عرض مشاركة واحدة
قديم 27-04-2014, 03:32 AM   رقم المشاركة : 17
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏63 ‏:‏ 64‏)‏
{‏وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون ‏.‏ ثم توليتم من بعد ذلك فلولا فضل الله عليكم ورحمته لكنتم من الخاسرين ‏}

يقول تعالى مذكِّراً بني إسرائيل ما أخذ عليهم من العهود والمواثيق، بالإيمان وحده لا شريك له، واتباع رسله، وأخبر تعالى أنه لما أخذ عليهم الميثاق رفع الجبل فوق رؤوسهم، ليقروا بما عوهدوا عليه يأخذوه بقوة وحزم وامتثال كما قال تعالى‏:‏ ‏
{‏وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة وظنوا أنه واقع بهم خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون‏}‏ فالطور هو الجبل كما فسَّره به في الأعراف، وقال السدي‏:‏ فلما أبوا أن يسجدوا أمر اللّه الجبل أن يقع عليهم، فنظروا إليه وقد غشيهم، فسقطوا سجداً فسجدوا على شق ونظروا بالشق الآخر، فرحمهم اللّه فكشفه عنهم فقالوا‏:‏ واللّه ما سجدة أحب إلى اللّه من سجدة كشف بها العذاب عنهم فهم يسجدون كذلك، وذلك قول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏ورفعنا فوقكم الطُّور‏}‏، ‏{‏خذوا ما آتيناكم بقوة‏}‏، يعني التوراة، قال أبو العالية‏:‏ بقوة أي بطاعة، وقال مجاهد‏:‏ بقوة بعملٍ بما فيه، وقال قتادة‏:‏ القوة‏:‏ الجد وإلا قذفته عليكم، قال‏:‏ فأقروا أنهم يأخذون ما أوتوا بقوة، ومعنى قوله وإلا قذفته عليكم أي أسقطته عليكم، يعني الجبل، ‏{‏واذكروا ما فيه‏} يقول‏:‏ اقرأوا ما في التوراة واعملوا به‏.‏ وقوله تعالى‏:‏ {‏ثم توليتم من بعد ذلك فلولا فضل اللّه‏}‏ يقول تعالى ثم بعد هذا الميثاق المؤكد العظيم، توليتم عنه وانثنيتم ونقضتموه ‏{‏فلولا فضل الله عليكم ورحمته‏} أي بتوبته عليكم وإرساله النبيين والمرسلين إليكم ‏{‏لكنتم من الخاسرين‏}
بنقضكم ذلك الميثاق في الدنيا والآخرة‏.‏

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏65 ‏:‏ 66‏)‏
{‏ ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين ‏.‏ فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين ‏}

يقول تعالى‏:‏ ‏{‏ولقد علمتم‏}‏ يا معشر اليهود ما أحل من البأس بأهل القرية، التي عصت أمر اللّه وخالفوا عهده وميثاقه، فيما أخذه عليهم من تعظيم السبت والقيام بأمره، إذا كان مشروعاً لهم فتحيلوا على اصطياد الحيتان في يوم السبت بما وضعوا لها من الحبائل والبرك قبل يوم السبت، فلما جاءت يوم السبت على عادتها في الكثرة نشبت بتلك الحبائل والحيل فلم تخلص منها يومها ذلك فلما كان الليل أخذوها بعد انقضاء السبت، فلما فعلوا ذلك مسخهم اللّه إلى صورة القردة وهي أشبه شيء بالأناسي في الشكل الظاهر وليست بإنسان حقيقة، فكذلك أعمال هؤلاء وحيلتهم لما كانت مشابهة للحق في الظاهر ومخالفة له في الباطن، كان جزاؤهم من جنس عملهم‏.‏
وهذه القصة مبسوطة في سورة الأعراف حيث يقول تعالى‏:‏
‏{‏واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذا يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون‏} القصة بكمالها وقال السدي‏:‏ أهل هذه القرية هم أهل أيلة، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فقلنا لهم كونوا ققردة خاسئين‏}‏ قال مجاهد‏:‏ مسخت قلوبهم ولم يمسخوا قردة، وإنما هو مَثَلٌ ضربه اللّه ‏{‏كمثل الحمار يحمل أسفاراً‏} وهذا سند جيّد عن مجاهد، وقولٌ غريب خلاف الظاهر من السياق في هذا المقام، وفي غيره قال اللّه تعالى‏:‏‏{‏قل هل أنبئكم بشرٍّ من ذلك مثوبة عند الله من لعنه وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت‏}‏الآية، وقال ابن عباس{‏فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين‏}‏‏:‏ فجعل اللّه منهم القردة والخنازير، فزعم أن شباب القوم صاروا قردة وأن الشيخة صاروا خنازير‏.‏ وقال شيبان عن قتادة{‏فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين‏}‏ فصار القوم قردة تعاوى، لها أذناب بعدما كانوا رجالاً ونساء، وقال عطاء الخُراساني‏:‏ نودوا يا أهل القرية ‏{‏كونوا قردة خاسئين‏}
فجعل الذين نهوهم يدخلون عليهم فيقولون يا فُلان، يا فلان ألم ننهكم‏؟‏ فيقولون برؤوسهم أي بلى، وقال الضحّاك عن ابن عباس‏:‏ فمسخهم اللّه قردة بمعصيتهم، يقول‏:‏ إذ لا يحيون في الأرض إلا ثلاثة أيام، قال‏:‏ ولم يعش مسخ قط فوق ثلاثة أيام ولم يأكل ولم يشرب ولم ينسل، وقد خلق اللّه القردة والخنازير وسائر الخلق في الستة الأيام التي ذكرها اللّه في كتابه، فمسخ هؤلاء القوم في صورة القردة وكذلك يفعل بمن يشاء، ويحوله كما يشاء ‏{‏خاسئين‏}‏ يعني أذلة صاغرين‏.‏
وقال السُّدي في قوله تعالى‏:‏ ‏
{‏ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين‏}‏ قال‏:‏ هم أهل أيلة؛ وهي القرية التي كانت حاضرة البحر، فكانت الحِيتان إذا كان يوم السبت، وقد حرّم اللّه على اليهود أن يعملوا في السبت شيئاً، لم يبق في البحر حوت إلا خرج حتى يخرجن خراطيمهن من الماء، فإذا كان يوم الأحد لَزِمْنَ سُفْلَ البحر فلم ير منهن شيء حتى يكون السبت فذلك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعاً ويوم لا يسبتون لا تأتيهم‏} فاشتهى بعضهم السمك فجعل الرجُل يحفر الحفيرة ويجعل لها نهراً إلى البحر، فإذا كان يوم السبت فتح النهر، فاقبل الموج بالحيتان يضربها حتى يلقيها في الحفيرة، فيريد الحوت أن يخرج فلا يطيق من أجل قلة ماء النهر فيمكث فيها، فإذا كان يوم الأحد جاء فأخذه فجعل الرجُل يشوي السمك فيجد جاره روائحه فيسأله فيخبره فيصنع مثل ما صنع جاره حتى فشا فيهم أكل السمك، فقال لهم علماؤهم‏:‏ ويحكم إنما تصطادون يوم السبت وهو لا يحلّ لكم، فقالوا‏:‏ إنما صدناه يوم الأحد حين أخذناه، فقال الفقهاء‏:‏ لا، ولكنكم صدتموه يوم فتحتم له الماء فدخل، قال‏:‏ وغلبوا أن ينتهوا، فقال بعض الذين نهوهم لبعض‏:‏ ‏{‏لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا‏} يقول‏:‏ لم تعظوهم وقد وعظتموهم فلم يطيعوكم، فقال بعضهم‏:‏{‏معذرة إلى ربكم ولعلهم يتَّقون‏}‏، فلما أبَوْ قال المسلمون واللّه لا نساكنكم في قرية واحدة، فقسموا القرية بجدار ففتح المسلمون باباً والمعتدون في السبت باباً ولعنهم داود عليه السلام، فجعل المسلمون يخرجون من بابهم، والكُفّار من بابهم، فخرج المسلمون ذات يوم ولم يفتح الكفّار بابهم، فلما أبطأوا عليهم تسوَّر المسلمون عليهم الحائط، فإذا هم قردة يثب بعضهم على بعض ففتحوا عنهم فذهبوا في الأرض، فذلك قول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏فلما عتوا عمّا نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاشئين‏}‏، وذلك حين يقول‏:‏‏{‏لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم‏}‏
الآية فهم القردة، قلت والغرض من هذا السياق عن هؤلاء الآئمة بيان خلاف ما ذهب إليه مجاهد رحمه اللّه من أن مسخهم إنما كان معنويا لا صوريا، بل الصحيح أنه معنوي صوري واللّه تعالى أعلم‏.‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فجعلناها نكالاً‏}‏ قال بعضهم‏:‏ الضمير في فجعلناهاعائد إلى القردة، وقيل على الحيتان ، وقيل على العقوبة، وقيل على القرية حكاها ابن جرير‏.‏ والصحيح أن الضمير عائد على القرية، أي فجعل اللّه هذه القرية والمراد أهلها بسبب اعتدائهم في سبتهم نكالا أي عاقبناهم عقوبة فجعلناها عبرة كما قال اللّه عن فرعون‏:‏ ‏
{‏فأخذه الله نكال الآخرة والأولى‏}‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لما بين يديها وما خلفها‏} أي من القرى، قال ابن عباس‏:‏ يعني جعلناها بما أحللنا بها من العقوبة عبرةً لما حولها من القرى كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى وصرفنا الآيات لعلهم يرجعون‏}‏، فالمراد لما بين يديها وما خلفها في المكان، كما قال عكرمة عن ابن عباس‏:‏ ‏"‏لما بين يديها‏"‏من القرى ‏"‏وما خلفها‏"‏من القرى، وقال أبو العالية‏:‏ ‏"‏وما خلفها‏"‏لما بقي بعدهم من الناس من بني إسرائيل أن يعملوا مثل عملهم، وكأن هؤلاء يقولون المراد{‏لما بين يديها وما خلفها‏}‏ في الزمان، وهذا مستقيم بالنسبة إلى ما يأتي بعدهم من الناس أن تكون أهل تلك القرية عبرة لهم، وأما بالنسبة إلى من سلف قبلهم من الناس، فكيف يصح هذا الكلام أن تفسر الآية به وهو أن يكون عبرة لمن سبقهم‏؟‏ فتعيَّن أن المراد في المكان وهو ما حولها من القرى كما قال ابن عباس وسعيد بن جبير واللّه أعلم‏.‏
وقال أبو جعفر الرازي عن أبي العالية‏:‏ ‏{‏فجعلناها نكالاً لما بين يديها وما خلفها‏} أي عقوبة لما خلا من ذنوبهم، وقال ابن أبي حاتم‏:‏ وروي عن عكرمة ومجاهد‏:‏ ‏{‏لما بين يديها‏}‏ من ذنوب القوم ‏{‏وما خلفها‏}‏ لمن يعمل بعدها مثل تلك الذنوب، وحكى الرازي ثلاثة أقوال أحدها‏:‏ أن المراد بما بين يديها وما خلفها من تقدمها من القرى بما عندهم من العلم بخبرها بالكتب المتقدمة ومن بعدها‏.‏ والثاني‏:‏ المراد بذلك من بحضرتها من القرى والأمم‏.‏ والثالث‏:‏ أنه تعالى جعلها عقوبة لجميع ما ارتكبوه من قبل هذا الفعل وما بعده وهو قول الحسن‏.‏ ‏"‏قلت‏"‏وأرجح الأقوال المراد بما بين يديها وما خلفها من بحضرتها من القرى يبلغهم خبرها وما حل بها كما قال تعالى‏:‏ {‏ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى‏}‏ الآية، وقال تعالى‏:‏{‏ولا يزال الذي كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة‏}‏ الآية، وقال تعالى‏:‏ {‏أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها‏}‏ فجعلهم عبرة ونكالاً لمن في زمانهم وموعظة لمن يأتي بعدهم بالخبر المتواتر عنهم، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏وموعظة للمتقين‏}‏ الذين من بعدهم إلى يوم القيامة، قال الحسن‏:‏ فيتقون نقمة اللّه ويحذرونها، وقال السُّدي‏:‏ ‏{‏وموعظة للمتقين‏}‏ أمّة محمد صلى اللَه عليه وسلم قلت المراد بالموعظة ههنا الزاجر، أي جعلنا ما أحللنا بهؤلاء من البأس والنكال في مقابلة ما ارتكبوه من محارم اللّه وما تحيلوا به من الحيل، فليحذر المتقون صنيعهم لئلا يصيبهم ما أصابهم كما روي عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلى اللَه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلّوا محارم اللّه بأدنى الحيل‏)‏ ‏"‏أخرجه الإمام أوب عبد اللّه بن بطة وفي سنده ‏"‏أحمد بن محمد بن مسلم‏"‏وثقه الحافظ البغدادي وباقي رجاله مشهورون على شرط الصحيح‏"‏وهذا إسناد جيّد واللّه أعلم‏.‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس