عرض مشاركة واحدة
قديم 01-05-2014, 03:59 AM   رقم المشاركة : 1
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور


اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رقم الآية ‏(‏228‏)‏
‏{‏ والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم ‏}‏
هذا أمر من اللّه سبحانه وتعالى للمطلقات المدخول بهن من ذوات الأقراء، بأن يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء، أي بأن تمكث إحداهن بعد طلاق زوجها لها ثلاثة قروء ثم تتزوج إن شاءت، وقد أخرج الأئمة الأربعة من هذا العموم الأمة إذا طلقت فإنها تعتد عندهم بقرأين لأنها على النصف من الحرة، والقرء لا يتبعض فكمل لها قرآن لحديث‏:‏ ‏(‏طلاق الأمة تطليقتان وعدتها حيضتان‏)
‏"‏رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة عن ابن عمر مرفوعاً والصحيح أنه موقوف من قول ابن عمر‏"‏
وقال بعض السلف‏:‏ بل عدتها كعدة الحرة لعموم الآية ولأن هذا أمر جلي فكان الحرائر والإماء في هذا سواء حكي هذا القول عن بعض أهل الظاهر‏.‏
وروي عن أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية قالت‏:‏ طلقت على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ولم يكن للمطلقة عدة فأنزل اللّه عزّ وجلّ حين طلِّقت أسماءُ العدة للطلاق فكانت أول من نزلت فيها العدة للطلاق يعني‏:‏ ‏{‏والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء‏}‏"‏قال ابن كثير‏:‏ هذا حديث غريب من هذا الوجه‏"‏وقد اختلف السلف والخلف والأئمة في المراد بالأقراء ما هو على قولين، أحدهما‏:‏ أن المراد بها الأطهار وقال مالك في الموطأ عن عروة عن عائشة أنها انتقلت حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر حين دخلت في الدم من الحيضة الثالثة، فذكرت ذلك لعمرة بنت عبد الرحمن، فقالت‏:‏ صدق عروة، وقد جادلها في ذلك ناس فقالوا‏:‏ إن اللّه تعالى يقول في كتابه‏:‏ ‏{‏ثلاثة قروء‏}‏، فقالت عائشة‏:‏ صدقتم وتدرون ما الأقراء‏؟‏ إنما الأقراء الأطهار‏.‏ وعن عبد اللّه بن عمر أنه كان يقول‏:‏ إذا طلق الرجل امرأته فدخلت في الدم من الحيضة الثالثة فقد برئت منه وبرئ منها، وهو مذهب مالك والشافعي ورواية عن أحمد، واستدلوا عليه بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فطلقوهن لعدتهن‏}
أي في الأطهار، ولما كان الطهر الذي يطلق فيه محتسباً، دل على أنه أحد الأقراء الثلاثة المأمور بها، ولهذا قال هؤلاء‏:‏ إن المعتدة تنقضي عدتها وتبين من زوجها بالطعن في الحيضة الثالثة، واستشهد أبو عبيدة وغيره على ذلك بقول الأعشى‏:‏
مورثة مالاً وفي الأصل رفعة * لما ضاع فيها من قروء نسائكا
يمدح أميراً من أُمراء العرب آثر الغزو على المقام حتى ضاعت أيام الطهر من نسائه لم يواقعهن فيها‏.‏ والقول الثاني‏:‏ أن المراد بالأقراء الحيض فلا تنقضي العدة حتى تطهر من الحيضة الثالثة، زاد آخرون وتغتسل منها، وهذا مذهب أبي حنيفة وأصحابه وأصح الروايتين عن الإمام أحمد بن حنبل، وحكى عن الأثرم أنه قال‏:‏ الأكابر من أصحاب رسول الّه صلى اللّه عليه وسلم يقولون الأقراء‏:‏ الحيض، وهو مذهب الثوري والأوزاعي وابن أبي ليلى، ويؤيد هذا ما جاء في الحديث
عن فاطمة بنت أبي حبيش أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال لها‏:‏ ‏(‏دعي الصلاة أيام أقرائك‏)
، فهذا لو صح لكان صريحاً في أن القرء هو الحيض‏.‏
وقال ابن جرير‏:‏ أصل القرء في كلام العرب الوقت لمجيء الشيء المعتاد مجيئه في وقت معلوم، ولإدبار الشيء المعتاد إدباره لوقت معلوم، وهذه العبارة تقتضي أن يكون مشتركاً بين هذا وهذا، وقد ذهب إليه بعض الأصوليين واللّه أعلم، وهذا قول الأصمعي‏:‏ إن القرء هو الوقت، وقال أبو عمرو بن العلاء‏:‏ العرب تسمي الحيض قرءاً، وتسمي الطهر قرءاً وتسمي الطهر والحيض جميعا قرءاً وقال ابن عبد البر‏:‏ لا يختلف أهل العلم بلسان العرب والفقهاء أن القرء أن القرء يراد به الحيض، ويراد به الطهر، وإنما اختلفوا في المراد من الآية ما هو على قولين‏.‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق اللّه في أرحامهن‏}‏ أي من حبل أو حيض، قاله ابن عباس وابن عمر ومجاهد، وقوله‏:‏ ‏{‏إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر‏}‏ تهديد لهن على خلاف الحق، ودل هذا على أن المرجع في هذا إليهن، لأنه أمر لا يعلم إلا من جهتهن، ويتعذر إقامة البينة غالباً على ذلك فرد الأمر إليهن، وتوعدن فيه لئلا يخبرن بغير الحق، إما استعجالاً منها لانقضاء العدة، أو رغبة منها في تطويلها لما لها في ذلك من المقاصد، فأمرت أن تخبر بالحق في ذلك من غير زيادة ولا نقصان‏.‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا‏}‏ أي زوجها الذي طلقها أحق بردها ما دامت في عدتها، إذا كان مراده بردها الإصلاح والخير، وهذا في الرجعيات، فأما المطلقات البوائن فلم يكن حال نزول هذه الآية مطلقة بائن، وإنما كان ذلك لما حصروا في الطلاق الثلاث، فأما حال نزول هذه الآية، فكان الرجل أحق برجعة امرأته وإن طلقها مائة مرة، فلما قصروا في الآية التي بعدها على ثلاث تطليقات، صار للناس مطلقة بائن وغير بائن‏.‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف‏}‏ أي ولهن على الرجال من الحق مثل ما للرجال عليهن، فليؤد كل واحد منهما إلى الآخر ما يجب عليه بالمعروف، كما
ثبت عن جابر أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال في خطبته في حجة الوداع‏:‏ ‏(‏فاتقوا اللّه في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمانة اللّه، واستحللتم فروجهن بكلمة اللّه، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف‏)‏‏"‏رواه مسلم عن جابر مرفوعاً‏"‏وفي حديث عن معاوية بن حيدة القشيري عن أبيه عن جده أنه قال‏:‏ يا رسول اللّه ما حق زوجة أحدنا‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبّح ولا تهجر إلا في البيت‏)‏‏.‏ وقال ابن عباس‏:‏ إني لأحب أن أتزين للمرأة كما أحب أن تتزين لي المرأة لأن اللّه يقول‏:‏ ‏{‏ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف‏}‏"‏رواه ابن أبي حاتم وابن جرير‏"‏وقوله‏:‏ ‏{‏وللرجال عليهن درجة‏}‏ أي في الفضيلة في الخَلق والخُلق، والمنزلة وطاعة الأمر، والإنفاق والقيام بالمصالح، والفضل في الدنيا والآخرة كما قال تعالى‏:{‏الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم‏}
‏‏.‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏والله عزيز حكيم‏}‏ أي عزيز في انتقامه ممن

عصاه وخالف أمره، حكيم في أمره وشرعه وقدره‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رقم الآية ‏(‏229 ‏:‏ 230‏)‏
{‏ الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون ‏.‏ فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون ‏}‏
هذه الآية الكريمة رافعة لما كان عليه الأمر في ابتداء الإسلام، من أن الرجل كان أحق برجعة امرأته وإن طلقها مائة مرة مادامت في العدة، فلما كان هذا فيه ضرر على الزوجات قصرهم اللّه إلى ثلاث طلقات، وأباح الرجعة في المرة والثنتين، وأبانها بالكلية في الثالثة، فقال‏:‏ ‏{‏الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان‏}‏ قال أبو داود عن ابن عباس‏:‏ ‏{‏والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق اللّه في أرحامهن‏}‏ الآية وذلك أن الرجل كان إذا طلق امرأته فهو أحق برجعتها وإن طلقها ثلاثاً، فنسخ ذلك فقال‏:‏ ‏{‏الطلاق مرتان‏}‏ الآية‏.‏
وعن هشام بن عروة عن أبيه أن رجلاً قال لامرأته‏:‏ لا أطلقك أبداً ولا آويك أبداً، قالت‏:‏ وكيف ذلك‏؟‏ قال‏:‏ أطلق حتى إذا دنا أجلك راجعتك، فأتت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فذكرت ذلك له فأنزل اللّه عزّ وجلّ‏:‏ ‏{‏الطلاق مرتان‏}
‏"‏رواه النسائي‏"‏‏.‏
وعن عائشة قالت‏:‏ لم يكن للطلاق وقت، يطلق الرجل امرأته ثم يراجعها ما لم تنقض العدة، وكان بين رجل من الأنصار وبين أهله بعض ما يكون بين الناس قال‏:‏ ‏(‏والله لأتركنك لا أيِّماً ولا ذات زوج، فجعل يطلقها حتى إذا كادت العدة أن تنقضي راجعها، ففعل ذلك مراراً فأنزل اللّه عزّ وجلّ‏:‏ ‏{‏الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان‏}‏ فوقَّت الطلاق ثلاثاً لا رجعة فيه بعد الثالثة حتى تنكح زوجاً غيره ‏"‏رواه ابن مردويه والحاكم‏"‏وقوله‏:‏ ‏{‏فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان‏}‏ أي إذا طلقتها واحدة أو اثنتين، فأنت مخير فيها ما دامت عدتها باقية، بين أن تردها إليك ناوياً الإصلاح بها والإحسان إليها، وبين أن تتركها حتى تنقضي عدتها فتبين منك، وتطلق سراحها محسناً إليها لا تظلمها من حقها شيئاً ولا تُضارَّ بها‏.‏ وعن ابن عباس قال‏:‏ إذا طلق الرجل امرأته تطليقتين فليتق اللّه في ذلك، أي في الثالثة فإما أن يمسكها بمعروف فيحسن صحابتها، أو يسرها بإحسان فلا يظلمها من حقها
شيئاً،
وعن أنَس ابن مالك قال‏:‏ جاء رجل إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال‏:‏ يا رسول اللّه‏:‏ ذكر اللّه الطلاق مرتين فأين الثالثة‏؟‏ قال‏:‏ ‏{‏إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان‏}
‏"‏رواه ابن مردويه وأحمد وعبد بن حميد‏"‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا‏}‏ أي لا يحل لكم أن تضاجروهن وتضيقوا عليهن، ليفتدين منكم بما أعطيتموهن من الأصدقة أو ببعضه كما قال تعالى‏:‏
{‏ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة‏}‏ فأما إن وهبته المرأة شيئاً عن طيب نفسٍ منها فقد قال تعالى {‏فإن طلبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً‏} وأما إذا تشاقق الزوجان ولم تقم المرأة بحقوق الرجل وأبغضته ولم تقدر على معاشرته، فلها أن تفتدي منه بما أعطاها ولا حرج عليه في بذلها له ولا حرج عليه في قبول ذلك مها، ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهم شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود اللّه فإن خفتم ألا يقيما حدود اللّه فال جناح عليهما فيما افتدت به‏}‏ الآية، فأما إذا لم يكن لها عذر وسألت الإفتداء منه فقد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏أيما امرأة سالت زوجها طلاقها في غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة‏)‏ ‏"‏رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة‏"‏وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏المختلعات هن المنافقات‏)‏ ‏"‏رواه الترمذي وقال‏:‏ غريب من هذا الوجه‏"‏‏"‏حديث آخر‏"‏وقال الإمام أحمد‏:‏ عن النبي صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏المختلعات والمنتزعات هن المنافقات‏)‏وعن ابن عباس أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏لا تسأل امرأة زوجها الطلاق في غير كنهه فتجد ريح الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماً‏) ثم قد قال طائفة كثيرة من السلف وأئمة الخلف إنه لا يجوز الخلع إلا أن يكون الشقاق والنشوز من جانب المرأة، فيجوز للرجل حينئذ قبول الفدية، واحتجوا بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموه شيئاً إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله‏}‏، قالوا‏:‏ فلم يشرع الخلع إلا في هذه الحالة، فلا يجوز في غيرها إلا بدليل، والأصل عدمه، وممن ذهب إلى هذا ابن عباس وعطاء والحسن والجمهور حتى قال مالك والأوزاعي‏:‏ لو أخذ منها شيئاً وهو مضار لها وجب رده إليها وكان الطلاق رجعياً، قال مالك‏:‏ وهو الأمر الذي أدركت الناس عليه، وذهب الشافعي رحمه اللّه إلى أنه يجوز الخلع في حال الشقاق وعند الإتفاق بطريق الأولى والأحرى، وهذا قول جميع أصحابه قاطبة، وقد ذكر ابن جرير رحمه اللّه أن هذه الآية نزلت في شأن ثابت بان قيس بن شماس وامرأته حبيبة بنت عبد اللّه بن أبي بن سلول ‏.‏
قال البخاري‏:‏ عن ابن عباس أن امرأة ثابت بن قيس بن شماس أتت النبي صلى اللّه عليه وسلم فقالت‏:‏ يا رسول اللّه‏:‏ ما أعيب عليه في خلق ولا دين ولكن أكره الكفر في الإسلام فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏أتردين عليه حديقته‏)‏‏؟‏ قالت‏:‏ نعم، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏أقبل الحديقة وطلقها تطليقة‏)‏، وهكذا رواه البخاري أيضاً من طرقه عن عكرمة عن ابن عباس وفي بعضها أنها قالت‏:‏ لا أطيقه يعني بغضاً‏.‏ وفي رواية عن ابن عباس أن جميلة بنت سلول أتت النبي صلى اللّه عليه وسلم فقالت‏:‏ واللّه ما أعتب على ثابت بن قيس في دين ولا خلق، ولكني أكره الكفر في الإسلام لا أطيقه بغضاً، فقال لها النبي صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏تردِّين عليه حديقته‏؟‏‏)‏ قالت‏:‏ نعم، فأمره النبي صلى اللّه عليه وسلم أن يأخذ ما ساق ولا يزداد‏.‏وقال ابن جرير‏:‏
عن عبد اللّه بن رباح عن جميلة بنت عبد اللّه بن أبي ابن سلول أنها كانت تحت ثابت بن قيس فنشزت عليه فأرسل إليها النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال‏:‏ ‏(‏يا جميلة ما كرهت من ثابت‏؟‏‏)‏ قالت‏:‏ اللّه ما كرهت منه ديناً ولا خلقاً إلا أني كرهت دمامته، فقال لها‏:‏ ‏(‏أتردين عليه الحديقة‏؟‏‏)‏ قالت‏:‏ نعم، فردت الحديقة وفرق بينهما‏.‏
وأول خلع كان في الإسلام في أخت عبد اللّه بن أُبي أنها أتت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال‏:‏ يا رسول اللّه، لا يجمع رأسي ورأسه شيء أبداُ، إني رفعت جانت الخباء فرايته قد أقبل في عدة فإذا هو أشدهم سواداً وأقصرهم قامة وأقبحهم وجهاُ، فقال زوجها‏:‏ يارسول اللّه، إني قد أعطيتها أفضل مالي حديقة لي فإن ردت عليَّ حديقتي، قال‏:‏ ‏(‏ماذا تقولين‏؟‏‏)‏ قالت‏:‏ نعم وإن شاء زدته، قال‏:‏ ففرق بينهما‏.‏
وقد اختلف الأئمة رحمهم اللّه في أنه هل يجوز للرجل أن يفاديها بأكثر مما أعطاها‏؟‏ فذهب الجمهور إلى جواز ذلك لعموم قوله تعالى‏:
‏ ‏{‏فلا جناح عليهما فيما افتدت به‏}
وعن كثير مولى ابن سمرة أن عمر أتي بأمرأة ناشز فأمر بها إلى بيت كثير الزبل، ثم دعا بها فقال‏:‏ كيف وجدت‏؟‏ فقالت‏:‏ ما وجدت راحةً منذ كنت عنده إلا هذه الليلة التي كنت حبستني، فقال لزوجها‏:‏ اخلعها ولو من قرطها‏"‏رواه عبد الرزاق وابن جرير‏"‏وقال البخاري‏:‏ وأجاز عثمان الخلع دون عقاص رأسها لحديث الربيع بنت معوذ قالت‏:‏ كان لي زوج يُقلُّ عليَّ الخير إذا حضرني، ويحرمني إذا غاب عني، قالت‏:‏ فكانت مني زلة يوما فقلت‏:‏ أختلع منك بكل شيء أملكه، قال‏:‏ نعم، قالت‏:‏ ففعلت فخاصم عمي معاذ بن عفراء إلى عثمان بن عفان فأجاز الخلع، وأمره أن يأخذ عقاص رأسي فما دونه، أو قالت‏:‏ ما دون عقاص الرأس ومعنى هذا أنه يجوز أن يأخذ منها كل ما بيدها من قليل وكثير، ولا يترك لها سوى عقاص شعرها، وبه يقول ابن عمر وابن عباس ومجاهد وهذا مذهب مالك والشافعي واختاره ابن جرير‏.‏
وقال أصحاب أبي حنيفة‏:‏ إن كان الإضرار من قبلها جاز أن يأخذ منها ما أعطاها، ولا يجوز الزيادة عليه، فإن ازداد جاز في القضاء، وإن كان الإضرار من جهته لم يجز أن يأخذ منها شيئاً فإن أخذ جاز في القضاء، وقال الإمام أحمد‏:‏ لا يجوز أن يأخذ أكثر مما أعطاها وهذا قول سعيد بن المسيب وعطاء، وقال معمر‏:‏ كان علي يقول‏:‏ لا يأخذ من المختلعة فوق ما أعطاها‏.‏ قلت‏:‏ ويستدل لهذا القول بما تقدم من رواية ابن عباس في قصة ثابت بن قيس فأمره رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يأخذ منها الحديقة ولا يزداد، وبما روي
عن عطاء عن النبي صلى اللّه عليه وسلم كره أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها يعني المختلعة
، وحملوا معنى الآية على معنى ‏{‏فلا جناح عليهما فيما افتدت به‏}‏ أي من الذي أعطاها لتقدم قوله‏:‏ ‏{‏ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً‏}‏ ولهذا قال بعده‏:‏ ‏{‏تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون‏}‏

فصل
قال الشافعي‏:‏ اختلف أصحابنا في الخلع، فعن عكرمة قال‏:‏ كل شيء أجازه المال فليس بطلاق، وروي عن ابن عباس أن إبراهيم بن سعد بن أبي وقاص سأله فقال‏:‏ رجل طلق امرأته تطليقتين ثم اختلعت منه أيتزوجها‏؟‏ قال‏:‏ نعم ليس الخلع بطلاق، ذكر اللّه الطلاق في أول الآية وآخرها، والخلع فيما بين ذلك فليس الخلع بشيء، ثم قرأ‏:‏ ‏{‏الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان‏}، وهذا الذي ذهب إليه ابن عباس رواية عن عثمان وابن عمر وبه يقول أحمد وهو مذهب الشافعي في القديم، وهو ظاهر الآية الكريمة، والقول الثاني في الخلع إنه طلاق بائن إلا أن ينوي أكثر من ذلك وإليه ذهب مالك وأبو حنيفة والشافعي في الجديد، غير أن الحنفية عندهم أنه متى نوى المخلع بخلعه تطليقة أو اثنتين أو أطلق فهو واحدة بائنة، وإن نوى ثلاثاً فثلاث، وللشافعي قول آخر في الخلع وهو أنه متى لم يكن بلفظ الطلاق وعري عن البينة فليس بشيء بالكلية‏.‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس