عرض مشاركة واحدة
قديم 17-06-2014, 04:28 AM   رقم المشاركة : 7
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏83 ‏:‏86‏)‏
‏{‏ قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل عسى الله أن يأتيني بهم جميعا إنه هو العليم الحكيم ‏.‏ وتولى عنهم وقال يا أسفى على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم ‏.‏ قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين ‏.‏ قال إنما أشكوا بثي وحزني إلى اللّه وأعلم من اللّه ما لا تعلمون ‏}‏

قال لهم، كما قال لهم حين جاءوا على قميص يوسف بدم كذب‏:‏ ‏{‏بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل‏}‏، قال محمد بن إسحاق‏:‏ لما جاءوا يعقوب وأخبروه بما جرى اتهمهم، فظن أنها كفعلتهم بيوسف، قال‏:‏ ‏{‏بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل‏}‏، ثم ترجى من اللّه أن يرد عليه أولاده الثلاثة يوسف وأخاه بنيامين وروبيل الذي أقام بديار مصر ينتظر أمر اللّه فيه، إما أن يرضى عنه أبوه، فيأمره بالرجوع إليه، وإما أن يأخذ أخاه خفية، ولهذا قال‏:‏
‏{‏عسى اللّه أن يأتيني بهم جميعا إنه هو العليم‏}‏ أي العليم بحالي، ‏{‏الحكيم‏}
‏ في أفعاله وقضائه وقدره، ‏{‏وتولى عنه وقال يا أسفا على يوسف‏}‏ أي أعرض عن بنيه، وقال متذكراً حزن يوسف القديم الأول ‏{‏يا أسفا على يوسف‏}‏ جدد له حزن الإبنين الحزن الدفين، قال سعيد بن جبير‏:‏ لم يعط أحد غير هذه الأمة الاسترجاع، ألا تسمعون إلى قول يعقوب عليه السلام‏:‏ ‏{‏يا أسفا على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم‏}‏ أي ساكت لا يشكو أمره إلى مخلوق، قاله قتادة وغيره، وقال الضحاك ‏{‏فهو كظيم‏}‏ كئيب حزن، فعند ذلك رق له بنوه، وقالوا له على سبيل الرفق به والشفقة عليه‏:‏ ‏{‏تاللّه تفتأ تذكر يوسف‏}‏ أي لا تفارق ‏{‏حتى تكون حرضا‏}‏ أي ضعيف القوة، ‏{‏أو تكون من الهالكين‏}‏، يقولون‏:‏ إن استمر بك هذا الحال خشينا عليك الهلاك والتلف، ‏{‏قال إنما أشكوا بثي وحزني إلى الله‏}‏ أي أجابهم عما قالوا بقوله‏:‏ ‏{‏إنما أشكوا بثي وحزني‏}‏ أي همي وما أنا فيه ‏{‏إلى اللّه‏}‏ وحده، ‏{‏وأعلم من اللّه ما لا تعلمون‏}‏ أي أرجو منه كل خير‏.‏ وعن ابن عباس في الآية يعني رؤيا يوسف أنها صدق وأن اللّه لا بد أن يظهرها، وقال العوفي عنه‏:‏ أعلم أن رؤيا يوسف صادقة
وأني سوف أسجد له‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏87 ‏:‏ 88‏)‏
‏{‏ يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ‏.‏ فلما دخلوا عليه قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن اللّه يجزي المتصدقين ‏}‏

يقول تعالى مخبراً عن يعقوب عليه السلام إنه ندب بنيه على الذهاب في الأرض يستعلمون أخبار يوسف وأخيه بنيامين، و التحسس يكون في الخير، و التجسس يكون في الشر، ونهضهم وبشرهم وأمرهم أن لا ييأسوا ‏{‏من روح اللّه‏}‏ أي لا يقطعوا رجاءهم وأملهم من اللّه فيما يرونه ويقصدونه فإنه لا يقطع الرجاء ولا ييأس من روح اللّه إلا القوم الكافرون، وقوله‏:‏ ‏{‏فلما دخلوا عليه‏}‏ تقدير الكلام‏:‏ فذهبوا فدخلوا كصر ودخلوا على يوسف، ‏{‏قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر‏}‏ يعنون الجدب والقحط وقلة الطعام، ‏{‏وجئنا ببضاعة مزجاة‏}‏ أي ومعنا ثمن الطعام الذي نمتاره وهو ثمن قليل، قاله مجاهد والحسن، وقال ابن عباس‏:‏ الرديء لا ينفق، وفي رواية عنه‏:‏ الدراهم الردئية التي لا تجوز إلا بنقصان، وقال الضحاك‏:‏ كاسدة لا تنفق، وأصل الإزجاء الدفع لضغف الشيء، وقوله إخباراً عنهم‏:‏ ‏{‏فأوف لنا الكيل‏}‏ أي أعطنا بهذا الثمن القليل ما كنت تعطينا قبل ذلك، قال ابن جريج‏:‏ ‏{‏وتصدق علينا‏}‏ برد أخينا إلينا، وقال سعيد بن جبير والسدي‏:‏ يقولون تصدق علينا بقبض هذه البضاعة المزجاة وتجوز فيها‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏89 ‏:‏ 92‏)‏
‏{‏ قال هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون ‏.‏ قالوا أئنك لأنت يوسف قال أنا يوسف وهذا أخي قد من الله علينا إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين ‏.‏ قالوا تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين ‏.‏ قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين ‏}‏

يقول تعالى مخبراً عن يوسف عليه السلام أنه لما ذكر له إخوته ما أصابهم من الجهد
والضيق وقلة الطعام وعموم الجدب، وتذكر أباه، وما هو فيه من الحزن لفقد ولديه مع ما هو
فيه من الملك والتصرف والسعة، فعند ذلك أخذته رقة ورأفة ورحمة وشفقة على أبيه وإخوته، وبدره البكاء فتعرف إليهم، والظاهر - واللّه أعلم - أن يوسف عليه السلام إنما تعرف إليهم بنفسه بإذن اللّه تعالى له في ذلك، كما أنه أخفى منهم نفسه في المرتين الأوليين بأمر اللّه تعالى له في ذلك، واللّه أعلم، ولكن لما ضاق الحال واشتد الأمر فرج اللّه تعالى من ذلك الضيق فعند ذلك قالوا‏:‏ ‏{‏أئنك لأنت يوسف‏}‏‏؟‏ والاستفهام يدل على الاستعظام، أي أنهم تعجبوا من ذلك أنهم يترددون إليه من سنتين وأكثر، وهو لا يعرفونه، وهو مع هذا يعرفهم ويكتم نفسه، فلهذا قالوا على سبيل الاستفهام‏:‏ ‏{‏أئنك لأنت يوسف قال أنا يوسف وهذا أخي‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏قد من اللّه علينا‏}‏ أي بجمعه بيننا بعد التفرقة وبعد المدة، ‏{‏إنه من يتق ويصبر فإن اللّه لا يضيع أجر المحسنين * قالوا تالله لقد آثرك اللّه علينا‏}‏ الآية، يقولون معترفين له بالفضل والأثرة عليهم في الخلق والخلق والسعة والملك وأقروا له بأنهم أساءوا إليه وأخطأوا في حقه، ‏{‏قال لا تثريب عليكم‏}‏ يقول أي لا تأنيب عليكم ولا عتب عليكم اليوم، ثم زادهم الدعاء لهم بالمغفرة، قال‏:‏ ‏{‏يغفر اللّه لكم وهو أرحم الراحمين‏}‏ قال السدي‏:‏ اعتذروا إلى يوسف فقال‏:‏ ‏{‏لا تثريب عليكم اليوم‏}‏ يقول‏:‏ لا أذكر لكم ذنبكم، وقال ابن إسحاق والثوري‏:‏ أي لا تأنيب عليكم اليوم عندي فيما صنعتم، ‏{‏يغفر اللّه لكم‏}‏ أي يستر عليكم فيما فعلتم ‏{‏وهو أرحم الراحمين‏}‏‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏93 ‏:‏ 95‏)‏
‏{‏ اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا وأتوني بأهلكم أجمعين ‏.‏ ولما فصلت العير قال أبوهم إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون ‏.‏ قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم ‏}‏

يقول‏:‏ اذهبوا بهذا القميص ‏{‏فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا‏}‏ وكان قد عمي من كثرة البكاء، ‏{‏وأتوني بأهلكم أجمعين‏}‏ أي بجميع بني يعقوب، ‏{‏ولما فصلت العير‏}‏ أي خرجت من مصر، ‏{‏قال أبوهم‏}‏ يعني يعقوب عليه السلام لمن بقي عنده من بنيه‏:‏ ‏{‏إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون‏}‏ تنسبوني إلى الفند والكبر، قال ابن عباس ومجاهد‏:‏ تسفهون، وقال مجاهد أيضاً والحسن‏:‏ تهرّمون، وقولهم‏:‏ ‏{‏إنك لفي ضلالك القديم‏}‏ قال ابن عباس‏:‏ لفي خطئك القديم، وقال قتادة‏:‏ أي من حب يوسف لا تنساه ولا تسلاه، قالوا لوالدهم كلمة غليظة لم يكن ينبغي لهم أن يقولوها لوالدهم ولا لنبي اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وكذا قال السدي وغيره‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏96 ‏:‏ 98‏)‏
‏{‏ فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه فارتد بصيرا قال ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون ‏.‏ قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين ‏.‏ قال سوف أستغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم ‏}‏

قال ابن عباس‏:‏ ‏{‏البشير‏}‏ البريد، وقال السدي وهو قول مجاهد أيضاً ‏:‏ هو يهوذا بن يعقوب، وإنما جاء به لأنه هو الذي جاء بالقميص وهو ملطخ بدم كذب، فأحب أن يغسل ذلك بهذا، فجاء بالقميص فألقاه على وجه أبيه فرجع بصيراً، وقال لبنيه عند ذلك‏:‏ ‏{‏ألم أقل لكم إني أعلم من اللّه ما لا تعلمون‏}‏ أي أعلم أن اللّه سيرده إليَّ، فعند ذلك قالوا لأبيهم مترفقين له‏:‏ ‏{‏يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين * قال سوف أستغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم‏}‏ أي من تاب إليه تاب عليه، قال ابن مسعود‏:‏ أرجأهم إلى وقت السحر، وقال ابن جرير‏:‏ كان عمر رضي اللّه عنه يأتي المسجد فيسمع إنساناً يقول‏:‏ اللهم دعوتني فأجبت، وأمرتني فأطعت، وهذا السحر فاغفر لي، قال‏:‏ فاستمع الصوت فإذا هو من دار عبد اللّه بن مسعود فسأل عبد اللّه عن ذلك فقال‏:‏ إن يعقوب أخّر بنيه إلى السحر بقوله ‏{‏سوف أستغفر لكم ربي‏}‏ أخرجه ابن جرير ‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏99 ‏:‏ 100‏)‏
{‏ فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين ‏.‏ ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم ‏}‏

يخبر تعالى عن ورود يعقوب عليه السلام وقدومه بلاد مصر، لما كان يوسف قد تقدم لإخوته أن يأتوه بأهلهم أجمعين، فتحملوا عن آخرهم، وترحلوا من بلاد كنعان قاصدين بلاد مصر، فلما أخبر يوسف عليه السلام باقترابهم خرج لتلقيهم، وأمر الملك أمراءه وأكابر الناس بالخروج مع يوسف لتلقي نبي اللّه يعقوب عليه السلام ، ويقال إن الملك خرج أيضاً لتلقيه وهو الأشبه، وقوله‏:‏ ‏{‏آوى إليه أبويه‏}‏ قال السدي‏:‏ إنما كان أباه وخالته وكانت أمه قد ماتت قديماً، قال ابن جرير‏:‏ ولم يقم دليل على موت أمه، وظاهر القرآن يدل على حياتها، وقوله‏:‏ ‏{‏ورفع أبويه على العرش‏}‏، قال ابن عباس‏:‏ يعني السرير أي أجلسهما معه على سريره، ‏{‏وخروا له سجدا‏}‏ أي سجد له أبواه وإخوته الباقون، وكانوا أحد عشر رجلاً، ‏{‏وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل‏}‏ أي التي كان قصها على أبيه من قبل، وقد كان هذا سائغاً في شرائعهم إذا سلموا على الكبير يسجدون له، ولم يزل هذا جائزاً من لدن آدم إلى شريعة عيسى عليه السلام، فحرم هذا في هذه الملة، وجعل السجود مختصاً بجناب الرب سبحانه وتعالى، هذا مضمون قول قتادة وغيره، وفي الحديث‏:‏ ‏(‏لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها لعظم حقه عليها‏)‏ ‏"‏الحديث في الصحاح وسببه أن معاذاً قدم الشام فوجدهم يسجدون لأساقفتهم، فلما رجع إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سجد له، فقال‏:‏ ‏(‏ما هذا يا معاذ‏؟‏ فقال‏:‏ إني رأيتهم يسجدون لأساقفتهم وأنت أحق أن يسجد لك يا رسول اللّه فقاله صلى اللّه عليه وسلم‏"‏، وفي حديث آخر‏:‏ أن سلمان لقي النبي صلى اللّه عليه وسلم في بعض المدينة، وكان سلمان حديث عهد بالإسلام، فسجد للنبي صلى اللّه عليه وسلم، فقال‏:‏ ‏(‏لا تسجد لي يا سلمان واسجد للحي الذي لا يموت‏)‏ والغرض أن هذا كان جائزاً في شريعتهم، ولهذا خروا له سجداً فعندها قال يوسف‏:‏ ‏{‏يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا‏}‏ أي هذا ما آل إليه الأمر، فإن التأويل يطلق على ما يصير إليه الأمر، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله‏}‏ أي يوم القيامة يأتيهم ما وعدوا به من خير وشر، وقوله‏:‏ ‏{‏قد جعلها ربي حقا‏}‏ أي صحيحة صدقاً، يذكر نعم اللّه عليه، ‏{‏وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو‏}‏ أي البادية، قال ابن جريج وغيره‏:‏ كانوا أهل بادية وماشية، ‏{‏من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لما يشاء‏}‏، أي إذا أراد أمراً قيض له أسبابه وقدره ويسره ‏{‏إنه هو العليم‏}‏ بمصالح عباده ‏{‏الحكيم‏}‏ في أقواله وأفعاله وقضائه وقدره وما يختاره ويريده‏.‏ قال محمد بن إسحاق‏:‏ ذكروا - واللّه أعلم - أن غيبة يوسف عن يعقوب كانت ثماني عشرة سنة، وأهل الكتاب يزعمون أنها كانت أربعين سنة، وأن يعقوب عليه السلام بقي مع يوسف بعد أن قدم عليه مصر سبع عشرة سنة ثم قبضه اللّه إليه، وقال عبد اللّه بن شداد‏:‏ اجتمع آل يعقوب إلى يوسف بمصر وهم سته وثمانون إنساناً صغيرهم وكبيرهم، وذكرهم وأنثاهم، وخرجوا منها وهم ستمائة ألف ونيف‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏101‏)‏
‏{‏
رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين ‏}‏

هذا دعاء من يوسف الصديق، دعا به ربه عزَّ وجلَّ لما تمت نعمة اللّه عليه باجتماعه بأبويه وإخوته، وما منّ اللّه به عليه من النبوة والملك سأل ربه عزَّ وجلَّ أن يتوفاه مسلماً حين يتوفاه وأن يلحقه بالصالحين، وهم إخوانه من النبين والمرسلين صلوات اللّه وسلامه عليهم أجمعين، وهذا الدعاء يحتمل أن يوسف عليه السلام قاله عند احتضاره، كما ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي اللّه عنها أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم جعل يرفد أصبعه عند الموت ويقول‏:‏ ‏(‏اللهم في الرفيق الأعلى‏)‏ ثلاثاً؛ ويحتمل أن سأل الوفاة على الإسلام واللحاق بالصالحين إذا جاء أجله وانقضى عمره، لا أنه سأله ذلك منجزاً كما يقول الداعي لغيره أماتك اللّه على الإسلام، ويقول الداعي‏:‏ اللهم أحينا مسلمين وتوفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين؛ ويحتمل أنه سأل ذلك منجزاً وكان سائغاً في ملتهم، كما قال قتادة‏:‏ لما جمع اللّه شمله وأقر عينه وهو يومئذ مغمور في الدنيا وملكها ونضارتها اشتاق إلى الصالحين قبله، وكان ابن عباس يقول‏:‏ ما تمى نبي قط الموت قبل يوسف عليه السلام‏.‏ ولكن هذا لا يجوز في شريعتنا لما في الصحيحين‏:
‏ ‏(‏لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به إما محسناً فيزداد، وإما مسيئاً فلعله يستعتب، ولكن ليقل‏:‏ اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي‏)‏

وعن أبي هريرة
عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به ولا يدع به من قبل أن يأتيه إلا أن يكون قد وثق بعمله، فإنه إذا مات أحدكم انقطع عمله وإنه
لا يزيد المؤمن عمله إلا خيراً‏)‏
تفرد به الإمام أحمد رحمه اللّه ، وهذا فيما إذا كان الضر خاصاً به، وأما إذا كان فتنة في الدين فيجوز سؤال الموت، كما قال تعالى إخباراً عن السحرة لما أرادهم فرعون عن دينهم وتهددهم بالقتل‏:‏ ‏{‏قالوا ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين‏}‏‏.‏ وقالت مريم عليها السلام‏:‏ ‏{‏يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا‏}‏ لما علمت من أن الناس يقذفونها بالفاحشة لأنها لم تكن ذات زوج وقد حملت ووضعت‏.‏ وفي حديث معاذ الذي رواه الإمام أحمد والترمذي‏:‏ ‏(‏وإذا أردت بقوم فتنة فاقبضني إليك غير مفتون‏)‏، فعند حلول الفتن في الدين يجوز سؤال الموت، ولهذا قال علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه في آخر خلافته لما رأى أن الأمور لا تجتمع له، ولا يزداد الأمر إلا شدة فقال‏:‏ اللهم خذني إليك فقد سئمتهم وسئموني، وقال البخاري رحمه اللّه‏:‏ لما وقعت له تلك الفتنة وجرى له مع أمير خراسان ما جرى قال‏:‏ اللهم توفني إليك، وفي الحديث‏:‏ ‏(‏إن الرجل ليمر بالقبر - أي في زمان الدجال - فيقول يا ليتني مكانك‏)‏ لما يرى من الفتن والزلازل والأمور الهائلة التي هي فتنة لكل مفتون‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏102 ‏:‏ 104‏)‏
‏{‏ ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون ‏.‏ وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين ‏.‏ وما تسألهم عليه من أجر إن هو إلا ذكر للعالمين ‏}‏

يقول تعالى لمحمد صلى اللّه عليه وسلم لما قص عليه نبأ إخوة يوسف، وكيف رفعه اللّه
عليهم وجعل له العاقبة والنصر والملك والحكم، مع ما أرادوا مه من السوء والهلاك والإعدام‏:‏ هذا وأمثاله يا محمد من أخبار الغيوب السابقة ‏{‏نوحيه إليك‏}‏ ونعلمك به يا محمد لما فيه من العبرة لك والاتعاظ لمم خالفك، ‏{‏وما كنت لديهم‏}‏ حاضراً عندهم ولا مشاهداً لهم ‏{‏إذ أجمعوا أمرهم‏}‏ أي على إلقائه في الجب، ‏{‏وهم يمكرون‏}‏ به ولكنا أعلمناك به وحياً إليك وإنزالاً عليك كقوله‏:‏ ‏{‏وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم‏}‏ الآية، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر‏}‏ الآية، إلى قوله‏:‏ ‏{‏وما كنت بجانب الطور إذ نادينا‏}‏ الآية، يقول تعالى‏:‏ إنه رسوله وإنه قد أطلعه على أنباء ما قد سبق مما فيه عبرة للناس ونجاة لهم في دينهم ودنياهم، ومع هذا ما آمن أكثر الناس، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين‏}‏، وقال‏:‏ ‏{‏وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل اللّه‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏وما تسألهم عليه من أجر‏}‏ أي ما تسألهم يا محمد على هذا النصح والرشد من أجر أي من جعالة ولا أجرة، بل تفعله ابتغاء وجه اللّه ونصحاً لخلقه، ‏{‏إن هو إلا ذكر للعالمين‏}‏ أي يتذكرون به ويهتدون وينجون به في الدنيا والآخرة‏.‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس