عرض مشاركة واحدة
قديم 15-06-2014, 04:29 AM   رقم المشاركة : 2
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

معاشر الإخوة:
العلوم والتِّقنيات وسُوقُ العمل ليست بديلاً ألبتَّة عن العقيدة والأخلاق وحُسن السُّلوك،
ماذا تُفيدُ الصِّناعاتُ والتجارةُ إذا لم تبنِ إنسانًا مُستقيمًا مُؤمنًا، حيَّ الضمير،
مواطِنًا صالِحًا. وإذا كانت الأنفُسُ فاسِدة غير صالِحة فلا تُجدِي الأنظمة
ولا اللوائِح ولا التعليمات
{ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ }
[ الرعد: 11 ].
معاشر المسلمين:
هذا في منهَج الإصلاح. أما المُصلِحون والمُتحدِّثون عن الإصلاح
فقد يكون من ابتِلاءات هذا العصر أن مُجتمعات اليوم مُجتمعاتٌ مفتوحةٌ،
بأدوات تواصُل هذا العصر، ووسائل إعلامه،
وقنوات معارِفه تُتاحُ مع هذا الانفِتاح المُشارَكةُ للجميع.
والمُصلِحُ الصادقُ والناصِحُ المُخلِصُ هو من يُحسِنُ ترتيبَ أولويَّاته،
ويُقدِّمُ فيها الأهمَّ ثم المهمَّ، ويسعَى في بناءِ نفسِه ونفعِ أمَّتِه،
ولا يشغَلُ نفسَه بالكلام والمُشارَكات غير المُثمِرة،
وليحذَر أن تغلِبَ شهوةُ الكلام والجدَل على جديَّة العطاء والعمل،
وحُسنُ النيَّة لا يُغنِي عن حُسن العمل.
لا ينبغي أن تكون أدواتُ التواصُل الاجتماعيِّ ومواقِعُه وسائلَ شحنٍ
وتشنُّجٍ بدعوَى الحريَّة، وحقِّ النقد، والرَّغبة في الإصلاح، في تأليبٍ للرأي،
وتنكُّرٍ للإيجابيَّات، ودفنٍ للحسَنات؛ بل عدمُ مُوازنةٍ بين الحسنَات والسيئات.
ناهِيكُم إذا كان لبعضِ هذه الأدوات الإعلاميَّة وقنواتِ التواصُل أهدافُها،
ومقاصِدُها، وانحِيازاتُها؛ بل لها أدواتُها في الاستِقطاب والتوظيف والاستِعطاف.
يا من ترغَبُون في الإصلاح! لا شيء ينفُذُ إلى القلوب أسرعُ من صحَّة المُعتقَد،
وحُسن العبادة، وسلامة المقصِد، وصفاء القلبِ، ثم حُسن المُعاملَة،
وغضِّ الطَّرف عن الزلاَّت
{ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ }
[ الشورى: 15 ]
لا كما رغِبت.
على المُصلِح أن يلزمَ نصيحة السرِّ، ومحبَّة المنصُوح، والذَّبَّ عن عِرض المُسلِم.
وثمرةُ العلم العمل، وثمرةُ العمل التقوى.
وليحذَر أن يغلِبَ عليه تمجيدُ نفسِه وإظهار صورتِه، وليكُن خادِمًا لدين الله،
لا أن يكون خادِمًا نفسَه بدين الله، يظهرُ الحقُّ على أكتافِه ولا يظهرُ على أكتافِ الحق.
عليه أن يتحفَّظ من الهوى، وحُظوظ النفس، والعُجب، والتعصُّب؛
فسلامةُ الدين قبل سلامة المنهَج، وسلامةُ المنهج قبل منهَج السلامة.
وليحذَر أن يكون مطيَّةً لنشر ما يزرع الفُرقةَ في الأمة، والبغضاءَ بين الأشِقَّاء،
وليكن مُعتدلاً مُنصِفًا في أقواله وأفعاله، حسنَ الظنِّ بإخوانِه.
عليه أن يتفقَّد نفسَه في أعمال القلوب، فهي أصلُ أعمال الجوارِح.
وليحذَر اليأسَ والتخذيل، وأوهام المخاوِف، وليكن حجرَ بناءٍ لا حجرَ عثرة
{ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ }
[ يوسف: 64 ].
وليذكُر سَعَة الإسلام ورحابتَه مع المخالِف ما دامَ صاحِبَ سُنَّةٍ يبتغي الحقَّ.
وليطمئنَّ مُبتغِي الإصلاح؛ فمسيرةُ الحق ونُصرة الدين ليست مُتوقفةً عنده ولا عليه،
فالعملُ للإسلام يُدبِّرُه الله - عز وجل - على مُقتضَى حكمتِه،
وعلى قدر إخلاص العبد،
{ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى }
[ الأنفال: 17 ]
{ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ
وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا }
[ النساء: 104 ].
المُصلِح ليس مسؤولاً عن النتائِج ولا الانتِصارات؛ بل عليه أن يطمئنَّ أنه على الجادَّة،
وأنه مُطيعٌ لربِّه، سائرٌ على هديِه، مُنفِّذٌ لأوامِرِه، مُجتنِبٌ نواهِيَه
{ لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ }
[ البقرة: 272 ]
{ وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ }
[ الأعراف: 43 ].
أيها المُصلِح ! ادعُ إلى الله على بصيرةٍ، وجِدَّ واجتهِد، وسدِّد وقارِب،
والعصمةُ ليست للبشر، وأقِم الدينَ في نفسِك، وأعلِ القِيَم في مسلَكِك،
وأنصِف من نفسِك، ولتكن عنايتُك بلفتٍ للقلوبِ والعقول لا بلفتِ الأنظار.
غيِّر ما في نفسِك يتغيَّر ما حولَك
{ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ }
[ الرعد: 11 ]
والقلبُ إذا صلَح صلحَ الجسدُ كلُّه، وإذا فسَد فسدَ الجسدُ كلُّه.
ابتعِد عن التألِيب، وصِراع المصالِح، والأحزابِ والجماعات.
إياك أن تظنُّ أنك مسؤولٌ عن توزيعِ أقدار الله على ما تشتَهي؛ فمُصيبةُ من تحبُّ تقول:
مؤمنٌ طيبٌ مُبتلَى، ومُصيبةُ من لا تحبُّ تقول:
عقوبةُ ظالمٍ سيِّئ ! تُسوِّغُ لمن تحبُّ، وتتعسَّفُ وتتكلَّفُ فيمن لا تحبُّ.
تُحسِنُ الظنَّ بنفسِك وبمن تهوَى، وتُسيءُ الظنَّ بمن لا تحبُّ ولا تهوَى.
يا هذا ! كلُّ الناس تحمِلُ العيوب، ولكنَّ السِّترَ عند اللطيف علاَّمِ الغيوب.
سُئل أبو بكر بن عيَّاش - رحمه الله -:
[ من هو السنِّيُّ ؟
فقال: الذي إذا ذُكِرت الأهواءُ لم يتعصَّب لشيءٍ منها ]
يقول الشوكانيُّ - رحمه الله -:
[ المُتعصِّبُ صاحِبُ الهوى قد يكونُ بصرُه صحيحًا، ولكنَّ بصيرتَه عمياء،
وأُذنَه عن سماع الحقِّ صمَّاء، يدفعُ الحقَّ وهو يظنُّ أنه ما يدفعُ غيرَ الباطل ]
ويقول شيخُ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:
[ البدعةُ مقرونةٌ بالفُرقة، والسنَّةُ مقرونةٌ بالجماعة ]
وبعدُ أيها الإخوة:
فعلى أهل الحق والخير والإصلاح أن يكونوا يدًا واحِدة،
فلا يقِفُ بعضُهم مُعيقًا للآحر بقولِه أو فعلِه؛
بل يتوجَّهُ كلُّ مُصلِحٍ إلى ما خُلِق له مما يسَّره الله له في علمِه وخِبرتِه وفهمِه وإدراكِه.
فلا يتمُّ الإصلاحُ على وجهِه إلا بالتعاوُن؛ فمُصلِحٌ مهمَّتُه نشرُ علمٍ أصولاً وفروعًا،
وآخرُ في الدعوة توجيهًا وإرشادًا، وآخر في الاقتصاد والمال والتجارة علمًا وعملاً،
ورابعٌ في السياسة حِكمةً ودِرايةً.






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس