عرض مشاركة واحدة
قديم 14-02-2013, 05:07 AM   رقم المشاركة : 144
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

الماء الصافي


لقد حرص الإسلام على أن يبين حقيقة بالغة وهي أن طريقه، لا يقبل من حامليه أن يأتوا إليه وما زال معهم أي كدر يعكر صفاء الاستسلام التام لرب العالمين.
إياك والهوى:
إن على الشاب المقبل على طريق الله عز وجل، أن يعرف أنه إذا أراد الطريق المستقيم، فلابد له أن يترك ماضيه بما يحمل من ظلمات المعاصي والضلال، فلا يتبع هواه وقد استوفى الإمام الشاطبي تقرير ذلك في إيجاز فقال في الموافقات: (قد جعل الله اتباع الهوى مضادًا للحق، وعدَّه قسيمًا له،

كما في قوله: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}[ص: 26]،

وقال: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}[النجم: 3-4]،
فقد حصر الأمر في شيئين، الوحي وهو الشريعة، والهوى فلا ثالث لهما، وإذا كان الأمر كذلك فهما متضادان، وحين تعيُّن الحق في الوحي، توجه للهوى ضده فاتباع الهوى مضاد للحق، وتأمل فكل موضع ذكر الله تعالى فيه الهوى فإنما جاء به في معرض الذم له ولمتبعيه، وقد رُوي هذا المعنى عن ابن عباس أنه قال: ما ذكر الهوى في كتابه إلا ذمه، فهذا كله واضح في أن قصد الشارع: الخروج عن اتباع الهوى)

[الموافقات، الشاطبي، (2/121)، نقلًا عن المنطلق، محمد أحمد الراشد، ص(31-32)].
ما من طريق وسط:
إن هناك طريقان لا ثالث لهما، إما طريق الاستقامة على طاعة الله، وإما طريق الغواية والشيطان، (فإن من أمارات صدق الإيمان وقوته بُعد العبد عن معصية الله تبارك وتعالى وتعظيمه لمحارمه، قال ابن مسعود رضي الله عنه: (إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أ، يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مرَّ على أنفه فقال به هكذا)

[رواه البخاري]) [تربية الشباب، محمد الدويش، ص(60-61)].
تحمل مسئولية نفسك:
إن من الأشياء التي تعينك أيها الشاب في أن يكون التزامك بطريق الله خالي من الشوائب، هو مدى تحملك لمسئولية قرارك فأنت الآن أصبحت قدوة يراك الناس بالعدسات المكبرة يرصدون سلوكياتك وأفعالك، فالمسئولية (هي إحساس الشخص بأنه يتحكم في سلوكه وإدراكه بأن أفعاله لها تأثير على الأشخاص الآخرين من حوله، ولكي يكون الإنسان مستقلًا بالفعل، فإنه يجب أن يتصرف بمسئولية)

[تنشئة المراهقين، لين هاجنز- كوبر، ص(41)].
فيجب عليك أن تدرك أيها الشاب، أنك المسئول الأول والأخير عن قراراتك، إما قرارات تأخذ بناصيتك إلى الجنة، أو إلى الأخرى عياذًا بالله، فالله عز وجل (لم يخلق الإنسان عبثًا ولم يتركه هملًا، فبعد أن سواه ونفخ فيه من روحه أسجد له ملائكته المقربين، ثم أهبطه إلى الأرض مع الجان ليكون الابتلاء والامتحان، واستخلف في الأرض ليعمرها بطاعته، يقول الدوسري رحمه الله: والخليفة لله في أرضه هو المكلف بأحكام يطبقها على نفسه وينفذها على غيره)

[صفوة الآثار والمفاهيم من تفسير القرآن العظيم، عبد الرحمن بن محمد الدوسري، (2/72)].
مع بني شيبان يتضح البيان:
فانظر ما كان منه صلى الله عليه وسلم مع بني شيبان، لَمَّا عرض عليهم الإسلام هو وصاحبه أبو بكر رضي الله عنه: (وكان في القوم مفروق بن عمرو، وهانئ بن قبيصة، والمثنَّى بن حارثة، والنعمان بن شريك، وكان أقرب القوم إلى أبى بكر مفروق بن عمرو، وكان مفروق بن عمرو قد غلب عليهم بيانًا ولسانًا، وكانت له غديرتان تسقطان على صدره، فكان أدنى القوم مجلسًا من أبي بكر.
فقال له أبو بكر: كيف العدد فيكم؟ فقال له: إنا لنزيد على ألف، ولن تُغْلَب ألف من قلة.
فقال له: فكيف الْمَنَعَة فيكم؟ فقال: علينا الجهد ولكل قوم جد.
فقال أبو بكر: فكيف الحرب بينكم وبين عدوكم؟
فقال مفروق: إنا أشد ما نكون لقاء حين نغضب، وإنا لنؤثر الجياد على الأولاد، والسلاح على اللقاح، والنصر من عند الله، يديلنا مرة ويديل علينا مرة، لعلك أخو قريش؟
فقال أبو بكر: إنْ كان بلغكم أنه رسول الله فها هو هذا.
فقال مفروق: قد بلغنا أنه يذكر ذلك.
ثم التفت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إلام تدعو يا أخا قريش؟
فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس وقام أبو بكر يظله بثوبه فقال صلى الله عليه وسلم: (أدعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأني رسول الله، وأن تؤوونى وتنصروني حتى أؤدِّي عن الله الذي أمرني به؛ فإن قريشًا قد تظاهرت على أمر الله، وكذَّبت رسوله، واستغنت بالباطل عن الحق، والله هو الغني الحميد).
قال له: وإلام ما تدعو أيضًا يا أخا قريش؟
فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم:{قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الأنعام: ١٥١] إلى قوله: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: ١٥٣].
فقال له مفروق: وإلام ما تدعو أيضًا يا أخا قريش؟ فوالله، ما هذا من كلام أهل الأرض، ولو كان من كلامهم لعرفناه.
فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: 90].
فقال له مفروق: دعوت والله يا أخا قريش إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، ولقد أفك قوم كذبوك وظاهروا عليك.
وكأنه أحب أن يشركه في الكلام هانئ بن قبيصة فقال: وهذا هانئ بن قبيصة شيخنا وصاحب ديننا.
فقال له هانئ: قد سمعت مقالتك يا أخا قريش وصدَّقت قولك، وإنى أرى أن تركنا ديننا واتباعنا إياك على دينك لمجلس جلسته إلينا ليس له أول ولا آخر؛ لم نتفكر في أمرك وننظر في عاقبة ما تدعو إليه، زلة في الرأي، وطيشة في العقل، وقلة نظر في العاقبة، وإنما تكون الزلة مع العجلة، وإن من ورائنا قومًا نكره أن نعقد عليهم عقدًا، ولكن ترجع ونرجع، وتنظر وننظر.
وكأنه أحب أن يشركه في الكلام المثنى بن حارثة فقال: وهذا المثنى شيخنا وصاحب حربنا.
فقال المثنى: قد سمعت مقالتك واستحسنت قولك يا أخا قريش، وأعجبني ما تكلمت به، والجواب هو جواب هانئ بن قبيصة، وتركنا ديننا واتباعنا إياك لمجلس جلسته إلينا، وإنما نزلنا على عهد أخذه علينا كسرى أن لا نحدث حدثًا، ولا نؤوي محدثًا، ولعل هذا الأمر الذى تدعونا إليه مما تكرهه الملوك.
فأما ما كان مما يلي بلاد العرب فذنب صاحبه مغفور، وعذره مقبول، وأما ما كان مما يلي بلاد فارس فذنب صاحبه غير مغفور، وعذره غير مقبول، فإن أردت أن ننصرك ونمنعك مما يلي العرب فعلنا.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أسأتم الرد إذ أفصحتم بالصدق، إنه لا يقوم بدين الله إلا من حاطه من جميع جوانبه)
[السيرة النبوية، ابن كثير، (2/168)، وسبل الهدى والرشاد، الصالحي الشامي، (2/454)].
بل لقد كان صلى الله عليه وسلم يرفض أي شروط مسبقة يطلبها الطاعة والالتزام بما يرضي الله سبحانه، لأنه لا اشتراط على الله تعالى، ولا استثناءات في منهجه، فلا بد أن يُسْلِم العبد أمره كله لله، دون مَنٍّ أو أذى، ودون أن ينتظر من غيره سبحانه جزاء ولا شكورًا، بل لله المنة عليه إذ وفقه لسلوك طريقه، وليس لأحد على دين الله منة ولا فضل.






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس