عرض مشاركة واحدة
قديم 28-04-2014, 04:19 AM   رقم المشاركة : 26
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رقم الآية ‏(‏109 ‏:‏ 110‏)‏
{‏ ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره إن الله على كل شيء قدير ‏.‏ وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله إن الله بما تعملون بصير ‏}

يُحذِّر تعالى عباده المؤمنين عن سلوك طريق الكفار من أهل الكتاب، ويعلمهم بعداوتهم لهم في الباطن والظاهر، وما هم مشتملون عليه من الحسد للمؤمنين، مع علمهم بفضلهم وفضل نبيهم، ويأمر عباده المؤمنين بالصفح والعفو أو الإحتمال حتى يأتي أمر اللّه من النصر والفتح، ويأمرهم بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، وبحثهم على ذلك ويرغبهم فيه كما قال ابن عباس‏:‏ كان حيي بن أخطب وأبو ياسر بن أخطب من أشد يهود العرب حسداً، إذ خصهم اللّه برسوله صلى اللّه عليه وسلم، وكانا جاهدين في رد الناس عن الإسلام ما استطاعا، فأنزل اللّه فيهما‏:‏
{‏ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم‏} الأية‏.‏ روي أن كعب بن الأشرف اليهودي كان شاعراً وكان يهجو النبي صلى اللّه عليه وسلم وفيه أنزل اللّه‏:‏ ‏{‏ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم‏} إلى قوله‏:‏ ‏{‏فاعفوا واصفحوا‏}‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق‏}‏ يقول من بعد ما أضاء لهم الحق لم يجهلوا منه شيئاً، ولكن الحسد حملهم على الجحود فعيَّرهم ووبخهم ولامهم أشد الملامة وشرع لنبيه صلى اللّه عليه وسلم وللمؤمنين ما هم عليه من التصديق والإيمان والإقرار بما أنزل اللّه عليهم وما أنزل من قبلهم بكرامته وثوابه الجزيل ومعونته له‏.‏ وقال الربيع بن أنَس{‏من عند أنفسهم‏}من قِبَل أنفسهم، وقال أبو العالية‏:‏{‏من بعد ما تبين لهم الحق‏}
من بعد ما تبين أن محمداً رسول اللّه يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل فكفروا به حسداً وبغياً‏.‏
قال ابن عباس في قوله
‏{‏فاعفوا واصفحوا حتى يأتي اللّه بأمره‏}‏ نسخ ذلك قوله‏:‏ ‏{‏فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم‏}‏، وقوله‏:‏ قاتلوا الذين لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر‏}‏، وكذا قال أبو العالية وقتادة والسدي‏:‏ إنها منسوخة بآية السيف، ويرشد إلى ذلك أيضاً قوله تعالى‏:‏{‏حتى يأتي الله بأمره‏}‏‏.‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله‏}‏ يحثهم تعالى على الإشتغال بما ينفعهم، وتعود عليهم عاقبته يوم القيامة من إقام الصلاة وإيتاء الزكاة، حتى يمكَّن لهم اللّه النصر في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد‏.‏ ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏إن الله بما تعملون بصير‏}‏ يعني أنه تعالى لا يغفل عن عمل عامل، ولا يضيع لديه سواء كان خيراً أو شراً فإنه سيجازي كل عامل بعمله‏.‏ وقال ابن جرير في قوله تعالى‏:{‏إن اللّه بما تعملون بصير‏}‏هذا الخبر من اللّه للذين خاطبهم بهذه الآيات من المؤمنين أنهم مهما فعلوا من خير أو شر، سراً وعلانية فهو به بصير، لا يخفى عليه منه شيء فيجزيهم بالإحسان خيراً وبالإساءة مثلها، وهذا الكلام وإن كان قد خرج مخرج فإن فيه وعداً ووعيداً، وأمراً وزجراً وذلك أنه أعلم القوم أنه بصير بجميع أعمالهم ليجدّوا في طاعته إذ كان مذخوراً لهم عنده حتى يثيبهم عليه كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله‏}
‏ وليحذروا معصيته‏.‏ قال وأما قوله ‏{‏بصير‏}‏ فإنه مبصر صرف إلى بصر كما صرف مبدع إلى بديع و مؤلم إلى أليم، واللّه أعلم‏.‏

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
رقم الآية ‏(‏111 ‏:‏ 113‏)‏
‏{‏ وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ‏.‏ بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ‏.‏ وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ‏}‏
يبين تعالى اغترار اليهود والنصارى بما هم فيه، حيث ادعت كل طائفة من اليهود والنصارى أنه لن يدخل الجنة إلا من كان على ملتها فأكذبهم اللّه تعالى كما تقدم من دعواهم أنه لن تمسهم النار إلا أياماً معدودة ثم ينتقلون إلى الجنة، ورد عليهم تعالى في ذلك، وهكذا قال لهم في هذه الدعوى التي ادعوها بلا دليل ولا حجة ولا بينة ‏{‏تلك أمانيهم‏}‏ قال أبو العالية‏:‏ أمانيّ تمنوها على اللّه بغير حق، ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏قل‏}‏ أي يا محمد ‏{‏هاتوا برهانكم‏}‏ أي حجتكم ‏{‏إن كنتم صادقين‏}
أي فيما تدعونه‏.‏
ثم قال تعالى‏:
‏{‏بلى من أسلم وجهه للّه وهو محسن‏}‏ أي من أخلص العمل للّه وحده لا شريك له، كما قال تعالى‏:‏{‏فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي للّه ومن اتبعن‏}الآية‏.‏ وقال سعيد بن جبير‏:‏ ‏{‏بلى من أسلم‏}‏ أخلص ‏{‏وجهه‏}‏ قال‏:‏ دينه ‏{‏وهو محسن‏}‏ أي اتبع فيه الرسول صلى اللّه عليه وسلم، فإنَّ للعمل المتقبل شرطين‏:‏ أحدهما‏:‏ أن يكون خالصاً للّه وحده، والآخر أن يكون صواباً موافقاً للشريعة، فمتى كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يتقبل، ولهذاقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ‏"‏رواه مسلم من حديث عائشة مرفوعا‏"‏‏)‏ فعمل الرهبان ومن شابههم - وإن فرض أنهم مخلصون فيه للّه - فإنه لا يتقبل منهم حتى يكون ذلك متابعاً للرسول صلى اللّه عليه وسلم المبعوث إليهم وإلى الناس كافة، وفيهم وأمثالهم قال اللّه تعالى‏:‏{‏وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا‏}‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئا‏}‏،وقال تعالى‏:‏{‏وجوه يومئذ خاشعة * عاملة ناصبة * تصلى نارا حامية * تسقى من عين آنية‏}‏وروي عن أمير المؤمنين عمر رضي اللّه عنه أنه تأولها في الرهبان كما سيأتي، وأما إن كان العمل موافقاً للشريعة في الصورة الظاهرة ولكن لم يخلص عامله القصد للّه فهو أيضاً مردود على فاعله وهذا حال المرائين والمنافقين، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏إن المنافقين يخادعون اللّه وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون اللّه إلا قليلاً‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراءون ويمنعون الماعون‏}‏، ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً‏}‏ وقال في هذه الآية الكريمة‏:‏ ‏{‏بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون‏}ضمن لهم تعالى على ذلك تحصيل الأجور وآمنهم مما يخافونه من المحذور ‏{‏لا خوف عليهم‏}‏ فيما يستقبلونه، ‏{‏ولا هم يحزنون‏} على ما مضى مما يتركونه‏.‏
وقوله تعالى‏:‏
{‏وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب‏}‏بيَّن به تعالى تناقضهم وتباغضهم وتعاديهم وتعاندهم، كما قال محمد بن إسحاق عن ابن عباس‏:‏ لما قدم أهل نجران من النصارى على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، أتتهم أحبار يهود فتنازعوا عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقال رافع بن حرملة‏:‏ ما أنتم على شيء وكفر بعيسى وبالإنجيل، وقال رجل من أهل نجران من النصارى لليهود‏:‏ ما أنتم على شيء وجحد نبوة موسى وكفر بالتوراة، فأنزل اللّه في ذلك من قولهما‏:‏ ‏{‏وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب‏}قال‏:‏ إن كلاّ يتلو في كتابه تصديق من كفر به، أن يكفر اليهود بعيسى وعندهم التوراة فيها ما أخذ اللّه عليهم على لسان موسى بالتصديق بعيسى، وفي الإنجيل ما جاء به عيسى بتصديق موسى وما جاء من التوراة من عند اللّه وكل يكفر بما في يد صاحبه‏.‏ وهذا القول يقتضي أن كلاً من الطائفتين صدقت فيما رمت به الطائفة الأخرى، ولكن ظاهر سياق الآية يقتضي ذمهم فيما قالوه مع علمهم بخلاف ذلك، ولهذا قال تعالى‏:‏{‏وهم يتلون الكتاب‏}‏ أي وهم يعلمون شريعة التوراة والإنجيل، كل منهما قد كانت مشروعة في وقت، ولكنهم تجاحدوا فيما بينهم عناداً وكفراً ومقابلة للفاسد بالفاسد وقوله‏:‏{‏كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم‏}‏ بيَّن بهذا جهل اليهود والنصارى فيما تقابلوا به من القول وهذا من باب الإيماء والإشارة، وقد اختلف فيمن عنى بقوله تعالى‏:‏{‏الذين لا يعلمون‏}قال ابن جريج‏:‏ قلت لعطاء‏:‏ مَن هؤلاء الذين لا يعلمون‏؟‏ قال‏:‏ أُمم كانت قبل اليهود والنصارى وقبل التوراة والإنجيل، وقال السُّدي‏:‏ ‏{‏كذلك قال الذين لا يعلمون‏} هم العرب قالوا ليس محمد على شيء، واختار أبو جعفر بن جرير أنها عامة تصلح للجميع وليس ثَمَّ دليل قاطع يعين واحداً من هذه الأقوال والحمل على الجميع أولى، واللّه أعلم‏.‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏
{‏فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون‏}‏ أي أنه تعالى يجمع بينهم يوم المعاد ويفصل بينهم بقضائه العدل الذي لا يجور فيه ولا يظلم مثقال ذرة، وهذه الآية كقوله تعالى في سورة الحج‏:‏ ‏{‏إن الذين آمنوا والذن هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركون إن اللّه يفصل بينهم يوم القيامة إن اللّه على كل شيء شهيد‏}‏، وكما قال تعالى‏: ‏{‏قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم‏}
‏‏.‏

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
رقم الآية ‏(‏114‏)‏
‏{‏ ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم ‏}

اختلف المفسرون في المراد من الذين منعوا مساجد اللّه وسعوا في خرابها على قولين‏:‏ أحدهما‏:‏ هم النصارى كانوا يطرحون في بيت المقدس ويمنعون الناس أن يصلوا فيه‏.‏ قال قتادة‏:‏ أولئك أعداء اللّه النصارى حملهم بغض اليهود على أن أعانوا بختنصر البابلي المجوسي على تخريب بيت المقدس‏.‏ وقال السُّدي‏:‏ كانوا ظاهروا بختنصر على خراب بيت المقدس حتى خربه وأمر أن يطرح فيه الجيف، وإنما أعانه الروم على خرابه من أجل أن بني إسرائيل قتلوا يحيى بن زكريا‏.‏ القول الثاني‏:‏ ما رواه ابن جرير عن ابن زيد قال‏:‏ هؤلاء المشركون الذين حالوا بين رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوم الحديبية وبين أن يدخلوا مكة حتى نحر هديه بذي طوى وهادنهم وقال لهم‏:‏ ‏(‏ما كان أحد يصد عن هذا البيت، وقد كان الرجل يلقى قاتل أبيه وأخيه فلا يصده‏)‏ فقالوا‏:‏ لا يدخل علينا من قتل آباءنا يوم بدر وفينا باق‏.‏
وفي قوله‏:‏
‏{‏وسعى في خرابها‏}‏ عن ابن عباس أن قريشاً منعوا النبي صلى اللّه عليه وسلم الصلاة عند الكعبة في المسجد الحرام فأنزل اللّه‏:‏ ‏{‏ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه‏}‏ ثم اختار ابن جرير القول الأول واحتج بأن قريشاً لم تسع في خراب الكعبة، وأما الروم فسعوا في تخريب بيت المقدس‏.‏ قلت‏:‏ والذي يظهر - واللّه أعلم - القول الثاني كما قاله ابن زيد فإنه تعالى لما وجه الذم في حق اليهود والنصارى، شرع في ذم المشركين الذي أخرجوا الرسول صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه من مكة ومنعوهم من الصلاة في المسجد الحرام، وأما اعتماده على أن قريشاً لم تسع في خراب الكعبة، فأي خراب أعظم مما فعلوا‏؟‏ أخرجوا عنها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه واستحوذوا عليها بأصنامهم وأندادهم وشركهم كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وما لهم ألا يعذبهم اللّه وهم يصدون عن المسجد الحرام‏}‏‏.‏ وقال تعالى‏:‏{‏هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ محله‏} وليس المراد من عمارتها زخرفتها وإقامة صورتها فقط، إنما عمارتها بذكر اللّه فيها وفي إقامة شرعه فيها، ورفعها عن الدنس والشرك
وقوله تعالى‏:
‏ ‏
{‏أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين‏}‏ هذا خبر معناه الطلب أي لا تمكنوا هؤلاء إذا قدرتم عليهم من دخولها إلا تحت الهدنة والجزية، ولهذا لما فتح رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مكة أمر من العام القابل في سنة تسع أن ينادي برحاب مِنى‏:‏(‏ألا يحجنَّ بعد العام مشرك، ولا يطوفنَّ بالبيت عريان، ومن كان له أجل فأجله إلى مدته‏)‏، وقال بعضهم‏:‏ ما كان ينبغي لهم أن يدخلوا مساجد اللّه إلا خائفين على حال التهيب وارتعاد الفرائض من المؤمنين أن يبطشوا بهم، فضلاً أن يستولوا عليها ويمنعوا المؤمنين منها‏.‏ والمعنى‏:‏ ما كان الحق والواجب إلا ذلك لولا ظلم الكفرة وغيرهم، وقيل‏:‏ إن هذا بشارة من اللّه للمسلمين أنه سيظهرهم على المسجد الحرام وعلى سائر المساجد، وأنه يذل المشركين لهم حتى لا يدخل المسجد الحرام أحد منهم إلا خائفاً يخاف أن يؤخذ فيعاقب أو يقتل إن لم يسلم، وقد أنجز اللّه هذا الوعد كما تقدم من منع المشركين من دخول المسجد الحرام، وأوصى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن لا يبقى بجزيرة العرب دينان، وأن يجلى اليهود والنصارى منها وللّه الحمد والمنة، وما ذاك إلا تشريف أكناف المسجد الحرام، وتطهير البقعة التي بعث اللّه فيها رسوله إلى الناس كافة بشيراً ونذيراً صلوات اللّه وسلامه عليه، وهذا هو الخزي لهم في الدنيا لأن الجزاء من جنس العمل فكما صدوا المؤمنين عن المسجد الحرام صُدُّوا عنه، وكما أجلوهم من مكة أُجلوا عنها ‏{‏ولهم في الآخرة عذاب عظيم‏}‏ على ما انتهكوا من حرمة البيت، وامتهنوه من نصب الأصنام حوله، ودعاء غير اللّه عنده، والطواف به عرياً وغير ذلك من أفاعيلهم التي يكرهها اللّه ورسوله، وأما من فسر بيت المقدس فقال كعب الأحبار إن النصارى لما ظهروا على بيت المقدس خربوه، فلما بعث اللّه محمداً صلى اللّه عليه وسلم أنزل عليه‏:‏ ‏{‏ومن أظلم ممن منع مساجد اللّه أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين‏} الآية فليس في الأرض نصراني يدخل بيت المقدس إلا خائفاً، وقال قتادة‏:‏ لا يدخلون المساجد إلا مسارقة‏.‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس