عرض مشاركة واحدة
قديم 12-05-2014, 03:01 AM   رقم المشاركة : 3
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

وقوله‏:‏ ‏{‏ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم‏}‏ الآية، قال ابن عباس‏:‏ ‏{‏ثم لآتينهم من بين أيديهم‏}‏ أشككهم في آخرتهم ‏{‏ومن خلفهم‏}‏ أرعبهم في ديناهم ‏{‏وعن أيمانهم‏}‏ أشبه عليهم أمر دينهم ‏{‏وعن شمائلهم‏}‏ أشهي لهم المعاصي، وعنه‏:‏ أما من بين أيديهم فمن قبل دنياهم، وأما من خلفهم فأمر آخرتهم، وأما عن أيمانهم فمن قبل حسناتهم، وأما عن شمائلهم فمن قبل سيئاتهم‏.‏ وقال قتادة‏:‏ أتاهم من بين أيديهم فأخبرهم أنه لا بعث ولا جنة ولا نار، ومن خلفهم من أمر الدينا فزينها لهم ودعاهم إليها، وعن أيمانهم من قبل حسناتهم بطأهم عنها، وعن شمائلهم زين لهم السئيات والمعاصي ودعاهم إليها وأمرهم بها، أتاك يا ابن آدم من كل وجه غير أنه لم يأتك من فوقك، لم يستطع أن يحول بينك وبين رحمة اللّه وكذا روي عن إبراهيم النخعي والسدي وابن جريج ‏.‏

وقال مجاهد‏:‏ ‏{‏من بين أيديهم وعن أيمانهم‏}‏ من حيث يبصرون، ‏{‏ومن خلفهم وعن شمائلهم‏}‏ حيث لا يبصرون، واختار ابن جرير أن المراد جميع طرق الخير والشر، فالخير يصدهم عنه، والشر يحسنه لهم، وقال ابن عباس ‏{‏ولا تجد أكثرهم شاكرين‏}‏ قال‏:‏ موحدين، وقول إبليس هذا إنما هو ظن منه وتوهم، وقد وافق في هذا الواقع كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقاً من المؤمنين‏}‏، ولهذا ورد في الحديث‏:‏ الاستعاذة من تسلط الشيطان على الإنسان كما قال الحافظ البزار‏.‏ عن ابن عباس قال‏:‏ كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يدعو‏:‏ ‏(‏اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني وديناي وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي، وآمن روعاتي، واحفظني من بين يديّ ومن خلفي، وعن يميني وعن شمالي، ومن فوقي، وأعوذ بك أن أغتال من تحتي‏)‏ ‏"‏أخرجه الحافظ البزار من حديث ابن عباس مرفوعاً‏"‏‏.‏

وعن عبد اللّه بن عمر قال‏:‏ لم يكن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يَدَعُ هؤلاء الدعوات حين يصبح وحين يمسي‏:‏ اللهم إني أسألك العافية في الدينا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يديّ ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي‏)‏
‏"‏ورواه أبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم، وقال الحاكم‏:‏ صحيح الإسناد‏"‏‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏18‏)‏
‏{‏ قال اخرج منها مذءوما مدحورا لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم أجمعين ‏}
أكد تعالى على الشيطان اللعنة والطرد والإبعاد والنفي عن محل الملأ الأعلى بقوله‏:‏ ‏{‏اخرج منها مذءوما مدحورا‏}‏، قال ابن جرير‏:‏ أما المذؤوم فهو المعيب، والذأم‏:‏ العيب، يقال ذأمه ذأماً فهو مذؤوم، والذام والذيم أبلغ في العيب من الذم، قال‏:‏ والمدحور المقصيّ وهو المبعد المطرود، وقال‏:‏ ما نعرف المذؤوم والمذموم إلا واحداً،

وقال ابن عباس‏:
صغيراً مقيتاً، وقال السدي‏:‏ مقيتاً مطروداً، وقال قتادة‏:‏ لعيناً مقيتاً، وقال مجاهد‏:‏ منفياً مطروداً، وقال الربيع بن أنس‏:‏ مذؤوماً منفياً والمدحور المصغر‏.‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم أجمعين‏}‏، كقوله‏:‏ ‏{‏قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفوراً‏}‏‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏19 ‏:‏ 21‏)‏
‏{‏ ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين ‏.‏ فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين ‏.‏ وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين ‏}‏
يذكر تعالى أنه أباح لآدم عليه السلام ولزوجته حواء الجنة أن يأكلا من جميع ثمارها إلا شجرة واحدة، وقد تقدم الكلام على ذلك في سورة
البقرة، فعند ذلك حسدهما الشيطان، وسعى في المكر والوسوسة والخديعة ليسلبهما ما هما فيه من النعمة واللباس الحسن وقال كذباً وافتراء‏:‏ ‏{‏ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين‏}‏ أي لئلا تكونا ملكين أو خالدين ها هنا، ولو أنكما أكلتما منها لحصل لكما ذلكما، كقوله‏:‏ ‏{‏قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى‏}‏ أي لئلا تكونا ملكين، كقوله‏:‏ ‏{‏يبين اللّه لكم أن تضلوا‏}‏، أي لئلا تضلوا ‏{‏وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم‏}‏ أي لئلا تميد بكم، ‏{‏وقاسمهما‏}‏ أي حلف لهما باللّه ‏{‏إني لكما لمن الناصحين‏}‏، أي حلف لهما باللّه على ذلك حتى خدعهما وقد يخدع المؤمن باللّه، وقال قتادة في الآية‏:‏ حلف باللّه إني خلقت قبلكما وأنا أعلم منكما فاتبعاني أرشدكما، وكان بعض أهل العلم يقول‏:‏ من خدعنا باللّه انخدعنا له‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏22 ‏:‏ 23‏)‏
‏{‏ فدلاهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين ‏.‏قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ‏}‏
عن ابن عباس قال‏:‏ كانت الشجرة التي نهى اللّه عنها آدم وزوجته السنبلة، فلما أكلا منها بدت لهما سوآتهما، وكان الذي وارى عنهما من سوآتهما أظفارهما، وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة ورق التين، يلزقان بعضه إلى بعض، فانطلق آدم عليه السلام مولياً في الجنة، فعلقت برأسه شجرة من الجنة، فناداه اللّه‏:‏ يا آدم أمني تفر‏؟‏ قال‏:‏ لا، ولكني أستحييك يا رب، قال‏:‏ أما كان لك فيما منحتك من الجنة وأبحتك منها مندوحة عما حرمت عليك‏؟‏ قال‏:‏ بلى يا رب، ولكن وعزتك ما حسبت أن أحداً يحلف بك كاذباً، قال‏:‏ وهو قول اللّه عز وجلَّ ‏{‏وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين‏}‏ قال‏:‏ فبعزتي لأهبطنك إلى الأرض، ثم لا تنال العيش إلا كدّاً قال‏:‏ فاهبط من الجنة، وكانا يأكلان منها رغداً فأهبط إلى غير رغد من طعام وشراب، فعلم صنعة الحديد، وأمر بالحرث، فحرث وزرع ثم سقى، حتى إذا بلغ حصد، ثم داسه ثم ذراه، ثم طحنه، ثم عجنه، ثم خبزه، ثم أكله، فلم يبلغه حتى بلغ منه ما شاء اللّه أن يبلغ، وقال سعيد ابن جبير عن ابن عباس وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة‏}‏ قال‏:‏ ورق التين وقال مجاهد‏:‏ جعلا يخصفان عليهما من ورق الجنة قال كهيئة الثوب، وقال وهب ابن منبه في قوله‏:‏ ‏{‏ينزع عنهما لباسهما‏}‏ قال‏:‏ كان لباس آدم وحواء نوراً على فروجهما، لا يرى هذا عورة هذه، ولا هذه عورة هذا، فلما أكلا من الشجرة بدت لهما سوآتهما ‏"‏رواه ابن جرير بسند صحيح‏"‏‏.‏ وقال قتادة‏:‏ قال آدم‏:‏ أي رب أرأيت أن تبت واستغفرت،

قال‏:‏ إذاً أدخلك الجنة، وأما إبليس فلم يسأله التوبة وسأله النظرة، فأعطى كل واحد منهما الذي سأله‏.‏ وقال ابن جرير عن ابن عباس قال‏:‏ لما أكل آدم من الشجرة قيل له‏:‏ لم أكلت من الشجرة التي نهيتك عنها‏؟‏ قال‏:‏ حواء أمرتني، قال‏:‏ فإني قد أعقبتها أن لا تحمل إلا كُرهاً، ولا تضع إلا كُرهاً، قال‏:‏ فرنت عند ذلك حواء، فقيل لها‏:‏ الرنة عليك وعلى ولدك؛ وقال الضحاك بن مزاحم في قوله‏:‏ ‏{‏ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين‏}‏ هي الكلمات التي تلقاها آدم من ربه‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏24 ‏:‏25‏)‏
‏{‏ قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين ‏.‏ قال فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون ‏}‏
قيل المراد بالخطاب في ‏{‏اهبطوا‏}‏ آدم وحواء وإبليس، والعمدة في العداوة آدم وإبليس، ولهذا قال تعالى في سورة
طه قال‏:‏ ‏{‏اهبطا منها جميعا‏}‏ الآية، وحواء تبع لآدم، وقد ذكر المفسرون الأماكن التي هبط فيها كل منهم، ويرجع حاصل تلك الأخبار إلى الإسرائيليات واللّه أعلم بصحتها، ولو كان في تعيين تلك البقاع فائدة تعود على المكلفين في أمر دينهم أو ديناهم لذكرها اللّه تعالى في كتابه أو رسوله صلى اللّه عليه وسلم، وقوله‏:‏ ‏{‏ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين‏}‏ أي قرار وأعمار مضروبة إلى آجال معلومة، قد جرى بها القلم وأحصاها القدر، وسطرت في الكتاب الأول، قال ابن عباس‏:‏ ‏{‏مستقر‏}‏ القبور، وعنه قال ‏{‏مستقر‏}‏ فوق الأرض وتحتها رواهما ابن أبي حاتم، وقوله‏:‏ ‏{‏قال فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون‏}‏، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى‏}‏، يخبر تعالى أنه جعل الأرض داراً لبني آدم مدة الحياة الدينا، فيها محياهم وفيها مماتهم وقبورهم، ومنها نشورهم ليوم القيامة الذي يجمع اللّه فيه الأولين والأخرين ويجازي كلا بعمله‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏26‏)‏
‏{‏ يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون ‏}‏
يمتن تعالى على عباده بما جعل لهم من اللباس والريش، فاللباس ستر العورات وهي السوآت، والرياش والريش ما يتجمل به ظاهراً، فالأول من الضروريات، والريش من التكملات والزيادات‏.‏ قال ابن جرير‏:‏ الرياش في كلام العرب الأثاث وما ظهر من الثياب، وقال ابن عباس‏:‏ الريش‏:‏ اللباس، والعيش والنعيم، وقال ابن أسلم‏:‏ الرياش الجمال؛ ولبس أبو أمامة ثوباً جديداً، فلما بلغ ترقوته قال الحمد للّه الذي كساني ما أوراي به عورتي، وأتجمل به في حياتي، ثم قال‏:‏ سمعت عمر بن الخطاب يقول‏:‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏من استجد ثوباً فلبسه فقال حين يبلغ ترقوته‏:‏ الحمد للّه الذي كساني ما أوراي به عورتي وأتجمل به في حياتي، ثم عمد إلى الثوب الخلق فتصدق به، كان في ذمة اللّه وفي جوار اللّه وفي كنف اللّه حياً وميتاً‏)‏ ‏"‏رواه أحمد والترمذي وابن ماجه‏"‏‏.‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولباس التقوى ذلك خير‏}‏، اختلف المفسرون في معناه، فقال عكرمة‏:‏ يقال هو ما يلبسه المتقون يوم القيامة، وقال قتادة وابن جريج‏:‏ ‏{‏ولباس التقوى‏}‏ الإيمان، وقال ابن عباس‏:‏ العمل الصالح، وعنه‏:‏ هو السمت الحسن في الوجه، وعن عروة بن الزبير ‏{‏لباس التقوى‏}‏ خشية اللّه، وقال ابن أسلم‏:‏ ولباس التقوى يتقي اللّه فيواري عورته، فذاك لباس التقوى، وكلها متقاربة، ويؤيد ذلك الحديث الذي رواه ابن جرير عن الحسن قال‏:‏ رأيت عثمان بن عفان رضي اللّه عنه على منبر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عليه قميص فوهي محلول الزر، وسمعته يأمر بقتل الكلاب، وينهى عن اللعب بالحمام، ثم قال‏:‏ يا أيها الناس اتقوا اللّه في هذه السرائر، فإني سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏والذي نفس محمد بيده ما أسر أحد سريرة إلا ألبسه اللّه رداءها علانية إن خيراً فخير وإن شراً فشر‏)‏، ثم قرأ هذه الآية‏:‏ ‏{‏وريشا ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات اللّه‏}‏ قال‏:‏ السمت الحسن ‏"‏رواه ابن جرير، قال ابن كثير‏:‏ فيه ضعف،
وقد روى الأئمة الشافعي وأحمد والبخاري في كتاب الأدب من طرق صحيحة عن الحسن البصري بعضه‏"‏‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏27‏)‏
‏{‏يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون‏}‏
يحذر تعالى بني آدم من إبليس وقبيله مبيناً لهم عداوته القديمة لأبي البشر آدم عليه السلام في سعيه وإخراجه من الجنة، التي هي دار النعيم إلى دار التعب والعناء، والتسبب في هتك عورته بعدما كانت مستورة عنه، وما هذا إلا عن عداوة أكيدة، وهذا كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلاً‏}‏‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏28 ‏:‏ 30‏)‏
‏{‏ وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون ‏.‏ قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين كما بدأكم تعودون ‏.‏ فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون ‏}‏
كانت العرب ما عدا قريشاً لا يطوفون بالبيت في ثيابهم التي لبسوها، يتأولون في ذلك أنهم لا يطوفون في ثياب عصوا اللّه فيها، وكانت قريش - وهم الحمس - يسرفون في ثيابهم، ومن أعراه أحمسي ثوباً طاف فيه، ومن معه ثوب جديد طاف فيه، ثم يلقيه فلا يتملكه أحدن ومن لم يجد ثوباً جديداً ولا أعاره أحمسي ثوباً طاف عرياناً، وربما كانت امرأة فتطوف عريانة فتجعل على فرجها شيئاً ليستره بعض الستر فتقول‏:‏
اليوم يبدو بعضه أو كله * وما بدا منه فلا أحله
وأكثر ما كان النساء يطفن عراة بالليل، وكان هذا شيئاً قد ابتدعوه من تلقاء أنفسهم، واتبعوا فيه آباءهم، ويعتقدون أن فعل آبائهم مستند إلى أمر من اللّه وشرع، فأنكر اللّه تعالى عليهم ذلك فقال‏:‏ ‏{‏وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها‏}‏، فقال تعالى رداً عليهم‏:‏ ‏{‏قل‏}‏ أي يا محمد لمن ادعى ذلك ‏{‏إن اللّه لا يأمر بالفحشاء‏}‏ أي هذا الذي تصنعونه فاحشة منكرة واللّه لا يأمر بمثل ذلك، ‏{‏أتقولون على اللّه ما لا تعلمون‏}‏‏؟‏ أي أتسندون إلى اللّه من الأقوال ما لا تعلمون صحته، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏قل أمر ربي بالقسط‏}‏ أي بالعدل والاستقامة، ‏{‏وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين‏}‏ أي أمركم بالاستقامة في عبادته في محالها، وهي متابعة المرسيلن المؤيدين بالمعجزات فيما أخبروا به عن اللّه، وما جاءوا به من الشرائع وبالإخلاص له في عبادته، فإنه تعالى لا يتقبل العمل حتى يجمع هذين الركنين أن يكون صواباً موافقاً للشريعة، وأن يكون خالصاً من الشرك‏.‏

واختلف في معنى قوله‏:‏ ‏{‏كما بدأكم تعودون‏}‏، فقال مجاهد‏:‏ يحييكم بعد موتكم، وقال الحسن البصري‏:‏ كما بدأكم في الدينا كذلك تعودون يوم القيامة أحياء، وقال قتادة‏:‏ بدأ فخلقهم ولم يكونوا شيئاً ثم ذهبوا ثم يعيدهم، وقال ابن أسلم‏:‏ كما بدأكم أولاً كذلك يعيدكم آخراً، واختار هذا القول أبو جعفر بن جرير، وأيده بما رواه عن ابن عباس قال‏:‏ قام فينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بموعظة فقال‏:‏ ‏(‏يا أيها الناس إنكم تحشرون إلى اللّه حفاة عراة غرلاً، كما بدأنا أول خلق نعيده وعداً علينا إنا كنا فاعلين‏)‏ ‏"‏الحديث من رواية الصحيحين، ومعنى قوله ‏{‏غرلا‏}‏ أي غير مختونين‏"‏‏.‏ وعن مجاهد قال‏:‏ يبعث المسلم مسلماً والكافر كافراً، وقال محمد بن كعب القرظي‏:‏ ‏{‏كما بدأكم تعودون‏}‏ من ابتدأ اللّه خلقه على الشقاوة صار إلى ما ابتدئ عليه خلقه وإن عمل بأعمال أهل السعادة، ومن ابتدأ خلقه على السعادة صار إلى ما ابتدئ عليه وإن عمل بأعمال أهل الشقاء كما أن السحرة عملوا بأعمال أهل الشقاء، ثم صاروا إلى ما ابتدأوا عليه، وقال السدي‏:‏ ‏{‏كما بدأكم تعودون‏}‏ كما خلقناكم فريق مهتدون وفريق ضلال كذلك تعودون وتخرجون من بطون أمهاتكم؛ وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس‏:‏ إن اللّه تعالى بدأ خلق ابن آدم مؤمناً وكافراً، كما قال‏:‏ ‏{‏هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن‏}‏ ثم يعيدهم يوم القيامة كما بدأ خلقهم مؤمناً وكافراً، قلت‏:‏ ويتأيد هذا القول بحديث ابن مسعود في صحيح البخاري‏:‏ ‏(‏فو الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا باع أو ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا باع أو ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة، فيدخل الجنة‏)‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس