عرض مشاركة واحدة
قديم 13-05-2014, 01:07 AM   رقم المشاركة : 14
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏158‏)‏
{‏ قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون ‏}‏

يقول تعالى لنبيه ورسوله محمد صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏{‏قل‏}‏ يا محمد ‏{‏يا أيها الناس‏}‏ وهذا خطاب للأحمر والأسود والعربي والعجمي ‏{‏إني رسول اللّه إليكم جميعا‏}‏ أي جميعكم، وهذا من شرفه وعظمته صلى اللّه عليه وسلم أنه خاتم النبيين وأنه مبعوث إلى الناس كافة كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏فإن أسلموا واهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ‏}‏، والآيات في هذا كثيرة، كما أن الأحاديث في هذا أكثر من أن تحصر، وهو معلوم من دين الإسلام ضرورة أنه صلوات اللّه عليه رسول اللّه إلى الناس كلهم‏.‏ قال البخاري في تفسير هذه الآية، عن أبي الدرداء رضي اللّه عنه قال‏:‏ كانت بين أبي بكر وعمر رضي اللّه عنهما محاورة فأغضب أبو بكر عمر، فانصرف عنه عمر مغضباً فاتبعه أبو بكر يسأله أن يستغفر له، فلم يفعل حتى أغلق بابه في وجهه، فأقبل أبو بكر إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقال أبو الدرداء ونحن عنده، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أما صاحبكم هذا فقد غامر‏)‏ أي غاضب وحاقد، قال‏:‏ وندم عمر على ما كان منه، فأقبل حتى سلم وجلس إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم وقص على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الخبر، قال أبو الدرداء‏:‏ فغضب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وجعل أبو بكر يقول‏:‏ واللّه يا رسول اللّه لأنا كنت أظلم، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏هل أنتم تاركوا لي صاحبي‏؟‏ إني قلت يا أيها الناس إني رسول اللّه إليكم جميعاً، فقلتم‏:‏ كذبت، وقال أبو بكر‏:‏ صدقت‏)‏ وقال الإمام أحمد عن ابن عباس أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏أعطيت خمساً لم يعطهن نبي قبلي ولا أقوله فخراً‏:‏ بعثت إلى الناس كافة الأحمر والأسود، ونصرت بالرعب مسيرة شهر، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، وأعطيت الشفاعة فأخرتها لأمتي يوم القيامة، فهي لمن لا يشرك باللّه شيئاً‏)‏ وقال الإمام أحمد عن أبي هريرة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي أو نصراني ثم يموت ولا يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار‏)‏ ‏"‏رواه أحمد في المسند ومسلم في صحيحه واللفظ لأحمد‏"‏‏.‏ وعن جابر بن عبد اللّه قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبل‏:‏ نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه وبعثت إلى الناس عامة‏)‏ ‏"‏رواه الشيخان عن جابر بن عبد اللّه مرفوعاً‏"‏‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت‏}‏ صفة اللّه تعالى في قول رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أي الذي أرسلني هو خالق كل شيء وربه ومليكه الذي بيده الملك والإحياء والإماتة وله الحكم،

وقوله‏:‏ ‏{‏فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي‏}‏ أخبرهم أنه رسول اللّه إليهم ثم أمرهم باتباعه والإيمان به ‏{‏النبي الأمي‏}‏ أي الذي وعدتم به وبشرتم به في الكتب المتقدمة، فإنه منعوت بذلك في كتبهم، ولهذا قال النبي الأمي، وقوله‏:‏ ‏{‏الذي يؤمن بالله وكلماته‏}‏ أي يصدق وله عمله وهو يؤمن بما أنزل إليه من ربه ‏{‏واتبعوه‏}‏ أي اسلكوا طريقه واقتفوا أثره ‏{‏لعلكم تهتدون‏}‏ أي إلى الصراط المستقيم‏.

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏159‏)‏
‏{‏ ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون ‏}‏

يقول تعالى مخبراً عن بني إسرائيل أن منهم طائفة يتبعون الحق ويعدلون به، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات اللّه آناء الليل وهم يسجدون‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وإن من أهل الكتاب من قبله هم به يؤمنون‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به‏}‏ الآية‏.‏

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏160 ‏:‏ 162‏)‏
‏{‏ وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطا أمما وأوحينا إلى موسى إذ استسقاه قومه أن اضرب بعصاك الحجر فانبجست منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم وظللنا عليهم الغمام وأنزلنا عليهم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ‏.‏ وإذ قيل لهم اسكنوا هذه القرية وكلوا منها حيث شئتم وقولوا حطة وادخلوا الباب سجدا نغفر لكم خطيئاتكم سنزيد المحسنين ‏.‏ فبدل الذين ظلموا منهم قولا غير الذي قيل لهم فأرسلنا عليهم رجزا من السماء بما كانوا يظلمون‏}‏

تقدم تفسير هذا كله في سورة البقرة وهي مدينة وهذا السياق مكي، ونبهنا على الفرق بين هذا والسياق وذاك بما أغنى عن إعادته هنا وللّه الحمد والمنة‏.‏

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏163‏)‏
‏{‏ واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون ‏}‏

هذا السياق هو بسط لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت‏}‏ الآية، يقول تعالى لنبيه صلوات اللّه وسلامه عليه، ‏{‏واسألهم‏}‏ أي واسأل هؤلاء اليهود الذين بحضرتك عن قصة أصحابهم الذين خالفوا أمر اللّه ففاجأتهم نقمته على صنيعهم واعتدائهم واحتيالهم في المخالفة، وحذر هؤلاء من كتمان صفتك التي يجدونها في كتبهم لئلا يحل بهم ما حل بإخوانهم وسلفهم، وهذه القرية هي أيلة وهي على شاطىء بحر القلزم، وقال ابن عباس‏:‏ هي قرية يقال لها أيلة بين مدين والطور وهو قول عكرمة ومجاهد وقتادة والسدي ، وقيل‏:‏ هي مدين وهو رواية عن ابن عباس، وقوله‏:‏ ‏{‏إذ يعدون في السبت‏}‏ أي يعتدون فيه ويخالفون أمر اللّه فيه لهم بالوصاة به إذ ذاك ‏{‏إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا‏}‏، قال ابن عباس‏:‏ أي ظاهرة على الماء، ‏{‏ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم‏}‏ أي نختبرهم بإظهار السمك لهم على ظهر الماء في اليوم المحرم عليهم صيده، وإخفائها عنهم في اليوم الحلال لهم صيده، ‏{‏كذلك نبلوهم‏}‏ نختبرهم ‏{‏بما كانوا يفسقون‏}‏ يقول‏:‏ بفسقهم عن طاعة اللّه وخروجهم عنها، وهؤلاء قوم احتالوا على انتهاك محارم اللّه بما تعاطعوا من الأسباب الظاهرة التي معناها في الباطن تعاطي الحرام، وفي الحديث عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏لا تركبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم اللّه بأدنى الحيل‏)‏
‏"‏قال ابن كثير‏:‏ إسناده جيد ورجاله مشهورون ثقات‏"‏‏.‏

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏164 ‏:‏ 166‏)‏
‏{‏ وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون ‏.‏ فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون ‏.‏ فلما عتوا عن ما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين ‏}‏

يخبر تعالى عن أهل هذه القرية أنهم صاروا إلى ثلاث فرق‏:‏ فرقة ارتكبت المحذور واحتالوا على اصطياد السمك يوم السبت، وفرقة نهت عن ذلك واعتزلتهم، وفرقة سكتت فلم تفعل ولم تنه ولكنها قالت للمنكرة ‏{‏لم تعظون قوما اللّه مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا‏}‏ أي لم تنهون هؤلاء، وقد علمتم أنهم قد هلكوا، واستحقوا العقوبة من اللّه فلا فائدة في نهيكم إياهم، قالت لهم المنكرة ‏{‏معذرة إلى ربكم‏}‏ أي فيما أخذ علينا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،

‏{‏ولعلهم يتقون‏}‏ أي لعلهم بهذا الانكار يقون ما هم فيه ويتركونه، ويرجعون إلى اللّه تائبين، فإذا تابوا تاب اللّه عليهم ورحمهم، قال تعالى‏:‏ ‏{‏فلما نسوا ما ذكروا به‏}‏ أي فلما أبى الفاعلون قبول النصيحة ‏{‏أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا‏}‏، أي ارتكبوا المعصية ‏{‏بعذاب بئيس‏}‏، فنص على نجاة الناهين وهلاك الظالمينن وسكت عن الساكتين، لأن الجزاء من جنس العمل، فهم لا يستحقون مدحاً فيمدحوا ولا ارتكبوا عظيماً فيذموا، ومع هذا فقد اختلف الأئمة فيهم‏:‏ هل كانوا من الهالكين أو من الناجين‏؟‏ على قولين، وقال ابن عباس في الآية‏:‏ هي قرية على شاطىء البحر بين مصر والمدينة يقال لها أيلة، فحرم اللّه عليهم الحيتان يوم سبتهم، وكانت الحيتان تأتيهم يوم سبتهم شرعاً في ساحل البحر، فإذا مضى يوم السبت لم يقدروا عليها، فمضى على ذلك ما شاء اللّه، ثم إن طائفة منهم أخذوا الحيتان يوم سبتهم فنهتهم طائفة، وقالوا تأخذونها وقد حرمها اللّه عليكم يوم سبتكم‏؟‏ فلم يزدادوا إلا غياً وعتواً، وجعلت طائفة أخرى تنهاهم، فلما طال ذلك عليهم قالت طائفة من النهاة تعلمون أن هؤلاء قوم قد حق عليهم العذاب ‏{‏لم تعظون قوما اللّه مهلكهم‏}‏‏؟‏ وكانوا أشد غضباً للّه من الطائفة الأخرى، فقالوا‏:‏ ‏{‏معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون‏}‏ وكل قد كانوا ينهون، فلما وقع عليهم غضب اللّه نجت الطائفتان اللتان قالوا‏:‏ لم تعظون قوماً مهلكهم اللّه والذين قالوا معذرة إلى ربكم، وأهلك اللّه أهل معصيته الذين أخذوا الحيتان فجعلهم قردة‏.‏

عن عكرمة عن ابن عباس في الآية قال‏:‏
ما أدري أنجا الذين قالوا‏:‏ ‏{‏لم تعظون قوما اللّه مهلكهم‏}‏ أم لا‏؟‏ قال‏:‏ فلم أزل به حتى عرّفته أنهم قد نجوا فكساني حلة‏.‏ وقال عبد الرزاق عن عكرمة قال‏:‏ جئت ابن عباس يوماً وهو يبكي، وإذا المصحف في حجره، فأعظمت أن أدنو منه، ثم لم أزل على ذلك حتى تقدمت فجلست، فقلت ما يبكيك يا ابن عباس جعلني اللّه فداك‏؟‏ قال‏:‏ فقال‏:‏ هؤلاء الورقات قال‏:‏ وإذا هو في سورة الأعراف، قال‏:‏ تعرف أيلة‏؟‏ قلت‏:‏ نعم، قال‏:‏ فإنه كان بها حي من اليهود سيقت الحيتان إليهم يوم السبت ثم غاصت لا يقدرون عليها حتى يغوصوا بعد كد ومؤنة شديدة، كانت تأتيهم يوم سبتهم شرعاً بيضاء سماناً، فكانوا كذلك برهة من الدهر، ثم إن الشيطان أوحى إليهم فقال‏:‏ إنما نهيتم عن أكلها يوم السبت فخذوها فيه وكلوها في غيره من الأيام، فقالت ذلك طائفة منهم، وقالت طائفة‏:‏ بل نهيتهم عن أكلها وأخذها وصيدها يوم السبت، فكانوا كذلك حتى جاءت الجمعة المقبلة فغدت طائفة بأنفسها وأبنائها ونسائها، واعتزلت طائفة ذات اليمينن وتنحت، واعتزلت طائفة ذات اليسار وسكتت، وقال الأيمنون‏:‏ ويلكم، ننهاكم أن تتعرضوا لعقوبة اللّه، وقال الأيسرون‏:‏ ‏{‏لم تعظون قوما اللّه مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا‏}‏‏؟‏ قال الأيمنون‏:‏ ‏{‏معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون‏}‏ أي ينتهون، إن ينتهوا فهو أحب إلينا أن لا يصابوا ولا يهلكوا، وإن لم ينتهوا فمعذرة إلى ربكم، فمضوا على الخطيئة، وقال الأيمنون فقد فعلتم يا أعداء اللّه، واللّه لنأتينكم الأيلة في مدينتكم، واللّه ما نراكم تصبحون حتى يصبحكم اللّه بخسف أو قذف أو بعض ما عنده من العذاب، فلما أصبحوا ضربوا عليهم الباب ونادوا فلم يجيبوا، فوضعوا سلماً وأعلوا سور المدينة رجلاً، فالتفت إليهم، فقال‏:‏ أي عباد اللّه قردة واللّه تعاوى تعاوى، لها أذناب، قال‏:‏ ففتحوا فدخلوا عليهم، فعرفت القرود أنسابها من الإنس، ولا تعرف الإنس أنسابها من القردة فجعلت القرود يأتيها نسبيها من الإنس، فتشم ثيابه، وتبكي، فيقول‏:‏ ألم ننهكم عن كذا‏؟‏ فتقول برأسها‏:‏ أي نعم، ثم قرأ ابن عباس‏:‏ ‏{‏فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس‏}‏ قال‏:‏ فأرى الذين نهوا قد نجوا، ولا أرى الآخرين ذكروا، ونحن نرى أشياء ننكرها ولا نقول فيها، قال‏:‏ قلت جعلني اللّه فداك ألا ترى أنهم قد كرهوا ما هم عليه وخالفوهم، وقالوا‏:‏ ‏{‏لم تعظون قوما اللّه مهلكهم‏؟‏‏}‏ قال‏:‏ فأمر لي فكسيت ثوبين غليظين ‏"‏أخرجه عبد الرزاق عن ابن عباس‏"‏‏.‏

القول الثاني ‏:
أن الساكتين كانوا من الهالكين، قال محمد بن إسحاق عن ابن عباس أنه قال‏:‏ ابتدعوا السبت، فابتلوا فيه، فحرمت عليهم فيه الحيتان، فكانوا إذا كان يوم السبت شرعت لهم الحيتان ينظرون إليها في البحر، فإذا انقضى السبت ذهبت فلم تر حتى السبت المقبل، فإذا جاء السبت جاءت شرعاً فمكثوا ما شاء اللّه أن يمكثوا كذلك، ثم إن رجلاً منهم أخذ حوتاً فحزم أنفه ثم ضرب له وتداً في الساحل وربطه وتركه في الماء، فلما كان الغد أخذه فشواه فأكله، ففعل ذلك وهو ينظرون ولا ينكرون ولا ينهاه منهم أحد إلا عصبة منهم نهوه، حتى ظهر ذلك في الأسواق ففعل علانية، قال، فقالت طائفة للذين ينهونهم‏:‏ ‏{‏لم تعظون قوما اللّه مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم‏}‏ فقالوا‏:‏ نسخط أعمالهم ‏{‏ولعلهم يتقون * فلما نسوا ما ذكروا به - إلى قوله - قردة خاسئين‏}‏‏.‏ قال ابن عباس‏:‏ كانوا أثلاثاً، ثلث نهوا، وثلث قالوا‏:‏ ‏{‏لم تعظون قوما اللّه مهلكهم‏}‏، وثلث أصحاب الخطيئة، فما نجا إلا الذين نهوا وهلك سائرهم ‏"‏قال ابن كثير‏:‏ هذا إسناد جيد عن ابن عباس ولكن رجوعه إلى قول عكرمة في نجاة الساكتين أولى القول بهذا‏"‏، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس‏}‏ فيه دلالة بالمفهوم على أن الذين بقوا نجوا، و‏{‏بئيس‏}‏ معناه في قول مجاهد الشديد، وفي رواية‏:‏ أليم، وقال قتادة‏:‏ موجع، والكل متقارب، واللّه أعلم، وقوله‏:‏ ‏{‏خاسئين‏}‏ أي ذليلن حقيرين مهانين‏.‏

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏167‏)‏
‏{‏ وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم ‏}‏

‏{‏تأذن‏}‏ تفعَّل من الأذام أي أعلم، قاله مجاهد، وفي قوة الكلام ما يفيد معنى القسم من هذه اللفظة، ولهذا أتبعت باللام في قوله‏:‏ ‏{‏ليبعثن عليهم‏}‏ أي على اليهود، ‏{‏إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب‏}‏ أي بسبب عصيانهم ومخالفتهم أوامر اللّه وشرعه واحتيالهم على المحارم، ويقال‏:‏ إن موسى عليه السلام ضرب عليهم الخراج سبع سنين، وقيل ثلاث عشرة سنة، وكان أول من ضرب الخراج، ثم كانوا في قهر الملوك من اليونانيين والكشدانيين والكلدانيين،

ثم صاروا إلى قهر النصارى وإذلالهم إياهم وأخذهم منهم الجزية والخراج، ثم جاء الإسلام ومحمد صلى اللّه عليه وسلم، فكانوا تحت قهره وذمته يؤدون الخراج والجزية‏.‏ قال ابن عباس في تفسير هذه الآية‏:‏ هي المسكنة وأخذ الجزية منهم، وعنه‏:‏ هي الجزية، والذي يسومهم سوء العذاب محمد صلى اللّه عليه وسلم وأمته إلى يوم القيامة وكذا قال سعيد بن جبير وابن جريج والسدي وقتادة ‏.‏ ثم آخر أمرهم أنهم يخرجون أنصاراً للدجال فيقتلهم المسلمون مع عيسى بن

مريم عليه السلام، وذلك آخر الزمان‏.‏ وقوله ‏{‏إن ربك لسريع العقاب‏}‏ أي لمن عصاه وخالف شرعه، ‏{‏وإنه لغفور رحيم‏}‏ أي لمن تاب إليه وأناب، وهذا من باب قرن الرحمة مع العقوبة لئلا يحصل اليأس، فيقرن تعالى بين الترعيب والترهيب كثيراً لتبقى النفوس بين الرجاء والخوف‏.‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس