عرض مشاركة واحدة
قديم 31-01-2009, 02:22 AM   رقم المشاركة : 163
!!! الرومـ ^_* ـانسي !!!
Band
 
الصورة الرمزية !!! الرومـ ^_* ـانسي !!!
 






!!! الرومـ ^_* ـانسي !!! غير متصل


الشقة التي أخذنا سامر إليها كانت جديدة... و يبدو أن سامر قد انتقل إليها قبل بضعة أشهر... و هي شقة صغيرة لا تحوي غير غرفة نوم واحدة و غرفة معيشة صغيرة و حمام واحد !

فور وصولنا قاد سامر وليد إلى السرير الوحيد في ذلك المكان فاضطجع وليد عليه و التقط بعض الأنفاس ثم قال :

" أنا آسف... لكنني متعب للغاية "

سامر قال مباشرة :

" لا عليك... عد للنوم يا عزيزي "

وليد نظر إلي و كأنه يطلب الإذن مني ! قلت :

" ارتح وليد ... خذ كفايتك "

وليد نظر إلى سامر ثم قال :

" اعتنيا بنفسيكما "

ثم أغمض عينيه و استسلم للنوم !

أجلس ُ أنا و سامر في غرفة المعيشة نشاهد التلفاز و لا يجرؤ أحدنا على النبس ببنت شفة !
لكم أن تتصوروا حرج الموقف... فالرجل الذي يجلس معي هنا كان قبل فترة خطيبي... خطيبي الذي عشت و ربيت معه... و وعيت لهذه الدنيا و أنا في صحبته...
و هو و منذ أن أبلغني بأنه أطلق سراحي... ذلك اليوم ... و نحن في المزرعة... لم يعد له وجود في حياتي...

الشهور توالت بسرعة و توقفنا عن تبادل الزيارات و حتى المكالمات...
لا أعرف تحديدا أي أفكار تدور برأس سامر هذه الساعة إلا إنني متأكدة من أنه أبعد ما يكون عن التركيز في البرنامج المعروض على الشاشة...

عندما حان موعد الصلاة أخيرا تكلّم...

" سوف أذهب لأداء الصلاة و من ثم سأمر بأحد المطاعم "

قال ذلك و هو ينظر إلى ساعة يده، ثم تابع :

" لن أتأخر... تصرفي في الشقة بحرية "

و نهض و سار نحو الباب...

لم أجرؤ على قول شيء... ماذا عساي أن أقول و أنا في موقف كهذا؟؟ و كيف يخرج و يتركنا وحدنا و وليد مريض جدا ؟؟

قبل أن يغلق الباب و هو في الخارج سمعته يقول :

" أتأمرين بأي شيء ؟ "

رفعت بصري إليه ... كنت أريده أن يستشف من نظراتي اعتراضي على ذهابه... لكنه غض بصره مباشرة و أشاح بوجهه جانبا...

شعرت بألم...

ليتكم تشعرون بما أشعر... بل لا أذاقكم الله شعورا مماثلا...

سامر... كان رفيق طفولتي و صباي و شبابي... كان أقرب الناس إلي... كان مسخرا وقته و كل ما باستطاعته من أجلي أنا... كان يحبني حبا جما... كثيرا جدا... و لم يكن أبدا... أبدا... يشيح بوجهه عنّي أو يتحاشى النظر إلي... لقد كنت خطيبته و لم يكن شيء أحب إليه من النظر إلي و الجلوس بقربي...

و الآن ... ؟؟

طأطأت رأسي في أسى و حسرة... و كيف لا أتحسّر و آسف على فقد إنسان عنى لي مثل ما عناه سامر طوال تلك السنين ...؟؟
إنه ... لم يفقد أحد ذويه مثلما فقدت ُ أنا... و مثل من فقدت أنا...

لما لم يجد سامر مني الجواب، انصرف مغلقا الباب بالمفتاح...

حينها لم أتمالك نفسي و جعلت أبكي...

بعد ما يقرب من النصف ساعة توهمت سماع صوت منبعث من غرفة النوم... و بدأ الوهم يتضح أكثر فأكثر... حتى تيقنت من أنه وليد...

ذهبت إلى الغرفة و أنا أسير بحذر... و ناديت بصوت خافت :

" أهذا أنت ... وليد ؟ "

كانت الغرفة مظلمة إذ أن سامر كان قد أطفأ المصابيح عندما غادرناها...

وليد قال بصوته الشبه معدوم :

" رغد ؟ ... "

" نعم... هل أنت بخير ؟ "

وليد بدأ يسعل بشدة سعالا استمر لفترة...
أفزعني سعاله... فتشت عن مكابس الإنارة و أضأت الغرفة...

كان لا يزال في نوبة سعال لم تنه...

" هل أنت بخير ؟؟ "

لم يكن يستطيع التوقف... تفاقم قلقي و نظرت من حولي ثم خرجت إلى غرفة المعيشة بحثا عن بعض الماء...

عدت إليه مسرعة و قدمته إليه... و بعدما شربه انتهت النوبة و ارتمى على السرير مجددا...
و أخذ يتنفس بعمق من فمه و يسعل أحيانا...

هدأ قليلا ثم سألني :

" أين سامر ؟ "

قلت :

" ذهب ليصلي... "

قال :

" اتصلي به "

وقفت مأخوذة بالهلع... و سألت :

" اتصل به ؟؟ "

قال :

" نعم... أنا متعب "

و شعرت بأعصابي تنهار... و ما عادت ساقاي بقادرتين على حملي... كنت أقف بجوار وليد و أرى بوضح علامات التعب و المرض ثائرة على وجهه

قلت بصوت متبعثر متفكك :

" ما بك يا وليد ؟ طمئني أرجوك ... "

و اجتاحتني رغبة عارمة في البكاء...
وليد نظر إلي و مد يده و أمسك بأصابعي ... و شعرت بحرارته الشديدة تنتقل إلي... ثم قال :

" لا تقلقي... أنا بخير "

قلت بانفعال :

" لا لست بخير ! أنت مريض جدا ... أرجوك أخبرني ... هل قال الطبيب شيئا ؟ "

وليد أطال النظر في عيني ... و كأنه يبحث عن شيء مختبئ خلف بؤبؤيهما... ثم قال بحنان :

" هل... تخافين علي ؟ "

أخاف عليك؟ بل أكاد أموت من الفزع عليك... ألا ترى أن ساقي ّ... ترتجفان ؟ ألا تشعر بأنني... سأهوي أرضا ؟ ألم تحس برعشة يدي و برودتها ؟ لقد جفّت دمائي فزعا عليك يا وليد... و القلب الذي ينبض بداخلي... يضخ فراغا...
وليد ... ألم تفهم ؟؟

قلت بصوت متقطّع واهن :

" وليد... أنا... إنني ... "

و هنا عادت نوبة السعال إليه مجددا... أقوى و أعنف...

لم أحتمل ذلك ... كادت روحي تخرج مع سعلاته ... أسرعت أجر ساقي ّ جرا ... إلى هاتفي و اتصلت بهاتف سامر...

" من معي ؟ "

" أنا رغد... "

" رغد ؟؟ "

" نعم... سامر عد بسرعة أرجوك "

" ماذا حدث ؟ "

" وليد مريض جدا ... أنا سأنتهي... "

و انهارت ساقاي أخيرا و هويت أرضا... و أخذت أبكي بل أصرخ ... لا أعرف ما قال سامر... لم أسمع أو لم أع ِ شيئا... و لم أقو َ بعدها على النهوض...

ربما كان سامر على بعد أمتار من الشقة لأنه حضر بسرعة و ما إن دخل الشقة حتى هتفت :

" أرجوك افعل شيئا ... لا تدعه يموت ... "

كنت جاثية على الأرض في عجز تام... سامر لم يطل النظر إلي ّ ... بل ألقى بالأكياس التي كان يحملها جانبا و أسرع نحو الغرفة...

~~~~~~~~


وليد كان يسعل بشدة و بالكاد يجذب أنفاسه... و كان العرق يتصبب من جبينه بينما يشتعل جسده حرارة... لدى رؤيته بهذا الشكل، أصبت بالروع ... و قررت إعادته إلى المستشفى فورا...
رغد الأخرى كانت بحالة سيئة و بصعوبة تمكنت من النهوض و مرافقتنا...

هناك شخـّص الطبيب حالته على أنها التهاب رئوي حاد... و أمر بإدخاله إلى المستشفى مباشرة... لكن وليد رفض ذلك تماما و اكتفى بقضاء بضع ساعات تحت العلاج...

أمر الطبيب بحقنه بعدة أدوية... و أبقى قناع الأوكسجين على أنفه طوال الوقت... و ظل يتلقى العلاج حتى انخفضت حرارته و تحسن وضعه العام قليلا...

أما رغد فقد كانت منهارة و مشتتة للغاية... و ما فتئت تطلب مني أن :

" لا تدعه يموت ... أرجوك "

و كـأن الموت بيدي أو أملك لمنعه سبيلا...

أظن أن وفاة والدي ّ اللذين كانت هي متعلقة بهما كثيرا... و بحاجة إلى رعايتهما... جعلها تتصور الموت يحيط بها و تخشى حدوثه...

و ربما أيضا كان للمأساة التي عاشتها ليلة القصف على المدينة... أثرها العظيم ...

و بالتأكيد... فإن حبّها لوليد جعلها في هوس على صحته... و حياته...

لا زلت أذكر كيف استقبلته في ليلة زواج دانة... و كيف تدهورت صحتها و نفسيتها بعدما علمت بأمر ارتباطه بأروى...
و كيف كانت تراقبهما بغيظ في المزرعة... فيما أنا أتفرج عليها... و أقف كالشجرة... بلا حول و لا قوّة...

و ها أنا الآن أقف كالشجرة... أمام شقيقي و خطيبتي السابقة... بلا حول... و لا قوّة...

تمر الساعات بطيئة ثقيلة داكنة... خرساء عن أن كلمة أو إشارة... و كلّما أن ّ وليد اخترق خنجر صدي... و كلّما تأوه مزقت سكين أحشائي... و كلّما أفاق استقبلته أنظارنا بلهفة... فيقول :

" أنا بخير "

و كلما أغمض عينيه رفعت عيني إلى السماء داعيا الله أن يجعله بخير...

كان وقتا عصيبا... اكتشفت فيه أنني أحب شقيقي هذا أكثر مما كنت أعتقد... و بالرغم من كل شيء أو أي شيء...

مع مرور الوقت تحسنت حالته و استرد بعضا من قوّته و طلب منّي إعادته إلى الشقة...

" و لكن يا عزيزي... الطبيب ينصح ببقائك "

فرد :

" أنا بخير الآن... لنعد يا سامر... لابد أنكما متعبين... و خصوصا رغد "

و فهمت ما يرمي إليه...

رغد قالت معترضة :

" أنا بخير "

فقال وليد :

" و أنا كذلك "

و نظر إلي ّ ... فقلت :

" حسنا... هيا بنا "

و في الواقع لم يكن هناك حل أفضل من العودة في تلك الساعة المتأخرة من الليل...

في الشقة بدا شقيقي أفضل حالا بعض الشيء و لكنه لم يستطع مشاركتنا الطعام لشعوره بألم في معدته. الطعام كان مجموعة من الشطائر و العصائر... كنت قد جلبتها من أحد المطاعم أول الليل.. تناولناها أنا و رغد و نحن نراقب وليد... في غرفة النوم...

السكون التي ساد وليد جعلنا نستنتج أنه نام مجددا...

خاطبتني رغد سائلة :

" إنه أفضل... سيتحسن... أليس كذلك ؟ "

قلت :

" إن شاء الله... "

رغد قالت برجاء شديد :

" أرجوك... اعتن ِ به جيدا... افعل أي شيء لعلاجه "

أجبرتني جملتها على النظر إليها ثوان ثم بعثرت نظراتي بعيدا...
و هل تظنين يا رغد... أنني سأقف متفرجا على شقيقي و هو مريض بهذا الشكل ؟؟
أم تظنين أنني سأقصّر في العناية به انتقاما لما فعله بي في السابق ؟؟
أم تعتقدين أن هروبك منّي إليه سينسيني دماء الأخوة التي تجري في عروقي و عروقه؟؟

قالت رغد :

" يوم الغد... سأطلب من خالتي الحضور لأخذي معها... و بالتالي يتسنى لك نقله للمستشفى و معالجته "

و كلنا يدرك أن وليد رفض دخول المستشفى بسبب وجود رغد... إذ لم يكن من اللائق إدخاله إلى المستشفى و عودتنا وحيدين إلى الشقة...

تابعت رغد:

" سأتصل بها باكرا لتأتي سريعا... لا يجب أن نتأخر أكثر من ذلك... "

و لم أعقّب على حديثها بل كنت ألهي نفسي بشرب بقايا عصير الفراولة من كأسي الورقي... علها تطفئ شيئا من لهيب صدري...

قالت رغد :

" أنا آسفة لأنني عطّلت الأمر ... "

جملتها هذه أثارت اهتمامي... لكني تظاهرت باللامبالاة...

استرسلت رغد :

" لطالما كنت... و سأظل عقبة في طريقكم جميعا... لطالما سبب و سيسبب وجودي لكم التعطيل و الضيق... أنا آسفة... لقد طلبت منه أن يتركني في بيت خالتي لكنه من أصر على أخذي معه... سأبقى عبئا و عالة عليكم رغما عني... لكن... ماذا أفعل ؟ فأنا لا والدين لي ... "

و كصفعة قوية تلقيت كلمات رغد... صفعة لم تدر وجهي نحوها فقط بل جعلتني أحملق فيها بذهول...

رغد من فورها خرجت مسرعة من الغرفة... لتخبئ دموعها خلف الجدران...

لم استطع أن أحرك ساكنا... أحسست بالمرارة في داخلي بل و في عصير الفراولة على لساني...
و تركتها تبكي و أنا في عجز تام عن تقديم شيء من المواساة... أو تلقي شيئا منها...


~~~~~~~~

الساعة تشير إلى الواحدة و الربع بعد منتصف الليل...
أنا متعبة و في صدري ضيق شديد... على وليد و على حالي التعسة
و هل لمثل حالتي شبيه؟؟
في شقة صغيرة لساكن أعزب، أبقى على المقعد ساهرة حتى ينتصف الليل... و ابنا عمّي موجودان في داخل غرفة النوم... أحدهما على الأقل يغط في سبات عميق !
ألا ترون جميعا أنه لا مكان لي هنا و أن وجودي أصلا في هذه الشقة و مع ابني عمّي... هو أمر مستهجن ؟

ما كان ضر وليد لو تركني أقيم و أبات في بيت خالتي معززة مكرمة ... محبوبة مرغوب بها من جميع أفراد العائلة؟؟

رفعت يدي إلى السماء و شكوت إلى الله حالي و بثثته همّي... و تضرعت إليه... و رجوته مرارا و تكرارا... أن يشفي وليد... و أن يجد لي من هذه الكربة العظيمة مخرجا قريبا...

كنت لا أزال أرتدي عباءتي و حجابي منذ الصباح... و كنت و بالرغم من ملابسي الثقيلة أشعر بالبرد... إضافة إلى الشعور بالعتب الشديد و النعاس... و بحاجة للنوم و الراحة... و لكن أين أنام و كيف أنام ؟؟ و هل يجوز لي أن أنام؟؟
لماذا لم يظهر سامر حتى الآن ؟؟ هل نام و تركني هكذا ... أم هل نسي وجودي ؟؟

لم أعرف كيف أتصرّف و لم أكن لأجرؤ على العودة إلى غرفة النوم بطبيعة الحال...
ذهبت بعد ذلك إلى دورة المياه الوحيدة في تلك الشقة... و كم شعرت بالحرج من ذلك... خصوصا حينما نظرت إلى نفسي عبر المرآة و وقع بصري على أدوات الحلاقة مبعثرة على الرف !

يا إلهي !
ما الذي أفعله أنا هنا !!؟؟

عندما خرجت، وجدت وسادة و بطانية قد وضعا على المقعد...
إذن فسامر لا يزال مستيقظا... و لا بد أنه التقط موجات أفكاري أخيرا !

المقعد كان صغيرا و لا يكفي لمد رجليّ ، لكنني على الأقل استطيع أن أريح جسدي قليلا فوقه...
أنا متعبة و أريد أن أنام بأي شكل...
و ببساطة نزعت عباءتي و حجابي و استلقيت على المقعد والتحفت البطانية و سرعان ما نمت من شدة التعب... !

عندما نهضت كانت الساعة قد تجاوزت العاشرة بقليل... نهضت عن المقعد بسرعة شاعرة ببعض الألم في ظهري أثر الانكماش !

كنت أتوقع النهوض في وقت أبكر و كنت أنوي الاتصال بخالتي مباشرة...
تلفت يمنة و يسرة...و دققت السمع فوصلني صوت محادثة...

لابد أن ابنا عمّي قد نهضا...
ارتديت عباءتي و حجابي بسرعة و فركت عيني ّ لأزيل عنهما أثر النوم... ثم سرت نحو الغرفة المفتوحة الباب و أنا أقول :

" وليد... سامر... هل نهضتما ؟ "

وصلني صوت سامر :

" نعم تفضلي "

دخلت الغرفة و أنا ألقي التحية... و وجهت بصري مباشرة نحو وليد :

" وليد هل أنت بخير ؟ "

وليد كان جالسا على السرير و مسندا ظهره إليه ... و كان يبدو أفضل حالا من يوم أمس... و إن ظهر الشحوب جليا على وجهه ...

ابتسم وليد ابتسامة مطمئنة و قال بصوته المريض :

" نعم. الحمد لله "

قلت و أنا أتنهّد بارتياح :

" الحمد لله "

ثم أضفت :

" هل نمت جيدا ؟ هل تشعر بتحسن ؟ و هل زالت الحرارة ؟ "

قال :

" نعم. فهذه الأدوية سحرية ! "

قال ذلك و هو يشير إلى الأدوية المصفوفة إلى جوار السرير على المنضدة و التي كانت الطبيب قد وصفها له يوم أمس...

قلت :

" لكن يجب أن تستكمل علاجك في المستشفى كما أمر الطبيب... سأتصل بخالتي "

و استدرت و خرجت من الغرفة عائدة إلى حيث تركت حقيبتي و هاتفي...
و أنا أمسك بالهاتف لمحت سامر مقبلا...
قال :

" انتظري "

نظرت إليه باستفسار .. و دون أن ينظر إلي ّ قال :

" وليد يريد التحدث معك..."

حملت هاتفي معي و ذهبت إلى وليد... أما سامر فأظن أنه خرج...
وقفت قرب الباب... منتظرة ما يود وليد قوله... وليد لم يبدأ الحديث مباشرة... لا أعرف إن كان السبب بحة صوته أو تهيج حلقه، أو تردده في قول ما سيقول...

تناول وليد كأس الماء الموضوع مع الأدوية و شرب قليلا ثم قال :

" أنا آسف يا رغد... "

حقيقة أنني توقعت أن يقول أي شيء آخر... عدا الأسف !

" لم الأسف ؟؟ "

قال و هو يحاول جعل جمله قصير لئلا يتعب حباله الصوتية :

" كنت متعبا.. اعذريني.. هل نمت ِ جيدا ؟ "

ابتسمت وقلت بمرح:

" نعم... عدا عن وجع في الظهر و برودة في الأطراف ! "

وليد قال :

" لم يكن أمامي حل أفضل.. أنا آسف "

قلت مباشرة :

" لا تهتم.. الأمر ليس سيئا لهذا الحد "

أناقض بذلك الحقيقة التي عشتها ليلة أمس و أنا نائمة دون حجاب على مقعد صغير في شقة عزوبة صغيرة مع ابني عمّي الشابين.. لا يفصلني عنهما غير جدار واحد يتوسطه باب مفتوح على مصراعيه طوال الليل !

هل يبدو الأمر سيئا إلى ذلك الحد !؟

وليد قال :

" على كل.. كان ظرفا طارئا لن يتكرر بإذن الله "

خفضت ببصري خجلا... و لم أجد تعليقا مناسبا

وليد قال :

" سنغادر عصرا إن شاء الله "

قفزت ببصري إليه مجددا و كلي استنكار و اعتراض... قلت :

" اليوم ؟ عصرا ؟ "

" نعم "

" و ماذا عن ... المستشفى ؟ "

" لا ضرورة لها فأنا في تحسن "

لم يعجبني ذلك فقلت :

" لكن الطبيب ليلة أمس شدد على ضرورة تلقيك العلاج في المستشفى "

فرد وليد:

" سأتعافى مع هذا العلاج بإذن الله "

صمت ّ في حيرة من أمري... بعدها سألت :

" لكن.. ألا يجدر بك ملازمة الفراش؟ كيف ستقود السيارة ؟ "

قال :

" سامر سيصطحبنا إلى المزرعة... كما و أن سيارتي ... كما تعلمين ! "

و تذكرت أننا تركنا السيارة في الشارع في وجه الريح و المطر... و أن هاتف وليد في داخلها
ربما قرأ وليد التردد المكتوب على وجهي... لذا سألني :

" أهناك ما يقلقك ؟ "

نعم يا وليد ! هناك الكثير الكثير... لأقلق بشأنه ... و أوله أنت !

قلت :

" لم لا تنتظر إلى أن تسترد عافيتك يا وليد؟ إن كان الأمر بشأني أنا... فأنا سأطلب من خالتي الحضور الآن لأخذي معها... و... "

و أخذا وليد يهز رأسه اعتراضا...

قلت :

" هكذا ستتمكن من... "

لكن وليد قاطعني :

" كلا يا رغد... "

حاولت المجادلة لكنه قال بصرامة لا تتفق و حالته المريضة :

" كلا "

لذت بالصمت بضع ثوان... و أنا في حيرة من أمر هذا الـ وليد !

مادام يجدني عائقا في سبيل تحركاته، لم لا يتركني مع خالتي؟؟ لم يزيد عبء مسؤولياته بينما أنا على استعداد بل و راغبة بشدة في إعتاقه من مسؤوليته تجاهي؟؟

قلت بصوت ضعيف مغلوب على أمره :

" وليد... أنا لا أريد العودة إلى المزرعة... "

نظرت إليه بتوسل... و واثقة من أنه فهم نظراتي... قال :

" لن نطيل البقاء هناك... يومين أو ثلاثة... ريثما استرد عافيتي و سيارتي "

و سعل قليلا... ثم تابع :

" نسافر بعدها جوا إلى العاصمة، و منها إلى الساحلية "

قلت :

" و معنا أروى... و أمها ؟ "

أومأ برأسه إيجابا... فهززت رأسي رفضا...
أنا أرفض العودة لنفس الدوامة من جديد...
خاطبته بنبرة شديدة التوسل و الضعف...

" أرجوك... دعني أعود إلى خالتي ... "

وليد ركز النظر في عيني برهة...

" أرجوك ... وليد "

أغمض وليد عينيه و هز رأسه ببط ء

" لا يمكن يا رغد .. انتهينا من هذا الموضوع "

و حين فتح عينيه كان نظرات التوسل لا تزال تنبعث من عيني ّ ...

قال :

" أنا المسؤول عنك يا رغد... "

قلت بسرعة و تهوّر :

" أنا أعفيك من هذه المسؤولية "

و اكتشفت خطورة جملتي من خلال التعبيرات المخيفة التي انبثقت على وجه وليد فجأة...
حاولت أن أخفف تركيز الجملة فقلت :

" أعني... أنني لا أريدك أن ... تزيد عبئي فوق أعبائك ... و خالتي و عائلتها... مستعدون لأن..."

زمجر وليد :

" كفى يا رغد "

فابتلعت بقية الجملة بسرعة كدت أغص معها !

بدا وليد عصبيا الآن... و لكن عجز عن الصراخ لبحة صوته :

" لا أريد أن اسمع هذا ثانية يا رغد... أتفهمين ؟ "

لم أتجاوب معه فقال :

" أنا الوصي عليك و ستبقين تحت مسؤوليتي أنا إلى أن أقرر أنا غير ذلك... مفهوم ؟ "

فجاءني أسلوبه الجاف الفظ هذا... فيما كنت أنا أتحدث معه بكل لطف و توسل... حملقت فيه مصدومة به... حتى المرض لم يلين عناده ؟!

" مفهوم يا رغد ؟؟ "

قلت باستسلام و رضوخ :

" مفهوم "

و خرجت بعد ذلك بهدوء من الغرفة...

كم أشعر بالذل... كيف يعاملني وليد بهذا الشكل ؟ لماذا يقسو علي و أنا من كدت أموت خوفا عليه؟؟ لماذا يتسلط علي و يضرب بعرض الحائط رغبتي ؟
و هل علي أن أتحمّل رؤية الشقراء ترافقه و تتبادل معه الاهتمام و العواطف الحميمة.. بينما أكاد أعجز أنا عن مسح الدماء النازفة من أنفه و هو جريح مريض ؟؟

بعد فترة حضر سامر جالبا بعض الأطعمة... و وجدت نفسي منقادة لما تفرضه الظروف علي... و جلست مع ابني عمّي أشاركهما الطعام بكل بساطة !

إن لدي ابني عم اثنين... هما أهلي و أحبتي و كل من لي... و يساويان في حياتي الناس أجمعين... و إن احتل أحدهما الماضي من حياتي... فإن الآخر ... يحتل الحاضر و المستقبل...
ابنا عم... لا يوجد مثلهما ابنا عم على وجه الأرض !
و نحن نتناول الطعام كنت أراقبهما خلسة... و أصغي جيدا لكل كلامهما...
كم كانا لطيفين حنونين و هادئين جدا... بصراحة الله وحده الأعلم من منّا نحن الثلاثة كان الأكثر قلقا و الأشد اهتماما بشأن الآخرين !

فيما بعد تركت أكبرهما يقيل وقت الظهيرة... و جلست مع الأصغر في غرفة المعيشة نشاهد التلفاز...



~~~~~~~~~