عرض مشاركة واحدة
قديم 31-01-2009, 02:25 AM   رقم المشاركة : 164
!!! الرومـ ^_* ـانسي !!!
Band
 
الصورة الرمزية !!! الرومـ ^_* ـانسي !!!
 






!!! الرومـ ^_* ـانسي !!! غير متصل

لم أكن لأقدم على الحديث معها لو أن رغد لم تبادر هي بالكلام...
و بالرغم من أنني كنت أتحاشى النظر باتجاهها إلا أنه كان من غير الممكن تحاشي التعقيب على حديثها...
" ألا يجب ... أخذه للمستشفى كما أوصى الطبيب ؟ "
" لا أظنه سيرحب بالفكرة مطلقا "
" حاول أن تقنعه... ! "
نظرت إلى السقف و قلت :
" ما من جدوى ... على الأرجح ! "
رغد صمتت قليلا ثم قالت :
" لكن السفر قد يتعبه... و هو مصر على الذهاب للمدينة الساحلية ... "
و أتمّت بأسى :
" و على أخذي معه "
شعرت من نبرة صوتها بعدم ارتياحها فقلت :
" ألا تريدين الذهاب ؟ "
رغد قالت مباشرة :
" لا أريد... لكن... وليد مصر على اصطحابي معهم... لن يفيده ذهابي في شيء بل سيسبب له التعطيل و العقبات... "
سألت :
" لم تقولين ذلك ؟ "
رغد بدأت تتكلم... و كأنها تشكو إلي ّ ... كأنها ... كتمت في صدرها آهات عدّة و جمعتها سوية... لتطلقها أمامي... كأنها ما كادت تصدّق أنها وجدت من تبوح إليه بما يختلج بواطنها... و كأنها... نسيت ... أن الرجل الذي تتحدّث إليه و تبثه همومها هو خطيبها السابق الذي كان و لا يزال يعشقها بجنون...
و حين تتألم رغد... ينتشر صدى آلامها في صدري أنا...
" أعرف أنني مصدر إزعاج له... و هم ّ مرمي فوق صدره... و لكنه لا يريد إزاحتي بعيدا... بل ربما يستمتع بفرض وصايته و سطوته علي ! إنه لا يريد أن أعيش في بيت خالتي و لا يريد أن أتحدّث مع ابنها... و يفرض علي ما ألبس و متى أخرج و إلى أين أذهب... في المزرعة و حتى في بيت خالتي "
لم استطع التعقيب على حديثها هذه المرة... فماذا يمكنني القول؟؟
و لكن هل شقيقي... صارم لهذا الحد ؟ هل يقسو على رغد ؟؟ أليست مرتاحة للعيش معه ؟ ألم تكن هذه رغبتها هي ؟؟
تابعت :
" و أنا لا أحتمل العيش مع الشقراء... و هي أيضا لا تطيقني ... لماذا لا يريد وليد فهم ذلك ؟"
و أيضا لم أعلّق...
و ربما لما رأت رغد صمتي شعرت بخيبة الأمل... إذ لم تجد منّي أي مواساة أو تفاعل... لذا لاذت بالصمت هي الأخرى...
هناك سؤال ظل يكتم أنفاسي و يخنفني... لم استطع تحاشيه و لا أدري أي جنون جعلني أطلقه من لساني بعد كل هذا الصمت و الجمود ..؟؟
" رغد ... "
رغد نظرت إلي و هذه المرة لم أهرب بعيني بعيدا... بل غصت في أعماق عينيها باحثا عن الجواب... و ليتني لم أجده...
" ألا زلت ِ ... تحبينه ؟ "
بالتأكيد كان هذا آخر سؤال تتوقع منّي رغد طرحه... خصوصا بعد التزمت و الاختصار الشديد في الحديث معها و تحاشيها قدر الإمكان...
و لم يكن من الصعب علي ّ أو على أي كان أن يستنبط الجواب من هاتين العينين...
تصاعدت الدماء إلى وجنتيها بينما هبطت عيناها إلى الأرض...
هل كان علي أن أطرح بجنون سؤالا كهذا ؟؟
يا لي من أحمق و فاشل...

من حينها لم أتحدّث معها بأي كلمة... حتى وقفت مودعا إياهما في المزرعة...



~~~~~~~~~~


وصلنا إلى المزرعة قرب الغروب... و استقبلت أورى وليد استقبالا حميما لن يسرني وصفه لكم... فيما أنا أحترق من شدّة الغيظ...
و أحسنت هي و أمها و خالها الترحيب بي و بسامر...
و عندما خرج سامر مغادرا المنزل فيما بعد تذكّر وليد مفاتيح سيارته فقال :

" المفاتيح مع سامر "

قلت مباشرة :

" سأحضرها "

و انطلقت مسرعة نحو الخارج...

كان سامر على وشك صعود السيارة فهتفت:

" سامر انتظر "

و أقبلت مهرولة إليه ... التفت سامر نحوي مستغربا و رفع نظارته الشمسية و نظر إلى عيني ّ مباشرة

قلت :

" مفاتيح سيارة وليد "

" آه ... نعم "

و التقط المفاتيح من داخل السيارة – حيث كانت موضوعة على الرف - عبر الباب المفتوح و قدّمها إلي ...

المفاتيح كانت ضمن عدّة مفاتيح أخرى مضمومة إلى بعضها البعض بالميدالية التي كنت ُ قد أهديتها وليد في عيد الحج الماضي... إن كنتم تذكرون...

و أنا أمد يدي لأستلم المفاتيح منه... تبعثرت نظراتنا ثم التقت من جديد...

قلت :

" تبدو مختلفا... "

و أنا أدقق النظر في الجهة اليمنى من وجه سامر و تحديدا عينه و ما حولها... الموضع الذي كانت تغطيه ندبة قديمة قبيحة... شوهت وجهه مذ سقط على الجمر المتقد و نحن نركب دراجته الهوائية أيام الطفولة...

الندبة تقريبا اختفت... و بدا سامر مختلفا... و هذا أول ما أثار انتباهي حين خلع نظارته السوداء المبللة بالمطر و نحن نركب السيارة يوم أمس...

سامر أمال إحدى زاويتي فمه بابتسامة أقرب إلى السخرية و قال :

" هناك أشياء ... لا بد من التخلص منها و من آثارها... ذات يوم "

ثم استدار و ركب السيارة و ابتعد... تاركا الجملة ترن في أذني زمنا طويلا ...

عندما عدت إلى الداخل... وقع بصري على منظر أثار ثورتي و جعلني أرمي بالميدالية رميا على المنضدة تجاه وليد...

أروى ... كانت تجلس ملتصقة بوليد و تحيطه بذراعيها بينما تسند رأسها إلى كتفه بكل حنان !
لقد وجدتـْـها الشقراء فرصة ممتازة لكي تقترب من ابن عمّي ... بينما أنا لا أجرؤ على شيء ...

حسنا يا أروى

المعركة ابتدأت إذن ؟؟

استعنا بالله على الشقاء !



~~~~~~~~



مستلق ٍ على سريري و شاعر بإعياء شديد في جميع عضلاتي... أجاهد من أجل إرغام الهواء على المرور عبر أنفي شبه المسدود... تنتابني نوبات فظيعة من السعال إن تجرأت و فتحت فمي... أنا وليد... الصامد في وجه النواكب العظمى... مستسلم تماما أمام المرض!
أقبلت أروى تحمل طبق الحساء الدافئ و شرابا من خلاصة الأعشاب... و جلست قربي... استويت أنا جالسا و قرّبت ُ كأس الشراب من أنفي استنشق البخار المتصاعد منه... علّه يساعد على توسيع مجرى الهواء... و لم أكن أحس برائحته... و لم أحس بطعمه...

" الحمد لله "

قلت بعدما أنهيت وجبتي فعقّبت أروى :

" بالهناء و العافية... حبيبي "

نظرت إليها فابتسمت بحنان... ساهم في رفع معنوياتي المحبطة... من جراء المرض و من حالي مع رغد و أقاربها...

رددت إليها ابتسامة ممتنة... ثم عدت مضطجعا على الوسادة... شاعرا بالارتياح...
الساعة كانت العاشرة مساء ً و أنا ألازم فراشي منذ حضوري عصرا ... و منذ حضوري لم أر رغد...

سألت أروى :

" ماذا عن رغد ؟ "

هذه المرة لم تحاول أروى إخفاء انزعاجها من سؤالي... و ردّت :

" ربّما نامت في غرفتها... لا تفكّر في شيء الآن... ابق مرتاحا و مسترخيا أرجوك "

و كأنها تؤكد أن رغد هي أحد أسباب قلقي و تعبي... و هي حقيقة غنية عن التأكيد !

ابتسمت ُ لأروى و قلت خاتما الحديث :

" تصبحين على خير "


كانت حالتي أفضل بكثير حينما نهضت صباح اليوم التالي... و تمكنت من مغادرة الفراش...
أخذت حمّاما منعشا زاد من حيويتي... و فيما كنت أرتب فراشي بعد ذلك أقبل كل من أروى و الخالة و العم إلياس يطمئنون علي و يحمدون الله على تحسّن صحّتي...
جلسنا نتبادل بعض الأحاديث بشيء من المرح و السرور... و الضحك أيضا... إنني أنتمي إلى هذه الأسرة... و إن الله كان غاية في اللطف و الكرم سبحانه... و هو يضعها في طريقي... تعويضا عما فقدت.. و عمّن فقدت...

لكن... لم يكن حبهم لي و عطفهم علي... ليغني عن حاجتي للمحبة و العطف من شقيقي الوحيد سامر... أو شقيقتي الوحيدة دانة ... أو ... صغيرتي الحبيبة... رغد...

ما أحوجني إليهم جميعا...

لم أكن قد رأيت صغيرتي منذ قدمنا إلى المزرعة يوم أمس... لا أعرف كيف نامت أو كيف صحت... و أين تجلس و ماذا تفعل...
و صدّقوني... إنه من المستحيل علي أن أتوقف عن التفكير بشأنها... مهما حاولت !

قلت و أنا افتقدها بينما الجميع من حولي :

" أين رغد ؟ "

هناك نظرة كانت خاطفة تبادلتها أروى و أمها ، لم تغب عن انتباهي... بل كنت أرصدها... ثم قالت خالتي :

" لم تغادر غرفتها منذ دخلتها يوم أمس "

و هو جواب لا يصلح لرفع معنوياتي أو التخفيف عن آلامي... البتة !

وجهت خطابي إلى خالتي :

" اذهبي و تفقديها يا خالة... رجاء ً "

ابتسمت خالتي و قالت :

" بكل سرور يا بني... سأستدعيها ... "

و غادرت يتبعها العم إلياس... ثم عادت قائلة :

" يظهر أنها لا تزال نائمة "

بعد ساعات انشغلت أورى و الخالة في المطبخ، و العم في المزرعة... و أنا في القلق المتزايد على رغد !
ويحك يا رغد ! ألن تأتي للاطمئنان علي ؟؟

لم أطق صبرا... و ذهبت أنا للاطمئنان عليها...

طرقت باب غرفتها و قلت مصرحا :

" أنا وليد "

و لما أذنت لي بالدخول... دخلت فرأيتها تقف عند المكتبة ممسكة بقلم... ربما كانت ترسم...

قلت :

" كيف حالك يا رغد ؟ "

رغد ابتسمت بفرح و قالت بصوت خافت :

" بخير... "

ثم بصوت أقوى :

" كيف حالك أنت ؟ "

و لمحت القلق على وجهها... و شعرت بسعادة !

قلت مبتسما :

" الحمد لله ... أفضل بكثير "

فاتسعت ابتسامتها و ازداد فرحها و كررت :

" الحمد لله "

قلت :

" لم ْ أرك ِ منذ الأمس... أقلقتني... لم َ لم ْ تأتي لزيارتي ؟ "

طأطأت رغد رأسها ثم قالت :

" لا استطيع أن... أتجوّل في المنزل ... "

صمت ّ قليلا ثم قلت :

" هذا ... بيتي يا رغد... و بيتي هو بيتك ... "

لكن رغد هزّت رأسها مخالفة لكلامي... أردت أن استنبط منها رأيها فقلت :

" أليس كذلك يا رغد ؟ "

رفعت بصرها و قالت :

" لن أعتبر ... هذا المكان... بيتي أبدا يا وليد... و سأظل أشعر بالغربة بينكم... طالما أنا هنا "

تنهّدت ُ بمرارة... لم أكن أريد لصغيرتي أن تشعر بالغربة و هي معي أنا...

قلت :

" سنغادر غدا... إلى منزلنا يا صغيرتي "

شيء من الاعتراض أيضا ارتسم على وجهها و قالت :

" لكن... أنت... مريض "

قلت مطمئنا :

" أنا بخير... سبق و أن حجزت التذاكر و لا داعي لتأجيل الأمر... "

صمتت رغد فسألتها :

" هل هذا ... سيريحك ؟ "

انتقلت أنظار رغد من عيني إلى الأرض... و لم تجب...
كنت أعرف بأنها لا ترغب في السفر بل في العودة إلى خالتها...

خطوت خطوات نحوها حتى صرت جوارها تماما... و أمكنني رؤية الرسوم التي كانت ترسمها على الورقة... كان رسما لفتاة صغيرة تحضن ذراعا بشرية كبيرة... تخرج من حوت مغمض العينين مفتوح الفكين تقطر الدماء من أنيابه !!
ما المقصود من هذا الرسم الغريب ؟؟!

ناديتها :

" رغد "

فرفعت بصرها إلي ّ ...

" عندما نذهب إلى المدينة الساحلية... فسألحقك بالجامعة ... "

ظلت رغد تحدّق بي... بشيء من التشكك أو المفاجأة

قلت مؤكدا :

" لقد رتّبت للأمر...و دبّرت لك مقعدا في كلية الفنون... لتتابعي دراستك...ألم يكن هذا حلمك ؟"

قالت بتردد :

" أحقا ؟ "

قلت :

" نعم يا رغد... أنت موهوبة و المستقبل المشرق ينتظرك ... "

رأيت تباشير ابتسامة تتسلل إلى وجهها ... إذن... فقد استحسنت الفكرة... الحمد لله !

" و في وقت الإجازات سآخذك إلى خالتك... أعدك بذلك ... صدّقيني يا رغد ... أنا أعمل لمصلحتك ... و لم يكن قصدي إجبارك على شيء... و إن فعلت... أو تصرّفت معك ِ بصرامة... فأرجوك... سامحيني "

عادت رغد ببصرها نحو الأرض ...

" هل تسامحيني يا رغد ؟ "

رغد ابتسمت و أومأت إيجابا فتنفّست الصعداء عبر فمي بارتياح...
تصادم الهواء البارد مع حلقي المتهيّج فأثار نوبة خفيفة من السعال جعلت رغد ترفع رأسها بقلق و تمسك بذراعي تلقائيا و تهتف :

" وليد ... "

انتهت نوبة السعال ... و ركزت نظري نحو رغد... و رأيتها تشد ذراعي بقوّة ... تكاد تحضنها !
فيما تتجلى تعبيرات القلق و الخوف على قسمات وجهها...

ابتسمت ! لا بل تحوّل سعالي إلى قهقهة !

أطلقت ضحكة قوية و أنا أقول :

" لا تخافي يا صغيرتي ... حتى الحيتان تمرض أحيانا ! "


تحسنت صحتي كثيرا و سافرنا جوا إلى العاصمة و من ثم إلى المدينة الساحلية أنا و رغد و أروى و الخالة ليندا.
أقبلت على العمل بجد و شغلت معظم أوقاتي فيه و قسّمت الباقي بين شؤون المنزل، و أروى و رغد

و آه من هاتين الفتاتين !
إنهما تغاران من بعضهما البعض كثيرا و باءت كل محاولاتي للتأليف فيما بينهما و تقريب قلبيهما لبعضهما البعض بالفشل و الخذلان...

المشاحنات تضاءلت بعض الشيء مع بداية الموسم الدراسي... إذ أن رغد أصبحت تغيب عن المنزل فترات طويلة...
الأمر كان صعبا في البداية إلا أن رغد تأقلمت مع زميلاتها و من محاسن الصدف أن كانت إحدى بنات السيد أسامة – المشرف السابق على إدارة مصنع أروى- زميلة لها و قد تصاحبت الفتاتان و توطدت العلاقة بينهما... تماما كما توطّدت فيما بيني و بين السيّد أسامه عبر الشهور... و وافق مبدئيا على عرضي بالعودة إلى المصنع...

و الدراسة شغلت فراغ رغد السابق و نظّمت حياتها و زادت من ثقتها بنفسها و بأهميتها و مكانتها في هذا الكون بعد أن فقدت كل ذلك بموت والدي ّ رحمهما الله...

و لأن الله أنعم علي بالكثير و له الحمد و الشكر دائما و أبدا... فقد أغدقت العطاء على صغيرتي و عيّشتها حياة مرفهة كالتي كانت تعيشها في كنف والديّ أو أفضل بقليل...

و فتحت لها حسابا خاصا في أحد المصارف... و وظفت خادمة ترعى شؤونها و شؤون المنزل...

ابتسمت لي الدنيا كثيرا و انتعشت نفسيتي... و لم يعد يعكر صفو حياتي غير الحرب...

إضافة إلى ... المعارك الداخلية المستمرة بين الفتاتين !

" يجب أن تتحدّث إلى ابنة عمّك يا وليد فهي مصرّة على المذاكرة في المطبخ ! "

تقوّس حاجباي استغرابا و سألت :

" المطبخ !؟ "

قالت أروى :

" نعم المطبخ ! و ها قد نشرت كتبها و أوراقها في كل أرجائه بعدما سمعتني أقول لأمي أنني سأعد عشاء مميزا جدا لهذه الليلة ! "

ضحكتُ بخفة و قلت :

" دعيها تذاكر حيثما تريد ! "

بدا الاستهجان على وجه أروى و قالت :

" و لكن يا وليد الزمن يداهمنا و لن أتمكن من إعداد العشاء للضيوف في الوقت المناسب ! "

كنت آنذاك مستلق ٍ على أحد المقاعد في غرفة المعيشة الرئيسية ... أرخي عضلاتي بعد عناء يوم عمل طويل... و الساعة تقترب من الخامسة مساء ...

أغمضت عيني ّ و قلت بلا مبالاة :

" لا تقلقي... إنه سيف ليس إلا ! "

و كنت قد دعوت سيف و زوجته و طفلهما طبعا لمشاركتنا العشاء هذه الليلة...

" وليد ! "

فتحت عيني فرأيت أروى تنظر إلي بغضب واضعة يديها على خصريها. ابتسمت و قلت :

" حسنا سأتحدّث إليها ... لا تغضبي "

و نهضت بكسل و أنا أمدد أطرافي و أتثاءب !

توجهت نحو المطبخ و وجدت الباب مغلقا فطرقته و ناديت رغد... بعد ثوان فتحت رغد الباب و وقفت وسط الفتحة !

" مرحبا رغد... كيف كان يومك ؟ "

ابتسمت و قالت :

" جيد..."

" الحمد لله... و كيف دروسك ؟ "

قلت ذلك و أنا أخطو نحو الأمام بهدف دخول المطبخ غير أن رغد ظلت واقفة معترضة طريقي كأنها تمنعني من الدخول !

قالت متلعثمة :

" جيدة... ممتازة "

إذن في الأمر سر !

تقدمت خطوة بعد و لم تتحرك ... بل ظهر التوتر على وجهها و احمر خداها !

قلت :

" بعد إذنك ! "

و تظاهرت ُ بالعفوية و تنحّت ْ هي عن طريقي... بارتباك !

شعرت بالفضول ! لماذا لا تريد رغد منّي دخول المطبخ...؟؟

نظرت من حولي فرأيت مجموعة من الكتب و الدفاتر و الأوراق... و الكراسات أيضا مبعثرة هنا و هناك...

و كان كوب شاي موضوعا على الطاولة و منه يتصاعد البخار... و إلى جانبه كراسة و بعض أقلام التلوين... استنتجت أن رغد كانت تشرب الشاي جالسة على هذا الكرسي...
اقتربت منه فأسرعت هي نحو الكراسة و أغلقتها و حملتها في يدها...

إذن هنا مكمن السر !

ابتسمت ُ و قلت ُ بمكر :

" أريني ما كنت ترسمين ؟ "

ارتبكت رغد و قالت :

" مجرد خربشات "

اقتربت منها و قلت :

" دعيني أرى "

قالت بإصرار :

" إنها لا تستحق الرؤية ... دعك منها "

وسّعت ابتسامتي و قلت بإصرار أكبر و بفضول أشد :

" أريد رؤيتها... هاتيها "

و مددت يدي نحوها... و لما لم تتحرك قلت :

" هيا رغد "

و تحركت يدها بتردد و أخيرا سلمت الكراسة إلي...

تعرفون كم تحب صغيرتي الرسم و كم هي ماهرة فيه... و كنت دائما أطلع على رسماتها و أتابع جديدها من حين لآخر... و يزداد إعجابي...

أخذت أتصفح الكراسة صفحة صفحة و أتأمل الرسمات... رسمات جميلة لأشياء مختلفة... من يد فنانة ! و رغد كانت تراقبني باضطراب ملحوظ... شيء يثير فضولي لأقصى حد ماذا تخبئين ؟؟!

و أخيرا وصلت إلى آخر رسمة... و هي الصفحة التي كانت رغد ترسم عليها قبل وصولي بالتأكيد... نظرت إلى الرسمة و فوجئت !
ثم نظرت إلى رغد ... و تلقائيا أطلقت ُ آهة استنكارية !

أتدرون ما كان مرسوما ؟؟
صورة لأروى...و هي ترتدي مريلة المطبخ، و قد امتد شعرها الأشقر الحريري الطويل حتى لامس الأرض و كنسها !

رغد سحبت الكراسة فجأة و أخفتها خلف ظهرها... أما أنا فهززت رأسي اعتراضا و استنكارا...

و يبدو أن رغد أحست بالخجل من رسمها هذا و نزعت الورقة من الكراسة و جعّدتها و ألقت بها في سلة المهملات... ثم قالت دون أن تنظر إلي :

" آسفة "

قلت رغبة منّي في تخفيف الحرج :

" أنت موهبة خطيرة ! "

و لم تعلق رغد بل شرعت في جمع كتبها و أشياءها المبعثرة و من ثم هربت نحو الباب...

قلت :

" الشاي ! "

مشيرا إلى كوب الشاي الذي تركته على الطاولة... فالتفتت إلي و قالت :

" تركت ُ لها كل شيء... أنا آسفة "

و ولت مسرعة !

جلست أنا على نفس المقعد الذي رجحت أن رغد كانت تجلس عليه و في داخلي مزيج غير متجانس من الراحة و الانزعاج... و الضحك و الغضب !


بعد قليل أقبلت أروى تحمل وعاء يحوي بعض الخضار المقشرة و كيسا يحوي قشورها... و الظاهر أنها عملت في تقشير الخضار في مكان ما خارج المطبخ قبل أن تأتي إلي ّ في غرفة المعيشة...

وضعت أروى الوعاء على الطاولة و ابتسمت و هي تقول :

" أخيرا ! ألم تطب لها الدراسة هذا اليوم إلا هنا ؟؟ "

ابتسمت ُ... و لم أعلّق...

و توجهت ْ أروى حاملة كيس القشور نحو سلة المهملات...
كنت ُ أراقب الدخان المتصاعد من كأس شاي رغد... و لا أعرف لم تملكتني رغبة عجيبة في احتسائه !

و ضعت يدي عليه و حالما أوشكت على تحريكه أوقفني صوت أروى :

" ما هذا ؟ "

تراجعت بسرعة... و في اعتقادي أنها تستنكر رغبتي العجيبة هذه ! ما الذي يدعوني لشرب شاي تركته رغد !؟؟

التفت نحوها ببعض الخجل..

لكنها لم تكن تراقب الشاي...

كانت تمسك بورقة مجعّدة مفتوحة بين يديها... و تحملق فيها بغضب...

وقفت و اقتربت منها... فأخذت تحدّق بي ... ثم مدّت الورقة إلي و قالت :

" انظر... مذاكرة ابنة عمّك "

حقيقة لم أعرف كيف أتصرف حيال الموقف... حاولت التظاهر بالمرح و جعل الأمر يبدو دعابة بسيطة لكن أروى كانت غاضبة جدا...

" هذه إهانة متعمّدة يا وليد... لن أسكت عنها "

" لا أعتقد أن رغد تقصد شيئا ... إنها دعابة لا أكثر ! "

قالت بغضب :

" ليست دعابة يا وليد... منذ متى و ابنة عمّك تهوى مداعبتي ؟؟ إنها تقصد إهانتي بهذا الرسم ... لكنّي لن أسكت ! "

و من فورها خرجت من الغرفة متجهة إلى رغد...

و لم تفلح محاولتي ثنيها عن إثارة مشكلة و خصوصا في هذا الوقت...!



~~~~~~~







>