عرض مشاركة واحدة
قديم 13-09-2012, 04:58 AM   رقم المشاركة : 52
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

عقيدة الشاطبي رحمه الله :
الشاطبي من علماء الأمة الكبار، لكنه -رحمه الله- كغيره بشر يصيب ويخطئ، ولذا فقد ظهرت منه بعض الأخطاء العقدية التي خالف فيها ما عليه أهل السنة والجماعة، وبالتأمل في كتب الشاطبي -رحمه الله- واستقراء مقالاته يتبين أنه -رحمه الله- يميل إلى قول الأشاعرة في بعض المسائل:
فيرى أن خبر الواحد لا يفيد العلم اليقيني، وإنما يفيد الظن فقط، وهذا مستفاد من تقسيماته -رحمه الله- لخبر الواحد إلى الثلاثة وكلها ظنية، ولم يحكم لأي نوع منها على أنه قطعي، بل ويتضح هذا المعنى في أنه يرى أن خبر الواحد لا يقطع به ولو صح سنده، إلا إذا استند إلى آية قرآنية قطعية.
إلا أنه -رحمه الله- يرى أن العقيدة تثبت بخبر الواحد إذا شهد له أصل قطعي كآية قرآنية أو سنة متواترة، فيكون خبر الواحد حينئذٍ كجزئي تحت معنى قرآني كلي.
موقف الشاطبي من التأويل :
موقف الإمام الشاطبي -رحمه الله- من التأويل لا يختلف عن موقف الأشاعرة، بل هو تقرير له من غير تعصب؛ لأنه -رحمه الله- يرى أن مسألة التأويل مسألة اجتهادية، لذلك يرى -رحمه الله- أن الدليل إذا عارضه قطعي كظهور تشبيه الخالق بالمخلوق فليس بدليل، فلابد من أن يحتاج له إلى دليل آخر، فهذا أصل مقرر عند كل من سلك مسلك التأويل في صفات البارئ، وإن كانت تتفاوت درجاتهم في ذلك.
بل يذهب -رحمه الله- إلى أبعد من ذلك، حيث يرى أن المرء إذا وجد خبراً يقتضي في الظاهر خرق العادة، كظهور تشبيه أو غيره فهو مخير بين أمرين، وله في أحدهما سعة، إما التفويض المطلق، وإما التأويل.
ومما يؤكد ما سبق أنه -رحمه الله- يرى أن التأويل يحتاج إليه في بعض المواطن، بل يرى أنه من طريقة السلف؛ لأن الأصل عنده التصديق والتسليم المحض لا الإنكار.
بعض آرائه المنهجية في المسائل العقدية والاختلافات المنهجية، ويتلخص ذلك في النقاط التالية:
1- أنه -رحمه الله- يرى أن الخلاف الواقع بين أهل السنة والجماعة وبين أصحاب البدع في صفات الله تعالى خلاف في الفروع لا في الأصول، ولا سيما إذا كان ذلك منهم على قصد حسن.
2- يعتبر مذهب السلف أحياناً هو الأصل في إثبات الصفات، وأن التأويل أيضاً غير خارج عن مذهبهم، بل ويرى أنه قد يحتاج إليه في بعض المواضع، وأن من هذا حاله خير ممن جعل أصله في تلك الأمور التكذيب بها.
3- بل يرى -رحمه الله- أن التسليم المحض والتأويل سيان، بكل منهما قال السلف لكن التسليم أسلم.
4- لم يكتب عقيدته بصورة مستقلة كما فعل غيره ممن كتبوا في العقائد، وإنما يعقد فصلاً غير مخصص لمسألة العقيدة، يقرر فيه قاعدة في فن ما، فيشير إلى عقيدته إشارة خفيفة، وأحياناً يذكر أثناء مناقشته لأهل البدع، فيورد أمثلة توضيحية يكون نصيب العقيدة منها قليلاً.
5- مناقشته -رحمه الله- في العقيدة كانت مع المعتزلة كثيراً، ومع الجهمية قليلاً، ونادراً ما يشير إلى أهل السنة والجماعة، وإن أشار فمراده بذلك الأشعرية فقط.
عقيدة الشاطبي في:
كلام الله تعالى:
ينكر أن يكون كلام الله بالصوت والحرف، ويثبت كلاماً نفيساً وهو قول الأشاعرة.
رؤية الله يوم القيامة:
يذهب إلى مذهب الأشاعرة في مسألة الرؤية، فالأشاعرة يثبتون الرؤية بدون إثبات جهة ولا مقابلة.
صفة الاستواء لله:
اضطربت أقوال الأشعرية في الاستواء ما بين تأويل وتفويض، فحكى بعضهم أن التفويض مذهب مال إليه المتقدمون من الأشعرية، مما جعل كثيراً من المتأخرين يختارونه بحجة أنه أسلم في زعمهم، وهو الذي ذهب إليه الإمام الشاطبي -رحمه الله- فقد سلك مسلك التفويض، ويرى أن ذلك مذهب السلف، مع أن الحقيقة ليس ذلك بمذهب السلف، وإنما مذهبهم تفويض الكيف والحقيقة لا المعنى.
بقية الصفات السمعية: الوجه، اليدان، العين، الرجل، القدم، الضحك، النـزول: قوله -رحمه الله- في هذه الصفات كقوله في الاستواء، بل صرح -رحمه الله- في موطن آخر أن هذه الصفات جوارح محسوسات لا يجوز إثباتها لله.
قال رحمه الله: "ومثاله في ملة الإسلام: مذهب الظاهرية في إثبات الجوارح للرب المنـزه عن النقائص، من العين، واليد، والرجل، والوجه، المحسوسات، والجهة، وغير ذلك من الثابت للمحدثات".
وكلامه هذا لا شك أنه يدل على أن عقيدته في هذه الصفات عدم الإثبات، إذ سمى إثبات هذه الصفات أنها إثبات جوارح، ولم يقيد ذلك بأن إثباتها مع التنـزيه أن ذلك عقيدة صحيحة.
تعريف الإيمان:
كان يقول -رحمه الله- بقول الأشعرية في تعريف الإيمان: إن الإيمان هو التصديق في اللغة والشريعة جميعاً، وإن الأفعال والأعمال من شرائع الإيمان لا من نفس الإيمان.
الكبيرة:
يقول بقول أهل السنة والجماعة في مصير مرتكب الكبيرة في الآخرة، حيث يرى أنه تحت المشيئة، إن شاء ربه عذبه، وإن شاء غفر له، وأنه لا يخلد في النار كالكافر إن دخلها.
عذاب القبر ونعيمه:
قال: "ولا نكير في كون الميت يعذب برد الروح إليه، ثم تعذيبه على وجه لا يقدر البشر على رؤيته لذلك ولا سماعه".
ومنهج الإمام الشاطبي -رحمه الله- في إثبات الغيبيات والرد على طوائف المبتدعة هو بعينه ما ذكره علماء أهل السنة والجماعة.
ويقول بقول أهل السنة والجماعة في مسألة الميزان، حيث أثبت أنه ميزان صحيح يوزن به الأعمال، وأن حقيقته وكيفية الوزن به غير معلومة لدينا، بل نؤمن به كما يليق بالدار الآخرة.
وسلك مسلك أهل السنة والجماعة في إثبات الصراط يوم القيامة.
كان الإمام الشاطبي -رحمه الله- حريصاً على إحياء السنة وإماتة البدعة، ولما كان المجتمع الغرناطي قد فشت فيه بدع منكرة، فقد تصدى -رحمه الله- لمقاومتها، مما جعله من المشهورين في المجتمع الغرناطي بمقاومة البدع وأهلها.

وفاة الإمام الشاطبي :
وتوفى يوم الثلاثاء الثامن من شهر شعبان سنة790هـ بغرناطة، وبذلك يكون قد عاش أكثر من سبعين عاماً قضاها -رحمه الله- في رحاب العلم الشرعي مكافحاً صابراً في طلب العلم، ونشر الحق وإحياء السنة وإماتة البدعة.
كيف ندرس كتاب عالم بهذه العقيدة؟ وألا يوجد كتاب آخر لعالم سلفي المعتقد؟
الجواب: هناك الكثير من علماء الإسلام الكبار، ولهم مؤلفات كثيرة نفع الله بها، تجد أن هناك ملاحظات إما عليهم أو على كتبهم كابن حجر والنووي وابن الجوزي وغيرهم، ولم يقل أحد بترك كتبهم بل الأمة على مدار تاريخها تَدرس وتُدرّس كتبهم وتنبه على أخطائهم، ولا حرج في ذلك، وطالب العلم يدرك ويميز الخطأ من الصواب، والشاطبي -رحمه الله- أحد هؤلاء العلماء.
قال شيخ الإسلام -رحمه الله- بعد أن ذكر مجموعة من العلماء ممن هم مثل الإمام الشاطبي لهم علم وفضل، ولكنهم شاركوا المبتدعة في بعض أصولهم فقال: "ثم إنه ما من هؤلاء إلا من له في الإسلام مساعٍ مشكورة وحسنات مبرورة، وله في الرد على كثير من أهل الإلحاد والبدع، والانتصار لكثير من أهل السنة والدين ما لا يخفى على من عرف أحوالهم، وتكلم فيهم بعلم وصدق وعدل وإنصاف، لكن لما التبس عليهم هذا الأصل المأخوذ ابتداء من المعتزلة، وهم فضلاء عقلاء، احتاجوا إلى طرده والتزام لوازمه فلزمهم بسبب ذلك من الأقوال ما أنكره المسلمون من أهل العلم والدين، وصار الناس بسبب ذلك منهم من يعظمهم؛ لما لهم من المحاسن والفضائل، ومنهم من يذمهم؛ لما وقع في كلامهم من البدع والباطل، وخيار الأمور أوساطها، وهذا ليس مخصوصاً بهؤلاء، بل مثل هذا وقع لطوائف من أهل العلم والدين، والله تعالى يتقبل من جميع عباده المؤمنين الحسنات، ويتجاوز لهم عن السيئات:
{ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ
} [سورة الحشر:10]، ولا ريب أن من اجتهد في طلب الحق والدين من جهة الرسول وأخطأ في بعض ذلك فالله يغفر له خطأه؛ تحقيقاً للدعاء الذي استجابه الله لنبيه والمؤمنين حيث قالوا:
{ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا
} [سورة البقرة:286]" انتهى.
أما جواب السؤال الثاني: ألا يوجد كتاب آخر لعالم سلفي المعتقد؟
فسيأتي الجواب عليه بعد قليل.


تاااااااابع






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس