عرض مشاركة واحدة
قديم 17-06-2014, 03:54 AM   رقم المشاركة : 5
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏39 ‏:‏ 40‏)‏
{‏ يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ‏.‏ ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون ‏}‏

ثم إن يوسف عليه السلام أقبل على الفتيين بالمخاطبة والدعاء لهما إلى عبادة اللّه وحده لا شريك له، وخلع ما سواه من الأوثان التي يعبدها قومهما، فقال‏:‏ ‏{‏أأرباب متفرقون خير أم اللّه الواحد القهار‏}‏ أي الذي ذل كل شيء لعز جلاله وعظمة سلطانه، ثم بين لهما أن التي يعبدونها ويسمونها آلهة إنما هو تسمية من تلقاء أنفسهم، تلقاها خلفهم عن سلفهم، وليس لذلك مستند من عند اللّه، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏ما أنزل اللّه بها من سلطان‏}‏ أي حجة ولا برهان، ثم أخبرهم أن الحكم والتصرف والمشيئة والملك كله للّه، وقد أمر عباده قاطبة أن لا يعبدوا إلا إياه، ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏ذلك الدين القيم‏}‏ أي هذا الذي أدعوكم إليه من توحيد اللّه وإخلاص العمل له، هو الدين المستقيم الذي أمر اللّه به، وأنزل به الحجة والبرهان الذي يحبه ويرضاه، ‏{‏ولكن أكثر الناس لا يعلمون‏}‏ أي فلهذا كان أكثرهم مشركين، ‏{‏وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين‏}‏ جعل سؤالهما له سبباً إلى دعائهما إلى التوحيد والإسلام، لما رأى في سجيتهما من قبول الخير، والإقبال عليه والإنصات إليه، ولهذا لما فرغ من دعوتهما شرع في تعبير رؤياهما من غير تكرار السؤال فقال‏:‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏41‏)‏
‏{‏ يا صاحبي السجن أما أحدكما فيسقي ربه خمرا وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه قضي الأمر الذي فيه تستفتيان ‏}‏

يقول لهما‏:‏ ‏{‏يا صاحبي السجن أما أحدكما فيسقي ربه خمرا‏}‏ وهو الذي رأى أنه يعصر خمراً ولكنه لم يعنيه لئلا يحزن ذاك، ولهذا أبهمه في قوله‏:‏ ‏{‏وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه‏}‏ وهو الذي رأى أنه يحمل فوق رأسه خبزاً، ثم أعلمها أن هذا قد فرغ منه، وهو واقع لا محالة لأن الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر، فإذا عبرت وقعت‏.‏ قال الثوري‏:‏ لما قالا ما قالا، وأخبرهما قالا‏:‏ ما رأينا شيئاً، فقال‏:‏ ‏{‏قضي الأمر الذي فيه تستفتيان‏}‏‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏42‏)‏
‏{‏ وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين ‏}‏

ولما ظن يوسف عليه السلام أن الساقي ناج، قال له يوسف خفية عن الآخر‏:‏ ‏{‏اذكرني عند ربك‏}‏ يقول‏:‏ اذكر قصتي عند ربك وهو الملك فنسي ذلك الموصى أن يذكر مولاه الملك بذلك وكان من جملة مكايد الشيطان لئلا يطلع نبي اللّه من السجن، هذا هو الصواب أن الضمير في قوله‏:‏ ‏{‏فأنساه الشيطان ذكر ربه‏}‏ عائد على الناجي، كما قاله مجاهد وغير واحد؛ ويقال إن الضمير عائد على يوسف عليه السلام، رواه ابن جرير عن ابن عباس ومجاهد أيضاً، وأما البضع فقال مجاهد وقتادة‏:‏ هو ما بين الثلاث إلى التسع، وقال وهب بن منبه‏:‏ مكث أيوب في البلاء سبعاً، ويوسف في السجن سبعاً‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏43 ‏:‏ 49‏)‏
‏{‏ وقال الملك إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون ‏.‏ قالوا أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين ‏.‏ وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمة أنا أنبئكم بتأويله فأرسولن ‏.‏ يوسف أيها الصديق أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات لعلي أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون ‏.‏ قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون ‏.‏ ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون ‏.‏ ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون ‏}‏

هذه الرؤيا من ملك مصر مما قدر اللّه تعالى أنها كانت سبباً لخروج يوسف عليه السلام من السجن معززاً مكرماً وذلك أن الملك رأى هذه الرؤيا فهالته، وتعجب من أمرها، وما يكون تفسيرها، فجمع الكهنة وكبار دولته وأمراءه، فقص عليهم ما رأى وسألهم عن تأويلها، فلم يعرفوا ذلك، واعتذروا إليه بأنها ‏{‏أضغاث أحلام‏}‏ أي أخلاط أحلام اقتضته رؤياك هذه، ‏{‏وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين‏}‏ أي لو كانت رؤيا صحيحة من أخلاط لما كان لنا معرفة بتأويلها وهو تعبيرها؛ وعند ذلك تذكر الذي نجا من ذنيك الفتيين اللذين كانا في السجن مع يوسف، وكان الشيطان قد أنساه ماوصاه به يوسف من ذكر أمره للملك، فعند ذلك تذكر ‏{‏بعد أمة‏}‏ أي مدة، فقال للملك‏:‏ ‏{‏أنا أنبئكم بتأويله‏}‏ أي بتأويل هذا المنام ‏{‏فأرسولن‏}‏ أي فابعثون إلى يوسف الصديق إلى السجن، ومعنى الكلام فبعثوه فجاء فقال‏:‏ ‏{‏يوسف أيها الصديق أفتنا‏}‏ وذكر المنام الذي رآه الملك، فعند ذلك ذكر له يوسف عليه السلام تعبيرها من غير تعنيف للفتى في نسيانه ما أوصاه به ومن غير اشتراط للخروج قبل ذلك، بل قال‏:‏ ‏{‏تزرعون سبع سنين دأبا‏}‏ أي يأتيكم الخصب والمطر سبع سنين متواليات، ‏{‏فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون‏}‏‏:‏ أي مهما استغللتم وهذه السبع السنين الخصب فادخروه في سنبله ليكون أبقى له وأبعد عن إسراع الفساد إليه إلا المقدار الذي تأكلونه، وليكن قليلاً لا تسرفوا فيه، لتنتفعوا في السبع الشداد، وهن السبع السنين المحل التي تعقب هذه السبع المتواليات، وهن البقرات العجاف اللاتي تأكل السمان، لأن سني الجدب يؤكل فيها ما جمعوه في سني الخصب، وهن السنبلات اليابسات، وأخبرهم أنهن لا ينبتن شيئاً وما بذروه فلا يرجعون منه إلى شيء، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون‏}‏ ثم بشَّرهم بعد الجدب العام المتوالي بأنه يعقبهم بعد ذلك ‏{‏عام فيه يغاث الناس‏}‏ أي يأتيهم الغيث وهو المطر، وتغل البلاد، ويعصر الناس ما كانوا يعصرون على عادتهم من زيت وسكر ونحوه‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏50 ‏:‏ 53‏)‏
‏{‏ وقال الملك ائتوني به فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن إن ربي بكيدهن عليم ‏.‏ قال ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين ‏.‏ ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وأن الله لا يهدي كيد الخائنين ‏.‏ وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم ‏}‏

يقول تعالى إخباراً عن الملك بتعبير رؤياه التي كان رآها بما أعجبه وأيقنه، فعرف فضل يوسف عليه السلام وعلمه وحسن اطلاعه على رؤياه فقال‏:‏ ‏{‏ائتوني به‏}‏ أي أخرجوه من السجن وأحضروه، فلما جاءه الرسول امتنع من الخروج حتى يتحقق الملك ورعيته براءة ساحته، نزاهة عرضه مما نسب إليه من جهة امرأة العزيز، وأن هذا السجن كان ظلماً وعدواناً، فقال‏:‏ ‏{‏ارجع إلى ربك‏}‏ الآية، وقد وردت السنة بمدحه على ذلك والتنبيه على فضله وشرفه وعلو قدره، ففي المسند والصحيحين عنه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال‏:‏ ‏{‏رب أرني كيف تحيي الموتى‏}‏، ويرحم اللّه لوطاً لقد كان يأوي إلى ركن شديد، ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي‏)‏ أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة ‏.‏ وفي لفظ لأحمد عنه صلى اللّه عليه وسلم في قوله‏:‏ ‏{‏فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن إن ربي بكيدهن عليم‏}فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لو كنت أنا لأسرعت الإجابة وما ابتغيت العذر‏)‏، وعن عكرمة قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لقد عجبت من يوسف وصبره وكرمه، واللّه يغفر له، حين سئل عن البقرات العجاف والسمان، ولو كنت مكانه ما أجبتهم حتى أشترط أن يخرجوني، ولقد عجبت من يوسف وصبره وكرمه واللّه يغفر له، حين أتاه الرسول ولو كنت مكانه لبادرتهم الباب، ولكنه أراد أن يكون له العذر‏)‏ رواه عبد الرزاق عن عكرمة وهو حديث مرسل ‏.‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏قال ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه‏}‏ إخبار عن الملك حين جمع النسوة اللاتي قطعن أيديهن عند امرأة العزيز، فقال مخاطباً لهن كلهن وهو يريد امرأة وزيره وهو العزيز، قال الملك‏:‏ ‏{‏ما خطبكن‏}‏ أي ما شأنكن وخبركن ‏{‏إذ راودتن يوسف عن نفسه‏}‏ يعني يوم الضيافة ‏{‏قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء‏}‏ أي قالت النسوة جواباً للملك‏:‏ حاش للّه أن يكون يوسف متهماً واللّه ما علمنا عليه من سوء، فعند ذلك ‏{‏قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق‏}‏، قال ابن عباس‏:‏ الآن تبين الحق وظهر وبرز، ‏{‏أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين‏}‏ أي في قوله ‏{‏هي روادتني عن نفسي‏}‏، ‏{‏ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب‏}‏ تقول‏:‏ إنما اعترفت بهذا على نفسي ليعلم زوجي أني لم أخنه بالغيب في نفس الأمر، وإنما راودت هذا الشاب مراودة، فامتنع، فلهذا اعترفت ليعلم أني بريئة ‏{‏وأن اللّه لا يهدي كيد الخائنين * وما أبرئ نفسي‏}‏، تقول المرأة‏:‏ ولست أبرئ نفسي، فإن النفس تتحدث وتتمنى، ولهذا راودته ‏{‏إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي‏}‏ أي إلا من عصمه اللّه تعالى ‏{‏إن ربي غفور رحيم‏}‏، وهذا القول هو الأشهر والأليق والأنسب بسياق القصة ومعاني الكلام حكاه الماوردي في تفسيره وانتدب لنصره الإمام ابن تيمية رحمه اللّه فأفرده بتصنيف على حده ، وقد قيل‏:‏ إن ذلك من كلام يوسف عليه السلام يقول‏:‏ ‏{‏ذلك ليعلم أني لم أخنه‏}‏ في زوجته ‏{‏بالغيب‏}‏ الآيتين، أي إنما رددت الرسول ليعلم الملك براءتي، وليعلم العزيز ‏{‏أني لم أخنه‏}‏ في زوجته، ‏{‏بالغيب وأن اللّه لا يهدي كيد الخائنين‏}‏ الآية، وهذا القول هو الذي لم يحك ابن جرير ولا ابن أبي حاتم سواه‏.‏ قال ابن جرير، عن ابن عباس‏:‏ لما جمع الملك النسوة فسألهن هل راودتن يوسف عن نفسه‏؟‏ ‏{‏قلن حاش للّه ما علمنا عليه من سوء قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق‏}‏ الآية، قال يوسف‏:‏ ‏{‏ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب‏}‏ فقال له جبريل عليه السلام‏:‏ ولا يوم هممت بما هممت به‏؟‏ فقال‏:‏ ‏{‏وما أبرئ نفسي‏}‏ الآية، وهكذا قال مجاهد والحسن وقتادة والسدي، والقول الأول أقوى وأظهر، لأن سياق الكلام كله من كلام امرأة العزيز بحضرة الملك ولم يكن يوسف عليه السلام عندهم بل بعد ذلك أحضره الملك‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏54 ‏:‏ 55‏)‏
‏{‏ وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين ‏.‏ قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم ‏}‏

يقول تعالى إخباراً عن الملك حين تحقق براءة يوسف عليه السلام ونزاهة عرضه مما نسب إليه قال‏:‏ ‏{‏ائتوني به أستخلصه لنفسي‏}‏ أي أجعله من خاصتي وأهل مشورتي، ‏{‏فلما كلمه‏}‏ أي خاطبه الملك وعرفه ورأى فضله وبراعته وعلم ما هو عليه من خلق وخلق وكمال قال له الملك‏:‏ ‏{‏إنك اليوم لدينا مكين أمين‏}‏ أي إنك عندنا ذا مكانة وأمانة، فقال يوسف عليه السلام‏:‏ ‏{‏اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم‏}‏ مدح نفسه، ويجوز للرجل إذا جُهل أمره للحاجة، وذكر أنه ‏{‏حفيظ‏}‏ أي خازن أمين، ‏{‏عليم‏}‏ ذو علم وبصيرة بما يتولاه، وقال شيبة بن نعامة‏:‏ حفيظ لما استودعتني، عليم بسني الجدب رواه ابن أبي حاتم ، وسأل العمل لعلمه بقدرته عليه، ولما فيه من المصالح للناس، وإنا سأله أن يجعله على خزائن الأرض ليتصرف لهم على الوجه الأحوط والأصلح والأرشد، فأجيب إلى ذلك رغبة فيه وتكرمة له ولهذا قال تعالى‏:‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏56 ‏:‏ 57‏)‏
{‏ وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين ‏.‏ ولأجر الآخرة خير للذين آمنوا وكانوا يتقون ‏}‏

يقول تعالى‏:‏ ‏{‏وكذلك مكنا ليوسف في الأرض‏}‏ أي أرض مصر، ‏{‏يتبوأ منها حيث يشاء‏}‏ قال السدي‏:‏ يتصرف فيها كيف يشاء، وقال ابن جرير‏:‏ يتخذ منها منزلاً حيث يشاء بعد الضيق والحبس، ‏{‏نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين‏}‏،

أي وما أضعنا صبر يوسف علىأذى إخوته وصبره على الحبس بسبب امرأة العزيز، فلهذا أعقبه اللّه عزَّ وجلَّ النصر والتأييد، ‏{‏ولأجر الآخرة خير للذين آمنوا وكانوا يتقون‏}‏، يخبر تعالى أن ما ادخره اللّه تعالى لنبيّه يوسف عليه السلام في الدار الآخرة، أعظم وأكثر وأجل مما خوله من التصرف والنفوذ في الدنيا، والغرض أن يوسف عليه السلام ولاه ملك مصر الريان بن الوليد الوزارة في بلاد مصر، وأسلم الملك على يدي يوسف عليه السلام قاله مجاهد‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏58 ‏:‏ 62‏)‏
‏{‏ وجاء إخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون ‏.‏ ولما جهزهم بجهازهم قال ائتوني بأخ لكم من أبيكم ألا ترون أني أوفي الكيل وأنا خير المنزلين ‏.‏ فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون ‏.‏ قالوا سنراود عنه أباه وإنا لفاعلون ‏.‏ وقال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم في رحالهم لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم لعلهم يرجعون ‏}‏

ذكر السدي ومحمد بن إسحاق وغيرهما من المفسرين، أن السبب الذي أقدم إخوة يوسف بلاد مصر أن يوسف عليه السلام لما باشر الوزارة بمصر، ومضت السنين المخصبة، ثم تلتها السبع السنين المجدبة، وعم القحط بلاد مصر بكمالها ووصل إلى بلاد كنعان، وهي التي فيها يعقوب عليه السلام وأولاده، وحينئذٍ احتاط يوسف عليه السلام للناس في غلاتهم، وجمعها أحسن جمع، فحصل من ذلك مبلغ عظيم، وورد عليه الناس من سائر الأقاليم، يمتارون لأنفسهم وعيالهم، فكان لا يعطي الرجل أكثر من حمل بعير في السنة، وكان عليه السلام لا يشبع نفسه، ولا يأكل هو والملك وجنودهما إلا أكلة واحدة في وسط النهار، حتى يتكفأ الناس بما في أيديهم مدة السبع سنين، وكان رحمة من اللّه على أهل مصر، والغرض أنه كان في جملة من ورد للميرة إخوة يوسف، فإنه بلغهم أن عزيز مصر يعطي الناس الطعام بثمنه، فأخذوا معهم بضاعة، يعتاضون بها طعاماً، وركبوا عشرة نفر، واحتبس يعقوب عليه السلام عنده ابنه بنيامين شقيق يوسف عليه السلام، وكان أحب ولده إليه بعد يوسف، فلما دخلوا على يوسف، وهو جالس في أبهته ورياسته وسيادته عرفهم حين نظر إليهم ‏{‏وهم له منكرون‏}‏، أي لا يعرفونه، لأنهم فارقوه وهو صغير حدث وباعوه للسيارة ولم يدروا أين يذهبون به، ولا كانوا يستشعرون في أنفسهم أن يصير إلى ما صار إليه، فلهذا لم يعرفوه، وأما هو فعرفهم، فذكر السدي وغيره، أنه شرع يخاطبهم، فقال لهم كالمنكر عليهم‏:‏ ما أقدمكم بلادي‏؟‏ فقالوا‏:‏ أيها العزيز قدمنا للميرة، قال‏:‏ فلعلكم عيون‏؟‏ قالوا‏:‏ معاذ اللّه، قال‏:‏ فمن أين أنتم‏؟‏ قالوا‏:‏ من بلاد كنعان وأبونا يعقوب بني اللّه، قال‏:‏ وله أولاد غيركم‏؟‏ قالوا‏:‏ نعم، كنا اثني عشر، فذهب أصغرنا هلك في البرية، وكان أحبنا إلى أبيه، وبقي شقيقه فاحتبسه ليتسلى به عنه، فأمر بإنزالهم وإكرامهم، ‏{‏ولما جهزهم بجهازهم‏}‏ أي أوفى لهم كيلهم وحمل لهم أحمالهم قال‏:‏ ائتوني بأخيكم هذا الذي ذكرتم لأعلم صدقكم فيما ذكرتم، ‏{‏ألا ترون أني أوفي الكيل وأنا خير المنزلين‏؟‏‏}‏ يرغبهم في الرجوع إليه، ثم رهبّهم فقال‏:‏ ‏{‏فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي‏}‏ أي إن لم تقدموا به معكم في المرة الثانية فليس لكم عندي ميرة، ‏{‏ولا تقربون * قالوا سنراود عنه أباه وإنا لفاعلون‏}‏ أي سنحرص على مجيئه إليك بكل ممكن ولا نبقي مجهوداً لتعلم صدقنا فيما قلناه‏.‏ ‏{‏وقال لفتيانه‏}‏ أي غلمانه، ‏{‏اجعلوا بضاعتهم‏}‏ أي التي قدموا بها ليمتاروا عوضاً عنها ‏{‏في رحالهم‏}‏ أي في أمتعتهم من حيث لا يشعرون ‏{‏لعلهم يرجعون‏}‏ بها، قيل خشي أن لا يكون عندهم بضاعة أُخرى يرجعون للميرة بها، وقيل‏:‏ أراد أن يردهم إذا وجدوها في متاعهم تحرجاً وتورعاً، لأنه يعلم ذلك منهم، واللّه أعلم‏.‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس