عرض مشاركة واحدة
قديم 12-05-2014, 04:38 AM   رقم المشاركة : 9
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

فلما فعلوا ذلك وفرغوا من عقر الناقة وبلغ الخبر صالحاً عليه السلام جاءهم وهم مجتمعون، فلما رأى الناقة بكى وقال‏:‏ ‏{‏تمتعوا في داركم ثلاثة أيام‏}‏ الآية، وكان قتلهم الناقة يوم الأربعاء، فلما أمسى أولئك التسعة الرهط عزموا على قتل صالح، وقالوا‏:‏ إن كان صادقاً عجلناه قبلنا، وإن كان كاذباً ألحقناه بناقته ‏{‏قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون‏}‏، فلما عزموا على ذلك وتواطأوا عليه وجاؤوا من الليل ليفتكوا بنبي اللّه، فأرسل اللّه سبحانه وتعالى - وله العزة ولرسوله - عليهم حجارة فرضختهم سلفاً وتعجيلاً قبل قومهم، وأصبح ثمود يوم الخميس - وهو اليوم الأول من أيام النظرة - ووجوههم مصفرة، كما وعدهم صالح عليه السلام، وأصبحوا في اليوم الثاني من أيام التأجيل - وهو يوم الجمعة - ووجوههم محمرة، وأصبحوا في اليوم الثالث من أيام المتاع - وهو يوم السبت - ووجوههم مسودة، فلما أصبحوا من يوم الأحد، وقد تحنطوا وقعدوا ينتظرون نقمة اللّه وعذابه - عياذاً باللّه من ذلك - لا يدرون ماذا يفعل بهم، ولا كيف يأتيهم العذاب، وأشرقت الشمس، جاءتهم صيحة من السماء ورجفة شديدة من أسفل منهم، ففاضت الأرواح وزهقت النفوس في ساعة واحدة‏.‏ ‏{‏فأصبحوا في دارهم جاثمين‏}‏ أي صرعى لا أرواح فيهم، ولم يفلت منهم أحد لا صغير ولا كبير، لا ذكر ولا أنثى، ولم يبق من ذرية ثمود أحد سوى صالح عليه السلام ومن تبعه رضي اللّه عنهم، إلا أن رجلاً يقال له أبو رغال‏"‏كان لما وقعت النقمة بقومه مقيماً إذ ذاك في الحرم فلم يصبه شيء، فلما خرج في بعض الأيام إلى الحل جاءه حجر من السماء فقتله‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏79‏)‏
‏{‏ فتولى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم
ولكن لا تحبون الناصحين ‏}‏

هذا تقريع من صالح عليه السلام لقومه لما أهلكهم اللّه بمخالفته إياه وتمردهم على اللّه، وإبائهم عن قبول الحق، وإعراضهم عن الهدى إلى العمى، قال لهم صالح ذلك بعد هلاكهم تقريعاً وتوبيخاً وهم يسمعون ذلك، كما ثبت في الصحيحين أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقف علىالقليب - قليب بدر - فجعل يقول‏:‏ ‏(‏يا أبا جهل بن هشام، يا عتبة بن ربيعة، يا شبية بن ربيعة، ويا فلان بن فلان، هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً‏؟‏ فإني وجدت ما وعدني ربي حقاً‏(‏ فقال له عمر‏:‏ يا رسول اللّه ما تكلم من أقوام قد جيفوا‏!‏ فقال‏:‏ ‏(‏والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكن لا يجيبون‏)‏ وفي السيرة أنه صلى اللّه عليه وسلم قال لهم‏:‏ ‏(‏بئس عشيرة القوم كنتم لنبيكم، كذبتموني وصدقني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس، وقاتلتموني ونصرني الناس، فبئس عشيرة القوم كنتم لنبيكم‏)‏ ‏.‏ وهكذا قال صالح عليه السلام لقومه‏:‏ ‏{‏لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم‏}‏ أي فلم تنتفعوا بذلك لأنكم لا تحبون الحق ولا تتبعون ناصحاً، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏ولكن لا تحبون الناصحين‏}‏، وقد ذكر بعض المفسرين أن كل نبي هلكت أمته كان يذهب فيقيم في الحرم - حرم مكة - واللّه أعلم‏.‏ وقد قال الإمام أحمد عن ابن عباس قال‏:‏ لما مر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بوادي عسفان حين حج قال‏:‏ ‏(‏يا أبا بكر أي واد هذا‏؟‏‏)‏ قال هذا وادي عسفان‏.‏ قال‏:‏ ‏(‏لقد مر به هود وصالح عليهما السلام على بكرات خطمهن الليف، أزرهم العباء، وأرديتهم النمار، يلبون يحجون البيت العتيق‏)‏ ‏"‏أخرجه الإمام أحمد، قال ابن كثير‏:‏ هذا حديث غريب من هذا الوجه‏"‏‏.‏

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏80 ‏:‏81‏)‏
‏{‏ ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين ‏.‏ إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون ‏}

يقول تعالى و لقد أرسلنا ‏{‏لوطا‏}‏ أو تقديره و اذكر ‏{‏لوطا إذ قال لقومه‏}‏ ولوط هو ابن هاران ابن آزر، وهو ابن أخي إبراهيم الخليل عليهما السلام وكان قد آمن مع إبراهيم عليه السلام وهاجر معه إلى أرض الشام فبعثه اللّه إلى أهل سدوم، وما حولها من القرى، يدعوهم إلى اللّه عزَّ وجلَّ ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عما كانوا يرتكبونه من المآثم والمحارم والفواحش التي اخترعوها لم يسبقهم بها أحد من بني آدم ولا غيرهم، وهو إتيان الذكور دون الإناث، وهذا شيء لم يكن بنو آدم تعهده ولا تألفه، ولا يخطر ببالهم، حتى صنع ذلك أهل سدوم عليهم لعائن اللّه‏.‏ قال عمرو بن دينار في قوله ‏{‏ما سبقكم بها من أحد من العالمين‏}‏ قال‏:‏ ما نزا ذكر على ذكر حتى كان يوم لوط؛ وقال الوليد بن عبد الملك‏:‏ لولا أن اللّه عزَّ وجلَّ قص علينا خبر قوم لوط، ما ظننت أن ذكراً يعلو ذكراً، ولهذا قال لهم لوط عليه السلام‏:‏ ‏{‏أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين * إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء‏}‏ أي عدلتم عن النساء وما خلق لكم ربكم منهن إلى الرجال، وهذا إسراف منكم وجهل، لأنه وضع الشيء في غير محله، ولهذا قال لهم في الآية الأخرى‏:‏ ‏{‏هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين‏}‏ فأرشدهم إلى نسائهم فاعتذروا إليه بأنهم لا يشتهونهن، ‏{‏قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد‏}‏ أي لقد علمت أنه لا أرب لنا في النساء ولا إرادة وإنك لتعلم مرادنا من أضيافك، وذكر المفسرون أن الرجال كانوا قد استغنى بعضهم ببعضن وكذلك نساؤهم كن قد استغنين بعضهن ببعض أيضاً‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏82‏)‏
‏{‏ وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون ‏}‏

أي ما أجابوا لوطاً إلا أن هموا بإخراجه ونفيه ومن معه من بين أظهرهم، فأخرجه اللّه تعالى سالماً وأهلكهم في أرضهم صاغرين مهانين، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إنهم أناس يتطهرون‏}‏، قال قتادة‏:‏ عابوهم بغير عيب‏.‏ وقال مجاهد‏:‏ إنهم أناس يتطهرون من أدبار الرجال وأدبار النساء،
وروى مثله عن ابن عباس أيضاً‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏83 ‏:‏ 84‏)‏
‏{‏ فأنجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين ‏.‏ وأمطرنا عليهم مطرا
فانظر كيف كان عاقبة المجرمين ‏}‏

يقول تعالى‏:‏ فأنجينا لوطاً وأهله ولم يؤمن به أحد منهم سوى أهل بيته فقط، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين * فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين‏}‏ إلا امرأته فإنها لم تؤمن به، بل كانت على دين قومها تمالئهم عليه، وتعلمهم بمن يقدم عليه من ضيفانه بإشارات بينها وبينهم، ولهذا لما أمر لوط عليه السلام ليسري بأهله أمر أن لا يعلمها ولا يخرجها من البلد ومنهم من يقول بل اتبعتهم، فلما جاء العذاب التفتت هي، فأصابها ما أصابهم، والأظهر أنها لم تخرج من البلد ولا أعلمها لوط بل بقيت معهم، ولهذا قال ههنا‏:‏ ‏{‏إلا امرأته كانت من الغابرين‏}‏ أي الباقين، وقيل من الهالكين وهو تفسير باللازم، وقوله‏:‏ ‏{‏وأمطرنا عليهم مطراً‏}‏ مفسر بقوله‏:‏ ‏{‏وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد‏}‏، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏فانظر كيف كان عاقبة المجرمين‏}‏ أي انظر يا محمد كيف كان عاقبة من يجترئ على معاصي اللّه عزَّ وجلَّ ويكذب رسله، وقد ذهب الإمام أبو حنيفة رحمه اللّه إلى أن اللائط يلقى من شاهق ويتبع بالحجارة كما فعل بقوم لوط، وذهب آخرون من العلماء إلى أنه يرجم سواء كان محصناً أو غير محصن، وهو أحد قولي الشافعي رحمه اللّه‏.‏ والحجة ما رواه الإمام أحمد عن ابن عباس قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏من وجدتموه يعمل عمل لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به‏)‏ ‏"‏ورواه أبو داود والترمذي وابن ماجه‏"‏‏.‏ وقال آخرون‏:‏ هو كالزاني فإن كان محصناً رجم، وإن لم يكن محصناً جلد مائة جلدة، وهو القول الآخر للشافعي، وأما إتيان النساء في الأدبار فهو اللوطية الصغرى، وهو حرام بإجماع العلماء إلا قولاً شاذاً لبعض السلف‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏85‏)‏
‏{‏ وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين ‏}‏

مدين تطلق على القبيلة وعلى المدينة، وهي التي بقرب معان من طرق الحجاز معان هي الآن بلدة شهيرة في شرق الأردن ، قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون‏}‏ وهم أصحاب الأيكة كما سنذكره إن شاء اللّه وبه الثقة، ‏{‏قال يا قوم اعبدوا اللّه ما لكم من إله غيره‏}‏ هذه دعوة الرسل كلهم، ‏{‏قد جاءتكم بينة من ربكم‏}‏، أي قد أقام اللّه الحجج والبينات على صدق ما جئتكم به، ثم وعظهم في معاملتهم الناس بأن يوفوا المكيال والميزان ولا يبخسوا الناس أشياءهم، أي لا يخونوا الناس في أموالهم ويأخذوها على وجه البخس، وهو نقص المكيال والميزان خفية وتدليساً، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏ويل للمطففين - إلى قوله - لرب العالمين‏}‏ وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد، نسأل اللّه العافية منه، ثم قال تعالى إخباراً عن شعيب الذي يقال له خطيب الأنبياء لفصاحة عبارته وجزالة موعظته‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏86 ‏:‏ 87‏)‏
‏{‏ ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون عن سبيل الله من آمن به وتبغونها عوجا واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين ‏.‏ وإن كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلت به وطائفة لم يؤمنوا فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين ‏}‏

ينهاهم شعيب عليه السلام عن قطع الطريق الحسي والمعنوي بقوله‏:‏ ‏{‏ولا تقعدوا بكل صراط توعدون‏}‏ أي تتوعدون الناس بالقتل إن لم يعطوكم أموالهم‏.‏ قال السدي‏:‏ كانوا عشارين، وعن ابن عباس ومجاهد ‏{‏ولا تقعدوا بكل صراط توعدون‏}‏‏:‏ أي تتوعدون المؤمنين الآتين إلى شعيب ليتبعوه، والأول أظهر، لأنه قال‏:‏ ‏{‏بكل صراط‏}‏ وهو الطريق، وهذا الثاني هو قوله‏:‏ ‏{‏وتصدون عن سبيل اللّه من آمن به وتبغونها عوجا‏}‏ أي وتودون أن تكون سبيل اللّه عوجاً مائلة، ‏{‏واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم‏}‏ أي كنتم مستضعفين لقلتكم فصرتم أعزة لكثرة عددكم، فاذكروا نعمة اللّه عليكم في ذلك، ‏{‏وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين‏}‏ أي من الأمم الخالية والقرون الماضية وما حل بهم من العذاب والنكال باجترائهم على معاصي اللّه وتكذيب رسله، وقوله‏:‏ ‏{‏وإن كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلت به وطائفة لم يؤمنوا‏}‏ أي قد اختلفتم علي ‏{‏فاصبروا‏}‏ أي انتظروا ‏{‏حتى يحكم اللّه بيننا‏}‏ وبينكم أي يفصل ‏{‏وهو خير الحاكمين‏}‏، فإنه سيجعل العاقبة للمتقين والدمار على الكافرين‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏88 ‏:‏ 89‏)‏
‏{‏ قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا قال أولو كنا كارهين ‏.‏ قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا وسع ربنا كل شيء علما على الله توكلنا ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين ‏}‏

هذا خبر من اللّه تعالى عما واجهت به الكفار نبيه شعيباً ومن معه من المؤمنينن وتوعدهم إياه ومن معه بالنفي عن القرية أو الإكراه على الرجوع في ملتهم والدخول معهم فيما هم فيه، وهذا خطاب مع الرسول؛ والمراد أتباعه الذين كانوا معه على الملة، وقوله‏:‏ ‏{‏أولو كنا كارهين‏}‏‏؟‏ يقول‏:‏ أو أنتم فاعلون ذلك ولو كنا كارهين ما تدعونا إليه، فإنا إن رجعنا إلى ملتكم ودخلنا معكم فيما أنتم فيه فقد أعظمنا الفرية على اللّه، في جعل الشركاء معه أنداداً، وهذا تنفير منه على اتباعهم ‏{‏وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء اللّه ربنا‏}‏، وهذا رد إلى اللّه مستقيم فإنه يعلم كل شيء وقد أحاط بكل شيء علماً، ‏{‏على اللّه توكلنا‏}‏ أي في أمورنا ما نأتي منها وما نذر، ‏{‏ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق‏}‏، أي احكم بيننا وبين قومنا وانصرنا عليهم، ‏{‏وأنت خير الفاتحين‏}‏ أي خير الحاكمين، فإنك العادل الذي لا يجور أبداً‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏90 ‏:‏ 92‏)‏
‏{‏ وقال الملأ الذين كفروا من قومه لئن اتبعتم شعيبا إنكم إذا لخاسرون ‏.‏ فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين ‏.‏ الذين كذبوا شعيبا كأن لم يغنوا فيها الذين كذبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين ‏}‏

يخبر تعالى عن شدة كفرهم وتمردهم وعتوهم وما هم فيه من الضلال، وما جبلت عليه قلوبهم من المخالفة للحق، ولهذا أقسموا وقالوا‏:‏ ‏{‏لئن اتبعتم شعيبا إنكم إذا لخاسرون‏}‏، فلهذا عقبه بقوله‏:‏ ‏{‏فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين‏}‏، أخبر تعالى هنا أنهم أخذتهم الرجفة، وذلك كما أرجفوا شعيباً وأصحابه وتوعدهم بالجلاء كما أخبر عنهم في سورة هود، فقال‏:‏ ‏{‏ولما جاء أمرنا نجينا شعيبا والذين آمنوا معه برحمة منا وأخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين‏}‏، والمناسبة هناك - واللّه أعلم - أنهم لما تهكموا به في قولهم ‏{‏أصلاتك تأمرك‏}‏‏؟‏ الآية، فجاءت الصيحة فأسكتتهم، وقال تعالى إخباراً عنهم في سورة الشعراء ‏{‏فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم‏}‏، وما ذاك إلا لأنهم قالوا له في سياق القصة‏:‏ ‏{‏فأسقط علينا كسفا من السماء‏}‏ الآية، فأخبر أنه أصابهم عذاب يوم الظلة، وقد اجتمع عليهم ذلك كله أصابهم عذاب يوم الظلة، وهي سحابة أظلتهم، فيها شر من نار ولهب ووهج عظيم، ثم جاءتهم صيحة من السماء ورجفة من الأرض شديدة من أسفل منهم، فزهقت الأرواح، وفاضت النفوس، وخمدت الأجسام ‏{‏فأصبحوا في دارهم جاثمين‏}‏‏.‏ ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏كأن لم يغنوا فيها‏}‏ أي كأنهم لما أصابتهم النقمة لم يقيموا بديارهم التي أرادوا إجلاء الرسول وصحبه منها‏.‏ ثم قال تعالى مقابلاً لقيلهم‏:‏ ‏{‏الذين كذبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين‏}‏‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏93‏)‏
‏{‏ فتولى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم فكيف
آسى على قوم كافرين ‏}‏

أي فتولى عنهم شعيب عليه السلام بعدما أصابهم من العذاب والنقمة والنكال، وقال مقرعاً لهم وموبخاً‏:‏ ‏{‏يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم‏}‏ أي قد أديت إليكم ما أرسلت بهن فلا آسف عليكم وقد كفرتم بما جئتكم به، فلهذا قال‏:‏ ‏{‏فكيف آسى على قوم كافرين‏}‏‏؟‏‏.‏‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏94 ‏:‏ 95‏)‏
‏{‏ وما أرسلنا في قرية من نبي إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء لعلهم يضرعون ‏.‏ ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة حتى عفوا وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء فأخذناهم بغتة وهم لا يشعرون ‏}‏

يقول تعالى مخبراً عما اختبر به الأمم الماضية الذين أرسل إليهم الأنبياء بالبأساء والضراء‏.‏ يعني ‏{‏بالبأساء‏}‏ ما يصيبهم في أبدانهم من أمراض وأسقام، ‏{‏والضراء‏}‏ ما يصيبهم من فقر وحاجة ونحو ذلك ‏{‏لعلهم يضرعون‏}‏ أي يدعون ويخشعون ويبتهلون إلى اللّه تعالى في كشف ما نزل بهم، وتقدير الكلام‏:‏ أنه ابتلاهم بالشدة ليتضرعوا فما فعلوا شيئاً من الذي أراد منهم، فقلب عليهم الحال إلى الرخاء ليختبرهم فيهن ولهذا قال‏:‏ ‏{‏ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة‏}‏ أي حولنا الحال من شدة إلى رخاء، ومن مرض وسقم إلى صحة وعافية، ومن فقر إلى غنى، ليشكروا على ذلك فما فعلوا، وقوله‏:‏ ‏{‏حتى عفوا‏}‏ أي كثروا وكثرت أموالهم وأولادهم، يقال‏:‏ عفا الشيء إذا كثر‏.‏ ‏{‏وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء فأخذناهم بغتة وهم لا يشعرون‏}‏‏.‏ يقول تعالى‏:‏ ابتليناهم بهذا وهذا ليتضرعوا وينيبوا إلى اللّه فما نجع فيهم لا هذا ولا هذا، ولا انتهوا بهذا ولا بهذا، وقالوا‏:‏ قد مسنا من البأساء والضراء ثم بعده من الرخاء مثل ما أصاب آباءنا في قديم الزمان والدهر، وإنما هو الدهر تارات وتارات، بل لم يتفطنوا لأمر اللّه فيهم ولا استشعروا ابتلاء اللّه لهم في الحالين، وهذا بخلاف حال المؤمنين الذين يشكرون اللّه على السراء ويصبرون على الضراء كما ثبت في الصحيحين‏:‏ ‏(‏عجباً للمؤمن لا يقضي اللّه له قضاء إلا كان خيراً له، إن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيراً له‏)‏ فالمؤمن من يتفطن لما ابتلاه اللّه به من الضراء والسراء، ولهذا جاء في الحديث‏:‏ ‏(‏لا يزال البلاء بالمؤمن حتى يخرج نقياً من ذنوبه ‏"‏وفي رواية الترمذي‏:‏ ‏)‏حتى يلقى اللّه تعالى وما عليه خطيئة‏"‏، والمنافق كمثل الحمار لا يدري فيم ربطه أهله ولا فيما أرسلوه‏(‏، أو كما قال، ولهذا عقب هذه الصفة بقوله ‏{‏فأخذناهم بغتة وهم لا يشعرون‏}‏ أي أخذناهم بالعقوبة بغتة، أي على بغتة وعدم شعور منهم، أي أخذناهم فجأة كما في الحديث‏:‏ ‏)‏موت الفجأة رحمة للمؤمن وأخذة أسف للكافر‏)‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس