عرض مشاركة واحدة
قديم 06-05-2014, 01:59 AM   رقم المشاركة : 18
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏60 ‏:‏ 63‏)‏
‏{‏ ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا ‏.‏ وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا ‏.‏ فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ثم جاؤوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا ‏.‏ أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا ‏}‏
هذا إنكار من اللّه عزَّ وجلَّ على من يدعي الإيمان بما أنزل اللّه على رسوله وعلى الأنبياء الأقدمين، وهو مع ذلك يريد أن يتحاكم في فصل الخصومات إلى غير كتاب اللّه وسنّة رسوله، كما ذكر في سبب نزول هذه الآية أنها في رجل من الأنصار، ورجل من اليهود تخاصما، فجعل اليهودي يقول‏:‏ بيني وبينك محمد، وذاك يقول بيني وبينك كعب بن الأشرف وقيل‏:‏ في جماعة من المنافقين ممن أظهر الإسلام، ارادوا أن يتحاكموا إلى حكام الجاهلية، وقيل غير ذلك، والآية أعم من ذلك كله، فإنها ذامة لمن عدل عن الكتاب والسنّة، وتحاكموا إلى ما سواهما من الباطل وهو المراد بالطاغوت هنا، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت‏}‏ إلى آخرها، وقوله‏:‏ ‏{‏ويصدون عنك صدوداً‏}‏ أي يعرضون عنك إعراضاً كالمستكبرين عن ذلك كما قال تعالى عن المشركين‏:‏ ‏{‏وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل اللّه قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا‏}‏‏.
ثم قال تعالى في ذم المنافقين‏:‏ ‏{‏فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم‏}‏ أي فكيف بهم إذا ساقتهم المقادير إليك في مصائب تطرقهم بسبب ذنوبهم، واحتاجوا إليك في ذلك‏؟‏ ‏{‏ثم جاؤك يحلفون باللّه إن أردنا إلا إحساناً وتوفيقاً‏}‏ أي يعتذرون إليك ويحلفون ما أردنا بذهابنا إلى غيرك، وتحاكمنا إلى أعدائك إلا الإحسان والتوفيق أي المداراة والمصانعة لا اعتقاداً منا صحة تلك الحكومة، كما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم‏}‏، عن ابن عباس قال‏:‏ كان أبو برزة الأسلمي كاهناً يقضي بين اليهود فيما يتنافرون فيه، فتنافر إليه ناس من المشركين فأنزل اللّه عزَّ وجلَّ ‏{‏ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك - إلى قوله - إن أردنا إلا إحساناً وتوفيقاً‏}‏ ‏"‏رواه الطبراني‏"‏‏.‏
ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏أولئك الذين يعلم اللّه ما في قلوبهم‏}‏ هذا الضرب من الناس هم المنافقون والله يعلم ما في قلوبهم وسيجزيهم على ذلك، فإنه لا تخفى عليه خافية، فاكتف به يا محمد فيهم فإنه عالم بظواهرهم وبواطنهم، ولهذا قال له‏:‏ ‏{‏فأعرض عنهم‏}‏ أي لا تعنفهم على ما في قلوبهم، ‏{‏وعظهم‏}‏ أي وانههم عما في قلوبهم من النفاق وسرائر الشر، ‏{‏وقل لهم في أنفسهم قولاً بليغاً‏}‏ أي وانصحهم فيما بينك وبينهم بكلام بليغ رادع لهم
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏64 ‏:‏ 65‏)‏
{‏ وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما ‏.‏ فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ‏}‏
يقول تعالى‏:‏ ‏{‏وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع‏}‏ أي فرضت طاعته على من أرسله إليهم، وقوله‏:‏ ‏{‏بإذن اللّه‏}‏ قال مجاهد‏:‏ أي لا يطيع أحد إلى بإذني، يعني لا يطيعه إلا من وفقته لذلك، كقوله‏:‏ ‏{‏ولقد صدقكم اللّه وعده إذ تحسونه بإذنه‏}
أي عن أمره وقدره ومشيئته وتسليطه إياكم عليهم، وقوله‏:‏ ‏{‏ولو أنهم إذا ظلموا أنفسهم‏}‏ الآية، يرشد تعالى العصاة والمذنبين إذا وقع منهم الخطأ والعصيان أن يأتوا إلى الرسول صلى اللّه عليه وسلم فيستغفروا اللّه عنده ويسألوه أن يستغفر لهم، فإنهم إذا فعلوا ذلك تاب اللّه عليهم ورحمهم وغفر لهم، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏لوجدوا اللّه تواباً رحيماً‏}‏ وقد ذكر جماعة منهم الشيخ أبو منصور الصباغ في كتابه ‏(‏الشامل‏)‏ الحكاية المشهورة عن العتبي قال‏:‏ كنت جالساً عند قبر النبي صلى اللّه عليه وسلم فجاء أعرابي فقال‏:‏ السلام عليك يا رسول اللّه، سمعت اللّه يقول‏:‏ ‏{‏ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا اللّه واستغفر لهم الرسول لوجدوا اللّه تواباً رحيما‏}‏ وقد جئتك مستغفراً لذنبي مستشفعاً بك إلى ربي، ثم أنشأ يقول‏:‏
يا خير من دفنت بالقاع أعظمه * فطاب من طيبهن القاع والأكم
نفسي الفداء لقبرٍ أنت ساكنه * فيه العفاف وفيه الجود والكرم

ثم انصرف الأعرابي، فغلبنتي عيني فرأيت النبي صلى اللّه عليه وسلم في النوم فقال‏:‏ ‏(‏يا عتبي إلحق الأعرابي فبشره أن اللّه قد غفر له‏)‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم‏}‏، يقسم تعالى بنفسه الكريمة المقدسة، أنه لا يؤمن أحد حتى يحكم الرسول صلى اللّه عليه وسلم في جميع الأمور، فما حكم به فهو الحق الذي يجب الانقياد له باطناً وظاهراً، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً‏}‏ أي إذا حكموك يطيعونك في بواطنهم، فلا يجدون في أنفسهم حرجاً مما حكمت به، وينقادون له في الظاهر والباطن فيسلمون لذلك تسليما كلياً، من غير ممانعة ولا مدافعة ولا منازعة، كما ورد في الحديث‏:‏
‏(‏والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به‏)‏، وقال البخاري عن عروة قال‏:‏ خاصم الزبير رجلاً في شراج الحرة، فقال النبي ‏(‏اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك‏(‏ فقال الأنصاري‏:‏ يا رسول اللّه أن كان ابن عمتك‏؟‏ فتلوَّن وجه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ثم قال‏:‏ ‏(‏اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجَدْر ثم أرسل الماء إلى جارك‏)‏ ‏؟‏‏؟‏ النبي صلى اللّه عليه وسلم للزبير حقه في صريح الحكم حين أحفظه الأنصاري، وكان أشار عليهما صلى اللّه عليه وسلم بأمر لهما فيه سعة، قال الزبير‏:‏ فما أحسب هذه الآية إلا نزلت في ذلك ‏{‏فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهمْ الآية‏.‏ وقال الحافظ أبو بكر بن مردويه‏:‏ خاصم الزبير رجلاً إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقضى للزبير، فقال الرجل‏:‏ إنما قضى له لأنه ابن عمته فنزلت‏:‏ ‏{‏فلا وربك لا يؤمنون‏}
الآية‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏66 ‏:‏ 70‏)‏
{‏ ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا ‏.‏ وإذا لآتيناهم من لدنا أجرا عظيما ‏.‏ ولهديناهم صراطا مستقيما ‏.‏ ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ‏.‏ ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما ‏}‏
يخبر تعالى عن أكثر الناس أنهم لو أمروا بما هم مرتكبوه من المناهي لما فعلوه، لأن طباعهم الرديئة مجبولة على مخالفة الأمر، وهذا من علمه تبارك وتعالى بما لم يكن أو كان فكيف كان يكون، ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم‏}‏ الآية، قال ابن جرير ‏{‏ولو أنها كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم‏}‏ الآية، قال رجل‏:‏ لو أمرنا لفعلنا والحمد للّه الذي عافانا، فبلغ ذلك النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال‏:‏ ‏(‏إن من أمتي لرجالاً الإيمان أثبت في قلوبهم من الجبال الرواس‏)‏، وقال السدي‏:‏ افتخر ثابت بن قيس بن شماس ورجل من اليهود، فقال اليهودي‏:‏ واللّه لقد كتب اللّه علينا القتل فقتلنا أنفسنا، فقال ثابت‏:‏ واللّه لو كتب علينا ‏{‏أن اقتلوا أنفسكم‏}‏ لفعلنا، فأنزل اللّه هذه الآية‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به‏}‏ أي‏:‏ ولو أنهم فعلوا ما يؤمرون به وتركوا ما ينهون عنه، ‏{‏لكان خيراً لهم‏}‏ أي من مخالفة الأمر وارتكاب النهي ‏{‏وأشد تثيبتاً‏}‏ قال السدي‏:‏ أي وأشد تصديقاً، ‏{‏وغذا لآتيناهم من لدنا‏}‏ أي من عندنا ‏{‏أجراً عظيماً‏}‏ يعني الجنة، ‏{‏ولهدذناهم صراطاً مستقيماً‏}‏ أي في الدنيا والآخرة، ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏ومن يطع اللّه والرسول فأولئك مع الذين أنعم اللّه عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً‏}‏ أي من عمل بما أمره اللّه به ورسوله وترك ما نهاه اللّه عنه ورسوله، فإن اللّه عزّ وجلَّ يسكنه دار كرامته، ويجعله مرافقاً للأنبياء ثم لمن بعدهم في الرتبة، وهم الصديقون، ثم الشهداء، ثم عموم المؤمنين، وهم الصالحون الذي صلحت سرائرهم وعلانيتهم، ثم أثنى عليهم تعالى، فقال‏:‏ ‏{‏حسن أولئك رفيقاً‏}‏ وقال البخاري عن عائشة قالت‏:‏ سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏ما من نبي يمرض إلا خيِّر بين الدنيا والآخرة‏)‏، وكان في شكواه التي قبض فيها أخذته بحة شديدة، فسمعته يقول‏:‏ ‏{‏مع الذين أنعم اللّه عليهم من النبييّن والصدّيقين والشهداء والصالحين‏}‏ فعلمت أنه خُيِّر‏.‏ وهذا معنى قوله صلى اللّه عليه وسلم في الحديث الآخر‏:‏ ‏(‏اللهم الرفيق الأعلى‏)‏ ثلاثاً ثم قضى، عليه أفضل الصلاة والتسليم‏.‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس