عرض مشاركة واحدة
قديم 29-06-2013, 03:06 AM   رقم المشاركة : 5
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور


حال السلف مع القرآن في رمضان

رمضان هو شهر القرآن فينبغي أن يكثر العبد المسلم من تلاوته وحفظه،
وتدبره، وعرضه على من هو أقرأ منه:
كان جبريل يدارس النبي صلى الله عليه وسلم القرآن في رمضان، وعارضه في عام وفاته مرتين، وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه يختم القرآن الكريم كل يوم مرة، وكان بعض السلف يختم في قيام رمضان في كل ثلاث ليال، وبعضهم في كل سبع، وبعضهم في كل عشر، فكانوا يقرءون القرآن في الصلاة وفي غيرها، فكان للشافعي في رمضان ستون ختمة يقرؤها في غير الصلاة، وكان قتادة يختم في كل سبع دائماً، وفي رمضان في كل ثلاث، وفي العشر الأواخر في كل ليلة، وكان الزهري إذا دخل رمضان يفر من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم، ويُقبل على تلاوة المصحف. وكان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة، وأقبل على قراءة القرآن، قال الزهري: ' إذا دخل رمضان فإنما هو قراءة القرآن، وإطعام الطعام '.
قال ابن رجب: (كان السلف يتلون القرآن في شهر رمضان في الصلاة في كل ست ليال)

لطائف المعارف (191).
وقد كان للسَّلف رحمهم الله اجتهاد عجيب في قراءة القرآن في رمضان

بل لم يكونوا يشتغلون فيه بغيره.
كان الزهري إذا دخل رمضان يقول: إنما هو قراءة القرآن و إطعام الطعام.
قال ابن الحكم: كان مالك إذا دخل رمضان يفر من قراءة الحديث و مجالسة أهل العلم.
قال عبد الرزاق: كان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع

العبادة و أقبل على قراءة القرآن.
وقال سفيان: كان زبيد اليامي إذا حضر رمضان أحضر المصاحف و جمع إليه أصحابه.

[انظر اللطائف359،360]
وكانت لهم مجاهدات من كثرة الختمات رواها الأئمة الثقات الأثبات رحمهم الله:
كان الأسود يختم القرآن في رمضان كل ليلتين، وكان قتادة إذا جاء رمضان ختم في كل ثلاث ليال مرة، فإذا جاء العشر ختم في كل ليلة مرة، وقال ربيع بن سليمان: كان محمد بن إدريس الشافعي يختم في شهر رمضان ستين ختمة ما منها شيء إلا في صلاة، وروى ابن أبي داود بسند صحيح أن مجاهدا رحمه الله كان يختم القرآن في رمضان فيما بين المغرب و العشاء، وكانوا يؤخرون العشاء في رمضان إلى أن يمضي ربع الليل، وكان علي الأزدي يختم فيما بين المغرب و العشاء في كل ليلة من رمضان، قال مالك: و لقد أخبرني من كان يصلي إلى جنب عمر بن حسين في رمضان قال: كنت أسمعه يستفتح القرآن في كل ليلة. [البيهقي في الشعب] قال النووي: وأما الذي يختم القرآن في ركعة فلا يحصون لكثرتهم فمن المتقدمين عثمان بن عفان، و تميم الداري، و سعيد بن جبير رضي الله ختمة في كل ركعة في الكعبة [التبيان 48] [وانظر اللطائف 358 - 360 و صلاح الأمة 3/ 5 - 85]
قال القاسم عن أبيه الحافظ ابن عساكر: كان مواظبا على صلاة الجماعة و تلاوة القرآن، يختم كل جمعة و يختم في رمضان كل يوم [سير أعلام النبلاء20/ 562]
هذا هو حال سلفنا الصالح مع القرآن الكريم، وإذا ما خطر لك السؤال عمّا حفزهم إلى تحقيق هذه الحال الطيبة والسيرة العطرة، فالجواب المجمل هو أنهم كانوا يعرفون حقيقة هذا القرآن الذي هاموا به جيّداً! فما تلك الحقيقة؟



حقيقة القرآن الكريم ومراتبُ الناس من حيث علاقتُهم به

هذا الشهر المبارك بما فيه من اجتهادٍ وعبادة وصومٍ وصلاة وقيام، يستجيشُ إيمان الفرد،
ومن ثمّ يجد المرء نفسه قريباً من القرآن، متفاعلاً مع آياته، متدبّراً في معانيها، ولعله عندئذٍ يصل إلى تلمّس حقيقة القرآن الكريم، فلنقف هنا ولنتساءل:


ما هي حقيقة القرآن الكريم؟
يقول الرّسول صلّى الله عليه وسلم: (كتابُ الله، حبلٌ ممدودٌ من السَّماء إلى الأرض)، وفي حديثٍ آخر عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ، قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: (أَبْشِرُوا وَأَبْشِرُوا، أَلَيْسَ تَشْهَدُونَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: فَإِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ سَبَبٌ طَرَفُهُ بِيَدِ اللَّهِ، وَطَرَفُهُ بِأَيْدِيكُمْ، فَتَمَسَّكُوا بِهِ، فَإِنَّكُمْ لَنْ تَضِلُّوا، وَلَنْ تَهْلِكُوا بَعْدَهُ أَبَدًا) . ونظر بعضُ العلماء إلى القرآن من ناحية طرفه الّّذي بيد النّاس، فعرّفوه بأنه: "اللفظ المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم من أول الفاتحة إلى آخر سورة الناس" ، وعرّفه آخرون بأنّه: "الكلام المعجز، المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم، المكتوب في المصاحف، المنقول بالتواتر، المتعبد بتلاوته" وأنت ترى أن هذا التعريف جمعَ بين: الإعجاز، والتَّنزيل على النبي صلى الله عليه وسلم، والكتابة في المصاحف، والنقل بالتواتر، والتعبد بالتلاوة، وهي الخصائص العظمى التي امتاز بها القرآن الكريم" .
وهذا الطرفُ من حبل القرآن المتين، هو الّذي يملك الناس أن يتعاملوا معه، فيشُدّونه ويتمسّكون به.
وأمّا الطرف الآخرُ الّذي بيد الله عزّ وجلَّ، ولا يملك الإنسان أن يتعامل معه، فهو أنّ القرآن "نورٌ من عند الله، أنزله إلى خلقه يَستضيئونَ به" ، وهذا النور، يسكبه الله عزّ وجلّ في قلب المؤمن، عند تلاوته للقرآن الكريم، أي عندَ هزِّه وتحريكه وتمسّكه بطرف الحبل الّذي بيده.
إذن، فالقرآن له طرفانِ، طرفٌ نستطيع أن نمسك به، ألا وهو تلاوةُ القرآن خاصَّةً (باعتبار أنّ السمات الأخرى، متحقِّقة في القرآن أصلاً) والتّلاوة هي ما نحن مطالبون به. أمّا الطرف الآخر من القرآن، فليس بيدنا الإمساك به، إنما هو بيد الله عزّ وجلّ، ألا وهو كون القرآن روحاً ونوراً!
وعندما يُمسك المسلمُ بالطرف الذي يليه تالياً للقرآنِ، فعندئذٍ يُفيض الله عزّ وجلّ من أنوار القرآن وروحه، على عبده بحسب ما في قراءته من صدقٍ وتدبُّر وإخلاص!
بلى، أخي المسلم، إذا كان القرآنُ بتلك المثابة: رَوحاً للقلوب، ونوراً يُضيء طريق الحياة، ويكشفُ عنها الظلام ويُزيل من ملامحها القَتام؛ فما أحرانا بأن نُعظِّمَهُ ونُكرِمه، ونوليه ما يستحقُّه من العناية والاهتمام!
فالقرآن الكريم في الحقيقة: ليس مجرّدَ السُّوَر والآيات الّتي نقرؤها أو نسمعُها، فذلك هو الظّاهرُ الّذي يبدو لنا منه، والّذي إذا أحكمناه تلاوةً وتدبُّراً، رفع اللهُ درجتنا وأعلى مرتبتنا، وجعلنا في مقام المناجاةِ له سبحانه وتعالى، والفهم منه، والتّعلّم عنه، والتّعرُّضِ لرَوحه ورحمته ونوره!


وما هي مراتب الناس، من حيث علاقتهم بالقرآن الكريم

وإدراكهم لحقيقته والتزامهم بها؟
روى الإمام البخاريُّ في صحيحه، عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:
(الْمُؤْمِنُ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَعْمَلُ بِهِ، كَالْأُتْرُجَّةِ: طَعْمُهَا طَيِّبٌ، وَرِيحُهَا طَيِّبٌ!
وَالْمُؤْمِنُ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَعْمَلُ بِهِ، كَالتَّمْرَةِ: طَعْمُهَا طَيِّبٌ، وَلَا رِيحَ لَهَا!
وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، كَالرَّيْحَانَةِ: رِيحُهَا طَيِّبٌ، وَطَعْمُهَا مُرٌّ!
وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، كَالْحَنْظَلَةِ: طَعْمُهَا مُرٌّ أَوْ خَبِيثٌ، وَرِيحُهَا مُرٌّ!) !
في هذا الحديث نلمس أربع مراتب، يترتب فيها الناس بحسب إيمانهم

وبحسب علاقتهم بالقرآن، على النحو التالي:
فالمرتبة الأولى، يجتمع فيها الإيمان والقرآن، تشمُّ رائحةً طيّبة، ثمّ

تذوق الطّعم فتجده كذلك طيباً! ومثال هذه المرتبة ورمزها هو (الأُتُرُجَّة)!
وفي المرتبة الثانية، يحضر الإيمان ويغيب القرآن، فلا تشمّ رائحةً طيّبةً، ولا ترى سمتاً رائقاً، ولكنّك إذا ذقت الطعمَ ألفيتَه طيّباً! ومثال هذه المرتبة هو (التّمرة).
وفي المرتبة الثالثة، يغيبُ الإيمان، ويحضر القرآن، فتشمُّ رائحةً طيّبةً، وترى سمتاً حسَناً، ولكنّك إذا بلوتَ وجرّبتَ وذُقتَ؛ لم تجد طعماً طيّباً، ومثالُ هذه المرتبة هو (الرَّيحانة).
وفي المرتبة الرابعة، غابا معاً: الإيمان والقرآن، فرائحةٌ خبيثةٌ وطعمٌ مرٌّ، ومثالها (الحنظلة).
إذن، فينبغي على المسلم، أن يُقبل على القرآن، بكلِّ صدقٍ طمأنينة ويقينٍ، واثقاً ممّا سيُفيضه الله عليه من رَوحه ورحمته، عند إمساكه بطرف الحبل الّذي يليه من القرآن، أي عند تلاوته!
وهذا رمضانُ فرصة طيّبة لتوثيق صلتنا بالقرآن، والرُّقيّ بإيماننا، فلنجتهد في تلاوته آناء الليل وأطراف النهار، ولنجتهد في سماعه بتدبر وخشوع، ونحن نصلي صلواتنا في رمضان!






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس