عرض مشاركة واحدة
قديم 04-05-2014, 06:29 PM   رقم المشاركة : 18
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏124 ‏:‏129‏)‏
‏{‏ إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين ‏.‏ بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين ‏.‏ وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم ‏.‏ ليقطع طرفا من الذين كفروا أو يكبتهم فينقلبوا خائبين ‏.‏ ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون ‏.‏ ولله ما في السماوات وما في الأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله غفور رحيم ‏}‏
اختلف المفسرون في هذا الوعد‏:‏

هل كان يوم بدر أو يوم أُحُد‏؟‏على قولين، أحدهما‏:‏ أن قوله‏:‏ ‏{‏إذ تقول للمؤمنين‏}‏ متعلق بقوله‏:‏ ‏{‏ولقد نصركم اللّه ببدر‏}‏ واختاره ابن جرير‏.‏ قال عباد بن منصور عن الحسن في قوله‏:‏ ‏{‏إذا تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة‏}‏، قال‏:‏ هذا يوم بدر‏.‏ ووقال الربيع بن أنَس‏:‏ أمد اللّه المسلمين بألف، ثم صاروا ثلاثة آلاف ثم صاروا خمسة آلاف، فإن قيل‏:‏ فما الجمع بين هذه الآية على هذا القول وبين قوله في قصة بدر‏:‏ ‏{‏إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين - إلى قوله - إن اللّه عزيز حكيم‏}‏‏؟‏ فالجواب أن التنصيص على الألف ههنا لا ينافي الثلاثة الآلاف فما فوقها لقوله‏:‏ ‏{‏مردفين‏}‏ بمعنى يردفهم غيرهم ويتبعهم ألوف أخر مثلهم، وهذا السياق شبيه بهذا السياق في سورة آل عمران، فالظاهر أن ذلك كان يوم بدر كما هو المعروف من أن قتال الملائكة إنما كان يوم بدر، واللّه أعلم
القول الثاني‏:‏ إن هذا الوعد متعلق بقوله‏:‏ ‏{‏وإذ غدوت من أهلك تبوىء المؤمنين مقاعد للقتال‏}‏ وذلك يوم أحُد، وهو قول مجاهد وعكرمة والضحاك، لكن قالوا‏:‏ لم يحصل الإمداد بالخمسة الآلاف لأن المسلمين فروا يومئذ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏بلى إن تصبروا تتقوا‏}‏ يعني تصبروا على مصابرة عدوكم، تتقوني وتطيعوا أمري، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ويأتوكم من فورهم هذا‏}‏ قال الحسن وقتادة‏:‏ أي من وجههم هذا، وقال مجاهد وعكرمة‏:‏ أي من غضبهم هذا‏.‏ وقال ابن عباس‏:‏ من سفرهم هذا، ويقال‏:‏ من غضبهم هذا، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يمددكم ربكم بخمسة آلالف من الملائكة مسومين‏}‏ أي معلمين بالسيما‏.‏ عن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه قال‏:‏ كان سيما الملائكة يوم بدر الصوف الأبيض، وكان سيماهم أيضاً في نواصي خيولهم‏.‏
وعن أبي هريرة رضي الّله عنه في هذه الآية ‏{‏مسوّمين‏}‏ قال‏:‏ بالعهن الأحمر، وقال ابن عباس رضي اللّه عنه‏:‏ أتت الملائكة محمداً صلى اللّه عليه وسلم مسوّمين بالصوف فسوم محمد وأصحابه أنفسهم وخيلهم على سيماهم بالصوف، وقال قتادة وعكرمة‏:‏ ‏{‏مسومين‏}‏ أي بسيما القتال‏.‏ وعن ابن عباس قال‏:‏ كان سيما الملائكة يوم بدر عمائم بيض قد أرسلوها في ظهورهم، ويوم حنين عمائم حمر، ولم تضرب الملائكة في يوم سوى يوم بدر، وكانوا يكونون عدداً ومدداً لا يضربون‏.‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وما جعله اللّه إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به‏}‏ أي وما أنزل اللّه الملائكة وأعلمكم بإنزالهم إلا بشارة لكم وتطييباً لقلوبكم وتطميناً، وإلا فإنما النصر من عند اللّه الذي لو شاء لانتصر من أعدائه بدونكم، ومن غير احتياج إلى قتالكم لهم، كما قال تعالى بعد أمره المؤمنين بالقتال‏:‏
{‏ذلك ولو يشاء اللّه لانتصر منهم ولكن ليبو بعضكم ببعض‏}
‏، ولهذا قال ههنا‏:‏ ‏{‏وما جعله اللّه إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر
إلا من عند اللّه العزيز الحكيم‏}‏
أي هو ذو العزة التي لا ترام، والحكمة في قدره والأحكام‏.‏
ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏ليقطع طرفاً من الذين كفروا‏}‏ أي أمركم بالجهاد والجلاد لما له في ذلك من الحكمة في كل تقدير، ولهذا ذكر جميع الأقسام الممكنة في الكفار المجاهدين، فقال‏:‏ ‏{‏ليقطع طرفاً‏}‏ أي ليهلك أمة ‏{‏من الذين كفروا أو يكبتهم فينقلبوا‏}‏ أي يرجعوا ‏{‏خائبين‏}‏، أي لم يحصلوا على ما أملوا، ثم اعترض بجملة دلت على أن الحكم في الدنيا والآخرة له وحده لا شريك له فقال تعالى‏:‏ ‏{‏ليس لك من الأمر شيء‏}‏، أي بل الأمر كله إليّ، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب‏}‏ وقال‏:‏
‏{‏ليس عليك هداهم ولكنَّ اللّه يهد من يشاء‏}‏ وقال‏:‏ ‏{‏إنك لا تهدي من أحببت ولكن اللّه يهدي من يشاء‏}‏ وقال محمد بن إسحاق في قوله‏:‏ ‏{‏ليس لك من الأمر شيء‏}‏ أي ليس لك من الحكم شيء في عبادي إلا ما أمرتك به فيهم‏.‏ ثم ذكر بقية الأقسام فقال‏:‏ ‏{‏أو يتوب عليهم‏}‏ أي مما هم فيه من الكفر فيهديهم بعد الضلالة ‏{‏أو يعذبهم‏}‏ أي في الدنيا والآخرة على كفرهم وذنوبهم، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏فإنهم ظالمون‏}‏ أي يستحقون ذلك، قال البخاري‏:‏ عن ابن عمر رضي اللّه عنهما قال‏:‏ كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يدعو على رجال من المشركين يسميهم بأسمائهم حتى أنزل اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏ليس لك من الأمر شيء‏}‏ الآية‏.‏ وقال البخاري أيضاً، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان إذا أراد أن يدعوا على أحد أو يدعو لأحد قنت بعد الركوع وربما قال، إذا قال‏:‏ ‏(‏سمع اللّه لمن حمده، ربنا ولك الحمد‏:‏ اللهم أنج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين من المؤمنين‏.‏ اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف‏)‏ يجهر بذلك، وكان يقول في بعض صلاته في صلاة الفجر‏:‏‏(‏اللهم العن فلاناً وفلاناً‏)‏ لأحياء من أحياء العرب حتى أنزل اللّه‏:‏ ‏{‏ليس لك من الأمر شيء‏} الآية‏.‏
وقال الإمام أحمد‏:‏
عن أنَس رضي اللّه عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كسرت رباعيته يوم أَحُد وشج في وجهه حتى سال الدم على وجهه فقال‏:‏ ‏(‏كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم وهو يدعوهم إلى ربهم عز وجلّ‏)‏ فأنزل اللّه ‏:‏ ‏{‏ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون‏}‏ ‏"‏أخرجه مسلم والإمام أحمد في المسند‏"‏وقال ابن جرير‏:‏ عن قتادة قال‏:‏ أصيب النبي يوم أحد وكسرت رباعيته، وفرق حاجبه، فوقع وعليه درعان والدم يسيل، فمر به سالم مولى أبي حذيفة فأجلسه ومسح عن وجهه، فافاق وهو يقول‏:‏ ‏(‏كيف بقوم فعلوا هذا بنبيّهم وهو يدعوهم إلى الله عزّ وجلّ‏؟‏‏)‏ فأنزل اللّه ‏:‏ ‏{‏ليس لك من الأمر شيء‏}‏
الآية‏.‏
ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏وللّه ما في السموات وما في الأرض‏}‏ الآية، أي الجميع ملك له، وأهلهما عبيد بين يديه، ‏{‏يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء‏}‏ أي هو المتصرف فلا معقب لحكمه، ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون ‏
{‏واللّه غفور رحيم‏}‏‏.‏

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏130 ‏:‏136‏)‏
{‏ يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون ‏.‏ واتقوا النار التي أعدت للكافرين ‏.‏ وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون ‏.‏ وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين ‏.‏ الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ‏.‏ والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون ‏.‏ أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين ‏}‏
يقول تعالى ناهياً عباده المؤمنين عن تعاطي الربا وأكله أضعافاً مضاعفة، كما كانوا في الجاهلية يقولون إذا حل أجل الدين‏:‏ إما أن تقضي وإما أن تربي، فإن قضاه وإلا زاده في المدة وزاده في القدر، وهكذا كل عام فربما تضاعف القليل حتى يصير كثيراً مضاعفاً، وأمر تعالى عباده بالتقوى لعلهم يفلحون في الأولى وفي الآخرة، ثم توعدهم بالنار وحذرهم منها، فقال تعالى‏:‏ ‏{‏واتقوا النار التي أعدت للكافرين وأطيعوا اللّه والرسول لعلكم ترحمون‏}‏ ثم ندبهم إلى المبادرة إلى فعل الخيرات والمسارعة إلى نيل القربات، فقال تعالى‏:‏ ‏{‏وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين‏}‏ أي كما أعدت النار للكافرين‏.‏ وقد قيل‏:‏ إن في معنى قوله‏:‏ ‏{‏عرضها السموات والأرض‏}‏ تنبيهاً على اتساع طولها، كما قال في صفة فرش الجنة‏:‏ ‏{‏بطائنها من إستبرق‏}‏ أي فما ظنك بالظهائر، وقيل‏:‏ بل عرضها كطولها لأنها قبة تحت العرش، والشي المقبب والمستدير عرضه كطوله، وقد دل على ذلك ما ثبت في الصحيح‏:‏‏(‏إذا سألتم اللّه الجنة فاسألوه الفردوس فإنه أعلى الجنة وأوسط الجنة، ومنه تفجر أنهار الجنة، وسقفها عرش الرحمن‏) وهذه الآية كقوله في سورة الحديد‏:‏{‏سابقوا إلى غفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض‏}‏ الآية‏.‏ وقد روينا في مسند الإمام أحمد أن هرقل كتب إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم إنك دعوتني إلى جنة عرضها السموات والأرض فأين النار‏؟‏ فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏سبحان اللّه فأين الليل إذا جاء النهار‏)

وهذا يحتمل معنيين، أحدهما‏:‏ أن يكون المعنى في ذلك أنه لا يلزم من عدم مشاهدتنا الليل إذا جاء النهار أن لا يكون في مكان، وإن كنا لا نعلمه، وكذلك النار تكون حيث شاء اللّه عزّ وجل، وهذا أظهر، الثاني‏:‏ أن يكون المعنى أن النهار إذا تغشى وجه العالم من هذا الجانب، فإن الليل يكون من الجانب الآخر، فكذلك الجنة في أعلى عليين فوق السموات تحت العرش وعرضها، كما قال اللّه عزّ وجلّ‏:‏ ‏
{‏كعرض السموات والأرض‏}
والنار في أسفل سافلين، فلا تنافي بين كونها كعرض السموات والأرض وبين وجود النار، واللّه أعلم‏.‏
ثم ذكر تعالى صفة أهل الجنة فقال‏:‏ ‏{‏الذين ينفقون في السراء والضراء‏}‏ أي في الشدة والرخاء، والمنشط والمكره والصحة والمرض، وفي جميع الأحوال، كما قال‏:
‏{‏الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية‏}‏، والمعنى أنهم لا يشغلهم أمر عن طاعة اللّه تعالى والإنفاق في مراضيه، والإحسان إلى خلقه من قراباتهم وغيرهم بأنواع البر، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس‏}‏، أي إذا ثار بهم الغيظ كظموه بمعنى كتموه فلم يعملوه، وعفو مع ذلك عمن أساء إليهم، وقد ورد في بعض الآثار‏:‏‏(‏ يقول تعالى يا ابن آدم اذكرني إذا غضبت، أذكرك إذا غضبت فلا أهلكك فيمن أهلك‏)‏‏"‏رواه ابن أبي حاتم‏"‏
وعن أبي هريرة رضي اللّه عنه، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏ليس الشديد بالصُرعة ولكن الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب‏)‏ ‏"‏أخرجه الإمام أحمد‏"‏وقال الإمام أحمد، عن عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله‏)‏، قالوا‏:‏ يا رسول اللّه ما منا أحد إلا ماله أحب إليه من مال وارثه، قال‏:‏ ‏(‏اعلموا أنه ليس منكم أحد إلا مال وارثه أحب إليه من ماله، مالَكَ من مالِكَ إلا ما قدمت، وما لوارثك إلا ما أخرت‏)‏ قال، وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏ما تعدون الصرعة فيكم‏!‏ قلنا الذي لا تصرعه الرجال، قال‏:‏ ‏(‏لا، ولكن الذي يملك نفسه عن الغضب‏)‏ قال، وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏أتدرون ما الرقوب‏)‏ قلنا الذي لا ولد له، قال‏(‏لا، ولكن الرقوب الذي لا يقدم من ولده شيئاً‏)‏
"‏رواه أحمد وأخرج البخاري النّص الأول منه‏"‏‏.‏
حديث آخرقال الإمام أحمد،
عن سهل بن معاذ بن أنَس عن أبيه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه دعاه اللّه على رؤوس الخلائق حتى يخيره من أي الحور شاء‏)‏
حديث
آخرعن أبي هريرة رضي اللّه عنه في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏والكاظمين الغيظ‏}‏ أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏من كظم غيظاً وهو يقدر على إنفاذه ملأ اللّه جوفه أمناً وإيماناً‏)‏
فقوله تعالى‏:‏ ‏{‏والكاظمين الغيظ‏}‏ أي لا يعملون غضبهم في الناس بل يكفون عنهم شرهم ويحتسبون ذلك عند اللّه عز وجلّ، ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏والعافين عن الناس‏}‏ أي مع كف الشر يعفون عمن ظلمهم في أنفسهم، فلا يبقى في أنفسهم موجدة على أحد، وهذا أكمل الأحوال ولهذا قال‏:‏ ‏{‏واللّه يحب المحسنين‏}‏ فهذا من مقامات الإحسان‏.‏ وفي الحديث‏:‏(‏ثلاث أقسم عليهن، ما نقص مال من صدقة، وما زاد اللّه عبداً بعفو إلاعزاً، ومن تواضع للّه رفعه اللّه ‏)‏ وروى الحاكم في مستدركه، عن أُبّي بن كعب، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏ومن سره أن يشرف له البنيان وترفع له الدرجات، فليعف عمن ظلمه، ويعطِ من حرمه، ويصلْ من قطعه‏)‏ وعن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ يقول‏:‏ أين العافون عن الناس، هلموا إلى ربكم، وخذوا أجوركم، وحق على كل امرىء مسلم إذا عفا أن يدخل الجنة‏)
‏"‏أخرجه ابن مردويه‏"‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا اللّه فاستغفروا لذنوبهم‏}‏ أي إذا صدر منهم ذنب أتبعوه بالتوبة والاستغفار‏.‏ قال الإمام أحمد،
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏إن رجلاً أذنب ذنباً فقال‏:‏ رب إن أذنبت ذنباً فاغفره لي، فقال اللّه عزّ وجلّ‏:‏ عبدي عمل ذنباً فعلم أن له ربا يغفر الذنب وياخذ به قد غفرت لعبدي، ثم عمل ذنباً آخر فقال‏:‏ رب إني عملت ذنباً فاغفره، فقال تبارك وتعالى‏:‏ علم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به قد غفرت لعبدي، ثم عمل ذنباً آخر فقال‏:‏ رب إني عملت ذنباً فاغفر لي، فقال عزَّ وجلَّ‏:‏ علم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به قد غفرت لعبدي، ثم عمل ذنباً آخر فقال‏:‏ رب إني عملت ذنباً فاغفره فقال اللّه عزّ وجلّ عبدي علم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به أشهدكم أني قد غفرت لعبدي فليعمل ما شاء‏)‏ وعن علي رضي اللّه عنه قال‏:‏ كنت إذا سمعت من رسول الله صلى اللّه عليه وسلم حديثا نفعني اللّه بما شاء منه‏.‏ وإذا حدثني عنه غيره استحلفته، فإذا حلف لي صدقته، وإن أبا بكر رضي اللّه عنه حدثني، وصدق أبو بكر، أنه سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏ما من رجل يذنب ذنباً فيتوضأ ويحسن الوضوء ثم يصلي ركعتين فيستغفر اللّه عزّ وجلّ إلا غفر له‏)‏ ‏"‏رواه أحمد وأهل السنن وابن حبان‏"‏ومما يشهد لصحة هذا الحديث ما رواه مسلم في صحيحه عن أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب رضي اللّه عنه، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ - أو فيسبغ - الوضوء، ثم يقول‏:‏ أشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء‏)‏عن أنَس رضي اللّه عنه قال‏:‏ بلغني أن إبليس حين نزلت هذه الآية‏:‏ ‏{‏والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا اللّه فاستغفروا لذنوبهم‏}‏ بكى‏.‏
وعن أبي بكر رضي اللّه عنه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏عليكم بلا إله إلا الله والاستغفار، فأكثروا منهما فإن إبليس قال‏:‏ أهلكت الناس بالذنوب، وأهلكوني بلا إله إلا اللّه والاستغفار، فلم رأيت ذلك أهلكتهم بالأهواء، فهم يحسبون أنهم مهتدون‏) ‏"‏رواه الحافظ أبو يعلى‏"‏وروى الإمام أحمد في مسنده عن أبي سعيد عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏قال إبليس‏:‏ يا رب وعزتك لا أزال أغوي بني آدم ما دامت أرواحهم في أجسادهم، فقال اللّه تعالى‏:‏ وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني‏)‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ومن يغفر الذنوب إلا اللّه‏}‏ أي لا يغفرها أحد سواه، وقوله‏:‏ ‏{‏ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون‏}‏ أي تابوا من ذنوبهم ورجعوا إلى اللّه عزّ وجلّ عن قريب، ولم يستمروا على المعصية ويصروا عليها غير مقلعين عنها ولو تكرر منهم الذنب تابوا منه، كما قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏ما أصر من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة‏)"‏أخرجه أبو داود والترمذي والبزار‏"‏‏{‏وهم يعلمون‏}‏ أن من تاب تاب اللّه عليه وهذا كقوله تعالى ‏{‏ألم يعلموا أن اللّه هو يقبل التوبة عن عباده‏}وكقوله‏:‏{‏ومن يعلم سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد اللّه غفوراً رحيماً‏}
ونظائر هذا كثيرة جداً، ثم قال تعالى بعد وصفهم بما وصفهم به‏:‏ ‏{‏أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم‏}‏ أي جزاؤهم على هذه الصفات ‏{‏مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار‏}‏ أي من أنواع المشروبات، ‏{‏خالدين فيها‏}‏ أي ماكثين فيها، ‏{‏ونعم أجر العاملين‏}‏ يمدح تعالى الجنة‏.‏







التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس