عرض مشاركة واحدة
قديم 19-05-2014, 05:15 AM   رقم المشاركة : 15
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏88 ‏:‏ 89‏)‏
{‏ لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم وأولئك لهم الخيرات وأولئك هم المفلحون ‏.‏ أعد الله لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم ‏}‏

لما ذكر تعالى ذنب المنافقين، بيّن ثناءه على المؤمنين وما لهم في آخرتهم فقال‏:‏ ‏{‏لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا‏}‏ لبيان حالهم ومآلهم، وقوله‏:‏ ‏{‏وأولئك لهم الخيرات‏}‏ أي في الدار الآخرة في جنات الفردوس والدرجات العلى‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏90‏)‏
‏{‏ وجاء المعذرون من الأعراب ليؤذن لهم وقعد الذين كذبوا الله ورسوله سيصيب
الذين كفروا منهم عذاب أليم ‏}‏

ثم بيَّن تعالى حال ذوي الأعذار في ترك الجهاد الذين جاءوا إلى رسول اللّه صلى
اللّه عليه وسلم يعتذرون إليه، وهم من أحياء العرب ممن حول المدينة، قال ابن إسحاق‏:‏ وبلغني أنهم نفر من بني غفار، وهذا القول هو الأظهر روى الضحاك عن ابن عباس أنه كان يقرأ ‏{‏وجاء المعذرون‏}‏ بالتخفيف ويقول‏:‏ هم أهل العذر وقراءة الجمهور بالتشديد ، لأنه قال بعد هذا‏:‏ ‏{‏وقعد الذين كذبوا اللّه ورسوله‏}‏ أي لم يأتوا فيعتذروا، وقال مجاهد‏:‏ ‏{‏وجاء المعذرون من الأعراب‏}‏ قال‏:‏ نفر من بني غفار، جاءوا فاعتذروا فلم يعذرهم اللّه؛ وكذا قال الحسن وقتادة‏:‏ ثم أوعدهم بالعذاب الأليم فقال‏:‏ ‏{‏سيصيب الذين كفروا منهم عذاب أليم‏}‏‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏91 ‏:‏ 93‏)‏
‏{‏ ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم ‏.‏ ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون ‏.‏ إنما السبيل على الذين يستأذنونك وهم أغنياء رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون ‏}‏

ثم بيَّن تعالى الأعذار التي لا حرج على من قعد معها على القتال، فذكر منها ما هو لازم للشخص لا ينفك عنه، وهو الضعف في التركيب الذي لا يستطيع معه الجلاد في الجهاد، ومنه العمى والعرج ونحوهما؛ ولهذا بدأ به، ومنها ما هو عارض بسبب مرض في بدنه شغله عن الخروج في سبيل اللّه، أو بسبب فقر لا يقدر على التجهيز للحرب، فليس على هؤلاء حرج إذا قعدوا ونصحوا في حال قعودهم، ولم يرجفوا بالناس، ولم يثبطوهم، وهم محسنون في حالهم هذا؛ ولهذا قال‏:‏ ‏{‏ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم‏}‏‏.‏ قال قتادة‏:‏ نزلت هذه الآية في عائذ ابن عمرو المزني، وروي عن زيد بن ثابت قال‏:‏ كنت أكتب لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فكنت أكتب براءة، فإني لواضع القلم على أذني، إذ أمرنا بالقتال، فجعل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ينظر ما نزل عليه، إذ جاء أعمى فقال‏:‏ كيف بي يا رسول اللّه وأنا أعمى‏؟‏ فنزلت‏:‏ ‏{‏ليس على الضعفاء‏}‏ الآية‏.‏ وقال ابن عباس في هذه الآية‏:‏ وذلك أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أمر الناس أن ينبعثوا غازين معه، فجاءته عصابة من أصحابه فيهم عبد اللّه بن مغفل المزني، فقالوا‏:‏ يا رسول اللّه احملنا، فقال لهم‏:‏ ‏(‏واللّه لا أجد ما أحملكم عليه‏)‏، فتولوا وهم يبكون، وعز عليهم أن يجلسوا عن الجهاد ولا يجدون نفقة ولا محملاً، فلما رأى اللّه حرصهم على محبته ومحبة رسوله أنزل عذرهم في كتابه فقال‏:‏{‏ليس على الضعفاء‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏فهم لا يعلمون‏}‏، وقال مجاهد في قوله‏:‏ ‏{‏ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم‏}‏ نزلت في بني مقرن من مزينة، كانوا سبعة نفر، فاستحملوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وكانوا أهل حاجة، فقال‏:‏ ‏{‏لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون‏}‏‏.‏ وفي حديث أنس أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏إن بالمدينة أقواماً ما قطعتم وادياً ولا سرتم سيراً إلا وهم معكم‏)‏ قالوا‏:‏ وهم بالمدينة‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏نعم حبسهم العذر‏)
‏"‏أخرجه الشيخان عن أنس بن مالك‏"‏‏.‏ وعن جابر قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لقد خلفتم بالمدينة رجالاً ما قطعتم وادياً ولا سلكتم طريقاً إلا شركوكم في الأجر حبسهم المرض‏)‏ ‏"‏رواه أحمد ومسلم وابن ماجه‏"‏، ثم رد تعالى الملامة على الذين يستأذنون في القعود وهم أغنياء، وأنبهم في رضاهم بأن يكونوا مع النساء الخوالف في الرجال‏:‏ ‏{‏وطبع اللّه على قلوبهم فهم لا يعلمون‏}‏‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏94 ‏:‏ 96‏)‏
‏{‏ يعتذرون إليكم إذا رجعتم إليهم قل لا تعتذروا لن نؤمن لكم قد نبأنا الله من أخباركم ‏.‏ وسيرى الله عملكم ورسوله ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون ‏.‏ سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس ‏.‏ ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون ‏.‏ يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين ‏}‏

أخبر تعالى عن المنافقين بأنهم إذا رجعوا إلى المدينة أنهم يعتذرون إليهم ‏{‏قل لا تعتذروا لن نؤمن لكم‏}‏ لن نصدقكم ‏{‏قد نبأنا اللّه من أخباركم‏}‏ أي قد أعلمنا اللّه أحوالكم، ‏{‏وسيرى اللّه عملكم ورسوله‏}‏ أي سيظهر أعمالكم للناس في الدنيا، ‏{‏ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون‏}‏ أي فيخبركم بأعمالكم خيرها وشرها ويجزيكم عليها، ثم أخبر عنهم أنهم سيحلفون لكم معتذرين لتعرضوا عنهم، فلا تؤنبوهم، فأعرضوا عنهم احتقاراً لهم ‏{‏إنهم رجس‏}‏ أي خبث نجس بواطنهم واعتقادتهم، ومأواهم في آخرتهم جهنم، ‏{‏جزاء بما كانوا يكسبون‏}‏ أي من الآثام والخطايا، وأخبر أنهم إن رضوا عنهم بحلفهم لهم، ‏{‏فإن اللّه لا يرضى عن القوم الفاسقين‏}‏ أي الخارجين عن طاعة اللّه وطاعة رسوله‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏97 ‏:‏ 99‏)‏
‏{‏ الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله والله عليم حكيم ‏.‏ ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق مغرما ويتربص بكم الدوائر عليهم دائرة السوء والله سميع عليم ‏.‏ ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول ألا إنها قربة لهم سيدخلهم الله في رحمته إن الله غفور رحيم ‏}‏

أخبر تعالى أن في الأعراب كفاراً ومنافقين ومؤمنين، وأن كفرهم ونفاقهم أعظم من غيرهم وأشد، ‏{‏وأجدر‏}‏ أي أحرى ‏{‏ألا يعلموا حدود ما أنزل اللّه على رسوله‏}‏، كما قال الأعمش‏:‏ جلس أعرابي إلى زيد بن صوحان وهو يحدث أصحابه، وكانت يده قد أصيبت يوم نهاوند فقال الأعرابي‏:‏ واللّه إن حديثك ليعجبني، وإن يدك لتريبني، فقال زيد‏:‏ ما يريبك من يدي إنها الشمال‏؟‏ فقال الأعرابي‏:‏ واللّه ما أدري اليمين يقطعون أو الشمال‏!‏ فقال زيد صدق اللّه‏:‏ ‏{‏الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل اللّه على رسوله‏}‏، وفي الحديث‏:‏ ‏(‏من سكن البادية جفا، ومن اتبع الصيد غفل، ومن أتى السلطان افتتن‏)‏ ‏"‏رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي عن ابن عباس مرفوعاً‏"‏، ورواه أبو داود والترمذي والنسائي من طرق عن سفيان الثوري به، وقال الترمذي‏:‏ حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث الثوري‏.‏ ولما كانت الغلظة والجفاء في أهل البوادي لم يبعث اللّه منهم رسولاً، وإنما كانت البعثة من أهل القرى، لأن هؤلاء كانوا يسكنون المدن، فهم ألطف أخلاقاً من الأعراب لما في طباع الأعراب من الجفاء، وفي صحيح مسلم عن عائشة قالت‏:‏ قدم ناس من الأعراب على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقالوا‏:‏ أتقبلون صبيانكم‏؟‏ قالوا‏:‏ نعم، قالوا‏:‏ لكنا واللّه ما نقبل،
فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏وأملك ‏"‏وفي البخاري أو أملك لك إن نزع اللّه من قلبك الرحمة‏"‏إن كان اللّه نزع منكم الرحمة‏)‏‏؟‏ وقال ابن نميرة‏:‏ ‏(‏من قلبك الرحمة‏)‏ وقوله‏:‏ ‏{‏والله عليم حكيم‏}‏ أي عليم بمن يستحق أن يعلمه الإيمان والعلم، ‏{‏حكيم‏}‏ فيما قسم بين عباده، لا يسأل عما يفعل لعلمه وحكمته، وأخبر تعالى أن منهم‏:‏ ‏{‏من يتخذ ما ينفق‏}‏ أي في سبيل اللّه ‏{‏مغرما‏}‏ أي غرامة وخسارة، ‏{‏ويتربص بكم الدوائر‏}‏ أي ينتظر بكم الحوادث والآفات، ‏{‏عليهم دائرة السوء‏}‏ أي هي منعكسة عليهم والسوء دائر عليهم، ‏{‏واللّه سميع عليم‏}‏ أي سميع لدعاء عباده، عليم بمن يستحق النصر ممن يستحق الخذلان، وقوله‏:‏ ‏{‏ومن الأعراب من يؤمن باللّه واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قربات عند اللّه وصلوات الرسول‏}‏ هذا هو القسم الممدوح من الأعراب، وهم الذين يتخذون ما ينفقون في سبيل اللّه قربة يتقربون بها عند اللّه ويبتغون بذلك دعاء الرسول لهم، ‏{‏ألا إنها قربة لهم‏}‏ أي ألا إن ذلك حاصل لهم، ‏{‏سيدخلهم اللّه في رحمته إن اللّه غفور رحيم‏}‏‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏100‏)‏
‏{‏ والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم ‏}‏

يخبر تعالى عن رضاه عن السابقين من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان، ورضاهم بما أعد لهم من جنات النعيم، قال الشعبي‏:‏ السابقون الأولون من أدرك بيعة الرضوان عام الحديبية، وقال الحسن وقتادة‏:‏ هم الذين صلوا إلى القبلتين مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقد أخبر اللّه العظيم أنه قد رضي عن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان، فيا ويل من أبغضهم أو سبهم أو أبغض أو سب بعضهم، ولا سيما سيد الصحابة بعد الرسول وخيرهم وأفضلهم أعني الصديق الأكبر، والخليفة الأعظم أبا بكر رضي اللّه عنه، فإن الطائفة المخذولة من الرافضة يعادون أفضل الصحابة ويبغضونهم ويسبونهم، عياذاً باللّه من ذلك، وهذا يدل على أن عقولهم معكوسة، وقلوبهم منكوسة، فأين هؤلاء من الإيمان بالقرآن إذ يسبون من رضي اللّه عنهم، وأما أهل السنة فإنهم يترضون عمن رضي اللّه عنه، ويسبون من سبه اللّه ورسوله، ويوالون من يوالي اللّه، ويعادون من يعادي اللّه، ومهم متبعون لا مبتدعون، ويقتدون ولا يبتدون، وهؤلاء هم حزب اللّه المفلحون‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏101‏)‏
‏{‏ وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم ‏}‏

يخبر تعالى رسوله صلوات اللّه وسلامه عليه أن في أحياء العرب ممن حول المدينة منافقون، وفي أهل المدينة أيضاً منافقون، ‏{‏مردوا على النفاق‏}‏ أي مرنوا واستمروا عليه، ومنه يقال‏:‏ شيطان مريد ومارد، ويقال تمرد فلان على اللّه أي عتا وتجبر، وقوله‏:‏ ‏{‏لا تعلمهم نحن نعلمهم‏}‏ لا ينافي قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم‏}‏، لأن هذا من باب التوسم فيهم بصفات يعرفون بها، لا لأنه يعرف جميع من عنده من أهل النفاق والريب على التعيين؛ قال مجاهد في قوله‏:‏ ‏{‏سنعذبهم مرتين‏}‏ يعني القتل والسبي، وقال في رواية‏:‏ بالجوع وعذاب القبر، ‏{‏ثم يردون إلى عذاب عظيم‏}‏، وقال الحسن البصري‏:‏ عذاب في الدنيا وعذاب في القبر، وقال ابن زيد‏:‏ أما عذاب الدنيا فالأموال والأولاد، وقرأ قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد اللّه ليعذبهم بها في الحياة الدنيا‏}‏ فهذه المصائب لهم عذاب وهي للمؤمنين أجر، وعذاب في الآخرة في النار، ‏{‏ثم يردون إلى عذاب عظيم‏}‏ قال‏:‏ النار‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏102‏)‏
‏{‏ وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب
عليهم إن الله غفور رحيم ‏}‏

لما بين تعالى حال المنافقين المتخلفين عن الغزو تكذيباً وشكاً، شرع في بيان حال المكذبين الذين تأخروا عن الجهاد كسلاً مع إيمانهم وتصديقهم بالحق، فقال‏:‏ ‏{‏وآخرون اعترفوا بذنوبهم‏}‏ أي أقروا بها واعترفوا فيما بينهم وبين ربهم، ولهم أعمال أخر صالحة خلطوا هذه بتلك، فهؤلاء تحت عفو اللّه وغفرانه، وهذه الآية وإن كانت نزلت في أناس معينين، إلا أنها عامة في كل المذنبين الخطائين، وقد قال ابن عباس‏:‏ نزلت في أبي لبابة وجماعة من أصحابه تخلفوا عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في غزوة تبوك، فلما رجع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من غزوته، ربطوا أنفسهم بسواري المسجد، وحلفوا ألا يحلهم إلا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فلما أنزل اللّه هذه الآية‏:‏ ‏{‏وآخرون اعترفوا بذنوبهم‏}‏ أطلقهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وعفا عنهم، وروى البخاري عن سمرة بن جندب قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لنا‏:‏ ‏(‏أتاني الليلة آتيان فابتعثاني فانتهيا بي إلى مدينة مبنية بلبن ذهب ولبن فضة، فتلقانا رجال شطر من خلقهم كأحسن ما أنت راء، وشطر كأقبح ما أنت راء، قالا لهم‏:‏ اذهبوا فقعوا في ذلك النهر، فوقعوا فيه ثم رجعوا إلينا قد ذهب ذلك السوء عنهم، فصاروا في أحسن صورة، قالا لي هذه جنة عدن وهذا منزلك، قالا‏:‏ وأما القوم الذين كانوا شطر منهم حسن وشطر منهم قبيح فإنهم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً تجاوز اللّه عنهم‏)‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏103 ‏:‏ 104‏)‏
‏{‏ خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم ‏.‏ ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات وأن الله هو التواب الرحيم‏}‏

أمر تعالى رسوله صلى اللّه عليه وسلم بأن يأخذ من أموالهم صدقة يطهرهم بها ويزكيهم بها، وهذا عام وإن أعاد بعضهم الضمير في ‏{‏أموالهم‏}‏ إلى الذين اعترفوا بذنوبهم ‏"‏في اللباب‏:‏ أخرج ابن جرير‏:‏ وجاء أبو لبابة وأصحابه بأموالهم حين أطلقوا، فقالوا‏:‏ يا رسول اللّه هذه أموالنا، فتصدق بها واستغفر لنا، فقال‏:‏ ‏(‏ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئاً‏(‏، فأنزل اللّه‏:‏ ‏{‏خذ من أموالهم‏}‏ الآية‏.‏ وعن قتادة‏:‏ أن هذه الآيات نزلت في سبعة‏:‏ أربعة منهم ربطوا أنفسهم، وهم أبو لبابة، ومرداس، وأوس ابن خزان، وثعلبة بن وديعة‏"‏‏.‏ ولهذا اعتقد بعض مانعي الزكاة أن دفع الزكاة إلى الإمام لا يكون، وإنما كان خاصاً بالرسول صلى اللّه عليه وسلم، واحتجوا بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏خذ من أموالهم صدقة‏}‏ الآية، وقد رد عليهم أبو بكر الصديق وقاتلهم حتى أدوا الزكاة كما كانوا يؤدونها إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، حتى قال الصديق‏:‏ واللّه لو منعوني عناقاً - وفي رواية عقالاً - كانوا يؤدونها إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لأقاتلنهم على منعه‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏وصل عليهم‏}‏ أي ادع لهم واستغفر لهم، كما رواه مسلم في صحيحه عن عبد اللّه بن أبي أوفى قال‏:كان النبي صلى اللّه عليه وسلم إذا أتى بصدقة قوم صلى عليهم فأتاه أبي بصدقته، فقال‏:‏ ‏(‏اللهم صل على آل أبي أوفى‏)‏، وفي الحديث الآخر‏:‏ أن امرأة قالت‏:‏ يا رسول اللّه صل عليّ وعلى زوجي، فقال‏:‏ ‏(‏صلى اللّه عليك وعلى زوجك‏)‏، وقوله‏:‏ ‏{‏إن صلاتك سكن لهم‏}‏، قال ابن عباس‏:‏ رحمة لهم، وقال قتادة‏:‏ وقار، وقوله‏:‏ ‏{‏واللّه سميع‏}‏ أي لدعائك ‏{‏عليم‏}‏ أي بمن يستحق ذلك منك ومن هو أهل له، ‏{‏ألم يعلموا أن اللّه هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات‏}‏، هذا تهييج إلى التوبة والصدقة اللتين كل منها يحط الذنوب ويمحصها ويمحقها، وأخبر تعالى أن كل من تاب إليه تاب عليه، ومن تصدق بصدقة من كسب حلال فإن اللّه يتقبلها بيمينه فيربيها لصاحبها، حتى تصير التمرة مثل أُحد، كما جاء في الحديث الصحيح‏:‏ ‏(‏إن اللّه يقبل الصدقة ويأخذها بيمينه، فيربيها لأحدكم كما يربي أحدكم مهره، حتى أن اللقمة لتكون مثل أُحد‏)‏، وتصديق ذلك في كتاب اللّه عزَّ وجلَّ‏:‏ ‏{‏ألم يعلموا أن اللّه هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات‏}‏‏.‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس