عرض مشاركة واحدة
قديم 23-08-2013, 03:20 AM   رقم المشاركة : 282
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور


روائع غزالية
عمر بن عبد المجيد البيانوني
روائع غزالية 1/ 3
الحمدُ لله وحده، والصَّلاة والسَّلام على مَنْ لا نبيَّ بعده وبعد، فعند تنزُّهي وسياحتي في رياضٍ مثمرة، وبساتينٍ مزهرة، في (إحياء علوم الدين) للإمام الغزالي رحمه الله تعالى، وقفتُ على حِكَم بليغة، ودُرَر مستنيرة، ومواعظ مستفيضة، ذكرها في مواضع متفرِّقةٍ من كتابه، (فما الدُّرُّ في انتظامه أزهى من دُرَر كلامِه، ولا السِّحر الحلال أوقع في النفوس مِنْ نثره ونظامِه)، فأحببتُ أنْ أجمع بعض ما وقفت عليه من فيض غَمامِه، عسى أنْ يُسقى بها متعطشٌ إلى بحر علمه وإنعامِه، فتنفعه في دينه وتذكِّره بربِّه، وتزيل الغشاوة عن بصره، وترفع الرَّان عن قلبه، فإنَّ الكلمةَ الطيِّبةَ كالشجرة الطيِّبة، ذات الأصل الثابت التي لا تزعزعها الأعاصير، ولا تعصف بها الرياح، وهي عالية مرتفعة فوق الشرِّ والباطل، وثمارها دائمة مستمرة، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ. تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}.
فيا لها مِنْ كواكبٍ دريَّة، وجواهرٍ من المعاني عليَّة، ولباسٍ من التقوى سندسيَّة، تجعل الروحَ مِنْ جمالها مُشرقة بهيَّة، فالسعيد مَن انتفع بها ورجعتْ نفسُه إلى ربِّها راضيةً مرضيَّة.. واللهُ وليُّ التوفيق والسداد..

ومِنْ هذه الأقوال والحِكَم:

العلم النافع:

- (إنَّ غذاءَ القلب: العلمُ والحكمةُ وبهما حياته، كما أنَّ غذاءَ الجسد الطعام، ومَنْ فقد العلم فقلبه مريض وموته لازم، ولكنه لا يشعر به؛ إذ حبُّ الدنيا وشغله بها أبطل إحساسه، كما أنَّ غلبةَ الخوف قد تبطل ألم الجراح في الحال وإن كان واقعاً، فإذا حطَّ الموت عنه أعباء الدنيا أحسَّ بهلاكه، وتحسَّر تحسُّراً عظيماً ثم لا ينفعه، وذلك كإحساس الآمن خوفه، والمفيق من سكره بما أصابه من الجراحات في حالة السُّكْر أو الخوف، فنعوذ بالله من يوم كشف الغطاء فإنَّ الناسَ نيام فإذا ماتوا انتبهوا).
- (إنَّ العلمَ حياةُ القلوب من العمى، ونورُ الأبصار من الظلم، وقوةُ الأبدان من الضعف، يبلغ به العبد منازلَ الأبرار والدرجات العلى، والتفكر فيه يعدل بالصيام، ومدارسته بالقيام، به يُطاع الله عزَّ وجلَّ، وبه يُعبد وبه يوحَّد وبه يمجَّد وبه يُتورَّع، وبه تُوصَل الأرحام، وبه يعرف الحلال والحرام، وهو إمام والعمل تابعه، يلهمه السعداء ويحرمه الأشقياء).
- (التلطُّفُ في اجتذاب القلوب إلى العلم الذي يفيد حياة الأبد، أهمُّ من التلطُّف في اجتذابها إلى الطبِّ الذي لا يفيد إلا صحة الجسد، فثمرة هذا العلم: طب القلوب والأرواح، المتوصل به إلى حياة تدوم أبد الآباد، فأين منه الطب الذي يعالج به الأجساد؟ وهي معرَّضة بالضرورة للفساد في أقرب الآماد، فنسأل الله سبحانه التوفيق للرشاد والسداد إنه كريم جواد).

الطاعات والخيرات الأخروية:
- (الطاعات غذاءٌ للقلوب، والمقصود شفاؤها وبقاؤها، وسلامتها في الآخرة وسعادتها، وتنعُّمها بلقاء الله تعالى، فالمقصد لذة السعادة بلقاء الله فقط، ولن يتنعم بلقاء الله إلا مَنْ مات محبَّاً لله تعالى، عارفاً بالله، ولن يحبه إلا مَنْ عرفه، ولن يأنس بربِّه إلا من طال ذكره له، فالأنس يحصل بدوام الذكر، والمعرفة تحصل بدوام الفكر، والمحبة تتبع المعرفة بالضرورة، ولن يتفرغ القلب لدوام الذكر والفكر إلا إذا فرغ من شواغل الدنيا، ولن يتفرغ من شواغلها إلا إذا انقطع عنه شهواتها، حتى يصير مائلاً إلى الخير مريداً له، نافراً عن الشر مبغضاً له، وإنَّما يميل إلى الخيرات والطاعات إذا علم أنَّ سعادته في الآخرة منوطة بها، كما يميل العاقل إلى القصد والحجامة لعلمه بأنَّ سلامته فيهما، وميل النفس إلى الخيرات الأخروية وانصرافها عن الدنيوية هو الذى يفرغها للذكر والفكر، ولن يتأكد ذلك إلا بالمواظبة على أعمال الطاعة، وترك المعاصي بالجوارح).

القلب والجوارح:

- (إنَّ بين الجوارح وبين القلب علاقة حتى إنَّه يتأثر كلُّ واحد منهما بالآخر، فترى العضو إذا أصابته جراحة تألم بها القلب، وترى القلب إذا تألم بعلمه بموت عزيز مِنْ أعزته، أو بهجوم أمر مخوف، تأثَّرت به الأعضاء، وارتعدت الفرائص، وتغيَّر اللون، إلا أنَّ القلبَ هو الأصلُ المتبوع، فكأنَّه الأميرُ والراعي، والجوارحُ كالخدم والرعايا والأتباع، فالجوارحُ خادمةٌ للقلب بتأكيد صفاتها فيه، فالقلبُ هو المقصود، والأعضاءُ آلات موصلة إلى المقصود، ولذلك قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم (أَلا وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلا وَهِيَ الْقَلْبُ) ([1]) ).
- (قال الله تعالى: {لَنْ يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ}، وهي صفة القلب، فمن هذا الوجه يجب لا محالة أن تكون أعمال القلب على الجملة أفضل من حركات الجوارح ثم يجب أن تكون النية من جملتها أفضل لأنها عبارة عن ميل القلب إلى الخير وإرادته له وغرضنا من الأعمال بالجوارح أن يعود القلب إرادة الخير ويؤكد فيه الميل إليه ليفرغ من شهوات الدنيا ويكب على الذكر والفكر).
- (قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً) ([2])؛ لأنَّ همَّ القلب هو ميلُه إلى الخير وانصرافُه عن الهوى وحب الدنيا وهي غاية الحسنات، وإنَّما الإتمام بالعمل يزيدها تأكيداً، فليس المقصود من إراقة دم القربان: الدم واللحم، بل ميل القلب عن حبِّ الدنيا، وبذلها إيثاراً لوجه الله تعالى، وهذه الصفة قد حصلت عند جزم النية والهمة، وإنْ عاق عن العمل عائق فـ {لَنْ يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ}، والتقوى ههنا صفة القلب، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (إن قوماً بالمدينة قد شركونا في جهادنا) ([3])؛ لأنَّ قلوبَهم في صدق إرادة الخير وبذل المال والنفس، والرغبة في طلب الشهادة وإعلاء كلمة الله تعالى، كقلوب الخارجين في الجهاد، وإنَّما فارقوهم بالأبدان لعوائق تخص الأسباب الخارجة عن القلب، وذلك غير مطلوب إلا لتأكيد هذه الصفات).
- (لا تظنن أنَّ في وضع الجبهة على الأرض غرضاً من حيث إنَّه جمع بين الجبهة والأرض، بل من حيث إنه بحكم العادة يؤكد صفة التواضع في القلب، فإنَّ مَنْ يجد في نفسه تواضعاً، فإذا استكان بأعضائه وصورها بصورة التواضع تأكَّد تواضعه، ومَنْ وجد في قلبه رقَّة على يتيم، فإذا مسح رأسه وقبله تأكَّد الرقة في قلبه، ولهذا لم يكن العمل بغير نيَّة مفيداً أصلاً؛ لأنَّ مَنْ يمسح رأس يتيم وهو غافل بقلبه، أو ظانٌّ أنَّه يمسح ثوباً لم ينتشر من أعضائه أثر إلى قلبه لتأكيد الرقة، وكذلك مَنْ يسجد غافلاً وهو مشغول الهمِّ بأعراض الدنيا، لم ينتشر من جبهته ووضعها على الأرض أثر إلى قلبه يتأكَّد به التواضع، فكان وجود ذلك كعدمه، وما ساوى وجوده عدمه بالإضافة إلى الغرض المطلوب منه يُسمى باطلاً، فيقال: العبادة بغير نيَّة باطلة).

شرف العقل:
- (قد ظهر شرف العلم مِنْ قِبَل العقل، والعقل منبع العلم ومطلعه وأساسه، والعلم يجري منه مجرى الثمرة من الشجرة، والنُّور من الشمس، والرؤية من العين، فكيف لا يشرف ما هو وسيلة السَّعادة في الدنيا والآخرة، أو كيف يستراب فيه والبهيمة مع قصور تمييزها تحتشم العقل، حتى إنَّ أعظم البهائم بدناً وأشدها ضراوة وأقواها سطوة، إذا رأى صورة الإنسان احتشمه وهابه، لشعوره باستيلائه عليه، لما خصَّ به من إدراك الحِيَل).






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس