عرض مشاركة واحدة
قديم 13-05-2014, 04:32 AM   رقم المشاركة : 7
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏34 ‏:‏ 35‏)‏
{‏ وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون ولكن أكثرهم لا يعلمون ‏.‏ وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون ‏}‏

يخبر تعالى أنهم أهل لأن يعذبهم، ولكنْ لم يوقع ذلك بهم لبركة مقام الرسول صلى اللّه عليه وسلم بين أظهرهم، ولهذا لما خرج من بين أظهرهم أوقع اللّه بهم بأسه يوم بدر فقتل صناديدهم، وأسر سراتهم، وأرشدهم تعالى إلى الاستغفار من الذنوب التي هم متلبسون بها من الشرك والفساد، قال قتادة والسدي‏:‏ لم يكن القوم يستغفرون ولو كانوا يستغفرون ما عذبوا‏.‏ قال ابن جرير عن عكرمة والحسن البصري قالا، قال في الأنفال‏:‏ ‏{‏وما كان اللّه ليعذبهم وأنت فيهم، وما كان اللّه معذبهم وهم يستغفرون‏}‏ فنسختها الآية التي تليها ‏{‏وما لهم ألا يعذبهم اللّه - إلى قوله - فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون‏}‏ فقاتلوا بمكة فأصابهم فيها الجوع والضر، وقال ابن أبي حاتم عن ابن عباس‏:‏ ‏{‏وما كان اللّه معذبهم وهم يستغفرون‏}‏، ثم استثنى أهل الشرك فقال‏:‏ ‏{‏وما لهم ألا يعذبهم اللّه وهم يصدون عن المسجد الحرام‏}‏، وقوله‏:‏ {‏‏وما لهم ألا يعذبهم اللّه وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون ولكن أكثرهم لا يعلمون‏}أي وكيف لا يعذبهم اللّه وهم يصدون عن المسجد الحرام أي الذي بمكة، يصدون المؤمنين الذين هم أهله عن الصلاة فيه والطواف به، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون‏}‏ أي هم ليسوا أهل المسجد الحرام وإنما أهله النبي صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد اللّه شاهدين على أنفسهم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون * إنما يعمر مساجد اللّه من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا اللّه فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وصد عن سبيل اللّه وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله‏}‏ الآية، وقال الحافط ابن مردويه في تفسير هذه الآية عن أنس بن مالك رضي اللّه عنه قال‏:‏ سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من أوليائك‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏كل تقي‏)‏، وتلا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏{‏إن أولياؤه إلا المتقون‏}‏‏.‏ وقال الحاكم في مستدركه‏:‏ جمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قريشاً فقال‏:‏ ‏(‏هل فيكم من غيركم‏؟‏‏)‏ فقالوا‏:‏ فينا ابن أختنا وفينا حليفنا وفينا مولانا، فقال‏:‏ ‏(‏حليفنا منا وابن أختنا منا ومولانا منا إن أوليائي منكم المتقون‏)‏

وقال عروة والسدي في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إن أولياؤه إلا المتقون‏}‏ قال‏:‏ هم محمد صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه رضي اللّه عنهم، وقال مجاهد‏:‏ هم المجاهدون من كانوا حيث كانوا، ثم ذكر تعالى ما كانوا يعتمدونه عند المسجد الحرام وما كانوا يعاملونه به، فقال‏:‏ ‏{‏وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية‏}‏ المكاء هو الصفير وهو قول ابن عباس ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وقتادة ، وزاد مجاهد‏:‏ وكانوا يدخلون أصابعم في أفواههم‏.‏ وقال السدي‏:‏ المكاء هو الصفير على نحو طير أبيض يقال له المكاء ويكون بأرض الحجاز‏.‏ عن ابن عباس قال‏:‏ كانت قريش تطوف بالبيت عراة تصفر وتصفق، والمكاء الصفير، والتصدية التصفيق‏.‏ وقال ابن جرير عن ابن عمر في قوله‏:‏ ‏{‏وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية‏}‏ قال‏:‏ المكاء الصفير، والتصدية التصفيق، وعن ابن عمر أيضاً أنه قال‏:‏ إنهم كانوا يضعون خدودهم على الأرض ويصفقون ويصفرون، ويصنعون ذلك ليخلطوا بذلك على النبي صلى اللّه عليه وسلم صلاته، وقال الزهري‏:‏ يستهزئون بالمؤمنين‏.‏ وعن سعيد بن جبير ‏{‏وتصدية‏}‏ قال‏:‏ صدهم الناس عن سبيل اللّه عزَّ وجلَّ، قوله‏:‏ ‏{‏فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون‏}‏ قال الضحّاك وابن جريج ومحمد بن إسحاق هو ما أصابهم يوم بدر من القتل والسبي، واختاره ابن جرير عن مجاهد قال‏:‏ عذاب أهل الإقرار بالسيف، وعذاب أهل التكذيب بالصحية والزلزلة‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏36 ‏:‏ 37‏)‏
‏{‏ إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون ‏.‏ ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا فيجعله في جهنم أولئك هم الخاسرون ‏}‏

قال محمد بن إسحاق‏:‏ لما أصيب قريش يوم بدر ورجع فلهم إلى مكة، ورجع أبو سفيان بعيره، مشى عبد اللّه بن أبي ربيعة و عكرمة بن أبي جهل و صفوان بن أمية في رجال من قريش أصيب آباؤهم وأبناؤهم وإخوانهم ببدر، فكلموا أبا سفيان بن حرب ومن كانت له في تلك العير من قريش تجارة، فقالوا‏:‏ يا معشر قريش إن محمداً قد وتركم وقتل خياركم، فأعينونا بهذا المال على حربه لعلنا أن ندرك منه ثأراً بمن أصيب منا، ففعلوا، قال‏:‏ ففيهم أنزل اللّه عزَّ وجلَّ‏:‏ ‏{‏إن الذين كفروا ينفقون أموالهم - إلى قوله - هم الخاسرون‏}‏ في اللباب‏:‏ أخرج ابن جرير أنها نزلت في أبي سفيان استأجر يوم أُحُد ألفين من الأحابيش ليقاتل بهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏.‏ وقال الضحاك‏:‏ نزلت في أهل بدر، وعلى كل تقدير فهي عامة، وإن كان سبب نزولها خاصاً، فقد أخبر تعالى أن الكفار ينفقون أموالهم ليصدون عن اتباع الحق، فسيفعلون ذلك، ثم تذهب أموالهم، ثم تكون عليهم حسرة أي ندامة، حيث لم تجد شيئاً لأنهم أرادوا إطفاء نور اللّه وظهور كلمتهم على كلمة الحق، واللّه متم نوره ولو كره الكافرون، فهذا الخزي لهم في الدنيا، ولهم في الآخرة عذاب النار، فمن عاش منهم رأى بعينه وسمه بأذنه ما يسوؤه، ومن قتل منهم أو مات فإلى الخزي الأبدي والعذاب السرمدي، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون‏}‏، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ليميز اللّه الخبيث من الطيب‏}‏ قال ابن عباس‏:‏ يميز أهل السعادة من أهل الشقاء، وقال السدي‏:‏ يميز المؤمن من الكافر؛ وهذا يحتمل أن يكون هذا التمييز في الآخرة، كقوله‏:‏ ‏{‏ثم نقول للذين آمنوا مكانكم أنتم وشركاؤكم فزيلنا بينهم‏}‏ الآية، وقوله‏:‏ ‏{‏ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون‏}‏، وقال في الآية الأخرى‏:‏ ‏{‏يومئذ يصدعون‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وامتازوا اليوم أيها المجرمون‏}‏، ويحتمل أن يكون هذا التمييز في الدنيا بما يظهر من أعمالهم للمؤمنين، أي‏:‏ إنما أقدرناهم على ذلك ‏{‏ليميز اللّه الخبيث من الطيب‏}‏ أي من يطيعه بقتال أعدائه الكافرين، أو يعصيه بالنكول عن ذلك، كقوله‏:‏ ‏{‏وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن اللّه وليعلم المؤمنين، وليعلم الذين نافقوا‏}‏ الآية، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏ما كان اللّه ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب‏}‏ الآية، فمعنى الآية على هذا إنما ابتليناكم بالكفار يقاتلونكم وأقدرناهم على إنفاق الأموال وبذلها في ذلك ‏{‏ليميز اللّه الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه‏}‏ أي يجعله كله، وهو جمع الشيء بعضه على بعض كما قال تعالى في السحاب ‏{‏ثم يجعله ركاما‏}‏ أي متراكماً متراكباً، ‏{‏فيجعله في جهنم أولئك هم الخاسرون‏}‏ أي هؤلاء هم الخاسرون في الدنيا والآخرة‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏38 ‏:‏ 40‏)‏
‏{‏ قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا فقد مضت سنة الأولين ‏.‏ وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير ‏.‏ وإن تولوا فاعلموا أن الله مولاكم نعم المولى ونعم النصير ‏}
يقول تعالى لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏{‏قل للذين كفروا إن ينتهوا‏}‏ أي عما هم فيه من الكفر والمشاقة والعناد ويدخلوا في الإسلام والطاعة والإنابة يغفر لهم ما قد سلف‏:‏ أي من كفرهم وذنوبهم وخطاياهم، كما جاء في الصحيح‏:‏ ‏(‏من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية، ومن أساء في الإسلام أخذ بالأول والآخر‏)‏ وفي الصحيح أيضاً، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏الإسلام يُجبُّ ما قبله والتوبة تجبُّ ما كان قبلها‏)‏ وقوله‏:‏ ‏{‏وإن يعودوا‏}‏ أي يستمروا على ما هم فيه، ‏{‏فقد مضت سنة الأولين‏}‏‏:‏ أي فقد مضت سنتنا في الأولين أنهم إذا كذبوا واستمروا على عنادهم أنا نعاجلهم بالعذاب والعقوبة، قال مجاهد في قوله‏:‏ ‏{‏فقد مضت سنة الأولين‏}‏ أي في قريش يوم بدر وغيرها من الأمم، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله‏}‏، قال البخاري عن ابن عمر‏:‏ أن رجلاً جاء فقال‏:‏ يا أبا عبد الرحمن ألا تسمع ما ذكر اللّه في كتابه‏:‏ ‏{‏وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا‏}‏ الآية، فما يمنعك أن لا تقاتل كما ذكر اللّه في كتابه‏؟‏ فقال‏:‏ يا ابن أخي أعيَّر بهذه الآية ولا أقاتل أحب إليّ من أن أعيّر بالآية التي يقول اللّه، قال عزَّ وجلَّ‏:‏ ‏{‏ومن يقتل مؤمناً متعمداً‏}‏ إلى آخر الآية‏.‏ قال فإن اللّه تعالى يقول‏:‏ ‏{‏وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة‏}‏، قال ابن عمر‏:‏ قد فعلنا على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذ كان الإسلام قليلاً، وكان الرجل يفتن في دينه، إما أن يقتلوه وإما أن يوثقوه، حتى كثر الإسلام فلم تكن فتنة، فلما رأى أنه لا يوافقه فيما يريد، قال‏:‏ فما قولكم في علي وعثمان‏؟‏ قال ابن عمر‏:‏ أما عثمان فكان اللّه قد عفا عنه وكرهتم أن يعفو اللّه عنه، وأما علي فابن عم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وختنه وأشار بيده، وهذه ابنته أو بنته حيث ترون‏.‏ وأتى رجلان في فتنة ابن الزبير إلى ابن عمر فقالا‏:‏ إن الناس قد صنعوا ما ترى وأنت ابن عمر بن الخطاب وأنت صاحب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فما يمنعك أن تخرج‏؟‏ قال‏:‏ يمنعني اللّه أن حرم عليَّ دم المسلم، قالوا‏:‏ أو لم يقل اللّه‏:‏ ‏{‏وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله‏}‏ قال‏:‏ قد قاتلنا حتى لم تكن فتنة وكان الدين كله للّه، وأنتم تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة، ويكون الدين لغير اللّه‏.‏

وقال الضحاك عن ابن عباس‏:‏ ‏{‏وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة‏}‏ يعني لا يكون شرك وهو قول مجاهد والحسن وقتادة والسدي ومقاتل وزيد بن أسلم ‏.‏ وقال عروة بن الزبير‏:‏ ‏{‏حتى لا تكون فتنة‏}‏ حتى لا يفتن مسلم عن دينه، وقوله‏:‏ ‏{‏ويكون الدين كله لله‏}‏، قال الضحاك عن ابن عباس‏:‏ يخلص التوحيد للّه؛ وقال الحسن وقتادة‏:‏ أن يقال لا إله إلا اللّه، أن يكون التوحيد خالصاً للّه فليس فيه شرك ويخلع ما دونه من الأنداد، وقال عبد الرحمن بن أسلم‏:‏ ‏{‏ويكون الدين كله لله‏}‏ لا يكون مع دينكم كفر،

ويشهد لهذا ما ثبت في الصحيحين عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا اللّه، فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على اللّه عزَّ وجلَّ‏)‏ وقوله‏:‏ ‏{‏فإن انتهوا‏}‏ عما هم فيه من الكفر فكفوا عنه، وإن لم تعلموا بواطنهم ‏{‏فإن اللّه بما يعملون بصير‏}‏، كقوله‏:‏ ‏{‏فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم‏}‏ الآية، وفي الآية الأخرى‏:‏ ‏{‏فإخوانكم في الدين‏}‏، وقال‏:‏ ‏{‏فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين‏}‏‏.‏ وفي الصحيح أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال لأسامة لما علا ذلك الرجل بالسيف، فقال لا إله إلا اللّه فضربه فقتله، فذكر ذلك لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقال لأسامة‏:‏ ‏(‏أقتلته بعدما قال لا إله إلا اللّه‏؟‏ وكيف تصنع بلا إله إلا اللّه يوم القيامة‏)‏‏؟‏ فقال‏:‏ يا رسول اللّه إنما قالها تعوذاً، قال‏:‏ ‏(‏هلاّ شققت عن قلبه‏)‏، وجعل يقول ويكرر عليه‏:‏ ‏(‏من لك بلا إله إلا اللّه يوم القيامة‏)‏‏؟‏ قال أسامة‏:‏ حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت إلا يومئذ، وقوله‏:‏ ‏{‏وإن تولوا فاعلموا أن اللّه مولاكم نعم المولى ونعم النصير‏}‏ أي وإن استمروا على خلافكم ومحاربتكم ‏{‏فاعلموا أن اللّه مولاكم‏}‏ سيدكم وناصركم على أعدائكم فنعم المولى ونعم النصير‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏41‏)‏
{‏ واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شيء قدير ‏}‏

يبين تعالى تفصيل ما شرعه مخصصاً لهذه الأمة الشريفة من بين سائر الأمم المتقدمة إحلال الغنائم، والغنيمة هي المال المأخوذ من الكفار بإيجاف الخيل والركاب، والفيء ما أخذ منهم بغير ذلك، كالأموال التي يصالحون عليها أو يتوفون عنها ولا وارث لهم، والجزية والخراج ونحو ذلك؛ هذا مذهب الإمام الشافعي، ومن العلماء من يطلق الفيء على ما تطلق عليه الغنيمة والعكس أيضاً، ‏{‏واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه‏}‏ توكيد لتخميس كل قليل وكثير حتى الخيط والمخيط، قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة‏}‏ الآية، وقوله‏:‏ ‏{‏فأن لله خمسه وللرسول‏}‏ اختلف المفسرون ههنا، فقال بعضهم للّه نصيب من الخمس يجعل في الكعبة‏.‏ وقال آخرون‏:‏ ذكر اللّه ههنا استفتاح كلام للتبرك، وسهم لرسوله صلى اللّه عليه وسلم‏.‏ قال ابن عباس‏:‏ كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا بعث سرية فغنموا خمَّس الغنيمة، فضرب ذلك الخمس في خمسة، ثم قرأ‏:‏ ‏{‏واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول‏}‏، فأن للّه خمسه‏:‏ مفتاح الكلام ‏{‏لله ما في السموات وما في الأرض‏}‏، فجعل سهم اللّه وسهم الرسول صلى اللّه عليه وسلم واحداً وهو قول النخعي والحسن البصري والشعبي وعطاء وقتادة وغيرهم ، ويؤيد هذا ما رواه الحافظ البيهقي بإسناد صحيح عن عبد اللّه بن شقيق عن رجل قال‏:‏ أتيت النبي صلى اللّه عليه وسلم وهو بوادي القرى، وهو يعرض فرساً، فقلت‏:‏ يا رسول اللّه ما تقول في الغنيمة‏؟‏ فقال‏:‏ ‏(‏للّه خمسها وأربعة أخماسها للجيش‏)‏ قلت فما أحد أولى به من أحد‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏لا ولا السهم تستخرجه من جيبك ليس أنت أحق به من أخيك المسلم‏)‏

وقال ابن جرير عن الحسن قال‏:‏ أوصى الحسن بالخمس من ماله، وقال‏:‏ ألا أرضى من مالي بما رضي اللّه لنفسه؛ وعن عطاء قال‏:‏ خمس اللّه والرسول واحد يحمل منه ويصنع فيه ما شاء، يعني النبي صلى اللّه عليه وسلم، وهذا أعم وأشمل، وهو أنه صلى اللّه عليه وسلم يتصرف في الخمس الذي جعله اللّه له بما شاء ويرده في أمته كيف شاء‏.‏ ويشهد لهذا ما رواه الإمام أحمد عن المقادم بن معد يكرب الكندي‏:‏ أنه جلس مع عبادة بن الصامت وأبي الدرداء والحارث بن معاوية الكندي رضي اللّه عنهم، فتذاكروا حديث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقال أبو الدراء لعبادة‏:‏ يا عبادة كلمات رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في غزوة كذا وكذا في شأن الأخماس، فقال عبادة‏:‏ إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم صلى بهم في غزوة إلى بعير من المغنم، فلما سلم قام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فتناول وبرة بين أنملتيه فقال‏:‏ ‏(‏إن هذه من غنائمكم، وإنه ليس لي فيها إلا نصيبي معكم الخمس، والخمس مردود عليكم، فأدوا الخيط والمخيط، وأكبر من ذلك وأصغر، ولا تغلوا، فإن الغلول عار ونار على أصحابه في الدنيا والآخرة، وجاهدوا الناس في اللّه القريب والبعيد، ولا تبالوا في اللّه لومة لائم، وأقيموا حدود اللّه في السفر والحضر، وجاهدوا في اللّه، فإن الجهاد باب من أبواب الجنة عظيم ينجي اللّه به من الهم والغم‏)‏ ‏"‏قال ابن كثير‏:‏ هذا حديث حسن عظيم ولم أره في شيء من الكتب الستة وله شواهد‏"‏‏.وعن عمرو بن عنبسة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم صلى بهم إلى بعير من المغنم، فلما سلم أخذ وبرة من هذا البعير ثم قال‏:‏ ‏(‏ولا يحل لي من غنائمكم مثل هذه إلا الخمس والخمس مردود عليكم‏)‏ "‏رواه أبو داود والنسائي‏"‏‏.‏ وقد كان للنبي صلى اللّه عليه وسلم من الغنائم شيء يصطفيه لنفسه عبد أو أمة أو فرس أو سيف أو نحو ذلك، كما نص عليه محمد بن سيرين وعامر الشعبي، وتبعهما على ذلك أكثر العلماء‏.‏ وروى الإمام أحمد والترمذي عن ابن عباس أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم تنفل سيفه ذا الفقار يوم بدر، وهو الذي رأى فيه الرؤيا يوم أُحد‏.‏ وعن عائشة رضي اللّه عنها قالت‏:‏ كانت صفية من الصفي"‏رواه أبو داود في سننه‏"‏، وعن يزيد بن عبد اللّه قال‏:‏ كنا بالمربد إذ دخل رجل معه قطعة أديم فقرأناها فإذا فيها‏:‏ ‏(‏من محمد رسول اللّه إلى بني زهير بن أقيش، إنكم إن شهدتم أن لا إله إلا اللّه وأن محمداً رسول اللّه، وأقمتم الصلاة، وآتيتم الزكاة، وأديتم الخمس من المغنم، وسهم النبي صلى اللّه عليه وسلم، وسهم الصفي، أنتم آمنون بأمان اللّه ورسوله‏)‏، فقلنا‏:‏ من كتب لك هذا‏؟‏ فقال‏:‏ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏"‏رواه أبو داود والنسائي‏"‏‏.‏
فهذه أحاديث جيدة تدل على تقرير هذا وثبوته، ولهذا جعل ذلك كثيرون من الخصائص له صلوات اللّه وسلامه عليه، وقال آخرون‏:‏ إن الخمس يتصرف فيه الإمام بالمصلحة للمسلمين كما يتصرف في مال الفيء‏.‏

وقال شيخنا الإمام العلامة ابن تيمية رحمه اللّه‏:‏ وهذا قول مالك وأكثر السلف وهو أصح الأقوال، فإذا ثبت هذا وعلم فقد اختلف أيضاً في الذي كان يناله من الخمس ماذا يصنع به من بعده‏؟‏ فقال قائلون‏:‏ يكون لمن يلي الأمر من بعده، وقال آخرون‏:‏ يصرف في مصالح المسلمين؛ وقال آخرون‏:‏ بل هو مردود على بقية الأصناف ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل، اختاره ابن جرير‏.‏ وقال آخرون‏:‏ بل سهم النبي صلى اللّه عليه وسلم وسهم ذوي القربى مردودان على اليتامى والمساكين وابن السبيل، قال ابن جرير‏:‏ وذلك قول جماعة من أهل العراق، وقيل‏:‏ إن الخمس جميعه لذوي القربى، ثم اختلف الناس في هذين السهمين بعد وفاة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال قائلون‏:‏ سهم النبي صلى اللّه عليه وسلم يُسلّم للخليفة من بعده، وقال آخرون‏:‏ لقرابة النبي صلى اللّه عليه وسلم، وقال آخرون‏:‏ سهم القرابة لقرابة الخليفة، واجتمع رأيهم أن يجعلوا هذين السهمين في الخيل والعدة في سبيل اللّه، فكانا على ذلك في خلافة أبي بكر وعمر رضي اللّه عنهما‏.‏ قال الأعمش عن إبراهيم‏:‏ كان أبو بكر وعمر يجعلان سهم النبي صلى اللّه عليه وسلم في الكراع والسلاح، فقلت لإبراهيم‏:‏ ما كان عليَّ يقول فيه‏؟‏ قال‏:‏ كان أشدهم فيه، وهذا قول طائفة كثيرة من العلماء رحمهم اللّه، وأما سهم ذوي القربى فإنه يصرف إلى بني هاشم و بني المطلب لأن بني المطلب وازروا بني هاشم في الجاهلية وفي أول الإسلام، ودخلوا معهم في الشعب غضباً لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وحماية له،






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس