عرض مشاركة واحدة
قديم 13-05-2014, 03:39 AM   رقم المشاركة : 4
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏11 ‏:‏ 14‏)‏
‏{‏ إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام ‏.‏ إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان ‏.‏ ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب ‏.‏ ذلكم فذوقوه وأن للكافرين عذاب النار ‏}‏

يذكرهم اللّه تعالى بما أنعم به عليهم من إلقائه النعاس عليهم أماناً، أمنّهم به من خوفهم الذي حصل لهم، من كثرة عدوهم وقلة عددهم، وكذلك فعل تعالى بهم يوم أُحد، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا‏}‏ الآية‏.‏ قال أبو طلحة‏:‏ كنت ممن أصابه النعاس يوم أُحد، ولقد سقط السيف من يدي مراراً؛ يسقط وآخذه، ويسقط وآخذه، ولقد نظرت إليهم يميدون وهم تحت الحَجَف الحجف‏:‏ جمع حجفة وهي الترس ، وقال الحافظ أبو يعلى عن علي رضي اللّه عنه قال‏:‏ ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد، ولقد رأيتنا وما فينا إلا نائم إلا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يصلي تحت شجرة ويبكي حتى أصبح، وقال عبد اللّه بن مسعود‏:‏ النعاس في القتال أمنة من اللّه، وفي الصلاة من الشيطان‏.‏ وقال قتادة‏:‏ النعاس في الرأس، والنوم في القلب، وكأن ذلك كان للمؤمنين عند شدة البأس لتكون قلوبهم آمنة مطمئنة بنصر اللّه، وهذا من فضل اللّه ورحمته بهم ونعمته عليهم، ولهذا جاء في الصحيح أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لما كان يوم بدر في العريش مع الصديق رضي اللّه عنه وهما يدعوان أخذت رسول اللّه سنة من النوم ثم استيقظ متبسماً فقال‏:‏ ‏(‏أبشر يا أبا بكر هذا جبريل على ثناياه النقع‏)‏، ثم خرج من باب العريش وهو يتلو قوله تعالى‏:‏ ‏{‏سيهزم الجمع ويولون الدبر‏}‏‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وينزل عليكم من السماء ماء‏}‏، قال ابن عباس‏:‏ إن المشركين من قريش لما خرجوا لينصروا العير ويقاتلوا عنها، نزلوا على الماء يوم بدر، فغلبوا المؤمنين عليه، فأصاب المؤمنين عليه، فأصاب المؤمنين الظمأ يصلون مجنبين محدثين، حتى تعاطوا ذلك في صدورهم، فأنزل اللّه من السماء ماء حتى سال الوادي، فشرب المؤمنون، وملأوا الأسقية، وسقوا الركاب واغتسلوا من الجنابة، فجعل اللّه في ذلك طهوراً وثبت به الأقدام وروي نحوه عن قتادة والضحاك ، وذلك أنه كانت بينهم وبين القوم رملة فبعث اللّه المطر عليها، والمعروف أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لما سار إلى بدر نزل على أدنى ماء هناك أي أول ماء وجده، فتقدم إليه الحباب بن المنذر فقال‏:‏ يا رسول اللّه هذا المنزل الذي نزلته منزل أنزلك اللّه إياه فليس لنا أن نجاوزه أو منزل نزلته للحرب والمكيدة‏؟‏ فقال‏:‏ ‏(‏بل منزل نزلته للحرب والمكيدة‏)‏ فقال‏:‏ يا رسول اللّه إن هذا ليس بمنزل، ولكن سر بنا حتى ننزل على أدنى ماء يلي القوم ونغور ما وراءه من القلب، ونستقي الحياض فيكون لنا ماء وليس لهم ماء، فسار رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ففعل ذلك‏.‏

وقال مجاهد‏:‏ أنزل اللّه عليهم المطر قبل النعاس فأطفأ بالمطر الغبار وتلبدت به الأرض وطابت نفوسهم وثبت به أقدامهم، وقوله‏:‏ ‏{‏ليطهركم به‏}‏ أي من حدث أصغر أو أكبر وهو تطهير الظاهر،

‏{‏ويذهب عنكم رجز الشيطان‏}‏ أي من وسوسة أو خاطر سيء وهو تطهير الباطن، كما قال تعالى في حق أهل الجنة ‏{‏عاليهم ثياب سندس خضر‏}‏ فهذا زينة الظاهر، ‏{‏وسقاهم ربهم شرابا طهورا‏}‏ أي مطهراً لما كان من غل أو حسد أو تباغض وهو زينة الباطن وطهارته، ‏{‏وليربط على قلوبكم‏}‏‏:‏ أي بالصبر والإقدام على مجالدة الأعداء وهو شجاعة الباطن{‏ويثبت به الأقدام‏}‏ وهو شجاعة الظاهر واللّه أعلم‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا‏}‏ وهذه نعمة خفية أظهرها اللّه تعالى لهم ليشكروه عليها، وهو أنه تعالى وتقدس أوحى إلى الملائكة الذين أنزلهم لنصر نبيه ودينه أن يثبتوا الذين آمنوا، قال ابن جرير‏:‏ أي ثبتوا المؤمنين وقووا أنفسهم على أعدائهم سألقي الرعب والذلة والصغار على من خالف أمري وكذب رسولي، ‏{‏فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان‏}‏ أي اضربوا الهام فافلقوها واحتزوا الرقاب فقطعوها، وقطعوا الأطراف منهم وهي أيديهم وأرجلهم، وقد اختلف المفسرون في معنى ‏{‏فوق الأعناق‏}‏ فقيل‏:‏ معناه اضربوا الرؤوس، قاله عكرمة‏.‏ وقيل معناه أي على الأعناق وهي الرقاب، قاله الضحاك‏.‏ ويشهد لهذا المعنى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب‏}‏ وقال القاسم، قال النبي صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إني لم أبعث لأعذب بعذاب اللّه، إنما بعثت لضرب الرقاب وشد الوثاق‏)‏، وقال الربيع بن أنس‏:‏ كان الناس يوم بدر يعرفون قتلى الملائكة بضرب فوق الأعناق وعلى البنان مثل سمة النار قد أحرق به، وقوله‏:‏ ‏{‏واضربوا منهم كل بنان‏}‏، وقال ابن جرير‏:‏ معناه واضربوا من عدوكم أيها المؤمنون كل طرف ومفصل من أطراف أيديهم وأرجلهم، والبنان جمع بنانة كما قال الشاعر‏:‏

ألا ليتني قطعت مني بنانة * ولاقيته في البيت يقظان حاذراً

وقال ابن عباس ‏{‏واضربوا منهم كل بنان‏}‏ يعني بالبنان الأطراف وكذا قال الضحاك وابن جرير والسدي ، وقال السدي‏:‏ البنان الأطراف، ويقال كل مفصل، وقال الأوزاعي‏:‏ اضرب منه الوجه والعين، وارمه بشهاب من نار فإذا أخذته حرم ذلك كله عليك، وقال العوفي عن ابن عباس فأوحى اللّه إلى الملائكة‏:‏ ‏{‏أني معكم فثبتوا الذين آمنوا‏}‏ الآية، فقتل أبو جهل لعنه اللّه في تسعة وستين رجلاً، وأسر عقبة بن أبي معيط، فقتل صبراً فرفى ذلك سبعين يعني قتيلاً، لهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏ذلك بأنهم شاقوا اللّه ورسوله‏}‏ أي خالفوهما، فساروا في شق، وتركوا الشرع والإيمان به واتباعه في شق، ومأخوذ أيضاً من شق العصا وهو جعلها فرقتين ‏{‏ومن يشاقق اللّه ورسوله فإن اللّه شديد العقاب‏}‏ أي هو الطالب الغالب لمن خالفه ونأوأه لا يفوته شيء، ولا يقوم لغضبه شيء تبارك وتعالى لا إله غيره ولا رب سواه، ‏{‏ذلكم فذوقوه وأن للكافرين عذاب بالنار‏}‏ هذا خطاب للكفار، أي ذوقوا هذا العذاب والنكال في الدنيا واعلموا أيضاً أن للكافرين عذاب النار في الآخرة‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏15‏:‏ 16‏)‏
‏{‏ يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار ‏.‏ ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير ‏}‏

يقول تعالى متوعداً على الفرار من الزحف بالنار لمن فعل ذلك ‏{‏يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا‏}‏ أي تقاربتم منهم ودنوتم إليهم ‏{‏فلا تولوهم الأدبار‏}‏ أي تفرقوا وتتركوا أصحابكم، ‏{‏ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال‏}‏ أي يفر بين يدي قرنه مكيدة ليريه أنه خاف منه، فيتبعه، ثم يكر عليه فلا بأس عليه في ذلك وهو قول سعيد بن جبير والسدي ‏.‏ وقال الضحاك أن يتقدم عن أصحابه ليرى غرة من العدو فيصيبها، ‏{‏أو متحيزا إلى فئة‏}‏ أي فر من ها هنا إلى فئة أخرى من المسلمين يعاونهم ويعاونوه، فيجوز له ذلك، حتى لو كان في سريه ففر إلى أميره أو إلى الإمام الأعظم دخل في هذه الرخصة‏.‏ قال الإمام أحمد عن عبد اللّه بن عمر رضي اللّه عنهما قال‏:‏ كنت في سرية من سرايا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فحاص الناس حيصة، فكنت فيمن حاص، فقلنا‏:‏ كيف نصنع وقد فررنا من الزحف وبؤنا بالغضب‏؟‏ ثم قلنا‏:‏ لو دخلنا المدينة ثم بتنا، ثم قلنا‏:‏ لو عرضنا أنفسنا على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فإذا كانت لنا توبة وإلا ذهبنا، فأتيناه قبل صلاة الغداة، فخرج فقال‏:‏ ‏(‏مَنْ القوم‏؟‏‏)‏ فقلنا‏:‏ نحن الفرارون، فقال‏:‏ ‏(‏لا، بل أنتم العكّارون أنا فئتكم وأنا فئة المسلمين‏)‏ قال‏:‏ فأتيناه حتى قبَّلنا يده‏.‏ وقرأ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هذه الآية‏:‏ ‏{‏أو متحيزا إلى فئة‏}‏ ‏"‏رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه‏"‏‏.‏ وقال أهل العلم‏:‏ معنى قوله ‏(‏العكارون‏)‏‏:‏ أي العرافون، وكذلك قال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه في أبي عبيدة لما قُتل بأرض فارس لكثرة الجيش من المجوس فقال عمر‏:‏ لو تحيز إليَّ لكنت له فئة، ويروى عنه أنا فئة كل مسلم‏.‏ وقال الضحاك في قوله ‏{‏أو متحيزا إلى فئة‏}‏‏:‏ المتحيز الفار إلى النبي وأصحابه، وكذلك من فر اليوم إلى أميره أو أصحابه، فأما إن كان الفرار لا عن سبب من هذه الأسباب فإنه حرام وكبيرة من الكبائر، لما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏اجتنبوا السبع الموبقات‏)‏ قيل يا رسول اللّه وما هن‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏الشرك باللّه، والسحر، وقتل النفس التي حرم اللّه إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات‏)‏ ‏"‏أخرجه الشيخان عن أبي هريرة‏"‏‏.‏ ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏فقد باء‏}‏ أي رجع ‏{‏بغضب من اللّه ومأواه‏}‏ أي مصيره ومنقلبه يوم ميعاده
‏{‏جهنم وبئس المصير‏}‏‏.‏

وقال الإمام أحمد عن بشير بن معبد قال‏:‏ أتيت النبي صلى اللّه عليه وسلم لأبايعه فاشترط عليَّ شهادة أن لا إله إلا اللّه، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن أقيم الصلاة، وأن أؤدي الزكاة، وأن أحج حجة الإسلام، وأن أصوم شهر رمضان، وأن أجاهد في سبيل اللّه؛ فقلت يا رسول اللّه أما اثنتان فواللّه لا أطيقهما‏:‏ الجهاد، فإنهم زعموا أنه من ولى الدبر فقد باء بغضبٍ من اللّه، فأخاف إن حضرت ذلك خشعت نفسي وكرهت الموت‏.‏ والصدقة، فواللّه مالي إلا غنيمة وعشر ذود هن رسل أهلي وحمولهم، فقبض رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يده ثم حرك يده ثم قال‏:‏ ‏(‏فلا جهاد ولا صدقة فبم تدخل الجنة إذاً‏)‏‏؟‏ قلت‏:‏ يا رسول اللّه أنا أبايعك، فبايعته عليهن كلهن"‏أخرجه الإمام أحمد، قال ابن كثير‏:‏ حديث غريب من هذا الوجه لم يخرجوه في الكتب الستة‏"
‏‏.‏ وقد ذهب ذاهبون إلى أن الفرار إنما كان حراماً على الصحابة، لأن الجهاد كان فرض عين عليهم، وقيل‏:‏ على الأنصار خاصة لأنهم بايعوا على السمع والطاعة في المنشط والمكره، وقيل‏:‏ المراد بهذه الآية أهل بدر خاصة يروى هذا عن عمرو ابن عباس وأبي هريرة وأبي سعيد ونافع والحسن البصري وسعيد بن جبير وعكرمة وقتادة والضحاك وغيرهم ‏.‏ وحجتهم في هذا أنه لم تكن عصابة لها شوكة يفيئون إليها إلا عصابتهم تلك كما قال النبي صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض‏)‏، ولهذا قال الحسن في قوله‏:‏ ‏{‏ومن يولهم يومئذ دبره‏}‏ قال‏:‏ ذلك يوم بدر، فأما اليوم فإن انحاز إلى فئة أو مصر فلا بأس عليه، وقال ابن المبارك عن يزيد بن أبي حبيب‏:‏ أوجب اللّه تعالى لمن فر يوم بدر النار، قال‏:‏ ‏{‏ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله‏}‏، فلما كان يوم أُحد بعد ذلك قال‏:‏ ‏{‏إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان‏}‏، إلى قوله ‏{‏ولقد عفا اللّه عنهم‏}‏، ثم كان يوم حنين بعد ذلك بسبع سنين، قال‏:‏ ‏{‏ثم وليتم مدبرين * ثم يتوب اللّه من بعد ذلك على من يشاء‏}‏‏.‏ وعن أبي سعيد أنه قال في هذه الآية‏:‏ ‏{‏ومن يولهم يومئذ دبره‏}‏ إنما أنزلت في أهل بدر، وهذا كله لا ينفي أن يكون الفرار من الزحف حراماً على غير أهل بدر، وإن كان سبب نزول الآية فيهم، كما دل عليه حديث أبي هريرة المتقدم من أن الفرار من الزحف من الموبقات كما هو مذهب الجماهير، واللّه أعلم‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏17 ‏:‏ 18‏)‏
‏{‏ فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا إن الله سميع عليم ‏.‏ ذلكم وأن الله موهن كيد الكافرين ‏}‏

يبين تعالى أنه خالق أفعال العباد، وأنه المحمود على جميع ما صدر منهم من خير، لأنه هو الذي وفقهم لذلك وأعانهم عليه، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏فلم تقتلوهم ولكن اللّه قتلهم‏}‏ أي ليس بحولكم وقوتكم قتلتم أعدائكم، مع كثرة عددهم وقله عددكم، بل هو الذي أظفركم عليهم كما قال‏:‏ ‏{‏ولقد نصركم اللّه ببدر وأنتم أذلة‏}‏ الآية، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏لقد نصركم اللّه في مواطن كثيرة ويوم حنين إذا أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا‏}‏ يعلم تبارك وتعالى أن النصر ليس بكثرة العَدَد والعُدَد، وإنما النصر من عنده تعالى، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏كم فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن اللّه والله مع الصابرين‏}‏، ثم قال تعالى لنبيه صلى اللّه عليه وسلم أيضاً في شأن القبضة من التراب التي حصب بها وجوه الكافرين يوم بدر ‏{‏وما رميت إذ رميت ولكن اللّه رمى‏}‏ أي هو الذي بلغ ذلك إليهم وكبتهم بها لا أنت، قال ابن عباس‏:‏ رفع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يديه يعني يوم بدر فقال‏:‏ ‏(‏يا رب إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض أبداً‏)فقال له جبريل‏:‏ خذ قبضة من التراب فارم بها في وجوههم، فإخذ قبضة من التراب فرمى بها في وجوههم، فما من المشركين أحد إلا أصاب عينيه ومنخريه وفمه تراب من تلك القبضة فولوا مدبرين‏.‏ وقال محمد بن قيس ومحمد بن كعب القرظي‏:‏ لما دنا القوم بعضهم من بعض أخذ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قبضة من تراب فرمى بها في وجوه القوم وقال‏:‏ ‏(‏شاهت الوجوه‏)‏، فدخلت في أعينهم كلهم، وأقبل أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقتلونهم ويأسرونهم وكانت هزيمتهم في رمية رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فأنزل اللّه‏:‏{‏وما رميت إذ رميت ولكن اللّه رمى‏}‏‏.وقال عروة بن الزبير في قوله‏:‏{‏وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا‏}أي ليعرف المؤمنين نعمته عليهم، من إظهارهم على عدوهم مع كثرة عدوهم وقلة عددهم، ليعرفوا بذلك حقه ويشكروا بذلك نعمته، ‏{‏إن اللّه سميع عليم‏}أي سميع الدعاء ‏{‏عليم‏}‏ بمن يستحق النصر والغلب، وقوله‏:‏ ‏{‏ذلكم وأن اللّه موهن كيد الكافرين‏}‏ هذه بشارة أخرى مع ما حصل من النصر أنه أعلمهم تعالى بأنه مضعف كيد الكافرين، فيما يستقبل مصغر أمرهم، وأنهم كل ما لهم في تبار ودمار‏.‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس