عرض مشاركة واحدة
قديم 27-04-2014, 03:24 AM   رقم المشاركة : 16
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏60‏)‏
{‏ وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين ‏}

يقول تعالى‏:‏ واذكروا نعمتي عليكم في أجابتي لنبيكم موسى عليه السلام، حين استسقاني لكم وتيسيري لكم الماء، وإخراجه لكم من حجر يحمل معكم، وتفجيري الماء لكم منه من ثنتي عشرة عيناً لكل سبط من أسباطكم عينُ قد عرفوها، فكلوا من المن والسلوى واشربوا من هذا الماء الذي أنبعته لكم، بلا سعي منكم ولا جَدّ، واعبدوا الذي سخَّر لكم ذلك، {‏ولا تعثوا في الأرض مفسدين‏}
ولا تقابلوا النعم بالعصيان فتُسْلَبوها‏.‏ وقد بسطه المفسِّرون في كلامهم كما قال ابن عباس رضي اللّه عنه‏:‏ وجعل بين ظهرانيهم حجر مربع، وأمر موسى عليه السلام فضربه بعصاه فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً في كل ناحية منه ثلاث عيون، وأعلم كل سبط عينهم يشربون منها، وقال قتادة‏:‏ كان حجراً طورياً - من الطور - يحملونه معهم حتى نزلوا ضربه موسى بعصاه، وقيل‏:‏ هو الحجر الذي وضع عليه موسى ثوبه حين اغتسل فقال له جبريل ارفع هذا الحجر فإن فيه قدرة، ولك فيه معجزة، فحمله في مخلاته‏.‏ قال الزمخشري‏:‏ ويحتمل أن تكون اللام للجنس لا للعهد، أي اضرب الشيء الذي يقال له الحجر، وعن الحسن‏:‏ لم يأمره أن يضرب حجراً بعينه، قال‏:‏ وهذا أظهر في المعجزة وأبين في القدرة، فكان يضرب الحجر بعصاه فينفجر ثم يضربه فييبس وقال الضحاك قال ابن عباس لما كان بنو إسرائيل في التيه شق لهم من الحجر أنهاراً، وقال الثوري عن ابن عباس‏:‏ قال ذلك في التيه ضرب لهم موسى الحجر فصار منه اثنتا عشرة عيناً من ماء لكل سبط منهم عينا يشربون منها‏.‏

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏61‏)‏
{‏ وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم ‏}

يقول تعالى‏:‏ واذكروا نعمتي عليكم في إنزالي عليكم المنَّ والسلوى طعاماً طيباً نافعاً هنيئاً سهلاً، واذكروا ضجركم مما رزقناكم وسؤالكم موسى الأطعمة الدنيئة من البقول ونحوها مما سألتم، قال الحسن البصري‏:‏ فبطروا وذكروا عيشهم الذي كانوا فيه، وكانوا قوماً أهل أعداس وبصل وبقل وفوم، فقالوا‏:‏{‏يا موسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج مما تنبت الأرض من بقلها وقثاءهم وفومها وعدسها وبصلها‏}‏
وإنما قالوا على طعام واحد وهم يأكلون المن والسلوى لأنه لا يتبدَّل ولا يتغير كل يوم فهو مأكل واحد، وأما الفوم فقال ابن عباس‏:‏ الثوم، وقال آخرون‏:‏ الفوم‏:‏ الحنطةُ وهو البُرَّ الذي يعمل منه الخبز، روي أن ابن عباس سئل عن قول اللّه ‏{‏وفومها‏}‏ ما فومها‏؟‏ قال‏:‏ الحنطة‏.‏ قال ابن عباس‏:‏ أما سمعت قول أحيحة بن الجلاح وهو يقول‏:‏
قد كنت أغنى الناس شخصاً واحداً * ورد المدينة عن زراعة فوم
وقال ابن جرير، عن ابن عباس في قول اللّه تعالى ‏{‏وفومها‏}‏ قال‏:‏ الفوم الحنطة بلسان بني هاشم، وقال الجوهري‏:‏ الفوم الحنطة، وحكى القرطبي عن عطاء وقتادة‏:‏ أن الفوم كل حب يختبز، قال‏:‏ وقال بعضهم‏:‏ هو الحمص لغة شامية، قال البخاري‏:‏ وقال بعضهم الحبوب التي تؤكل كلها فوم، وقوله‏:
‏ ‏{‏قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير‏}‏‏؟‏ فيه تقريع لهم وتوبيخ على ما سألوا من هذه الأطعمة الدنيئة مع ما هم فيه من العيش الرغيد والطعام الهنيء الطيب النافع‏.‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏اهبطوا مصراً‏}‏ هكذا هو منون مصروف، وقال ابن عباس‏:‏ مصراً من الأمصار‏.‏ والمعنى أن هذا الذي سألتم ليس بأمر عزيز بل هو كثير في أي بلد دخلتموها وجدتموه، فليس يساوي مع دناءته وكثرته في الأمصار أن أسأل اللّه فيه‏.‏ ولهذا قال‏:{‏أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصراً فإن لكم ما سألتم‏}
أي ما طلبتم، ولما كان سؤالهم هذا من باب البطر والأشر ولا ضرورة فيه لم يجابوا إليه، واللّه أعلم‏.‏
‏{‏ وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباؤوا بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ‏}‏
يقول تعالى‏:{‏وضربت عليهم الذلة والمسكنة‏}أي وضعت عليهم وألزموا بها شرعاً وقدراً، أي لا يزالون مستذلين من وَجَدهم استذلهم وأهانهم وضربَ عليهم الصغاَر، وهم مع ذلك في أنفسهم أذلاء مستكينون‏.‏ يعطون الجزية عن يدٍ وهم صاغرون، قال الضحّاك‏:‏ ‏{‏وضربت عليهم الذلة‏} قال‏:‏ الذل، وقال الحسن‏:‏ أذلهم اللّه فلا منعة لهم وجعلهم تحت أقدام المسلمين، ولقد أدركتهم هذه الأمة وإن المجوس لتجيبهم الجزية، وقال أبو العالية والسُّدى‏:‏ المسكنةُ الفاقةُ، وقوله تعالى‏:‏{‏وباؤا بغضب من اللّه‏}‏ استحقوا الغضب من اللّه، وقال ابن جرير‏:‏ يعني بقوله ‏{‏وباؤوا بغضب من اللّه‏}‏‏:‏ انصرفوا ورجعوا، ولا يقال باء إلا موصولاً إما بخير وإما بشر، يقال منه‏:‏ باء فلان بذنبه يبوء به، ومنه قوله تعالى‏:{‏إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك‏}
‏ يعني تنصرف متحملهما وترجع بهما قد صارا عليك دوني، فمعنى الكلام رجعوا منصرفين متحملين غضب اللّه قد صار عليهم من اللّه غضب ووجب عليهم من اللّه سخط‏.‏
وقوله تعالى‏:‏
{‏ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات اللّه ويقتلون النبيين بغير الحق‏} يقول اللّه تعالى هذا الذي جازيناهم من الذلة والمسكنة وإحلال الغضب بهم من الذلة، بسبب استكبارهم عن اتباع الحق، وكفرهم بآيات اللّه وإهانتهم حَمَلة الشرع وهم الأنبياء وأتباعهم، فانتقصوهم إلى أن أفضى بهم الحال إلى أن قتلوهم فلا كفر أعظم من هذا، إنهم كفروا بآيات اللّه وقتلوا أنبياء اللّه بغير الحق، ولهذا جاء في الحديث المتفق على صحته أن رسول اللّه صلى اللَه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏الكبر بطرُ الحق وغَمْطُ الناسِ‏)‏ ‏"‏هذا جزء من حديث شريف وأوله ‏(‏لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كِبْر‏.‏‏.‏‏)‏الحديث‏"‏يعني رد الحق وانتقاص الناس والإزدراء بهم والتعاظم عليهم‏.‏ ولهذا لما ارتكب بنوا إسرائيل ما ارتكبوه من الكفر بآيات اللّه وقتلهم أنبياءه،أحل اللّه بهم بأسه الذي لا يُرد، وكساهم ذلاً في الدنيا موصولاً بذل الآخرة جزاءً وفاقاً‏.عن عبد اللّه بن مسعود قال‏:‏ ‏(‏كانت بنوا إسرائيل في اليوم تقتل ثلثمائة نبي ثم يقيمون سوق بقلهم من آخر النهار‏)‏ ‏(13) " " " " "(14)‏رواه أبو داود الطيالسي‏"‏وعن عبد اللّه بن مسعود‏:‏ أن رسول اللّه صلى اللَه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏أشدُّ الناس عذاباً يوم القيامة رجلٌ قتله نبي أو قَتَل نبيا، وإمام ضلالة وممثل من الممثلين‏)(15)‏وقوله تعالى‏:‏{‏ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون‏}
وهذه علة أخرى في مجازاتهم بما جوزوا به أنهم كانوا يعصون ويعتدون، فالعصيان فعل المناهي، والاعتداءُ المجاوزة في حد المأذون فيه والمأمور به، واللّه أعلم‏.‏

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم‏(‏
{‏ إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ‏}
لما بيّن‏)‏
تعالى حال من خالف أوامره، وارتكب زواجره، وتعدّى في فعل ما لا إذن فيه وانتهك المحارم، وما أحلّ بهم من النكال، نبّه تعالى على أن من أحسن من الأُمم السالفة وأطاع فإن له جزاء الحسنى، وكذلك الأمر إلى قيام الساعة، كلُّ من اتبع الرسول النبي الأُمّي فله السعادة الأبدية، ولا خوف عليهم فيما يستقبلونه ولا هم يحزنون على ما يتركونه ويخلفونه كما قال تعالى‏:‏
{‏ألا إن أولياء اللّه لا خوف عليهم ولا هم يحزنون‏} عن مجاهد قال‏:‏ قال سلمان رضي اللّه عنه‏:‏ سألت النبي صلى اللَه عليه وسلم عن أهل دين كنتُ معهم فذكرت من صَلاتهم وعبادتهم، فنزلت‏:‏{‏إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن باللّه واليوم الآخر‏} إلى آخر الآية‏.‏ وقال السُّدي‏:‏ نزلت في اصحاب ‏"‏سلمان الفارسي‏"‏بينا هو يحدِّث النبي صلى اللَه عليه وسلم إذا ذكر أصحابه فأخبروه خبرهم فقال‏:‏ كانوا يصلون، ويصومون، ويؤمنون بك، ويشهدون أنك ستبعث نبياً، فلما فرغ سلمان من ثنائه عليهم قال له النبي صلى اللَه عليه وسلم ‏:‏ يا سلمان هم من أهل النار‏(‏ فاشتد ذلك على سلمان فأنزل اللّه هذه الآية
فكان إيمان اليهود أنه من تمسك بالتوراة وسنّة موسى عليه السلام حتى جاء عيسى، فلما جاء عيسى كان من تمسك بالتوراة وأخذ بسُنَّة موسى فلم يدعها ولم يتبع عيسى كان هالكاً، وإيمان النصارى أن من تمسك بالإنجيل منهم وشرائع عيسى كان مؤمناً مقبولاً منه حتى جاء محمد صلى اللَه عليه وسلم فمن لم يتبع محمداً صلى اللَه عليه وسلم منهم ويدع ما كان عليه من سنة عيسى والإنجيل كان هالكاً‏.‏
قلت وهذا لا ينافي ما روي عن ابن عباس
{‏إن الذين آمنوا والذين هادوا‏}الآية قال‏:‏ فأنزل اللّه بعد ذلك‏:‏{‏ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين‏}فإن هذا الذي قاله ابن عباس إخبار عن أنه لا يقبل من أحد طريقه ولا عملاً إلا ما كان موافقاً لشريعة محمد صلى اللَه عليه وسلم بعد أن بعثه بما بعثه به، فأما قبل ذلك فكل من اتبع الرسول في زمانه فهو على هدى وسبيل ونجاة، فاليهود أتباع موسى عليه السلام الذين كانوا يتحاكمون إلى التوراة في زمانهم، واليهود من الهوادة وهي المودة أو التهود وهي التوبة كقول موسى عليه السلام‏:‏{‏إنا هدنا إليك‏}أي تبنا فكأنَّهم سموا بذلك في الاصل لتوبتهم ومودتهم في بعضهم لبعض، وقيل‏:‏ لنسبتهم إلى يهودا أكبر أولاد يعقوب، فلما بعث عيسى صلى اللَه عليه وسلم وجب على بني إسرائيل اتباعه والانقياد له، فأصحابه وأهل دينه هم النصارى وسموا بذلك لتناصرهم فيما بينهم، وقد يقال لهم أنصار أيضاً كما قال عيسى عليه السلام‏:‏ ‏{‏من أنصاري إلى الله‏؟‏ قال الحوارين نحن أنصار الله‏}‏وقيل إنهم إنما سموا بذلك من أجل أنّهم نزلوا أرضاً يقال لها ناصرة، قاله قتادة وروي عن ابن عباس أيضاً، واللّه أعلم‏.‏
فلما بعث اللّه محمداً صلى اللَه عليه وسلم خاتما للنبيين ورسولا إلى بني آدم على الإطلاق، وجب عليهم تصديقه فيما أخبر، وطاعته فيما أمر، والانكفاف عما عنه زجر، وهؤلاء هم المؤمنون حقاً وسمِّيت أُمّة محمدا صلى اللَه عليه وسلم مؤمنين لكثرة إيمانهم، وشدة إيقانهم، ولأنهم يؤمنون بجميع الأنبياء الماضية والغيوب الآتية‏.‏

وأما الصابئون فقد اختلف فيهمفقال مجاهد‏:‏ الصابئون قوم بين المجوس واليهود والنصارى ليس لهم دين، وقال أبو العالية والضحّاك‏:‏ الصابئون فرقة من أهل الكتاب يقرأون الزبور، ولهذا قال أبو حنيفة وإسحاق‏:‏ لا بأس بذبائحهم ومناكحتهم، وقال أبو جعفر الرازي‏:‏ بلغني أن الصابئين قوم يعبدون الملائكة ويقرأون الزبور ويصلُّون للقبلة، وسئل وهب بن منبه عن الصابئين فقال‏:‏ الذي يعرف اللّه وحده، وليست له شريعة يعمل بها، ولم يُحْدث كفراً، وقال عبد الرحمن بن زيد‏:‏ الصابئون أهل دين من الأديان، كانوا بجزيرة الموصل يقولون‏:‏ ‏(‏لا إله إلا الله‏)‏ وليس لهم عمل ولا كتابٌ ولا نبيٌّ إلا قول‏:‏ لا إله إلا اللّه، قال‏:‏ ولم يمنوا برسول فمن أجل ذلك كان المشركون يقولون للنبي صلى اللَه عليه وسلم وأصحابه‏:‏ هؤلاء الصابئون يشبِّهونهم بهم يعني في قول‏:‏ ‏(‏لا إله إلا اللّه‏(‏ وقال الخليل‏:‏ هم قوم يشبه دينهم دين النصارى إلا أن قبلتهم نحو مهب الجنوب يزعمون أنهم على دين نوح عليه السلام، قال القرطبي‏:‏ والذي تحصَّل من مذهبهم فيما ذكره بعض العلماء أنهم موحدون ويعتقدون تأثير النجوم وأنها فاعلة، ولهذا أفتى أبو سعيد الأصطخري بكفرهم للقادر باللّه حين سأله عنهم واختار الرازي أن الصابئين قوم يعبدون الكواكب بمعنى أن اللّه جعلها قبلة للعباد والدعاء أو بمعنى أن اللّه فوّض تدبير أمر هذا العالم إليها‏.‏ وأظهرُ الأقوال - واللّه أعلم - قول مجاهد ومتابعيه ووهب بن منبه‏:‏ أنهم قوم ليسوا على دين اليهود ولا النصارى ولا المجوس ولا المشركين، وإنما هم قوم باقون على فطرتهم ولا دين مقرر لهم يتبعونه ويقتفونه، ولهذا كان المشركون ينبذون من أسلم بالصابىء، أي أنه قد خرج عن سائر أديان أهل الارض إذ ذاك، وقال بعض العلماء‏:‏ الصابئون الذي لم تبلغهم دعوة نبي، واللّه أعلم‏.‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس