفى، و أنا أنظر إلى يده اليمنى :

" أين خاتمك ؟ "

وليد فكّر قليلا ثم قال :

" في علبته ! "

شعرت بسعادة كدت معها أضحك بقوة ! لكنني منعت نفسي بصعوبة لئلا يكتشف وليد بأنني لا أشكو من أي شيء !
إلا من غيرتي من الدخيلة، و رغبتي في إبعادها عني نهائيا

أخفضت نظري لئلا يقرأ وليد ما بعيني من فرح و مكر .. و بقيت كذلك بضع ثوان، ، إلى أن سمعته يقول :

" و أنت ؟؟ "

رفعت نظري إليه ، في بلاهة ! ماذا يعني ؟؟

قال :

" أين خاتمك ؟ "

و من عينيه إلى يدي اليمنى مباشرة ! لم أرتده مذ خلعته تلك الليلة !

قال :

" لا تقولي أنك أضعته مجددا ! "

قلت مداعبة :

" هل وجدته ؟؟ "

وليد اندهش و قال مستغربا :

" أحقا أضعته ثانية ؟؟ أي فتاة أنت ! "

قلت مباشرة :

" أنا رغد ! "

ابتسم و قال :

" حقا !؟ كدت ُ أنسى ! كنت ِ تضعين ألعابك و تأتين إلي طالبة مني البحث عنها ! "

ابتسمت ُ بخجل...

قال :

" لكنها كانت ألعاب .. أما هذا .. "

و بتر جملته...

و ظل ينظر إلي بصمت برهة.. ثم وجه عينيه نحو الجدار...

قلت :

" وليد .. "

بصوت خافت هامس، التفت إلي و أجاب :

" نعم ؟ "

" هل.. ستظل تعتني بي .. فيما لو بقيت ُ دون زواج عشر سنين أخرى ؟ "

استغرب وليد من سؤالي، ثم قال :

" و عشرين، و خمسين ، و مئة ! "

قلت بخجل :

" حقا وليد ؟ "

" طبعا صغيرتي ! إنك جزء مني ! "

كدت ُ أقول بسرعة :

" و أنت كلّي ! "

و لكنني خدّرت الجملة في لساني لئلا تصحو !

قلت و أنا أعبث بأصابعي :

" وليد ... "

و أتممت :

" تخلّصت ُ من الخاتم "

و نظرت إليه لأرى تعبيرات وجهه

بدا مستغربا حائرا

قلت موضّحة أكثر :

" سامر حل ّ رباطنا و لذلك .. خلعته "

هي تعبيرات غاية في الغموض ، تلك التي ارتسمت على وجه وليد لحظتها... ذهول مفاجأة ، صدمة، استياء... عدم تصديق، أو .. لا أدري.. لا أدري ما كان معناها...

بعد صمت الاستيعاب و التفكير ، قال :

" إذن .. إذن ... أنت و سامر ... "

أتممت ُ جملته :

" لم نعد مرتبطين ! "

وليد وقف فجأة ، و أخذ يحوم...في الغرفة ، يفكّر .. ثم استدار إلى فجأة و سألني :

" لماذا يا رغد ؟ "

تبادلنا نظرة عميقة، ثم أحنيت رأسي و أخفضت عيني نحو الأسفل.. خشية أن تصرخ الجملة من عيني : ( لأني أحبك أنت ! )

التزمت الصمت، و لم أرفع بصري إليه مجددا... فما كان منه إلا أن أقبل نحو الستارة ليغلقها

بعدما أغلقها حول سريري، قال جملة أخيرة :

" مهما كان السبب، و لأنك تحت رعايتي الآن، فاحذفي فكرة الزواج من رأسك نهائيا.. طوال السنين المقبلة "





~ ~ ~ ~ ~ ~



[COLOR=dark blue]

الآن، و أخيرا..أصبحت رغد حرّة !

اتصلت بسامر و علمت منه بالتفاصيل، و الجملتان اللتان ظلتا معلقتين في رأسي كانت أولاهما :

" لا داعي لأن تأتيا لزيارتي ، لا أريد أن أراها "

أما الثانية، فهي :

" تستطيع أن تتزوّج الآن ممن أرادت "

" من تعني ؟ "

" اسألها ! "



كل هذا أكد لي ، أن رغد بالفعل انفصلت عن سامر من أجل رجل آخر... و هذا الآخر لن يكون غير حسام، و أنا لن أكون وليد إن سمحت لها بالزواج من أي مخلوق على وجه الأرض.. فرغد من هذه اللحظة أصبحت لي ! نعم لي !
و مهما كانت العقبات، و مهما عاندت الظروف، فسوف لن أسمح لأي رجل بدخول حياتها و سرقتها مني مجددا.. و لن تكون في النهاية إلا لي أنا..



توالت الأيام، و رفع الحظر أخيرا عن المدينة الصناعية و صار بإمكان الناس التحرك منها و إليها دون خطورة .. و ما أن حدث ذلك ، حتى طالبتي رغد بأخذها إلى بيت خالتها و ألحّت علي بالطلب ، الأمر الذي جعل الشكوك في رأسي تكبر و تتفاقم و أصبحت مهووسا باسم حسام حتى صرت أراه في الكوابيس...
و بعد إلحاح شديد منها وافقت على اصطحابها لزيارة عائلة خالتها بمجرد انتهاء موسم الحصاد .





~ ~ ~ ~ ~




بعد أيام، سيأخذني وليد أخيرا لرؤية خالتي و نهلة و الجميع ... كم اشتقت إليهم ! كم من الشهور مضت مذ افترقنا في تلك الليلة الحمراء ...

كنت رغم ذلك على اتصال شبه يومي بنهلة أخبرها عن كل شيء يدور من حولي و داخلي ...

في أحد الأيام، كان وليد يعمل في المزرعة كالعادة، و كنت أراقبه و أرسم منظرا جميلا على مقربة منه، الشقراء كانت داخل المنزل مشغولة ببعض الأمور مع والدتها


فجأة ، إذا بي أرى أناس غرباء يدخلون المزرعة، و يعبرون الممر و يقتربون منّي !

كانوا أربعة رجال... تقدّم أحدهم نحوي أكثر و سأل :

" أأنت الآنسة أروى نديم ؟؟ "

قال آخر مقاطعا :

" أرأيت ؟ كما توقّعت ! إنها فتاة قاصر ! "

قال الرجل الأول و هو يقترب أكثر :

" أنت هي ؟ "

تراجعت أنا للوراء، و ألقيت بالفرشاة و علبة الألوان جانبا و هتفت :

" وليـــــد "

وليد كان يعمل بالجوار.. ، و حين سمع ندائي أقبل مسرعا .. فلما ظهر أمام عيني ركضت إليه في ذعر ...

" رغد .. ماذا هناك ؟ "

و نظر إلى الرجال الغرباء ...

ثم سألهم :

" من أنتم ؟؟ "

قال الرجل الذي تحدّث إلي :

" أنا المحامي يونس المنذر، و هؤلاء رجال قانون أتباعي ، أتينا بحثا عن الآنسة أروى نديم "

و نظر باتجاهي أنا

اختبأت أنا خلف وليد، و أطللت برأسي لأراهم !

قال المتحدّث :

" أهي هذه ؟ "

قال وليد :

" لا ، لكن هل لي أن أعرف ماذا تريدون منها ؟ "

قال المتحدّث :

" أهي هنا ؟ أ هذه مزرعة المرحوم نديم وجيه ؟ "

" نعم . فماذا تريدون منها ؟ "

" عفوا من تكون يا سيد ؟ "

" وليد شاكر، زوج أروى نديم "

تبادل الرجال جميعهم النظرات ، ثم قال المتحدّث :

" هل يمكننا التحدث إلى السيدة أروى ؟ فالأمر مهم "

قال وليد :

" هل لي أن أعرف .. الموضوع ؟؟ "

قال الرجل :

" الموضوع يتعلق بإرثها، و لكن لا أريد مناقشته دون حضورها شخصيا و مع البطاقة المدنية ، بعد إذنك "

وليد استدار ليتحدّث معي ...

" رغد، من فضلك، استدعي أروى، و اطلبي منها إحضار بطاقتها ، و احضري بطاقتي من محفظتي ، تجدينها في أول أدراج الخزانة في غرفتي "

أذعنت للأمر و ذهبت مسرعة نحو أروى ، و أخبرتها بالأمر، ثم أسرعت إلى غرفة وليد أفتّش عن محفظته


استخرجت المحفظة من أحد أدراج الخزانة، و أخرجت البطاقة منها و أثناء ذلك ، لمحت شيئا داخل المحفظة أثار فضولي !

مجموعة من قصاصات الورق مرصوصة خلف بعضها البعض و مدسوسة خلف البطاقة !

بفضول سحبت واحدة منها فاكتشفت أنها جزء ممزق من صورة فوتوغرافية ما !

استخرجت القصاصة الثانية ، و الثالثة ، و الجميع، حتى وجدت قطعة حاوية على وجه شخص !

رتبت القصاصات .. حتى اكتملت الصورة ، و صارت جليّة أمامي ...

صورة لفتاة صغيرة، تجلس على الأرض، و أمامها علبة ألوان و دفتر تلوين تلّون رسومه ... صورة لا يقل عمرها عن 13 عاما كما لا يزيد عمر الطفلة الظاهرة فيها عن 5 سنين !
إنها صورتي أنا !!


" رغد "

سمعت صوت أروى مقبل نحوي فأعدت القصاصات بسرعة كيفما اتفق، و أخذت البطاقة و خرجت مسرعة من الغرفة ...

" ها أنا "

خرجنا سوية من المنزل إلى المزرعة، فوجدنا وليد و الرجال الأربعة و قد جلسوا على المقاعد الموجودة حول طاولة موضوعة على مقربة من المنزل ...

حينما أقبلنا.. وقف الجميع .. و قال وليد مشيرا إلى أروى :


" هذه هي أروى نديم وجيه "

و بعد أن استوثق الرجال من البطاقة ، قال ذلك الرجل نفسه :

" إذن فأنت لست فتاة قاصر كما اعتقدنا "

قالت أروى :

" أنا في الرابعة و العشرين من العمر ! "

قال الرجل :

" هذا سيسهّل مهمّة استلامك للإرث "

أورى و وليد تبادلا نظرة التعجب ، ثم قالت :

" الإرث ؟ أي إرث ؟ والدي رحمه الله لم يترك لنا غير هذه المزرعة ! "

و أشارت بيدها إلى ما حولها ...

الرجل تحدّث قائلا :

" لا أتحدّث عن إرث والدك رحمه الله "

تعجبت أروى ، و سألت :

" من إذن ؟؟ "

قال الرجل :

" عمّك المرحوم عاطف وجيه "

حملقنا نحن الثلاثة في وجوه بعضنا البعض، في منتهى الدهشة و الاستغراب ، و إن كنت أنا أقلهم استغرابا !

قال وليد :

" عاطف وجيه ؟؟ أبو عمّار ! "

أجاب الرجل :

" نعم أبو عمّار ، رحمهما الله "

وليد و أروى نظرا إلى بعضهما .. ثم إلى الرجل الغريب ...

سألت أروى :

" عمّي عاطف ! عجبا ! لقد مات قبل عام ! هل ذكرني في وصيته !؟ "

الرجل قال :

" لم يترك المرحوم وصية، كما لم يترك وريثا ، لكنه ترك ثروة ! "

ازداد تحديق وليد و أروى في بعضهما البعض ، ثم سألت أروى :

" ثروة ؟ "

قال الرجل :

" نعم ، و لك منها نصيب كبير "

حلّ الصمت برهة ، ثم قالت أروى :

" ما يصل إلى كم تقريبا ؟ "

قال الرجل بصوت تعمّد أن يكون واضحا رنانا :

" ما يصل إلى الملايين يا سيدتي ! "

فغرت أروى ، و كذلك وليد و أنا.. كلنا فغرنا أفواهنا من الذهول ... و قالت أروى غير مصدّقة :

" ملا...يين ؟؟ تركها لي ..!! "

قال الرجل :

" نعم ملايين ! "

هزّت أروى رأسها غير مصدّقة... و هي تضع يدها على صدرها من الذهول ...

قال الرجل :

" يبدو أنك لم تكوني على علم ٍ يا سيّدتي.. بأن عمّك المرحوم عاطف وجيه كان مليونيرا فاحش الثراء ! "




~ ~ ~ ~ ~








لقد كانت مفاجأة هزّت كياننا جميعا ...

عاطف وجيه، هو والد عمّار القذر، الذي قتلته بيدي قبل تسع سنين ..

و عاطف هذا ، كان رجلا شديد الثراء و يملك العديد من الأملاك ... و من بينها مصنع كبير كان يضاهي معظم مصانع المدينة الساحلية، و هو مصنع لم تلمسه يد الحرب، كما فعلت بمصانع أخرى ، منها مصنع والدي السابق ...

حقيقة، كان حدثا مزلزلا شل ّ حركتنا و أفكارنا طوال عدّة أيام...

و الفتاة الفقيرة التي ارتبطت بها ، و التي قبلت بي على حالي و عللي ، و فتحت قلبها و بيتها و كل ما لديها من أجلي، و التي كنت أفكر بالانسحاب من حياتها من أجل رغد... أصبحت الآن..مالكة لثروة كبيرة !

يا للأيام ...

يا للزمن .. الذي يؤرجحنا و مصائرنا إيابا و ذهابا... علوا و هبوطا... مستقبلا و ماض ٍ !


كان يفترض عليها السفر إلى المدينة الساحلية من أجل إتمام الإجراءات اللازمة شخصيا.. و استلام نصيبها العظيم من تلك الثروة...

و كان علي أنا ترتيب الأمور من أجل هذه الرحلة، إلى المدينة الساحلية، مدينتي الأصلية، و التي لم أزرها منذ زمن..



" هل تصدّق يا وليد ؟؟ إنني لا أكاد أصدّق ! كأنه حلم ! آخر شيء كنت أتوقعه في الوجود على الإطلاق..هو أن أرث شيئا و من ثروة عمّي الذي لم أره في حياتي غير بضع مرّات عابرة ! "

قالت ذلك ، و هي بين التصديق و التكذيب.. تشع عيناها فرحا و ابتهاجا..

قلت :

" سبحان الله ! "

أروى، مدت يديها و أمسكت بيدي و قالت :

" شدّ على يدي ّ بقوّة يا وليد ! دعني أحس بالألم لأتأكّد من أنها حقيقة "

ابتسمت لها و قلت :

" إنها حقيقة مذهلة ! صدّقي يا أروى ! أصبحت ِ ثرية ! "

أروى نظرت إلي بسعادة، و اغرورقت عيناها بالدمع، ثم ارتمت في حضني ...

" ضمّني بقوّة يا وليد.. فأنا أريد أن أشعر بأنها الحقيقة..بأنني لا أحلم..بأنني في الواقع..وبأنك معي ! "

أحطتها بذراعي مشجعا ..و مؤكدا لها ما أعجز أنا نفسي عن تصديقه... و مكررا :

" سبحان الله...سبحان الله "

أغمضت عيني، و نحن متعانقين، و سبحت في بحر الذكرى البعيدة... استعرض شريط حياتي و المفاجآت التي اختزنها القدر لي ، و صدمني بها مرة تلو أخرى ...

قالت أروى :

" ماذا سنفعل الآن؟؟ "

" لا أعرف ! لازلنا في أول الطريق ! "

ابتعدت أروى عن صدري قليلا، و نظرت إلي مطولا، و ابتسمت و قالت :

" لا حاجة للقلق..ما دمت معي "

ابتسمت لها، فعادت و غمرت رأسها في صدري بارتياح...

أما أنا فأغمضت عيني في ألم...و مرارة ..في حيرة و ضياع.. ماذا سأفعل الآن؟؟ ماذا ينتظرني بعد ؟؟ ماذا تخبئين لي أيتها الأقدار ؟؟

و عندما فتحتهما..لمحت عينين حمراوين..ملأتهما الدموع..تنظران إلي بألم، مطلتين من فتحة الباب.. و ما أن رأيتهما ..حتى انسحبت صاحبتهما مبتعدة .. تاركة إياي في بحر من الضياع..

لم استطع البقاء مكاني لحظة بعد.. أبعدت أروى عني قليلا و قلت :

" دعيني أذهب لترتيب بعض الأمور.. من أجل السفر "

أروى ابتسمت و قالت :

" و أنا أيضا سأرتب بعض أموري... لا أدري كم سنغيب هناك ! "



و تركتها و تسللت نحو غرفة رغد..

طرقت الباب مرارا لكنها لم تجبني، و حين هممت بالانصراف رأيت مقبض الباب يتحرك أخيرا...

في الداخل، وجدت رغد غارقة في الدموع المريرة..فتصدّع فؤادي و طار عقلي خوفا عليها...

" ما بك صغيرتي؟؟ ماذا حصل ؟"

رمتني رغد بنظرة ثاقبة .. لم يكفها تمزيق أحشائي بل و صهرت الجدار الذي خلفي من حدّتها...

" رغد !؟ "

قالت :

" متى ستسافران ؟ "

قلت :

" خلال أيام معدودة "

قالت :

" هل يجب أن تذهب أنت ؟ "

استغربت سؤالها و أجبت :

" طبعا ! فأروى ستكون بحاجة إلي بالتأكيد ! "

قالت بنبرة حزينة :

" و أنا ؟ "

نظرت إليها بتعجّب ، و قلت :

" بالطبع ستكونين معنا ! "

رغد لم تعقّب، بل أحنت رأسها للأسفل بحزن...

اقتربت منها أكثر ، ثم قلت :

" رغد ! و هل تظنين أنني سأترك هنا و أذهب ؟؟ "

رغد رفعت رأسها و نظرت إلي نظرة جعلت قواي تخور فجأة ...

قلت بصوت ضعيف واهن :

" أرجوك يا رغد.. ماذا تقصدين ؟ أخبريني بلسانك فلغة العيون هذه ..ترسلني إلى الجنون "

قالت رغد :

" ستصبحان ثريين ! "

ثم أضافت :

" هنيئا لكما ! "

و غطت وجهها بيديها كلتيهما و بكت بكاء ً مؤلما...

" أرجوك يا رغد، لم كل هذا ؟؟ ماذا يجول برأسك الآن ؟؟ "

رغد قالت و هي على وضعها هذا :

" دعني وحدي "

لم أقبل، قلت مصرا :

" ما بك الآن ؟ أخبريني أرجوك ؟؟ "

أزاحت رغد يديها و رمقتني بنفس الناظرة ، و قالت :

" أريد الذهاب إلى خالتي ! هلا ّ أخذتني إلى هناك ؟ "




رتبنا الأمور للسفر برا ، أنا و رغد و أروى و الخالة ليندا ، فيما ظل العم إلياس في المزرعة، يهتم بأمورها بمساعدة الأشخاص الذين عيّنتهم أنا للعمل عندنا قبل مدّة.

خطة سفرنا كانت تقتضي منا التعريج على المدينة الصناعية أولا ، من أجل زيارة عائلة أم حسام، كما ترغب رغد و تلح، و من ثم الذهاب إلى المدينة الساحلية.

في السيارة، كانت أروى تجلس على المقعد المجاور لي، و كنا نتبادل الأحاديث معظم الوقت، بينما يخيم صمت غريب على المقعدين الخلفيين، رغد و الخالة !

الخالة سرعان ما غلبها النعاس فنامت، أما الصغيرة الحبيبة، فكلما ألقيت نظرة عبر المرآة إليها وجدتها تحدّق بي بحدّة ! و كلما حاولت إشراكها في الحديث معنا ردت ردا مقتضبا سريعا ، باترا !

المشوار إلى المدينة الصناعية المنكوبة لم يكن طويلا، لكن الشارع كان خاليا من أية سيارات، الأمر الذي يثير الوجل في قلوب عابريه !

عبرنا على نفس محطة الوقود التي بتنا عندها تلك الليلة.. و نحن مشردون في العراء !

المحطة كانت مهجورة، و البقالة مقفلة... المكان ساكن و هادىء ، لا يحركه شيء غير الريح الخفيفة تعبث بأشياء مرمية على الأرض ...

كم كان يومنا مأساويا...

خففت السرعة، و جعلت أراقب ما حولي و أستعرض شريط الذكريات... لقد نجونا بأعجوبة ! سبحان الله ...

" وليد .. "

كان هذا صوت رغد، تناديني بوجل.. و كأن الذكرى أثارت في قلبها الفزع... التفت إليها فوجدتها تكاد تلتصق بمقعدي ! و علامات التوتر و الخوف مستعمرة تقاسيم وجهها الدائري...

قلت مشجعا :

" نجونا.. بفضل الله .."

و سبحنا في بحر عميق من الهدوء الموحش ...

تابعنا طريقنا ، و الذكرى تجول في رأسينا... هنا مشينا حفاة.. هنا ركضنا... هنا وقفنا... هنا حملت رغد... هنا وقعت رغد ... هنا أصيبت رغد ! آه ..ما كان أفظع ذلك الجرح ! ...
و هنا ...
هنا ...
ماذا تتوقعون هنا ؟؟
إنها سيارتي !

" وليد ! "

نادتني رغد و هي ترى سيارتي القديمة واقفة إلى جانب الطريق ، مع سيارات أخرى في نفس المكان !

أوقفت السيارة ، و أخذت أتفرج على سيارتي القديمة هناك !

التفت إلى رغد فوجدتها تنظر إلي ...

يا للأيام ! بل يا للشهور ! أما زالت سيارتي القديمة واقفة في انتظار عودتي في مكانها !

فتحت الباب و هممت بالنزول ، ناو الذهاب و تفحصها عن كثب !

" إلى أين وليد ؟؟ "

سألني رغد ، قلت :

" سألقي نظرة ! "

و قبل أن أخرج كانت رغد قد فتحت بابها و سبقتني !

وقفت إلى جانبها ، و قلت :

" سأرى ما إذا كانت تعمل أم لا ! "

" سآتي معك "

و طبعا لا داعي لأن اعترض !

ذهبنا سوية، و بيدي نفس الميدالية التي أهدتني إياها صغيرتي، و التي تضم جميع مفاتيحي ، و اقتربنا من السيارة.

فتحت الأبواب الغير موصدة، و تفحصت ما بالداخل ...و رغد إلى جانبي..

" كما هي ! لم يتغير شيء ! أ رأيت يا رغد ؟؟ "

لم تعقّب ، بل ظلت تتفحصها بعينيها ، و ربما تستعيد الذكرى المرعبة ..

ركبت مقعدي الأمامي ، فأسرعت هي لركوب المقعد المجاور...و أغلقت الباب.

شغّلت المقود فعمل كما ينبغي،

" سليمة لم يصبها شيء ! رغد .. أتصدّقين ذلك ! سبحان الله ! "

رغد قالت :

" هيا بنا..ننطلق للخلف، و نعود من حيث أتينا تلك الليلة، و نعود بالزمان للوراء، و ننسى ما حصل انطلاقا من هذه النقطة ! "

ابتسمت و قلت :

" يا ليت ... "

و تنهّدت و أضفت :

" يا ليتنا بعدما وصلنا إلى هذه النقطة، رجعنا للوراء ، و رجع كل شيء كما كان... "

و أسندت رأسي إلى مسند المقعد.. و أغمضت عيني ...

لست أريد العودة للوراء بضعة اشهر، بل تسع سنين ، بل عشر... بل 15 ...
إلى ذلك اليوم الذي اقتحمت فيه مخلوقة صغيرة حياتي فجأة ! و ملأتها صراخا ، و بكاء ، و دموعا.. و ألما...

فتحت عيني و التفت إلى رغد، فوجدتها تنظر إلي بقلق..

إنها هي ذاتها... المخلوقة التي غزت عالمي منذ سنين .. ذاتها التي تجلس قربي الآن ، لا يفصلني عنها سوى بضع بوصات...

تنظر إلي نظرتها للعالم بأسره، و أمثّل بالنسبة لها كل الناس