عرض مشاركة واحدة
قديم 13-05-2014, 01:51 AM   رقم المشاركة : 18
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏180‏)‏
‏{‏ ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون ‏}‏

عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال،
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إن للّه تسعاً وتسعين اسماً مائة إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة، وهو وتر يحب الوتر‏)‏
"‏أخرجه الشيخان والترمذي وابن ماجه وزاد الترمذي ‏"‏هو اللّه الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام المؤمن‏.‏‏.‏ وذكر أسماء اللّه الحسنى ‏.‏ ثم ليعلم أن الأسماء الحسنى غير منحصرة في تسعة وتسعين،

بدليل ما رواه الإمام أحمد في مسنده
عن عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏ما أصاب أحداُ قط هم ولا حزن فقال‏:‏ اللهم إني عبدك، وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيَّ حكمك، عدل فيَّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علّمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي،

إلا أذهب اللّه حزنه وهمه، وأبدل مكانه فرحاً‏)‏ فقيل‏:‏ يا رسول اللّه أفلا نتعلمها‏؟‏ فقال‏:‏ ‏(‏بلى ينبغي لكل من سمعها أن يتعلمها‏)‏ وذكر ابن العربي أحد ائمة المالكية في كتابه الأحوذي في شرح الترمذي أن بعضهم جمع من الكتاب والسنّة من أسماء اللّه ألف اسم، فاللّه أعلم‏.‏ وقال ابن عباس في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وذروا الذين يلحدون في أسمائه‏}‏، قال‏:‏ إلحاد الملحدين أن دعوا اللات في أسماء اللّه، وقال مجاهد‏:‏ اشتقوا اللات من اللّه، والعزى من العزيز، وقال قتادة‏:‏ يلحدون‏:‏ يشركون في أسمائه‏.‏ وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس‏:‏ الإلحاد‏:‏ التكذيب، وأصل الإلحاد في كلام العرب العدول عن القصد، والميل والجور والانحراف، ومنه اللحد في القبر لانحرافه إلى جهة القبلة عن سمت الحفر‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏181‏)‏
‏{‏ وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون ‏}‏

يقول تعالى‏:‏ ‏{‏وممن خلقنا‏}‏ أي بعض الأمم ‏{‏أمة‏}‏ قائمة بالحق قولاً وعملاً ‏{‏يهدون بالحق‏}‏ يقولونه ويدعون إليه، ‏{‏وبه يعدلون‏}‏ يعملون ويقضون، وقد جاء في الآثار أن المراد في الآية هذه الأمة المحمدية، قال قتادة‏:‏
بلغني أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان يقول إذا قرأ هذه الآية‏:‏ ‏(‏هذه لكم، وقد أعطي القوم بين أيديكم مثلها، ‏{‏ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون‏}‏‏.‏ وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إن من أمتي قوماً على الحق حتى ينزل عيسى بن مريم متى ما نزل‏)‏، وفي الصحيحين عن معاوية بن أبي سفيان قال، قال رسول الّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى تقوم الساعة‏)‏ وفي رواية‏:‏ ‏(‏حتى يأتي أمر اللّه وهم على ذلك‏)‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏182 ‏:‏ 183‏)‏
‏{‏ والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون ‏.‏ وأملي لهم إن كيدي متين ‏}‏
يقول تعالى‏:‏ ‏{‏والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون‏}‏ ومعناه أن يفتح لهم أبواب الرزق ووجوه المعاش في الدنيا حتى يغتروا بما هم فيه ويعتقدوا أنهم على شيء، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون‏}‏، ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏وأملي لهم‏}‏ أي وسأملي لهم أي أطول لهم ما هم فيه ‏{‏إن كيدي متين‏}‏ أي قوي سديد‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏184‏)‏
‏{‏ أولم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة إن هو إلا نذير مبين ‏}‏

يقول تعالى‏:‏ ‏{‏أولم يتفكروا‏}‏ هؤلاء المكذبون بآياتنا ‏{‏ما بصاحبهم‏}‏ يعني محمداً صلى اللّه عليه وسلم ‏{‏من جنة‏}‏ أي ليس به جنون بل هو رسول اللّه حقاً، دعا إلى حق ‏{‏إن هو إلا نذير مبين‏}‏ أي ظاهر لمن كان له لب وقلب يعقل به ويعي به كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وما صاحبكم بمجنون‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد‏}‏، يقول ‏{‏ثم تتفكروا‏}‏ في هذا الذي جاءكم بالرسالة من اللّه أبه حنون أم لا، فإنكم إن فعلتم ذلك بان لكم وظهر أنه رسول اللّه حقاً وصدقاً، وقال قتادة‏:‏ ذكر لنا أن نبي اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان على الصفا فدعا قريشاً، فجعل يفخذهم فخذاً فخذاً، يا بني فلان، يا بني فلان، فحذرهم بأس اللّه ووقائع اللّه، فقال قائلهم‏:‏ إن صاحبكم هذا لمجنون، بات يصوت إلى الصباح أو حتى أصبح، فأنزل اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏أولم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة إن هو إلا نذير مبين‏}‏‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏185‏)‏
‏{‏ أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم فبأي حديث بعده يؤمنون ‏}‏

يقول تعالى‏:‏ أولم ينظر هؤلاء المكذبون بآياتنا في ملك اللّه وسلطانه في السموات والأرض، وفيما خلق من شيء فيهما، فيتدبروا ذلك ويعتبروا به، فيؤمنوا باللّه ويصدقوا رسوله، وينيبوا إلى طاعته، ويخلعوا الأنداد والأوثان، ويحذروا أن تكون آجالهم قد اقتربت فيهلكوا على كفرهم، ويصيروا إلى عذاب اللّه وأليم عقابه، وقوله‏:‏ ‏{‏فبأي حديث بعده يؤمنون‏}‏ يقول‏:‏ فبأي تخويفٍ وتحذيرٍ وترهيب بعد تحذير محمد صلى اللّه عليه وسلم وترهيبه الذي أتاهم به من عند اللّه، يصدقون إن لم يصدقوا بهذا الحديث الذي جاءهم به محمد من عند اللّه عزَّ وجلَّ‏؟‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏186‏)‏
‏{‏ من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهون ‏}‏

يقول تعالى من كتب عليه الضلالة فإنه لا يهديه أحد، ولو نظر لنفسه فيما نظر فإنه لا يجزي عنه شيئاً ‏{‏ومن يرد اللّه فتنته فلن تملك له من اللّه شيئا‏}‏، وكما قال تعالى‏:‏ ‏{‏قل انظروا ماذا في السموات والأرض وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون‏}‏‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏187‏)‏
‏{‏ يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسألونك كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون ‏}‏

يقول تعالى‏:‏ ‏{‏يسألونك عن الساعة‏}‏ قيل‏:‏ نزلت في قريش، وقيل في نفر من اليهود، والأول أشبه لأن الآية مكية، وكانوا يسألون عن وقت الساعة استبعاداً لوقوعها وتكذيباً بوجودها، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏أيان مرساها‏}‏‏.‏ قال ابن عباس‏:‏ منهاها أي متى محطها، وأيان آخر مدة الدنيا الذي هو أول وقت الساعة‏:‏ ‏{‏قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو‏}‏، أمر تعالى رسول صلى اللّه عليه وسلم إذا سئل عن وقت الساعة أن يرد علمها إلى اللّه تعالى، فإنه هو الذي يظهر أمرها، ومتى يكون على التحديد، لا يعلم ذلك إلا هو تعالى، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏ثقلت في السماوات والأرض‏}‏‏.‏ قال قتادة‏:‏ ثقل علمها على أهل السموات والأرض، قال الحسن‏:‏ إذا جاءت ثقلت على أهل السموات والأرض، يقول كبرت عليهم، وقال الضحاك عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏{‏ثقلت في السموات والأرض‏}‏ قال‏:‏ ليس شيء من الخلق إلا يصيبه من ضرر يوم القيامة؛ وقال ابن جريج‏:‏ إذا جاء انشقت السماء، وانتثرت النجوم وكورت الشمس، وسيرت الجبال، وكان ما قال اللّه عزَّ وجلَّ، فذلك ثقلها، واختار ابن جرير رحمه اللّه أن المراد‏:‏ ثقل علم وقتها على أهل السموات والأرض كما قال قتادة، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لا تأتيكم إلا بغتة‏}‏، ولا ينفي ذلك ثقل مجيئها على أهل السموات والأرض واللّه أعلم، وقال السدي‏:‏ خفيت في السموات والأرض، فلا يعلم قيامها حين تقوم ملك مقرب ولا نبي مرسل ‏{‏لا تأتيكم إلا بغتة‏}قال‏:‏ وذكر لنا أن نبي اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يقول‏:‏ ‏(‏إن الساعة تهيج بالناس، والرجل يصلح حوضه والرجل يسقي ماشيته، والرجل يقيم سلعته في السوق، ويخفض ميزانه ويرفعه‏)‏ وقال البخاري عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون، فذلك حين لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً، ولتقومن الساعة، وقد نشر الرجلان ثوبهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه، ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه، ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقي فيه، ولتقومن الساعة والرجل قد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها‏)‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يسألونك كأنك حفي عنها‏}اختلف المفسرون في معناه، فقيل‏:‏ معناه كأنّ بينك وبينهم مودة كأنك صديق لهم، قال ابن عباس‏:‏ لما سأل الناس النبي صلى اللّه عليه وسلم عن الساعة سألوه سؤال قوم كأنهم يرون أن محمداً حفي بهم، فأوحى اللّه إليه‏:‏ إنما علمها عنده استأثر به فلم يطلع اللّه عليها ملكاً مقرباً ولا رسولاً، وقال قتادة، قالت قريش لمحمد صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ إن بيننا وبينك قرابة فأسرَّ إلينا متى الساعة‏؟‏ فقال اللّه عزَّ وجلَّ‏:‏ ‏{‏يسألونك كأنك حفي عنها‏}‏، والصحيح عن مجاهد قال‏:‏ استحفيت عنها السؤال حتى علمت وقتها، وكذا قال الضحاك عن ابن عباس‏:‏ كأنك عالم بها لست تعلمها، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‏{‏كأنك حفي عنها‏}‏‏:‏ كأنك بها عالم وقد أخفى اللّه علمها على خلقه، وقرأ‏:‏ ‏{‏إن اللّه عنده علم الساعة‏}‏ الآية؛ وهذا القول أرجح في المقام من الأول، واللّه أعلم، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏قل إنما علمها عند اللّه ولكن أكثر الناس لا يعلمون‏}‏، ولهذا جاء جبريل عليه السلام في صورة أعرابي ليعلم الناس أمر دينهم، فجلس من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مجلس السائل المسترشد، وسأله صلى اللّه عليه وسلم عن الإسلام، ثم عن الأديان، ثم عن الإحسان، ثم قال‏:‏ فمتى الساعة‏؟‏ قال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ما المسئول عنها بأعلم من السائل‏)‏ أي لست أعلم بها منك ولا أحد أعلم بها من أحد ثم قرأ النبي صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏{‏إن اللّه عنده علم الساعة‏}‏ الآية، وفي رواية‏:‏ فسأله عن أشراط الساعة فبين له أشراط الساعة، ثم قال‏:‏ ‏(‏في حمس لا يعلمهن إلا اللّه‏)‏، وقرأ هذه الآية، ثم لما انصرف قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم‏)‏ ‏"‏قال ابن كثير‏:‏ قد ذكرت هذا الحديث بطرقه وألفاظه من الصحاح والحسان والمسانيد في أول شرح البخاري‏"‏، ولما سأله ذلك الأعرابي وناداه بصوت جهوري فقال‏:‏ يا محمد، قال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏هاؤم‏)‏ على نحوٍ من صوته، قال‏:‏ يا محمد متى الساعة‏؟‏ فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ويحك إن الساعة آتية فما أعددت لها‏)‏‏؟‏ قال‏:‏ ما أعددت لها كبير صلاة ولاصيام، ولكني أحب اللّه ورسوله، فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏المرء مع من أحب‏)‏
فما فرح المسلمون بشيء فرحهم بهذا الحديث‏.‏

وقال الإمام أحمد عن حذيفة قال‏:
سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن الساعة، فقال‏:‏ ‏(‏علمها عند ربي عزَّ وجلَّ لا يجلّيها لوقتها إلا هو، ولكن سأخبركم بمشارطها وما يكون بين يديها‏:‏ إن بين يديها فتنة وهرجاً‏)‏ قالوا‏:‏ يا رسول اللّه الفتنة قد عرفناها، فما الهرج، قال‏:‏ ‏(‏بلسان الحبشة‏:‏ القتل‏)‏، قال‏:‏ ‏(‏ويلقى بين الناس التناكر فلا يكاد أحد يعرف أحداً‏)‏ وقال وكيع عن طارق بن شهاب قال‏:‏ كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لا يزال يذكر من شأن الساعة، حتى نزلت‏:‏ ‏{‏يسألونك عن الساعة أيان مرساها‏}‏ الآية، وهذا إسناد قوي، فهذا النبي الأمي سيد الرسل وخاتمهم محمد صلوات اللّه عليه وسلامه نبي الرحمة ونبي التوبة ونبي الملحمة، والعاقب والمقفي والحاشر، الذي تحشر الناس على قدميه مع قوله فيما ثبت عنه في الصحيح من حديث أنس وسهل بن سعد رضي اللّه عنهما‏:‏ ‏(‏بعثت أنا والساعة كهاتين‏)‏ وقرن بين إصبيعيه السبابة والتي تليها، ومع هذا كله قد أمره أن يرد علم وقت الساعة إليه إذا سئل عنها، فقال‏:‏ ‏{‏قل إن علمها عند اللّه ولكن أكثر الناس لا يعلمون‏}‏‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏188‏)‏
‏{‏ قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير
وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون ‏}‏

أمره اللّه تعالى أن يفوض الأمور إليه وأن يخبر عن نفسه أنه لا يعلم الغيب المستقبل ولا اطلاع له على شيء من ذلك إلا بما أطلعه اللّه عليه، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً‏}‏ الآية، وقوله‏:‏ ‏{‏ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير‏}‏، قال مجاهد‏:‏ لو كنت أعلم متى أموت لعملت عملاً صالحاً‏.‏ والأحسن في هذا ما رواه الضحاك عن ابن عباس ‏{‏لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير‏}‏ أي من المال، وفي رواية لعلمت إذا اشتريت شيئاً ما أربح فيه، فلا أبيع شيئاً إلا ربحت فيه، ولا يصيبني الفقر‏.‏ وقال ابن جرير‏:‏ وقال آخرون‏:‏ معنى ذلك لو كنت أعلم الغيب لأعددت للسنة المجدبة من المخصبة، ولوقت الغلاء من الرخص، فاستعددت له من الرخص، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‏{‏وما مسني السوء‏}‏ قال‏:‏ لاجتنبت ما يكون من الشر أن يكون واتقيته، ثم أخبر أنه هو نذير وبشير، أي نذير من العذاب وبشير للمؤمنين بالجنات، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدا‏}‏‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏189 ‏:‏ 190‏)‏
‏{‏ هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلما تغشاها حملت حملا خفيفا فمرت به فلما أثقلت دعوا الله ربهما لئن آتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين ‏.‏ فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى اللّه عما يشركون ‏}‏

ينبه تعالى على أنه خلق جميع الناس من آدم عليه السلام وأنه خلق منه زوجته حواء، ثم انتشر الناس منهما، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى‏}‏ الآية، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها‏}‏ الآية، وقال في هذه الآية الكريمة‏:‏ ‏{‏وجعل منها زوجها ليسكن إليها‏}‏ ليألفها ويسكن بها، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة‏}‏ فلا ألفة أعظم مما بين الزوجين، ولهذا ذكر تعالى أن الساحر ربما توصل بكيده إلى التفرقة بين المرء وزوجه، ‏{‏فلما تغشاها‏}‏ أي وطئها ‏{‏حملت حملا خفيفا‏}‏ وذلك أول الحمل فلا تجد المرأة له ألماً إنما هي النطفة ثم العلقة ثم المضغة، وقوله‏:‏ ‏{‏فمرت به‏}‏، قال مجاهد‏:‏ استمرت بحمله، وقال أيوب سألت الحسن عن قوله‏:‏ ‏{‏فمرت به‏}‏ قال‏:‏ لو كنت رجلاً عربياً لعرفت ما هي، إنما هي‏:‏ فاستمرت به، وقال قتادة ‏{‏فمرت به‏}‏‏:‏ استبان حملها، وقال العوفي عن ابن عباس‏:‏ استمرت به فشكت أحملت أم لا، ‏{‏فلما أثقلت‏}‏ أي صارت ذات ثقل بحملها، وقال السدي‏:‏ كبر الولد في بطنها، ‏{‏دعوا اللّه ربهما لئن آتيتنا صالحا‏}‏ أي بشراً سوياً، كما قال الضحاك عن ابن عباس‏:‏ أشفقا أن يكون بهيمة‏.‏ وقال الحسن البصري‏:‏ لئن آتيتنا غلاماً لنكونن من الشاكرين ‏{‏فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى اللّه عما يشركون‏}‏‏.‏ ذكر المفسرون ههنا آثاراً وأحاديث سأوردها وأبين ما فيها‏.‏

قال الإمام أحمد في مسنده عن الحسن عن سمرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏لما ولدت حواء طاف بها إبليس، وكان لا يعيش لها ولد، فقال‏:‏ سميه عبد الحارث فإنه يعيش، فسمته عبد الحارث فعاش، وكان ذلك من وحي الشيطان وأمره‏)‏ ‏"‏رواه أحمد والترمذي والحاكم في المستدرك قال ابن كثير‏:‏ وهذا الحديث معلول وقد رجّح رحمه اللّه كونه موقوفاً على الصحابي وبيّن أنه غير مرفوع وضعّف ما ورد من آثار‏"‏‏.‏ قال ابن جرير عن الحسن{‏جعلا له شركاء فيما آتاهما‏}‏
قال‏:‏ كان هذا في بعض أهل الملل ولم يكن بآدم، وعن قتادة قال كان الحسن يقول‏:‏ هم اليهود والنصارى رزقهم اللّه أولاداً فهودوا ونصروا، وهذه أسانيد صحيحة عن الحسن رضي اللّه عنه أنه فسر الآية بذلك، وهو من أحسن التفاسير، وأولى ما حملت عليه الآية، ولو كان هذا الحديث عنده محفوظاً عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لما عدل عنه هو ولا غيره، فهذا يدلك على أنه موقوف على الصحابين وعن ابن عباس قال‏:‏ كانت حواء تلد لآدم عليه السلام أولاداً فيعبدهم للّه ويسميهم عبد اللّه وعبيد اللّه ونحو ذلك، فيصيبهم الموت، فأتاهما إبليس فقال‏:‏ إنكما لو سميتماه بغير الذي تسميانه به لعاش، قال فولدت له رجلاً فسماه عبد الحارث، ففيه أنزل اللّه يقول‏:‏ ‏{‏هو الذي خلقكم من نفس واحدة - إلى قوله - جعلا له شركاء فيما آتاهما‏}‏ إلى آخر الآية، وعنه قال‏:‏ أتاهما الشيطان فقال‏:‏ هل تدريان ما يولد لكما‏!‏ أم هل تدريان ما يكون أبهيمة أم لا‏؟‏ وزين لهما الباطل، وقد كانت قبل ذلك ولدت ولدين فماتا، فقال لهما الشيطان‏:‏ إنكما إن لم تسمياه بي لم يخرج سوياً ومات، كما مات الأول، فسميا ولدهما عبد الحارث، فذلك قول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما‏}‏ الآية‏.‏ وروى ابن أبي حاتم عن أبي بن كعب قال‏:‏ لما حملت حواء أتاها الشيطان فقال لها‏:‏ أتطيعيني ويسلم لك ولدك‏؟‏ سميه عبد الحارث، فلم تفعل، فولدت فمات، ثم حملت فقال لها مثل ذلك فلم تفعل، ثم حملت الثالثة فجاءها فقال‏:‏ إن تطيعيني يسلم، وإلا فإنه يكون بهيمة فهيبها فأطاعا، وهذه الآثار يظهر عليها واللّه أعلم أنها من آثار أهل الكتاب، وأما نحن فعلى مذهب الحسن البصري رحمه اللّه في هذا، وأنه ليس المراد من هذا السياق آدم وحواء وإنما المراد من ذلك المشركون من ذريته، ولهذا قال اللّه‏:‏{‏فتعالى عما يشركون‏}‏ فذكر آدم وحواء أولاً كالتوطئة لما بعدهما من الوالدين، وهو كالاستطراد من ذكر الشخص إلى الجنس كقوله‏:‏ ‏{‏ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح‏}‏ الآية، ومعلوم أن المصابيح وهي النجوم التي زينت بها السماء ليست هي التي يرمى بها، وإنما هذا استطراد من شخص المصابيح إلى جنسها، ولهذا نظائر في القرآن، واللّه أعلم‏.‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس