عرض مشاركة واحدة
قديم 06-05-2014, 01:33 AM   رقم المشاركة : 16
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏44 ‏:‏46‏)
‏{‏ ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يشترون الضلالة ويريدون أن تضلوا السبيل ‏.‏ والله أعلم بأعدائكم وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا ‏.‏ من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا ليا بألسنتهم وطعنا في الدين ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيرا لهم وأقوم ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا ‏}‏
يخبر تعالى عن اليهود عليهم لعائن اللّه المتتابعة إلى يوم القيامة، أنهم يشترون الضلالة بالهدى، ويعرضون عما أنزل اللّه على رسوله، ويتركون ما بأيديهم من العلم عن الأنبياء الأولين في صفة محمد صلى اللّه عليه وسلم ليشتروا به ثمناً قليلاً من حطام الدنيا ‏{‏ويريدون أن تضلوا السبيل‏}‏ أي يودون لو تكفرون بما أنزل عليكم أيها المؤمنون، وتتركون ما أنتم عليه من الهدى والعلم النافع ‏{‏واللّه أعلم بأعدائكم‏}‏ أي‏:‏ هو أعلم بهم ويحذركم منهم، ‏{‏وكفى باللّه وليا وكفى باللّه نصيرا‏}‏ أي‏:‏ كفى به ولياً لمن لجأ إليه نصيراً لمن استنصره، ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏من الذين هادوا‏}‏ من في هذا لبيان الجنس كقوله‏:‏ ‏{‏فاجتنبوا الرجس من الأوثان‏}
‏، وقوله‏:‏ ‏{‏يحرفون الكلم عن مواضعه‏}‏ أي‏:‏ يتأولونه على غير تأويله، ويفسرونه بغير مراد اللّه عزَّ وجلَّ قصداً منهم وافتراء، ‏{‏ويقولون سمعنا‏}‏ أي‏:‏ سمعنا ما قلته يا محمد، ولا نطيعك فيه ‏.‏‏.‏‏.‏ هكذا فسره مجاهد وهو المراد، وهذا ابلغ في كفرهم وعنادهم، وأنهم يتولون عن كتاب اللّه بعدما عقلوه وهم يعلمون ما عليهم في ذلك من الإثم والعقوبة‏.‏
وقولهم‏:‏ ‏{‏واسمع غير مسمع‏}‏ أي‏:‏ اسمع ما نقول لا سمعت، رواه ابن عباس، وقال مجاهد والحسن‏:‏ واسمع غير مقبول منك، قال ابن جرير‏:‏ والأول أصح وهو كما قال، وهذا استهزاء منهم واستهتار، عليهم لعنة اللّه ‏{‏وراعنا ليَّا بألسنتهم وطعناً في الدين‏}‏ أي‏:‏ يوهمون أنهم يقولون راعنا سمعك بقولهم راعنا، وإنما يريدون الرعونة بسبهم النبي، وقد تقدم الكلام على هذا عند قوله‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولا انظرنا‏}‏، ولهذا قال تعالى عن هؤلاء اليهود الذين يريدون بكلامهم خلاف ما يظهرونه‏:‏ ليَّا بألسنتهم وطعناً في الدين‏}‏ يعني‏:‏ بسبهم النبي صلى اللّه عليه وسلم، ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيرا لهم وأقوم ولكن لعنهم اللّه بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلاً‏}‏ أي‏:‏ قلوبهم مطرودة عن الخير مبعدة منه فلا يدخلها من الإيمان شيء نافع لهم، وقد تقدم الكلام على قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فقليلاً ما يؤمنون‏}‏، والمقصود أنهم لا يؤمنون إيماناً نافعاً‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏47 ‏:‏ 48‏)‏

‏{‏ يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت وكان أمر الله مفعولا ‏.‏ إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما ‏}

يأمر اللّه تعالى أهل الكتاب بالإيمان بما نزل على رسوله محمد صلى اللّه عليه وسلم من الكتاب العظيم، الذي فيه تصديق الأخبار التي بأيديهم من البشارات، ومتهدداً لهم إن لم يفعلوا بقوله‏:‏ ‏{‏ومن قبل أن نطمس وجوهاً فنردها على أدبارها‏}‏ قال بعضهم‏:‏ معناه من قبل أن نطمس وجوهاً، فطمسها هو ردها إلى الأدبار وجعل أبصارهم من ورائهم، ويحتمل أن يكون المراد من قبل أن نطمس وجوهاً فلا نبقي لها سمعاً ولا بصراً ولا أنفاً، ومع ذلك نردها إلى ناحية الأدبار، وقال ابن عباس‏:‏ طمسها أن تعمى ‏{‏فنردها على أدبارها‏}‏ يقول‏:‏ نجعل وجوههم من قبل أقفيتهم فيمشون القهقرى، ونجعل لأحدهم عينين من قفاه، وهذا أبلغ في العقوبة والنكال، وهذا مثل ضربه اللّه لهم في صرفهم عن الحق وردهم إلى الباطل، ورجوعهم عن المحجة البيضاء إلى سبيل الضلالة يهرعون ويمشون القهقرى على أدبارهم، وهذا كما قال بعضهم في قوله‏:‏
‏{‏إنا جعلنا في أعناقهم أغلالاً فهي إلا الأذقان فهم مقمحون وجعلنا من بين أيديهم سداً‏}‏ الآية‏:‏ أي هذا مثل سوء ضربه اللّه لهم في ضلالهم ومنعهم عن الهدى، قال مجاهد‏:‏ ‏{‏من قبل أن نطمس وجوهاً‏}‏ يقول عن صراط الحق ‏{‏فنردها على أدبارها‏}‏ أي في الضلال، قال السدي‏:‏ ‏{‏فنردها على أدبارها‏}‏ فنمنعها عن الحق، قال‏:‏ نرجعها كفاراً ونردهم قردة‏.‏ وقد ذكر أن كعب الأحبار أسلم حين سمع هذه الآية‏.‏ قال ابن جرير عن عيسى بن المغيرة، قال‏:‏ تذاكرنا عند ابراهيم إسلام كعب، فقال‏:‏ أسلم كعب زمان عمر، أقبل وهو يريد بيت المقدس، فمر على المدينة فخرج إليه عمر، فقال‏:‏ يا كعب أسلم فقال‏:‏ ألستم تقولون في كتابكم‏:‏ {‏مثل الذين حملوا التوراة - إلى أسفاراً‏}
‏، وأنا قد حملت التوراة، قال‏:‏ فتركه عمر، ثم خرج حتى انتهى إلى حمص فسمع رجلاً من أهلها حزيناً، وهو يقول‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقاً لما معكم من قبل أن نطمس وجوهاً فنردها على أدبارها‏}‏ الآية‏.‏ قال كعب‏:‏ يا رب أسلمت مخافة أن تصيبه هذه الآية، ثم رجع فأتى أهله في اليمن، ثم جاء بهم مسلمين‏.‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت‏}‏ يعني‏:‏ اعتدوا في سبتهم بالحيلة على الإصطياد وقد مسخوا قردة وخنازير، وقوله‏:‏ ‏{‏وكان أمر اللّه مفعولاً‏}‏ أي‏:‏ إذا أمر بأمر فإنه لا يخالف ولا يمانع، ثم أخبر تعالى أنه لا يغفر أن يشرك به أي لا يغفر لعبد لقيه وهو مشرك به ويغفر ما دون ذلك، أي من الذنوب، لم يشاء‏:‏ أي من عباده، وقد وردت
أحاديث متعلقة بهذه الآية الكريمة فلنذكر منها ما تيسر‏.‏

الحديث الأول‏:‏ عن أنس بن مالك عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏الظلم ثلاثة، فظلم لا يغفره اللّه، وظلم يغفره اللّه، وظلم لا يترك اللّه منه شيئاً‏.‏ فأما الظلم الذي لا يغفره اللّه فالشرك، وقال‏:‏ ‏{‏إن الشرك لظلم عظيم‏}‏، وأما الظلم الذي يغفره اللّه فظلم العباد لأنفسهم فيما بينهم وبين ربهم، وأما الظلم الذي لا يتركه فظلم العباد بعضهم بعضاً حتى يدين لبعضهم من بعض‏)‏ ‏"‏رواه الشيخان‏"‏

الحديث الثاني ‏:‏ عن أبي إدريس قال، سمعت معاوية يقول، سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏كل ذنب عسى اللّه أن يغفره إلا الرجل يموت كافراً أو الرجل يقتل مؤمناً متعمداً‏)‏
الحديث الثالث‏:‏ عن أبي ذر أن رسول صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏)‏ما من عبد قال لا إله إلا اللّه ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة‏.‏ قلت‏:‏ وإن زنى وإن سرق‏؟‏ قال‏:‏ وإن زنى وإن سرق‏.‏ قلت‏:‏ وإن زنى وإن سرق‏؟‏ قال‏:‏ وإن زنى وإن سرق - ثلاثا، ثم قال في الرابعة‏:‏ على رغم أنف أبي ذر‏)‏، قال فخرج أبو ذر وهو يجر إزاره وهو يقول‏:‏ وإن رغم أنف أبي ذر، وكان أبو ذر يحدث بهذا بعد ويقول‏:‏ وإن رغم أنف أبي ذر ‏"‏رواه الشيخان‏"‏وعن أبي ذر قال‏:‏ كنت أمشي مع النبي صلى اللّه عليه وسلم في حرة المدينة عشاء ونحن ننظر إلى أحد، فقال‏:‏ ‏(‏يا أبا ذر‏!‏ قلت‏:‏ لبيك يا رسول اللّه، قال‏:‏ ما أحب أن لي أحداً ذاك عندي ذهباً أمسي ثالثة وعندي منه دينار إلا ديناراً أرصده، يعني لدين، إلا أن أقول به في عباد اللّه هكذا وهكذا فحثا عن يمينه وعن يساره وبين يديه، قال ثم مشينا فقال‏:‏ يا أبا ذر إن الأكثرين هم الأقلون يوم القيامة إلا من قال هكذا وهكذا ، فحثا عن يمينه ومن بين يديه وعن يساره، قال‏:‏ ثم مشينا فقال‏:‏ يا أبا ذر كما أنت حتى آتيك ، قال‏:‏ فانطلق حتى تورى عني، قال‏:‏ فسمعت لغطاً، فقلت‏:‏ لعل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عرض له، قال‏:‏ فهممت أن أتبعه، قال‏:‏ فذكرت قوله لا تبرح حتى آتيك، فانتظرته حتى جاء، فذكرت له الذي سمعت، فقال‏:‏ ذاك جبريل أتاني، فقال‏:‏ من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة‏)‏ قلت‏:‏ وإن زنى وإن سرق‏؟‏ قال‏:‏ وإن زنى وإن سرق‏)‏ ‏"‏رواه أحمد والشيخان‏"‏
الحديث الرابع ‏:‏ عن جابر، قال‏:‏ جاء رجل إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقال‏:‏ يا رسول اللّه ما الموجبتان‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏من مات لا يشرك باللّه شيئاً وجبت له الجنة ومن مات يشرك باللّه شيئاً وجبت له النار‏)‏
الحديث الخامس ‏:‏ قال الإمام أحمد، عن ضمضم بن جوش اليمامي قال، قال لي أبو هريرة‏:‏ يا يمامي‏!‏ لا تقولن لرجل لا يغفر اللّه لك، أو لا يدخلك الجنة أبداً، فقلت‏:‏ يا أبا هريرة إن هذه كلمة يقولها أحدنا لأخيه وصاحبه إذا غضب، قال‏:‏ لا تقلها فإني سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏كان في بني إسرائيل رجلان أحدهما مجتهد في العبادة، وكان الآخر مسرفاً على نفسه، وكانا متآخيين، وكان المجتهد لا يزال يرى الآخر على الذنب فيقول‏:‏ يا هذا أقصر، فيقول‏:‏ خلِّني وربي أبعثت عليّ رقيباً‏؟‏ إلى ان رآه يوماً على ذنب استعظمه، فقال له‏:‏ ويحك أقصر، قال‏:‏ خلِّني وربي، أبعثت عليَّ رقيباً‏؟‏ فقال‏:‏ واللّه لا يغفر اللّه لك ولا يدخلك الجنة أبداً، قال‏:‏ فبعث اللّه إليهما ملكاً فقبض أرواحهما واجتمعا عنده، فقال للمذنب‏:‏ اذهب فادخل الجنة برحمتي، وقال للآخر‏:‏ أكنت عالماً أكنت على ما في يدي قادراً‏؟‏ اذهبوا به إلى النار‏.‏ قال‏:‏ والذي نفس أبي القاسم بيده إنه لتكلم بكلمة أو بقت دنياه وآخرته‏)

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏49 ‏:‏52‏)‏
‏{‏ ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء ولا يظلمون فتيلا ‏.‏ انظر كيف يفترون على الله الكذب وكفى به إثما مبينا ‏.‏ ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا ‏.‏ أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا ‏}‏
قال الحسن وقتادة نزلت هذه الآية - وهي قوله‏:‏ ‏{‏ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم‏}‏ - في اليهود والنصارى حين قالوا‏:‏ نحن أبناء اللّه وأحباؤه، وفي قولهم ‏{‏لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى‏}‏، وقال مجاهد‏:‏ كانوا يقدمون الصبيان أمامهم في الدعاء والصلاة يؤمونهم ويزعمون أنهم لا ذنوب لهم، وقال ابن عباس في قوله‏:‏ ‏{‏ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم‏}‏ وذلك أن اليهود قالوا‏:‏ إن أبناءنا توفوا وهم لنا قربة ويشفعون لنا ويزكوننا، فأنزل اللّه على محمد‏:‏ ‏{‏أم تر إلى الذين يزكون أنفسهم‏}‏ الآية‏.‏ وقال الضحاك‏:‏ قالوا ليس لنا ذنوب كما ليس لأبنائنا ذنوب، فأنزل اللّه‏:‏ ‏{‏الم تر إلى الذين يزكون أنفسهم‏}‏ فيهم، وقيل‏:‏ نزلت في ذم التمادح والتزكية؛ وفي صحيح مسلم عن المقداد بن الأسود قال‏:‏ أمرنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن نحثوا في وجوه المداحين التراب، وفي الصحيحين عن عبد اللّه بن ابي بكرة عن أبيه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سمع رجلاً يثني على رجل فقال‏:‏ ‏(‏ويحك قطعت عنق صاحبك ثم قال‏:‏ إن كان أحدكم مادحاً صاحبه لا محالة فليقل أحسبه كذا ولا يزكي على اللّه أحداً‏)‏، وروى ابن مردويه عن عمر أنه قال‏:‏ إن أخوف ما أخاف عليكم إعجاب المرء برأيه، فمن قال إنه مؤمن فهو كافر، ومن قال هو عالم فهو جاهل، ومن قال هو في الجنة فهو في النار، وقال الإمام أحمد عن معبد الجهني قال‏:‏ كان معاوية قلما كان يحدث عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ وكان قلما يكاد يدع يوم الجمعة هؤلاء الكلمات أن يحدث بهن عن النبي صلى اللّه عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏من يرد اللّه به خيراً يفقهه في الدين، وإن هذا المال حلو خضر، فمن يأخذه بحقه يبارك فيه، وإياكم والتمادح فإنه الذبح‏)‏
وقال ابن جرير قال عبد اللّه بن مسعود‏:‏ إن الرجل ليغدوا بدينه ثم يرجع وما معه منه شيء يلقى الرجل ليس يملك له ضرا ولا نفعا فيقول له إنك والله كيت وكيت فلعله أن يرجع ولم يحظ من حاجته بشيء وقد أسخط الله ثم قرأ‏:‏ ‏{‏ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم‏}‏ الآية ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏بل اللّه يزكي من يشاء‏}‏ أي المرجع في ذلك إلى اللّه عزَّ وجلَّ لأنه أعلم بحقائق الأمور وغوامضها، ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏ولا يظلمون فتيلاً‏}‏ أي ولا يترك لأحد من لأجر ما يوازن مقدار الفتيل، قال ابن عباس‏:‏ هو ما يكون في شق النواة‏.‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏انظر كيف يفترون على اللّه الكذب‏}‏ أي في تزكيتهم أنفسهم ودعواهم أنهم أبناء اللّه وأحباؤه، وقولهم‏:‏ ‏{‏لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى‏}‏، وقولهم‏:‏ ‏
{‏لن تمسنا النار إلا اياماً معدودات‏}‏، واتكالهم على أعمال آبائهم الصالحة، وقد حكم اللّه أن أعمال الآباء لا تجزي عن الأبناء شيئاً في قوله‏:‏{‏تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم‏}الآية، ثم قال‏:‏ ‏{‏وكفى به إثما مبيناً‏}‏ أي وكفى بصنيعهم هذا كذباً وافتراء ظاهراً‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏ألم تر إلى الذين نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت‏}‏‏.‏ أما الجبت فقال عمر بن الخطاب‏:‏ الجبت السحر، و الطاغوت الشيطان، وهكذا روي عن ابن عباس ومجاهد‏.‏ وعن ابن عباس وأبي العالية‏:‏ الجبت الشيطان، وعنه‏:‏ الجبت الأصنام‏.‏ وعن مجاهد‏:‏ الجبت كعب بن الأشرف‏.‏ وقال الجوهري في كتاب الصحاح‏:‏ الجبت كلمة تقع على الصنم والكاهن والساحر ونحو ذلك، وفي الحديث‏:‏ ‏(‏الطيرة والعيافة والطرق من الجبت‏) وقد تقدم الكلام على الطاغوت في سورة البقرة بما أغنى عن إعادته ههنا‏.‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلاً‏}‏ أي يفضلون الكفار على المسلمين بجهلهم، وقلة دينهم، وكفرهم بكتاب اللّه الذي بأيديهم، وقد روى ابن أبي حاتم عن عكرمة، قال‏:‏ جاء حيي بن اخطب وكعب بن الأشرف إلى أهل مكة، فقالوا لهم‏:‏ أنتم أهل الكتاب وأهل العلم فأخبرونا عنا، وعن محمد، فقالوا‏:‏ ما أنتم وما محمد‏؟‏ فقالوا نحن نصل الأرحام، وننحر الكوماء، ونسقي الماء على اللبن، ونفك العاني، ونسقي الحجيج، ومحمد صنبور قطع أرحامنا واتبعه سراق الحجيج من غفار فنحن خير أم هو‏؟‏ فقالوا‏:‏ أنتم خير وأهدى سبيلاً، فأنزل اللّه ‏{‏ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً‏}‏ الآية‏.‏ وقال الإمام أحمد عن ابن عباس لما قدم كعب بن الأشرف مكة قالت قريش‏:‏ ألا ترى هذا الصنبور المنبتر من قومه يزعم أنه خير منا، ونحن أهل الحجيج وأهل السدانة، وأهل السقاية، قال‏:‏ أنتم خير، قال‏:‏ فنزلت‏:‏
{‏إن شانئك هو الأبتر‏}‏ ونزل‏:‏ ‏{‏ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب‏}‏ إلى قوله عزَّ وجلَّ ‏{‏وآتيناهم ملكاً عظيماً‏}‏، وهذا لعن لهم وإخبار بأنهم لا ناصر لهم في الدنيا ولا في الآخرة لأنهم إنما ذهبوا يستنصرون بالمشركين، وإنما قالوا لهم ذلك ليستميلوهم إلى نصرتهم، وقد أجابوهم وجاءوا معهم يوم الأحزاب حتى حفر النبي صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه حول المدينة الخندق فكفى اللّه شرهم، ‏{‏ورد اللّه الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً وكفى اللّه المؤمنين القتال وكان اللّه قوياً عزيزاً‏}‏‏.‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس