عرض مشاركة واحدة
قديم 13-05-2014, 12:04 AM   رقم المشاركة : 11
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏117 ‏:‏ 122‏)‏
{‏ وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هي تلقف ما يأفكون ‏.‏ فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون ‏.‏ فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين ‏.‏ وألقى السحرة ساجدين ‏.‏ قالوا آمنا برب العالمين ‏.‏ رب موسى وهارون ‏}‏

يخبر تعالى أنه أوحى إلى عبده ورسوله موسى عليه السلام في ذلك الموقف العظيم الذي فرق اللّه تعالى فيه بين الحق والباطل، يأمره بأن يلقي ما في يمينه وهي عصاه ‏{‏فإذا هي تلقف‏}‏ أي تأكل ‏{‏ما يأفكون‏}‏ أي ما يلقونه ويوهمون أنه حق وهو باطل، قال ابن عباس‏:‏ فجعلت لا تمر بشيء من حبالهم ولا من خشبهم إلا التقمته، فعرفت السحرة أن هذا شيء من السماء ليس هذا بسحر، فخروا سجداً قيل‏:‏ كان رؤساؤهم أربعة، وهم أئمة السحرة، كما ذكره الطبري، والدارقطني، وكان السحرة‏:‏ سبعين ألفاً، وقيل دون ذلك، ومهما يكن من أمر فقد كان عددهم كبيراً ، وقالوا‏:‏ ‏{‏آمنا برب العالمين رب موسى وهارون‏}‏ قال محمد بن إسحاق‏:‏ جعلت تتبع تلك الجبال والعصي واحدة واحدة حتى ما يرى بالوادي قليل ولا كثير مما ألقوا، ثم أخذها موسى فإذا هي عصا في يده كما كانت، ووقع السحرة سجداً، قالوا‏:‏ ‏{‏آمنا برب العالمين رب موسى وهارون‏}‏ لو كان هذا ساحراً ما غلبنا‏.‏ وقال القاسم بن أبي برة‏:‏ أوحى اللّه إليه أن ألق عصاك، فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين فاغر فاه، يبتلع حبالهم وعصيهم، فألقي السحرة عند ذلك سجداً فما رفعوا رؤوسهم حتى رأوا الجنة والنار وثواب أهلهما‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏123 ‏:‏ 126‏)‏
‏{‏ قال فرعون آمنتم به قبل أن آذن لكم إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون ‏.‏ لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ثم لأصلبنكم أجمعين ‏.‏ قالوا إنا إلى ربنا منقلبون ‏.‏ وما تنقم منا إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين ‏}‏

يخبر تعالى عما توعد به فرعون لعنه اللّه السحرة لما آمنوا بموسى عليه السلام، وما أظهره للناس من كيده ومكره في قوله‏:‏ ‏{‏إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها‏}‏ أي إن غلبته لكم في يومكم هذا إنما كان عن تشاور منكم ورضا منكم لذلك، كقوله في الآية الأخرى‏:‏ ‏{‏إنه لكبيركم الذي علمكم السحر‏}‏، وهو يعلم وكل من له لب أن هذا الذي قاله من أبطل الباطل، فإن موسى عليه السلام بمجرد ما جاء من مدين دعا فرعون إلى اللّه، وأظهر المعجزات الباهرة والحجج القاطعة على صدق ما جاء به، فعند ذلك أرسل فرعون في مدائن ملكه وسلطنته، فجمع سحرة متفرقين من سائر الأقاليم ممن اختار وأحضرهم عنده، ووعدهم بالعطاء الجزيل، ولهذا قد كانوا من أحرص الناس على التقدم عند فرعون، وموسى عليه السلام لا يعرف أحداً منهم ولا رآه ولا اجتمع به وفرعون يعلم ذلك، وإنما قال هذا تستراً وتدليساً على رعاع دولته وجهلتهم، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏فاستخف قومه فأطاعوه‏}‏ فإن قوماً صدقوه في قوله ‏{‏أنا ربكم الأعلى‏}‏ من أجهل خلق اللّه وأضلهم‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏لتخرجوا منها أهلها‏}‏ أي تجتمعوا أنتم وهو وتكون لكم دولة وصولة وتخرجوا منها الأكابر والرؤساء، وتكون الدولة والتصرف لكم ‏{‏فسوف تعلمون‏}‏ أي ما أصنع بكم، ثم فسر هذا الوعيد بقوله‏:‏ ‏{‏لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف‏}‏ يعني بقطع يده اليمنى ورجله اليسرى أو بالعكس ‏{‏ولأصلبنكم أجمعين‏}‏، وقال في الآية الأخرى‏:‏ ‏{‏في جذوع النخل‏}‏ أي على الجذوع، قال ابن عباس‏:‏ وكان أول من صلب وأول من قطع الأيدي والأرجل من خلاف فرعون، وقول السحرة‏:‏ ‏{‏إنا إلى ربنا منقلبون‏}‏ أي قد تحققنا أنا إليه راجعون وعذابه أشد من عذابك، ونكاله على ما تدعونا إليه اليوم، وما أكرهتنا عليه من السحر أعظم من نكالك، فلنصبرن اليوم على عذابك لنخلص من عذاب اللّه، ولهذا قالوا‏:‏ ‏{‏ربنا أفرغ علينا صبرا‏}‏ أي عمنّا بالصبر على دينك والثبات عليه، ‏{‏وتوفنا مسلمين‏}‏ أي متابعين لنبيك موسى عليه السلام، وقالوا لفرعون‏:‏ ‏{‏فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا‏}‏، فكانوا في أول النهار سحرة، فصاروا في آخره شهداء بررة، قال ابن عباس‏:‏ كانوا في أول النهار سحرة وفي آخره شهداء‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏127 ‏:‏ 129‏)‏
‏{‏ وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك قال سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون ‏.‏ قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ‏.‏ قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون ‏}‏

يخبر تعالى عما تمالأ عليه فرعون وملؤه وما أضمروه لموسى عليه السلام وقومه من الأذى ‏{‏وقال الملأ من قوم فرعون‏}‏ أي لفرعون ‏{‏أتذر موسى وقومه‏}‏ أي تدعهم ‏{‏ليفسدوا في الأرض‏}‏ أي يفسدوا أهل رعيتك ويدعوهم إلى عبادة ربهم دونك، ‏{‏ويذرك وآلهتك‏}‏ الواو هنا حالية أي أتذره وقومه يفسدون في الأرض وقد ترك عبادتك‏؟‏ وقيل‏:‏ هي عاطفة أي أتدعهم يصنعون من الفساد ما قد أقررتهم عليه وعلى ترك آلهتك‏؟‏ وقرأ بعضهم‏:‏ إلاهتك أي عبادتك روي ذلك عن ابن عباس ومجاهد وغيرهما ‏.‏ قال الحسن البصري‏:‏ كان لفرعون إله يعبده في السر، فأجابهم فرعون فيما سألوه بقوله‏:‏ ‏(‏سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم‏)‏ وهذا أمر ثان بهذا الصنيع، وقد كان نكّل بهم قبل ولادة موسى عليه السلام حذراً من وجوده، فكان خلاف ما رامه وضد ما قصده فرعون، وهكذا عومل في صنيعه أيضاً لما أراد إذلال بني إسرائيل وقهرهم، فجاء الأمر على خلاف ما أراد، أعزهم اللّه وأذله وأرغم أنفه وأغرقه وجنوده، ولما صمم فرعون على ما ذكره من المساءة لبني إسرائيل ‏{‏قال موسى لقومه استعينوا باللّه واصبروا‏}‏،

ووعدهم بالعاقبة وأن الدار ستصير لهم في قوله‏:‏ ‏{‏إن الأرض للّه يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين * قالوا أوذينا من قبلأن تأتينا ومن بعد ما جئتنا‏}‏ أي فعلوا بنا مثل ما رأيت من الهوان والإذلال من قبل ما جئت يا موسى ومن بعد ذلك، فقال منبهاً لهم على حالهم الحاضر وما يصيرون إليه‏:‏ ‏{‏عسى ربكم أن يهلك عدوكم‏}‏ الآية‏.‏ وهذا تحضيض لهم على العزم على الشكر عند حلول النعم وزوال النقم‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏130 ‏:‏ 131‏)‏
‏{‏ ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون ‏.‏ فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه ألا إنما طائرهم عند اللّه ولكن أكثرهم لا يعلمون ‏}‏

يقول تعالى‏:‏ ‏{‏ولقد أخذنا آل فرعون‏}‏ أي اختبرناهم وامتحناهم وابتليناهم ‏{‏بالسنين‏}‏
وهي سنين الجوع بسبب قلة الزروع، ‏{‏ونقص من الثمرات‏}‏، وقال رجاء بن حيوة‏:‏ كانت النخلة لا تحمل إلا ثمرة واحدة، ‏{‏لعلهم يذكرون فإذا جاءتهم الحسنة‏}‏ أي من الخصب والرزق ‏{‏قالوا لنا هذه‏}‏ أي هذا لنا بما نستحقه ‏{‏وإن تصبهم سيئة‏}‏ أي جدب وقحط ‏{‏يطيروا بموسى ومن معه‏}‏ أي هذا بسببهم وما جاؤوا به ‏{‏ألا إنما طائرهم عند اللّه‏}‏، قال ابن عباس‏:‏ مصائبهم عند اللّه، ‏{‏ولكن أكثرهم لا يعلمون‏}‏ وعنه ‏{‏ألا إنما طائرهم عند اللّه‏}‏ أي من قبل اللّه‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏132 ‏:‏ 135‏)‏
‏{‏ وقالوا مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين ‏.‏ فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين ‏.‏ ولما وقع عليهم الرجز قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل ‏.‏ فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه إذا هم ينكثون ‏}‏

هذا إخبار من اللّه عزَّ وجلَّ عن تمرد قوم فرعون وعتوهم، وعنادهم للحق وإصرارهم على الباطل في قولهم‏:‏ ‏{‏مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين‏}‏، يقولون‏:‏ أي آية جئتنا بها ودلالة وحجة أقمتها، رددناها فلا نقبلها منك ولا نؤمن بك ولا بما جئت به، قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏فأرسلنا عليهم الطوفان‏}‏ اختلفوا في معناه، فعن ابن عباس‏:‏ كثرة الأمطار المغرقة المتلفة للزروع والثمار وبه قال الضحاك بن مزاحم وهو الأظهر ، وعنه‏:‏ هو كثرة الموت، وقال مجاهد‏:‏ ‏{‏الطوفان‏}‏ الماء والطاعون، وأما الجراد فمعروف ومشهور،

وهو مأكول لما ثبت في الصحيحين عن عبد اللّه بن أبي أوفى‏:غزونا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سبع غزوات نأكل الجراد، وروى الشافعي وأحمد وابن ماجه عن ابن عمر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏أحلت لنا ميتتان ودمان‏:‏ الحوت والجراد والكبد والطحال‏)‏ وقال مجاهد في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد‏}‏ قال‏:‏ كانت تأكل مسامير أبوابهم وتدع الخشب‏.‏ وروى الحافظ أبو الفرج الحريري قال‏:‏ سئل شريح القاضي عن الجراد‏؟‏ فقال‏:‏ قبح اللّه الجرادة فيها خلقة سبعة جبابرة رأسها رأس فرس، وعنقها عنق ثور، وصدرها صدر أسد، وجناحها جناح نسر، ورجلاها رجل جمل، وذنبها ذنب حية، وبطنها بطن عقرب‏.

وروى ابن ماجه عن أنس وجابر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه كان إذا دعا على الجراد قال‏:‏ ‏(‏اللهم أهلك كباره، واقتل صغاره، وأفسد بيضه، واقطع دابره، وخذ بأفواهه عن معايشنا وأرزقنا إنك سميع الدعاء‏)‏ فقال له جابر‏:‏ يا رسول اللّه أتدعو على جند من أجناد اللّه بقطع دابره‏؟‏ فقال‏:‏ ‏(‏إنما هو نثرة حوت في البحر‏)‏ ‏"‏أخرجه ابن ماجه في سننه‏"‏‏.‏ قال هشام‏:‏ أخبرني زياد أنه أخبره من رآه ينثره الحوت‏.‏ قال من حقق ذلك‏:‏ إن السمك إذا باض في ساحل البحر فنضب الماء عنه وبدا للشمس أنه يفقس كله جراداً طياراً‏.‏ وأما القمل فعن ابن عباس‏:‏ هو السوس الذي يخرج من الحنطة، وعن الحسن‏:‏ القمل دواب سود صغار، وقال ابن أسلم‏:‏ القمل البراغيث، وقال ابن جرير‏:‏ القُمَّل جمع واحدتها قملة وهي دابة تشبه القمل تأكل الإبل فيما بلغني‏.‏

وعن سعيد بن جبير قال‏:‏ لما أتى موسى عليه السلام فرعون قال له‏:‏ أرسل معي بني إسرائيل، فأرسل اللّه عليهم الطوفان وهو المطر، فصب عليهم منه شيئاً خافوا أن يكون عذاباً، فقالوا لموسى‏:‏ ادع لنا ربك يكشف عنا المطر فنؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل،

فدعا ربه فلم يؤمنوا ولم يرسلوا معه بني إسرائيل، فأنبت لهم في تلك السنة شيئاً لم ينبته قبل ذلك من الزروع والثمار والكلأ، فقالوا‏:‏ هذا ما كنا نتمنى، فأرسل اللّه عليهم الجراد فسلّطه على الكلأ، فلما رأوا أثره في الكلأ عرفوا أنه لا يبقي الزرع، فقالوا‏:‏ يا موسى ادع لنا ربك فيكشف عنا الجراد فنؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل، فدعا ربه فكشف عنهم الجراد، فلم يؤمنوا ولم يرسلوا معه بني إسرائيل، فداسوا وأحرزوا في البيوت فقالوا قد أحرزنا، فأرسل اللّه عليهم القمل وهو السوس الذي يخرج منه، فكان الرجل يخرج عشرة أجربة إلى الرحى فلا يرد منها إلا ثلاثة أقفزة، فقالوا‏:‏ يا موسى ادع لنا ربك يكشف عنا القمل فنؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل، فبينما هو جالس عند فرعون إذ سمع نقيق ضفدع، فقال لفرعون‏:‏ ما تلقى أنت وقومك من هذا‏؟‏ فقال‏:‏ وما عسى أن يكون كيد هذا‏؟‏ فما أمسوا حتى كان الرجل يجلس إلى ذقنه في الضفادع، ويهم أن يتكلم فيثب الضفدع في فيه، فقالوا لموسى‏:‏ ادع لنا ربك يكشف عنا هذه الضفادع فنؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل، فدعا ربه فكشف عنهم فلم يؤمنوا، وأرسل اللّه عليهم الدم فكانوا ما استقوا من الأنهار والآبار وما كان في أوعيتهم وجدوه دماً عبيطاً، فشكوا إلى فرعون فقالوا‏:‏ إنا قد ابتلينا بالدم وليس لنا شراب، فقال‏:‏ إنه قد سحركم، فقالوا‏:‏ من أين سحرنا ونحن لا نجد في أوعيتنا شيئاً من الماء إلا وجدناه دماً عبيطاً‏؟‏ فأتوه وقالوا‏:‏ يا موسى ادع لنا ربك يكشف عنا هذا الدم فنؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل، فدعا ربه فكشف عنهم فلم يؤمنوا ولم يرسلوا معه بني إسرائيل روي مثل هذا عن ابن عباس والسدي وقتادة وغير واحد من علماء السلف ‏.‏

وقال محمد بن إسحاق بن يسار رحمه اللّه‏:‏ فرجع عدو اللّه فرعون حين آمنت السحرة مغلوباً مغلولاً، ثم ابى إلا الإقامة على الكفر والتمادي في الشر، فتابع اللّه عليه الآيات، فأخذه بالسنين وأرسل عليه الطوفان، ثم الجراد ثم القمل، ثم الضفادع، ثم الدم، آيات مفصلات، فأرسل الطوفان وهو الماء ففاض على وجه الأرض، ثم ركد لا يقدرون أن يحرثوا ولا أن يعملوا شيئاً حتى جهدوا جوعاً، فلما بلغهم ذلك ‏{‏قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل‏}‏ فدعا موسى ربه فكشف عنهم، فلم يفوا له بشيء مما قالوا، فأرسل عليهم الجراد فأكل الشجر فيما بلغني، حتى إن كان ليأكل مسامير الأبواب من الحديد حتى تقع دورهم ومساكنهم، فقالوا مثل ما قالوا، فدعا ربه فكشف عنهم فلم يفوا له بشيء مما قالوا، فأرسل اللّه عليهم القمل، فذكر لي أن موسى عليه السلام أمر أن يمشي إلى كثيب حتى يضربه بعصاه، فمشى إلى كثيب أهيل عظيم فضربه بها فانثال عليهم قملاً،

حتى غلب على البيوت والأطعمة ومنعهم النوم والقرار، فلما جهدهم قالوا مثل ما قالوا، فدعا ربه فكشف عنهم فلم يفوا له بشيء مما قالوا، فأرسل اللّه عليهم الضفادع فملأت البيوت والأطعمة والآنية، فلا يكشف أحداً ثوباً إلا وجد فيه الضفادع قد غلبت عليه، فلما جهدهم ذلك قالوا مثل ما قالوا فسأل ربه فكشف عنهم فلم يفوا له بشيء مما قالوا، فأرسل اللّه عليهم الدم فصارت مياه آل فرعون دماً لا يستقون من بئر ولا نهر، ولا يغترفون من إناء إلا عاد دماً عبيطاً‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏136 ‏:‏137‏)‏
‏{‏ فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليم بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين ‏.‏ وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون ‏}‏

يخبر تعالى أنهم لما عتوا وتمردوا مع ابتلائه إياهم بالآيات المتواترة واحدة بعد واحدة انتقم منهم بإغراقه إياهم في اليم وهو البحر الذي فرقه لموسى فجاوزه وبنو إسرائيل معه، ثم ورده فرعون وجنوده على أثرهم، فلما استكملوا فيه ارتطم عليهم فغرقوا عن آخرهم، وذلك بسبب تكذيبهم بآيات اللّه وتغافلهم عنها، وأخبر تعالى أنه أورث القوم الذين كانوا يستضعفون - وهم بنو إسرائيل - مشارق الأرض ومغاربها كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم * ونعمة كانوا فيها فاكهين * كذلك وأورثناها قوما آخرين‏}‏‏.‏ وعن الحسن البصري وقتادة في قوله‏:‏ ‏{‏مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها‏}‏ يعني الشام، وقوله‏:‏ ‏{‏وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا‏}‏ قال مجاهد وهي قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين * ونمكن لهم في الأرض‏}‏ ‏"‏وروي أيضاً عن ابن جرير وغيره وهو ظاهر‏"‏الآية، وقوله‏:‏ ‏{‏ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه‏}‏ أي وخربنا ما كان فرعون وقومه يصنعون من العمارات والمزارع ‏{‏وما كانوا يعرشون‏}‏ يبنون قاله ابن عباس ومجاهد ‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏138 ‏:‏ 139‏)‏
‏{‏وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون ‏.‏ إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون ‏}‏

يخبر تعالى عما قاله جهلة بني إسرائيل لموسى عليه السلام حين جاوزوا البحر وقد رأوا من آيات اللّه وعظيم سلطانه ما رأوا ‏{‏فأتوا‏}‏ أي فمروا ‏{‏على قوم يعكفون على أصنام لهم‏}‏‏.‏ قال بعض المفسرين‏:‏ كانوا من الكنعانين، قال ابن جرير‏:‏ وكانوا يعبدون أصناماً على صور البقر، فلهذا أثار ذلك شبهة لهم في عبادتهم العجل بعد ذلك، فقالوا‏:‏ ‏{‏يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون‏}‏ أي تجهلون عظمة اللّه وجلاله وما يجب أن ينزه عنه من الشريك والمثيل ‏{‏إن هؤلاء متبر ما هم فيه‏}‏ أي هالك ‏{‏وباطل ما كانوا يعملون‏}‏، عن أبي واقد الليثي قال‏:‏ ‏(‏خرجنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قبل حنين فمررنا بسدرة، فقلت‏:‏ يا نبي اللّه، اجعل لنا هذه ذات أنواط كما للكفار ذات أنواط، وكان الكفار ينوطون سلاحهم بسدرة ويعكفون حولها، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ اللّه أكبر، هذا كما قالت بنو إسرائيل لموسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة‏.‏ إنكم تركبون سننن من قبلكم‏)‏"‏رواه أحمد وابن أبي حاتم وأورده ابن جرير‏"‏‏.‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس