الهدى قرين الرحمة والضلال قرين الشقاء
وكما يقرن سبحانه بين الهدى والتقى والضلال والغي، فكذلك يقرن بين الهدى والرحمة والضلال والشقاء ، فمن الأول قوله :
«أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون» البقرة : الآية رقم : 5،
وقال : «أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون» البقرة : الآية رقم : 157.
وقال عن المؤمنين: «ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب» آل عمران : الآية رقم :8،
وقال أهل الكهف: «ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا» الكهف: الآية رقم : 10،
وقال : «لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون» سورة يوسف : الآية رقم : 111،
وقال : « وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون» النحل : الآية رقم : 64
وقال: «ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين» النحل: الآية رقم : 89،
وقال : «يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور ورحمة للمؤمنين» يونس : الآية رقم : 57،
ثم أعاد سبحانه ذكرهما فقال : «قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا» يونس : الآية رقم : 58.
وقد تنوعت عبارات السلف في تفسير الفضل والرحمة ، والصحيح أنهما الهدى والنعمة ، ففضله هداه ، ورحمته نعمته ، ولذلك يقرن بين الهدى والنعمة
كقوله في سورة الفاتحة: «اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم» الفاتحة: الآية رقم : 6.
ومن ذلك قوله لنبيه يذكره بنعمه عليه: «ألم يجدك يتيما فآوى ووجدك ضالا فهدى، ووجدك عائلا فأغنى» الضحى : الآية رقم :6، 7، 8فجمع له بين هدايته له وإنعامه عليه بإيوائه و إغنائه.
ومن ذلك قول نوح: «يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني رحمة من عنده» هود : الآية رقم : 28، :
وقول شعيب : « أرأيتم إن كنت على بينة من ربي ورزقني منه رزقا حسنا» هود : الآية رقم : 88،
وقال عن الخضر: «فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما» الكهف : الآية رقم : 65،
وقال لرسوله: «إنا فتحنا لك فتحا مبينا، ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما، وينصرك الله نصرا عزيزا» الفتح : الآية رقم :1، 2، 3 ،
وقال : «وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما» النساء : الآية رقم : 113،
وقال «ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا» النور : الآية رقم : 21، ففضله هدايته ورحمته إنعامه وإحسانه إليهم وبره بهم.
وقال : «فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى» طه : الآية رقم : 123، والهدى منعة من الضلال، والرحمة منعة من الشقاء ،
وهذا هو الذي ذكره في أول السورة في قوله: «طه ، ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى» طه : الآية رقم : 1، فجمع له بين إنزال القرآن عليه ونفي الشقاء عنه،
كما قال في آخرها في حق أتباعه: «فلا يضل ولا يشقى» .
فالهدى والفضل والنعمة والرحمة متلازمان لا ينفك بعضهما عن بعض ، كما أن الضلال والشقاء متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر،
قال تعالى: «إن المجرمين في ضلال وسعر» القمر : الآية رقم : 47،
والسعر: جمع سعير ، وهو العذاب الذي هو غاية الشقاء ،
وقال تعالى: «ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون» الأعراف : الآية رقم : 179،
وقال تعالى عنهم: «وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير» الملك : الآية رقم : 10.
ومن هذا أنه سبحانه يجمع بين الهدى وانشراح الصدر والحياة الطيبة وبين الضلال وضيق الصدر والمعيشة والضنك ،
قال تعالى : «فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا» الأنعام : الآية رقم : 125
وقال : «أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه» الزمر : الآية رقم : 22، وكذلك يجمع بين الهدى والإنابة وبين الضلال وقسوة القلب ،
قال تعالى: «الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب» الشورى : الآية رقم : 13، وقال تعالى : «فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين» الزمر : الآية رقم : 22.
الفوائد_الإمام شمس الدين أبي عبد الله بن قيم الجوزية