عرض مشاركة واحدة
قديم 04-05-2014, 08:29 PM   رقم المشاركة : 23
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏159 ‏:‏ 164‏)‏
‏{
‏ فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين ‏.‏ إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون ‏.‏ وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون ‏.‏أفمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله ومأواه جهنم وبئس المصير ‏.‏ هم درجات عند الله والله بصير بما يعملون ‏.‏ لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ‏}‏
يقول تعالى مخاطباً رسوله ممتناً عليه وعلى المؤمنين فيما أَلان به قلبه على أمته المتبعين لأمره التاركين لزجره وأطاب لهم لفظه ‏{‏فبما رحمة من اللّه لنت لهم‏}‏ أي بأي شيء جعلك اللّه لهم ليناً لولا رحمة اللّه بك وبهم، وقال قتادة‏:‏ ‏{‏فبما رحمة من اللّه لنت لهم‏}‏ يقول‏:‏ فبرحمة من اللّه لنت لهم و ما صلة، والعرب تصلها بالمعرفة كقوله ‏{‏فبما نقضهم ميثاقهم‏}‏، وبالنكرة كقوله‏:‏ ‏{‏عما قليل‏}‏ وهكذا ههنا‏.‏ قال‏:‏ ‏{‏فبما رحمة من اللّه لنت لهم‏}‏ أي برحمة من اللّه، وقال الحسن البصري‏:‏ هذا خلق محمد صلى الله عليه وسلم بعثه اللّه به، وهذه الآية الكريمة شبيهة بقوله تعالى‏:‏ لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم‏}‏ ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك‏}‏ والفظ‏:‏ الغليظ والمراد به ههنا غليظ الكلام لقوله بعد ذلك‏:‏ ‏{‏غليظ القلب‏}‏ أي لو كنت سيء الكلام قاسي القلب عليهم لانفضوا عنك وتركوك، ولكن اللّه جمعهم عليك، وألان جانبك لهم تأليفا لقولبهم، كما قال عبد اللّه بن عمرو‏:‏ إني أرى صفة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في الكتب المتقدمة ‏(‏أنه ليس بفظ، ولا غليظ، ولا صخّاب في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح‏)‏ ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر‏}‏ ولذلك كان رسول الله صلى اللّه عليه وسلم يشاور أصحابه في الأمر إذا حدث، تطييباً لقلوبهم، ليكون أنشط لهم فيما يفعلونه، كما شاورهم يوم بدر في الذهاب إلى العير، فقالوا‏:‏ يا رسول اللّه لو استعرضت بنا عرض البحر لقطعناه معك، ولو سرت بنا إلى برك الغماد لسرنا معك، ولا نقول لك كما قال قوم موسى لموسى‏:‏ اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون، ولكن نقول‏:‏ اذهب فنحن معك وبين يديك وعن يمينك وعن شمالك مقاتلون‏.‏ وشاورهم أيضاً أين يكون المنزل، حتى أشار المنذر بن عمرو بالتقدم أمام القوم، وشاروهم في أُحُد في أن يقعد في المدينة أو يخرج إلى العدوّ، فأشار جمهورهم بالخروج إليهم فخرج إليهم، وشاروهم يوم الخندق في مصالحة الأحزاب بثلث ثمار المدينة عامئذ فأبى ذلك عليه السعدان، سعد ابن معذ وسعد بن عبادة، فترك ذلك، وشاورهم يوم الحديبية في أن يميل على ذراري المشركين، فقال له الصديق‏:‏ إنا لمن نجيء لقتال أحد وإنما جئنا معتمرين، فأجابه إلى ما قال، فكان صلى اللّه عليه وسلم يشاورهم في الحروب ونحوها‏.‏
وروينا عن ابن عباس في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وشاورهم في الأمر‏}‏ قال‏:‏ نزلت في أبي بكر وعمر، وكانا حواري رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ووزيريه وأبوي المسلمين، وقد
روى الإمام أحمد عن عبد الرحمن بن غنم أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال لأبي بكر وعمر‏:‏ ‏(‏لو اجتمعتما في مشورة ما خالفتكما‏)‏، وروى ابن مردويه، عن علي بن أبي طالب قال‏:‏ سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن العزم‏؟‏ فقال‏:‏ ‏(‏مشاورة أهل الرأي ثم اتباعهم‏)‏، وقد
قال ابن ماجة عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏المستشار مؤتمن‏)‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فإذا عزمت فتوكل على اللّه‏}‏، أي إذا شاورتهم في الأمر وعزمت عليه فتوكل على اللّه فيه ‏{‏إن اللّه يحب المتوكلين‏}‏، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إن ينصركم اللّه فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى اللّه فليتوكل المؤمنون‏}‏ وهذه الآية كما تقدم من قوله‏:‏ ‏{‏وما النصر إلا من عند اللّه العزيز الحكيم‏}‏، ثم أمرهم بالتوكل عليه فقال‏:‏ ‏{‏وعلى اللّه فليتوكل المؤمنون‏}‏، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وما كان لنبي أن يغل‏}‏، قال ابن عباس ومجاهد‏:‏ ما ينبغي لنبي أن يخون، وقال ابن أبي حاتم، عن ابن عباس‏:‏ فقدوا قطيفة يوم بدر فقالوا‏:‏ لعل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أخذها فأنزل اللّه‏:‏ ‏{‏وما كان لنبي أن يغلّ‏}‏ أي يخون‏.‏ وقال ابن جرير، عن ابن عباسن أن هذه الآية‏:‏ ‏{‏وما كان لنبي أن يغل‏}‏ نزلت في قطيفة حمراء فقدت يوم بدر، فقال بعض الناس‏:‏ لعل رسول اللّه أخذها، فأكثروا في ذلك، فأنزل اللّه‏:‏ ‏{‏وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة‏}‏، وعنه قال‏:‏ إتهم المنافقون رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بشيء فُقد، فأنزل اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وما كان لنبي أن يغل‏}‏ وهذا تنزيه له صلوات اللّه وسلامه عليه من جميع وجوه الخيانة في أداء الأمانة وقسم الغنيمة وغير ذلك ‏{‏ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون‏}‏، وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد، وقد وردت السنّة بالنهي عن ذلك أيضاً في أحاديث متعددة‏.‏
قال الإمام أحمد عن أبي مالك الأشجعي، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏أعظم الغلول عند اللّه ذراع في الأرض، تجدون الرجلين جارين في الأرض - أو في الدار - فيقطع أحدهما من حظ صاحبه ذراعاً فإذا قطعه طوقه من سبع أرضين يوم القيامة‏)‏
حديث آخر‏:‏
قال الإمام أحمد، عن عبد الرحمن بن جبير قال‏:‏ سمعت المستورد بن شداد يقول، سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏من ولي لنا عملاً وليس له منزل فليتخذ منزلاً، أو ليست له زوجة فليتزوج، أو ليس له خادم فليتخذ خادماً، أو ليس له دابة فليتخذ دابة، ومن أصاب شيئاً سوى ذلك فهو غال‏)‏
حديث آخر‏:‏ قال ابن جرير، عن عكرمة، عن ابن عباس قال، قال رسول اللّه صلى للّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏لأعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل شاة لها ثغاء ينادي‏:‏ يا محمد يا محمد‏!‏ فأقول‏:‏ لا أملك لك من اللّه شيئاً قد بلغتك، ولأعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل جملاً له رغاء يقول‏:‏ يا محمد يا محمد‏؟‏ فأقول‏:‏ لا أملك لك من اللّه شيئاً قد بلغتك، ولأعرفن أحدكم يوم القيامة يحمل فرساً له حمحمة ينادي‏:‏ يا محمد يا محمد‏!‏ فأقول‏:‏ لا أملك لك من اللّه شيئا قد بلغتك، ولأعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل قسماً من أدم ينادي‏:‏ يا محمد يا محمد‏!‏ فأقول‏:‏ لا أملك لك من اللّه شيئاً قد بلغتك‏)‏
‏"‏أخرجه ابن جرير، قال ابن كثير‏:‏ لم يروه أحد من أهل الكتب الستة‏"‏
حديث آخر‏:
‏ قال الإمام أحمد‏:‏ استعمل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رجلاً من الأزد يقال له ابن اللتبية على الصدقة، فجاء فقال‏:‏ هذا لكم وهذا أهدي لي، فقام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على المنبر، فقال‏:‏ ‏(‏ما بال العامل نبعثه على عمل فيقول‏:‏ هذا لكم وهذا أهدي لي، أفلا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر أيهدى إليه أم لا‏؟‏ والذي نفس محمد بيده لا يأتي أحدكم منها بشيء إلا جاء به يوم القيامة على رقبته، وإن كان بعيراً له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر‏؟‏‏؟‏‏)‏، ثم رفع يديه حتى رأينا عفرة إبطيه، ثم قال‏:‏ ‏(‏اللهم هل بلغت‏)‏‏؟‏ ثلاثاً
حديث آخر‏:‏ قال أبو عيسى الترمذي، عن معاذ بن جبل قال‏:‏ بعثني رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى اليمن، فلما سرت أرسل في أثري فرددت، فقال‏:‏ ‏(‏أتدري لم بعثت إليك‏؟‏ لا تصيبن شيئاً بغير إذني فإنه غلول‏:‏ ‏{‏ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة‏}‏ لهذا دعوتك فامض لعملك‏)‏ ‏
"‏قال الترمذي‏:‏ حديث حسن غريب‏"‏
حديث آخر‏:‏
قال الإمام أحمد عن أبي هريرة قال‏:‏ قام فينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوماً فذكر الغلول فعظمه وعظم أمره، ثم قال‏:‏ ‏(‏لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء فيقول‏:‏ يا رسول اللّه أغثني، فأقول‏:‏ لا أملك لك من اللّه شيئاً قد بلغتك، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرس لها حمحمة فيقول‏:‏ يا رسول اللّه أغثني، فأقول‏:‏ لا أملك لك من اللّه شيئاً قد بلغتك، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته صامت، فيقول‏:‏ يا رسول اللّه أغثني، فأقول‏:‏ لا أملك لك من اللّه شيئاً قد بلغتك‏)‏
أخرجه الشيخان‏.‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أفمن اتبع رضوان اللّه كمن باء بسخط من اللّه ومأواه جهنم وبئس المصير‏}‏ أي لا يستوي من اتبع رضوان اللّه فيما شرعه فاستحق رضوان اللّه وجزيل ثوابه، ومن استحق غضب اللّه وألزمه به فلا محيد له عنه ومأواه يوم القيامة جهنم وبئس المصير، وهذه الآية لها نظائر كثيرة في القرآن كقوله تعالى‏:‏
{‏أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى‏}‏، كقوله‏:‏ ‏{‏أفمن وعدناه وعداً حسناً فهو لاقيه كمن متعناه متاع الحياة الدنيا‏}‏ الآية‏.‏ ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏هم درجات عند اللّه‏}‏ قال الحسن البصري‏:‏ يعني أهل الخير وأهل الشر درجات، وقال أبو عبيدة والكسائي‏:‏ منازل، يعني متفاوتون في منازلهم، درجاتهم في الجنة ودركاتهم في النار، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولكل درجات مما عملوا‏}‏ الآية، ولهذا قال تعالى‏:‏{‏واللّه بصير بما يعملون‏}‏، أي وسيوفيهم إياها، لا يظلمهم خيراً ولا يزيدهم شراً، بل يجازي كل عامل بعمله‏.‏ وقوله تعالى‏: ‏{‏قد من اللّه على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم‏}‏ أي من جنسهم ليتمكنوا من مخاطبته وسؤاله ومجالسته والانتفاع به، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد‏}‏ الآية، وقال تعالى‏: ‏{‏وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم من أهل القرى‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم‏}‏‏؟‏ فهذا أبلغ في الإمتنان أن يكون الرسول إليهم منهم، بحيث يمكنهم مخاطبته ومراجعته في فهم الكلام عنه، ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏يتلو عليهم آياته‏}‏ يعني القرآن ‏{‏ويزكيهم‏}‏ أي يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر لتزكوا نفوسهم، وتطهر من الدنس والخبث الذي كانوا متلبسين به في حال شركهم وجاهليتهم، ‏{‏ويعلمهم الكتاب والحكمة‏}‏ يعني القرآن والسنّة، ‏{‏وإن كانوا من قبل‏}‏ أي من قبل هذا الرسول، ‏{‏لفي ضلال مبين‏}‏ أي لفي غي وجهل ظاهر جلي بيِّن لكل أحد‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏165 ‏:‏ 168‏)‏
‏{‏ أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير ‏.‏ وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين ‏.‏ وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون ‏.‏ الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا قل فادرؤوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين ‏}‏
يقول تعالى‏:‏ ‏{‏أولما أصابتكم مصيبة‏}‏ وهي ما أصيب منهم يوم أحُد من قتلى السبعين منهم، ‏{‏قد أصبتم مثليها‏}‏ يعني يوم بدر فإنهم قتلوا من المشركين سبعين قتيلاً، واسروا سبعين أسيراً ‏{‏قلتم أنى هذا‏}‏ أي من أين جرى علينا هذا‏؟‏ ‏{‏قل هو من عند أنفسكم‏}‏ عن عمر بن الخطاب قال‏:‏ لما كان يوم أحد من العام المقبل عوقبوا بما صنعوا يوم بدر من أخذهم الفداء، فقتل منهم سبعون، وفر أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عنه وكسرت رباعيته، وهشمت البيضة على رأسه، وسال الدم على وجهه، فأنزل اللّه ‏{‏أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنّى هذا قل هو من عند أنفسكم‏}‏ يأخذكم الفداء
‏"‏رواه ابن أبي حاتم‏"‏وهكذا قال الحسن البصري وقوله ‏{‏قل هو من عند أنفسكم‏}‏ أي بسبب عصيانكم لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين أمركم أن لا تبرحوا من مكانكم فعصيتم، يعني بذلك الرماة، ‏{‏إن اللّه على كل شيء قدير‏}‏ أي يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد لا معقب لحكمه‏.‏ ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن اللّه‏}‏ أي فراركم بين يدي عدوكم، وقتلهم لجماعة منكم وجراحتهم لآخرين، كان بقضاء اللّه وقدره، وله الحكمة في ذلك، ‏{‏وليعلم المؤمنين‏}‏ أي الذين صبروا وثبتوا ولم يتزلزلوا، ‏{‏وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل اللّه أو ادفعوا قالوا لو نعلم قتالاً لاتبعناكم‏}‏ يعني بذلك أصحاب عبد اللّه بن أبي ابن سلول الذين رجعوا معه في أثناء الطريق فاتبعهم رجال من المؤمنين يحرضونهم على الإتيان والقتال والمساعدة ولهذا قال‏:‏ ‏{‏أو ادفعوا‏}‏، قال ابن عباس وعكرمة‏:‏ يعني كثروا سواد المسلمين، وقال الحسن‏:‏ ادفعوا بالدعاء،
وقال غيره‏:‏ رابطوا، فتعللوا قائلين‏:‏ ‏{‏لو نعمل قتالاً لاتبعناكم‏}‏، قال مجاهد‏:‏ يعنون لو نعلم أنكم تلقون حرباً لجئناكم، ولكن لا تلقون قتالاً‏.‏ وقد
روى أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خرج إلى اُحد في الف رجل من أصحابه؛ حتى إذا كان بالشوط بين أُحد والمدينة انحاز عنه عبد اللّه بن أبي ابن سلول بثلث الناس فقال‏:‏ أطاعهم فخرج وعصاني، والله ما ندري علام نقتل انفسنا ههنا أيها الناس، فرجع بمن اتبعه من الناس من قومه أهل النفاق وأهل الريب، واتبعهم عبد اللّه بن عمرو بن حرام أخو بني سلمة يقول‏:‏ يا قوم أذكِّركم اللّه أن تخذلوا نبيكم وقومكم عندما حضر من عدوكم، قالوا‏:‏ لو نعلم أنكم تقاتلون ما أسلمناكم، ولكن لا نرى أن يكون قتال، فلما استعصوا عليه وأبوا إلا الإنصراف عنهم قال‏:‏ أبعدكم اللّه أعداء اللّه فسيغني اللّه عنكم، ومضى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏
"‏ذكره ابن إسحاق عن الزهري‏"‏، قال اللّه عزّ وجلّ‏:‏ ‏{‏هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان‏}‏، استدلوا به على أن الشخص قد تتقلب به الأحوال فيكون في حال أقرب إلى الكفر، وفي حال أقرب إلى الإيمان لقوله‏:‏ ‏{‏هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان‏}‏‏.‏
قال تعالى‏:‏ ‏{‏يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم‏}‏ يعني أنهم يقولون القول ولا يعتقدون صحته، ومنه قولهم هذا‏:‏ ‏{‏لو نعلم قتالاً لاتبعناكم‏}‏ فإنهم يتحققون أن جنداً من المشركين قد جاءوا من بلاد بعيدة يتحرقون على المسلمين بسبب ما اصيب من أشرافهم يوم بدر، وهم أضعاف المسلمين، وأنه كائن بينهم قتال لا محالة، ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏واللّه أعلم بما يكتمون‏}‏، ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا‏}‏ أي لو سمعوا من مشورتنا عليهم في القعود وعدم الخروج ما قتلوا مع من قتل، قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏قل فادرءوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين‏}‏ أي إن كان القعود يسلم به الشخص من القتل والموت فينبغي أنكم لا تموتون، والموت لا بد آت إليكم ولو كنتم في بروج مشيدة، فادفعوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين، قال مجاهد‏:‏ نزلت هذه الآية في عبد اللّه بن أبي ابن سلول وأصحابه‏.‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس