عرض مشاركة واحدة
قديم 13-05-2014, 03:53 AM   رقم المشاركة : 5
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏19‏)‏
‏{‏ إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح وإن تنتهوا فهو خير لكم وإن تعودوا نعد ولن تغني عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت وأن الله مع المؤمنين ‏}‏

يقول تعالى للكفار‏:‏ ‏{‏إن تستفتحوا‏}‏ أي تستنصروا وتستقصوا اللّه وتستحكموه أن يفصل بينكم وبين أعدائكم المؤمنين فقد جاءكم ما سألتم؛ كما قال أبو جهل، قال حين التقى القوم‏:‏ اللهم أقطعنا للرحم وآتانا بما لا نعرف فأحنه الغداة؛ فكان المستفتح ‏"‏رواه أحمد والنسائي والحاكم وقال‏:‏ صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه‏"‏؛ وقال السدي‏:‏ كان المشركون حين خرجوا من مكة إلى بدر أخذوا بأستار الكعبة فاستنصروا اللّه وقالوا‏:‏ اللهم انصر أعلى الجندين وأكرم الفئتين وخير القبيلتين، فقال اللّه‏:‏ ‏{‏إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح‏}‏ يقول‏:‏ قد نصرت ما قلتم، وهو محمد صلى اللّه عليه وسلم‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏وإن تنتهوا‏}‏ أي عما أنتم فيه من الكفر باللّه والتكذيب لرسوله ‏{‏فهو خير لكم‏}‏ أي في الدنيا والآخرة، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإن تعودوا نعد‏}‏، كقوله‏:‏ ‏{‏وإن عدتم عدنا‏}‏، معناه وإن عدتم إلى ما كنتم فيه من الكفر والضلالة نعد لكم بمثل هذه الواقعة، وقال السدي‏:‏ ‏{‏وإن تعودوا‏}‏ أي إلى الاستفتاح ‏{‏نعد‏}‏ أي إلى الفتح لمحمد صلى اللّه عليه وسلم والنصر له وتظفيره على أعدائهن والأول أقوى‏.‏ ‏{‏ولن تغني عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت‏}‏ أي ولو جمعتم من الجموع ما عسى أن تجمعوا، فإن من كان اللّه معه فلا غالب له، ‏{‏وأن اللّه مع المؤمنين‏}‏ وهم الحزب النبوي والجناب المصطفوي‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏20 ‏:‏ 23‏)‏
‏{‏ يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون ‏.‏ ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون ‏.‏ إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون ‏.‏ ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون ‏}‏

يأمر تعالى عباده المؤمنين بطاعته وطاعة رسوله ويزجرهم عن مخالفته والتشبه بالكافرين به المعاندين له، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏ولا تولوا عنه‏}‏ أي تتركوا طاعته وامتثال أوامره وترك زواجره، ‏{‏وأنتم تسمعون‏}‏ أي بعدما علمتم ما دعاكم إليه، ‏{‏ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون‏}‏ قيل‏:‏ المراد المشركون، واختاره ابن جرير، وقال ابن إسحاق‏:‏ هم المنافقون فإنهم يظهرون أنهم قد سمعوا واستجابوا وليسوا كذلك، ثم أخبر تعالى أن هذا الضرب من بني آدم شر الخلق والخليقة فقال‏:‏ ‏{‏إن شر الدواب عند اللّه الصم‏}‏ أي عن سماع الحق، ‏{‏البكم‏}‏ عن فهمه، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏الذين لا يعقلون‏}‏ فهؤلاء شر البرية لأن كل دابة مما سواهم مطيعة للّه فيما خلقها له، وهؤلاء خلقوا للعبادة فكفروا، ولهذا شبههم بالأنعام في قوله‏:‏ ‏{‏أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون‏}‏ وقيل‏:‏ المراد بهؤلاء المذكورين نفر من بني عبد الدار من قريش؛ ثم أخبر تعالى بأنهم لا فهم لهم صحيح ولا قصد لهم صحيح - ولو فرض أن لهم فهماً - فقال‏:‏ ‏{‏ولو علم اللّه فيهم خيرا لأسمعهم‏}‏ أي لأفهمهم وتقدير الكلام و لكن لا خير فيهم فلم يفهمهم لأنه يعلم أنه ‏{‏لو أسمعهم‏}‏ أي أفهمهم ‏{‏لتولوا‏}‏ عن ذلك قصداً وعناداً بعد فهمهم ذلك ‏{‏وهم معرضون‏}‏ عنه‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏24‏)‏
‏{‏ يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون ‏}‏

قال البخاري‏{‏ استجيبوا‏}‏ أجيبوا ‏{‏لما يحييكم‏}‏ لما يصلحكم، عن أبي سعيد بن المعلى رضي اللّه عنه قال‏:‏ كنت أصلي فمر بي النبي صلى اللّه عليه وسلم فدعاني، فلم آته حتى صليت، ثم أتيته فقال‏:‏ ‏(‏ما منعك أن تأتيني‏؟‏ ألم يقل اللّه‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم‏}‏، ثم قال‏:‏ لأعلمنك أعظم سورة في القرآن قبل أن أخرج‏)‏، فذهب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ليخرج فذكرت له‏.‏ فقال‏:‏ ‏{‏الحمد لله رب العالمين‏}‏ هي السبع المثاني‏.

وقال مجاهد ‏{‏لما يحييكم‏}‏ قال‏:‏ للحق، وقال قتادة ‏{‏لما يحييكم‏}‏ هذا هو القرآن فيه النجاة والبقاء والحياة؛ وقال السدي‏:‏ ‏{‏لما يحييكم‏}‏ ففي الإسلام إحياؤهم بعد موتهم بالكفر، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏واعلموا أن اللّه يحول بين المرء وقلبه‏}‏، قال ابن عباس‏:‏ يحول بين المؤمن وبين الكفر، وبين الكافر وبين الإيمان وهو قول مجاهد وعكرمة والضحاك وعطية ومقاتل وفي رواية عن مجاهد يحول بين المرء وقلبه أي حتى يتركه لا يعقل ؛ وقال السدي‏:‏ لا يستطيع أن يؤمن ولا يكفر إلا بإذنه، وقد وردت الأحاديث عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بما يناسب هذه الآية؛ قال الإمام أحمد عن أنس بن مالك رضي اللّه عنه قال‏:‏ كان النبي صلى اللّه عليه وسلم يكثر أن يقول‏:‏ ‏(‏يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك‏)‏ قال‏:‏ فقلنا يا رسول اللّه آمنا بك وبما جئت به فهل تخاف علينا‏؟‏ قال‏(‏ ‏:‏نعم إن القلوب بين إصبعين من أصابع اللّه تعالى يقلبها‏)‏

حديث آخر ‏:‏ قال الإمام أحمد عن النواس بن سمعان رضي اللّه عنه قال‏:‏ سمعت النبي صلى اللّه عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏ما من قلب إلا وهو بين أصبعين من أصابع الرحمن رب العالمين إذا شاء أن يقيمه أقامه، وإن شاء أن يزيغه أزاغه‏)‏، وكان يقول‏:‏ ‏(‏يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك‏)‏ قال‏:‏ ‏(‏والميزان بيد الرحمن يخفضه ويرفعه‏)‏ ‏"‏ورواه النسائي وابن ماجه‏"‏‏.‏ حديث آخر ‏:‏ قال الإمام أحمد عن أم سلمة
أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يكثر في دعائه يقول‏:‏ ‏(‏اللهم مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك‏)‏ قالت، فقلت‏:‏ يا رسول اللّه إن القول لتقلب‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏نعم ما خلق اللّه من بشر من بني آدم إلا أن قلبه بين أصبعين من أصابع اللّه عزَّ وجلَّ، فإن شاء أقامه، وإن شاء أزاغه‏.‏ فنسال اللّه ربنا أن لا يزيع قلوبنا بعد إذ هدانا، ونسأله أن يهب لنا من لدنه رحمة إنه هو الوهاب‏)‏ قالت، فقلت‏:‏ يا رسول اللّه ألا تعلمني دعوة أدعو بها لنفسي‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏بلى، قولي اللهم رب النبي محمد اغفر لي ذنبي، وأذهب غيظ قلبي، وأجرني من مضلات الفتن ما أحييتني‏)‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏25‏)‏
‏{‏ واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب ‏}‏

يحذر تعالى عباده المؤمنين ‏{‏فتنة‏}‏ أي اختباراً ومحنة يعم بها المسيء وغيرهن لا يخص بها أهل المعاصي، ولا من باشر بالذنب، بل يعمهما حيث لم تدفع وترفع،

كما قال الإمام أحمد عن مطرف، قال‏:‏ قلنا للزبير يا أبا عبد اللّه ما جاء بكم‏؟‏ ضيّعتم الخليفة الذي قتل، ثم جئتم تطلبون بدمه‏؟‏ فقال الزبير ضي اللّه عنه‏:‏ إنا قرأنا على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان رضي اللّه عنهم‏:‏ ‏{‏واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة‏}‏، لم نكن نحسب أنا أهلها حتى وقعت منا حيث وقعت ‏"‏رواه أحمد والبزار‏"‏‏.‏

وروى ابن جرير عن الحسن قال، قال الزبير‏:‏ لقد خوفنا - يعني قوله تعالى‏:‏ ‏{‏واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة‏}‏ ونحن مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وما ظننا أنا خصصنا بها خاصة؛ وقال الحسن في هذه الآية‏:‏ نزلت في علي، وعمار، وطلحة، والزبير رضي اللّه عنهم، وقال الزبير‏:‏ لقد قرأت هذه الآية زماناً وما أرانا من أهلها فإذا نحن المعنيون بها ‏{‏واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة‏}‏، وقال السدي‏:‏ نزلت في أهل بدر خاصة فأصابتهم يوم الجمل فاقتتلوا، وقال ابن عباس‏:‏ ‏{‏لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة‏}‏ يعني أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم خاصة، وقال في رواية له عن ابن عباس في تفسير هذه الآية‏:‏ أمر اللّه المؤمنين أن لا يقروا المنكر بين ظهرانيهم فيعمهم اللّه بالعذاب، وهذا تفسير حسن جداً، ولهذا قال مجاهد‏:‏ هي أيضاً لكم، والقول بأن هذا التحذير يعم الصحابة وغيرهم،

وإن الخطاب معهم هو الصحيح، ويدل عليه الأحاديث الواردة في التحذير من الفتن، عن عدي بن عميرة قال‏:‏ سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏إن اللّه عزَّ وجلَّ لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكروه، فإذا فعلوا ذلك عذّب اللّه الخاصة والعامة‏)‏ ‏"‏رواه أحمد، قال ابن كثير‏:‏ لم يخرجه في الكتب الستة أحد وفيه رجل متهم‏"‏‏.‏

حديث آخر‏"‏‏:قال الإمام أحمد عن حذيفة بن اليمان أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر أو ليوشكن اللّه أن يبعث عليكم عقاباً من عنده، ثم لتدعنه فلا يستجيب لكم‏)‏، وقال حذيفة رضي اللّه عنه‏:‏ إن كان الرجل ليتكلم بالكلمة على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فيصير منافقاً، وإني لأسمعها من أحدكم في المقعد الواحد أربع مرات، لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر، ولتحاضُنَّ على الخير، أو ليسحتكم اللّه جميعاً بعذاب، أو ليؤمرن عليكم شراركم ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لهم‏.‏ حديث آخر ‏:‏ قال الأمام أحمد أيضاً عن عامر رضي اللّه عنه قال‏:‏ سمعت النعمان بن بشير يخطب يقول - وأومأ بأصبعيه إلى أذنيه - يقول‏:‏ مثل القائم على حدود اللّه والواقع فيها والمداهن فيها كمثل قوم ركبوا سفينة فأصاب بعضهم أسفلها وأوعرها وشرها، وأصاب بعضهم أعلاها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا الماء مروا على من فوقهم فآذوهم، فقالوا‏:‏ لو خرقنا في نصيبنا خرقاً فاستقينا منه ولم نؤذ من فوقنا‏!‏ فإن تركوهم وأمرهم هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا جميعاً‏.‏ ‏"‏أخرجه البخاري والترمذي أيضاً‏"‏‏.‏ حديث آخر ‏:‏ عن أم سلمة زوج النبي صلى اللّه عليه وسلم قالت‏:‏ سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏إذا ظهرت المعاصي في أمتي عمهم اللّه بعذاب من عنده‏)‏ فقلت‏؟‏ يا رسول اللّه أما فيهم أناس صالحون‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏بلى‏)‏ قالت‏:‏ فكيف يصنع أولئك‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏يصيبهم ما أصاب الناس ثم يصيرون إلى مغفرة من اللّه ورضوان‏)‏ ‏
"‏رواه الإمام أحمد‏"‏‏.‏ وفي رواية‏:‏ ‏(‏ما من قوم يعملون بالمعاصي وفيهم رجل أعز منهم ولا أمنع لا يغيّره، إلا عمهم اللّه بعقاب أو أصابهم العقاب‏)‏ وفي أخرى عن عائشة ترفعه‏:‏ ‏(‏إذا ظهر السوء في الأرض أنزل اللّه بأهل الأرض بأسه‏)‏ فقلت‏:‏ وفيهم أهل طاعة اللّه‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏نعم ثم يصيرون إلى رحمة اللّه‏)‏ ‏"‏أخرجهما الإمام أحمد‏"‏‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏26‏)‏
‏{‏ واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون ‏}‏

ينبه تعالى عباده المؤمنين على نعمه عليهم وإحسانه إليهم، حيث كانوا قليلين فكثرهم، ومستضعفين خائفين فقواهم ونصرهم، وفقراء عالة فرزقهم من الطيبات، وهذا كان حال المؤمنين حال مقامهم بمكة، قليلين مستخفين مضطهدين، يخافون أن يتخطفهم الناس من سائر بلاد اللّه، لقلتهم وعدم قوتهم، فلم يزل ذلك دأبهم حتى أذن اللّه لهم في الهجرة إلى المدينة فآواهم إليها، وقيّض لهم أهلها آوو ونصروا وواسوا بأموالهم، وبذلوا مهجهم في طاعة اللّه وطاعة رسوله صلى اللّه عليه وسلم، قال قتادة‏:‏ كان هذا الحي من العرب أذل الناس ذلاً، وأشقاه عيشاً، وأجوعه بطوناً، وأعراه جلوداً، وأبينه ضلالاً، من عاش منهم عاش شقياً، ومن مات منهم ردي في النار، يؤكلون ولا يأكلون، واللّه ما نعلم قبيلاً من حاضر أهل الأرض يومئذ كانوا أشر منزلاً منهم، حتى جاء اللّه بالإسلام فمكّن به في البلاد، ووسع به في الرزق، وجعلهم به ملوكاً على رقاب الناس، وبالإسلام أعطى اللّه ما رأيتم، فاشكروا اللّه على نعمه، فإن ربكم منعم يحب الشكر، وأهل الشكر في مزيد من اللّه‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏27 ‏:‏ 28‏)‏
‏{‏ يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون ‏.‏ واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم ‏}‏

أنزلت في أبي لبابة بن عبد المنذر، حين بعثه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى بني قريظة لينزلوا على حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فاستشاروه في ذلك، فأشار عليهم بذلك، وأشار بيده إلى حلقه أي إنه الذبح، ثم فطن أبو لبابة، ورأى أنه قد خان اللّه ورسوله، فحلف لا يذوق ذواقاً حتى يموت أو يتوب اللّه عليه، وانطلق إلى مسجد المدينة، فربط نفسه في سارية منه، فمكث كذلك تسعة أيام، حتى كان يخر مغشياً عليه من الجهد، حتى أنزل اللّه توبته على رسوله، فجاء الناس يبشرونه بتوبة اللّه عليه، وأرادوا أن يحلوه من السارية، فحلف لا يحله منها إلا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بيده فحله، فقال‏:‏ يا رسول اللّه إني كنت نذرت أن أنخلع من مالي صدقة، فقال‏:‏ ‏(‏يجزيك الثلث أن تصدق به‏)‏ ‏"‏رواه عبد الرزاق بن أبي قتادة‏"‏‏.‏ وقال ابن جرير‏:‏ نزلت هذه الآية
في قتل عثمان رضي اللّه عنه ‏{‏يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا اللّه والرسول‏}‏ الآية‏.‏ وفي الصحيحين قصة حاطب بن أبي بلتعة أنه كتب إلى قريش يعلمهم بقصد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إياهم عام الفتح، فاطلع اللّه رسوله على ذلك، فبعث في إثر الكتاب فاسترجعه، واستحضر حاطباً فأقر بما صنع، وفيها فقام عمر بن الخطاب فقال‏:‏ يا رسول اللّه، ألا أضرب عنقه فإنه قد خان اللّه ورسوله والمؤمنين‏؟‏ فقال‏:‏ ‏(‏دعه فإنه قد شهد بدراً وما يدريك لعل اللّه اطلع على أهل بدر فقال‏:‏ اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم‏)‏، والصحيح أن الآية عامة، وإن صح أنها وردت على سبيل خاص، فالأخذ بعموم اللفظ لا بخصوص السبب عند الجماهير من العلماء‏.‏ والخيانة تعم الذنوب الصغار والكبار اللازمة والمتعدية، وقال ابن عباس ‏{‏وتخونوا أماناتكم‏}‏‏:‏ الأمانة الأعمال التي ائتمن اللّه عليها العباد يعني الفريضة، يقول‏:‏ لا تخونوا لا تنقضوها، وقال في رواية‏:‏ لا تخونوا اللّه والرسول يقول‏:‏ بترك سنته وارتكاب معصيته‏.‏

وقال السدي‏:‏ إذا خانوا اللّه والرسول فقد خانوا أماناتهم‏.‏ وقال أيضاً‏:‏ كانوا يسمعون من النبي صلى اللّه عليه وسلم الحديث فيشفونه حتى يبلغ المشركين، وقال ابن زيد‏:‏ نهاكم أن تخونوا اللّه والرسول كما صنع المنافقون، وقوله‏:‏ ‏{‏واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة‏}‏ أي اختبار وامتحان منه لكم إذ أعطاكموها ليعلم أتشكرونه عليها وتطيعونه فيها او تشتغلون بها عنه وتعتاضون بها منه كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم‏}‏، وقال‏:‏ و‏{‏نبلوكم بالشر والخير فتنة‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏وأن اللّه عنده أجر عظيم‏}‏ أي ثوابه وعطاؤه وجناته خير لكم من الأموال والأولاد، فإنه قد يوجد منهم عدو، وأكثرهم لا يغني عنك شيئاً، واللّه سبحانه هو المتصرف المالك للدنيا والآخرة، ولديه الثواب الجزيل يوم القيامة، وفي الأثر يقول اللّه تعالى‏:‏ يا ابن آدم اطلبني تجدني، فإن وجدتني وجدت كل شيء، وإن فُتَّكَ فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء، وفي الصحيح عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان‏:‏ من كان اللّه ورسوله أحب إليه مما سواهما، ومن كان يحب المرء لا يحبه إلا للّه، ومن كان أن يلقى في النار أحب إليه من أن يرجع إلى الكفر بعد إذ أنقذه اللّه منه‏)‏ ‏"‏أخرجه الشيخان‏"‏، بل حب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مقدم على الأولاد والأموال والنفوس كما ثبت في الصحيح أنه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏والذي نفسي بيدة لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وأهله وماله والناس أجمعين‏)‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس