عرض مشاركة واحدة
قديم 08-05-2014, 03:41 AM   رقم المشاركة : 11
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وآتاكم ما لم يؤت أحداً من العالمين‏}‏ يعني عالمي زمانكم، فإنهم كانوا أشرف الناس في زمانهم من اليونان والقبط وسائر أصناف بني آدم كما قال‏:‏ ‏{‏وفضلناهم على العالمين‏}‏ وقال تعالى إخباراً عن موسى‏:‏ ‏{‏قال أغير الله أبغيكم إلهاً وهو فضَّلكم على العالمين‏}‏ والمقصود أنهم كانوا أفضل أمم زمانهم، وإلا فهذه الأمة أشرف منهم، وأفضل عند اللّه، وأكمل شريعة، وأقوم منهاجاً، وأكرم نبياً، وأعظم ملوكاً، وأغزر أرزاقاً، وأكثر أموالاً وأولاداً، وأوسع مملكة وأدوم عزاً‏.‏ قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس‏}‏‏.‏ وقد ذكرنا الأحاديث المتواترة في فضل هذه الأمة وشرفها وكرمها عند الله عند قوله تعالى‏:‏ ‏{‏كنتم خير أمة أخرجت للناس‏}‏، وقيل‏:‏ المراد ‏{‏وآتاكم ما لم يؤت أحداً من العالمين‏}‏ يعني بذلك ما كان تعالى نزله عليهم من المن والسلوى، يظللهم به من الغمام، وغير ذلك مما كان تعالى يخصهم به من خوارق العادات، فالله أعلم‏.‏ ثم قال تعالى مخبراً عن تحريض موسى عليه السلام لبني إسرائيل على الجهاد، والدخول إلى بيت المقدس الذي كان بأيديهم في زمان يعقوب، لما ارتحل هو وبنوه وأهله إلى بلاد مصر أيام يوسف عليه السلام ثم لم يزالوا بها، حتى خرجوا مع موسى، فوجدوا فيها قوماً من العمالقة الجبارين قد استحوذوا عليها وتملكوها، فأمرهم رسول اللّه موسى عليه السلام بالدخول إليها، وبقتال أعدائهم، وبشرهم بالنصر والظفر عليهم، فنكلوا بالذهاب وعصوا وخالفوا أمره، فعوقبوا في التيه، والتمادي في سيرهم حائرين لا يدرون كيف يتوجهون فيه إلى مقصد مدة أربعين سنة، عقوبة لهم على تفريطهم في أمر اللّه تعالى، فقال تعالى مخبراً عن موسى أنه قال‏:‏ ‏{‏يا قوم ادخلو الأرض المقدسة‏}‏ أي المطهرة‏.‏ عن ابن عباس قال‏:‏ هي الطور وما حوله، وكذا قال مجاهد وغير واحد المراد بالأرض المقدسة‏:‏ ببيت المقدس وما حوله، ويقال لها‏:‏ إيليا، وتفسيرها‏:‏ بيت اللّه‏.‏ ويعني بالجبارين‏:‏ قوماً كانوا فيها من العماليق وهم بنو عملاق بن لاوذ
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏التي كتب الله لكم‏}‏ أي التي وعدكموها الله على لسان أبيكم إسرائيل أنه وراثة من آمن منكم، ‏{‏ولا ترتدوا على أدباركم‏}‏ أي تنكلوا عن الجهاد ‏{‏فتنقلبوا خاسرين‏.‏ قالوا يا موسى إن فيها قوماً جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون‏}‏ أي اعتذروا بأن في هذه البلدة التي أمرتنا بدخولها وقتال أهلها قوماً جبارين ذوي خلق هائلة وقوى شديدة، وإنا لا نقدر على مقاومتهم ولا مصاولتهم، ولا يمكننا الدخول إليها ما داموا فيها، فإن يخرجوا منها دخلناها، وإلا فلا طاقة لنا بهم‏.‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما‏}‏ أي فلما نكل بنوا إسائيل عن طاعة الله ومتابعة رسول اللّه موسى حرضهم رجلان، للّه عليهما معمة عظيمة وهما ممن يخاف أمر الله ويخشى عقابه وقرأ بعضهم‏:‏ ‏{‏قال رجلان من الذين يخافون‏}‏ أي ممن لهم مهابة وموضع من الناس، ويقال إنهما يوشع بن نون و كالب بن يوفنا ضبط في سفر العدد‏:‏ يفنه‏:‏ بفتح الياء وضم الفاء، وتشديد النون، وقال السهيلي‏:‏ إنهما يوشع بن نون بن إفرائيم بن يوسف عليه السلام، والآخر‏:‏ كوطت بن يوفنا‏.‏ قال‏:‏ وأحسبه من سبط يهوذا بن يعقوب‏.‏ وقال‏:‏ ويوشع هو الذي حارب الجبارين‏.‏ واختلف‏:‏ أكان موسى معه في تلك الغزاة أم لا‏؟‏ وفيها حبست عليه الشمس حتى دخل المدينة، وفيها أحرق الذي وجد الغلول عنده في مكان يقال له غور عاجر، عرف باسم الرجل الغال‏.‏ كما ذكره الطبري ؛ قاله ابن عباس ومجاهد عكرمة وغير واحد من السلف والخلف رحمهم الله، فقالا‏:‏ ‏{‏ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون * وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين‏}‏ أي إن توكلتم على الله واتبعتم أمره ووافقتم رسوله، نصركم اللّه على أعدائكم، وأيدكم وظفركم بهم، ودخلتم البلد التي كتبها الله لكم؛ فلم ينفع ذلك فيهم شيئاً ‏{‏قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبداً ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنَّا ههنا قاعدون‏}‏، وهذا نكول منهم عن الجهاد ومخالفة لرسولهم، وتخلف عن مقاتلة الأعداء، ويقال‏:‏ إنهم لما نكلوا على الجهاد، وعزموا على الإنصراف والرجوع إلى مصر، سجد موسى وهرون عليهما السلام قدام ملأ من بني إسرائيل إعظاماً لما هموا به، وشق يوشع بن نون وكالب بن يوفنا ثيابهما، ولاما قومهما على ذلك، فيقال‏:‏ إنهم رجموهما، وجرى أمر عظيم وخطر جليل‏.‏

وما أحسن ما أجاب به الصحابة رضي اللّه عنهم يوم بدر رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين استشارهم في قتال النفير فتكلم أبو بكر رضي الله عنه فأحسن، ثم تكلم من تكلم من الصحابة من المهاجرين ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏أشيروا علي أيها المسلمون‏)‏ وما يقول ذلك إلا ليستعلم ما عند الأنصار لأنهم كانوا جمهور الناس يومئذ، فقال سعد بن معاذ‏:‏ كأنك تعرض بنا يا رسول اللّه فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلَّف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غداً، إنا لصُبرٌ في الحرب، صُدق صبر وصدق بضمتين فيها جمع صبور وصدوق في اللقاء لعل اللّه أن يريك منا ما تقر به عينك، فسر بنا على بركة الله‏.‏ فسُرَّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بقول سعد ونشطه ذلك‏.‏ وممن أجاب يومئذ المقداد بن عمرو الكندي رضي اللّه عنه، كما قال عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه‏:‏ لقد شهدت من المقداد مشهداً، لأن أكون أنا صاحبه أحب إليّ مما عدل به، أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يدعو على المشركين فقال‏:‏ والله يا رسول الله لا نقول كما قالت بنوا إسرائيل لموسى ‏{‏اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون‏}‏ ولكنا نقاتل عن يمينك وعن يسارك ومن بين يديك ومن خلفك، فرأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم أشرق لذلك وسره ذلك، وهكذا رواه البخاري في المغازي، ولفظه في كتاب التفسير عن عبد اللّه قال، قال المقداد يوم بدر، يا رسول اللّه لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى ‏{‏اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون‏}‏ ولكن امض ونحن معك‏.‏ فكأنه سري عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين‏} يعني لما نكل بنو إسرائيل عن القتال غضب عليهم موسى عليه السلام، وقال داعياً عليهم‏:‏ ‏{‏رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي‏}‏ أي ليس أحد يطيعني منهم فيمتثل أمر اللّه ويجيب إلى ما دعوت إليه إلا أنا وأخي هرون ‏{‏فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين‏}‏ قال ابن عباس‏:‏ يعني اقض بيني وبينهم، وكذا قال الضحاك‏:‏ اقض بيننا وبينهم، وافتح بيننا وبينهم، وقال غيره‏:‏ افرق افصل بيننا وبينهم، كما قال الشاعر‏:‏
يا رب فافرق بينه وبيني * أشد ما فرَّقت بين اثنين
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض‏}‏ الآية، لما دعا عليهم موسى عليه السلام حين نكلوا عن الجهاد حكم الله بتحريم دخولها عليهم قدر مدة أربعين سنة، فوقعوا في التيه يسيرون دائماً لا يهتدون للخروج منه‏.‏ وفيه كانت أمور عجيبة وخوارق كثيرة‏:‏ من تظليلهم بالغمام، وإنزال المن والسلوى عليهم، ومن إخراج الماء الجاري من صخرة صماء تحمل معهم على دابة، فإذا ضربها موسى بعصاه انفجرت من ذلك الحجر اثنتا عشرة عيناً‏:‏ تجري لكل شعب عين، وغير ذلك من المعجزات التي أيد الله بها موسى بن عمران‏.‏ وهناك نزلت التوراة، وشرعت لهم الأحكام‏.‏ عن سعيد بن جبير‏:‏ سألت ابن عباس عن قوله‏:‏ ‏{‏فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض‏{‏الآية‏.‏ قال‏:‏ فتاهوا في الأرض أربعين سنة يصبحون كل يوم يسيرون ليس لهم قرار، ثم ظلل عليهم الغمام في التيه، وأنزل عليهم المن والسلوى‏.‏ وهذا قطعة من حديث الفتون‏.‏ ثم كانت وفاة هرون عليه السلام، ثم بعده بمدة ثلاث سنين وفاة موسى الكليم عليه السلام، وأقام اللّه فيهم يوشع بن نون عليه السلام نبياً خليفة عن موسى بن عمران، ومات أكثر بني إسرائيل هناك في تلك المدة، ويقال‏:‏ إنه لم يبق منهم أحد سوى يوشع وكالب، فلما انقضت المدة خرج بهم يوشع بن نون عليه السلام، أو بمن بقي منهم وبسائر بني إسرائيل من الجيل الثاني، فقصد بهم بيت المقدس فحاصرها، فكان فتحها يوم الجمعة بعد العصر‏.‏ فلما تضيفت الشمس للغروب وخشي دخول السبت عليهم قال‏:‏ إنك مأمورة وأنا مأمور، اللهم احبسها علي؛ فحبسها اللّه تعالى حتى فتحها وأمر الله يوشع بن نون أن يأمر بني إسرائيل حين يدخلون بيت المقدس أن يدخلوا بابها سجداً، وهم يقولون حطة‏:‏ أي حط عنا ذنوبنا، فبدلوا ما أمروا به، ودخلوا يزحفون على أستاههم، هم يقولون‏:‏ حبة في شعرة، وقد تقدم هذا كله في سورة البقرة‏.‏

وقال ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنه قوله‏:‏ ‏{‏فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض‏}‏ قال‏:‏ فتاهوا أربعين سنة، قال‏:‏ فهلك موسى وهرون في التيه وكل من جاوز الأربعين سنة، فلما مضت الأربعون سنة ناهضهم يوشع بن نون، وهو الذي قام بالأمر بعد موسى، وهو الذي افتتحها، فوجد فيها من الأموال ما لم ير مثله قط، فقربوه إلى النار فلم تأته، فقال‏:‏ فيكم الغلول، قدعا رؤوس الأسباط، وهم اثنا عشر رجلاً، فبايعهم، والتصقت يد رجل منهم بيده، فقال‏:‏ الغلول عندك، فأخرجه، فأخرج رأس بقرة من ذهب فوضعه مع القربان فأتت النار فأكلته‏.‏ وهذا السياق له شاهد في الصحيح‏.‏ وقد اختار ابن جرير أن قوله‏:‏ ‏{‏فإنها محرمة عليهم‏}‏ هو العامل في اربعين سنة، وأنهم مكثوا لا يدخلونها أربعين سنة، وهم تائهون في البرية لا يهتدون لمقصد، قال‏:‏ خرجوا مع موسى عليه السلام ففتح بهم بيت المقدس، ثم احتج على ذلك بإجماع علماء أخبار الأولين أن عوج ابن عنق قتله موسى عليه السلام قال‏:‏ فلو كان قتله إياه قبل التيه لما رهبت بنو إسرائيل من العماليق، فدل على أنه كان بعد التيه قال‏:‏ وأجمعوا على أن بلعام بن باعورا أعان الجبارين بالدعاء على موسى، قال‏:‏ وما ذالك إلا بعد التيه، لأنهم كانوا قبل التيه لا يخافون من موسى وقومه‏
.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فلا تأس على القوم الفاسقين‏}
تسلية لموسى عليه السلام عنهم، أي لا تأسف ولا تحزن عليهم فيما حكمت عليهم به فإنهم مستحقون ذلك، وهذه القصة تضمنت تقريع اليهود بينا فضائحم ومخالفتهم للّه ولرسوله، ونكولهم عن طاعتهما فيما أمرهم به من الجهاد فضعفت أنفسهم عن مصابرة الأعداء ومجالدتهم ومقاتلتهم؛ مع أن بين أظهرهم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وكليمه وصفيه من خلقه في ذلك الزمان، وهو يعدهم بالنصر والظفر بأعدائهم، هذا مع ما شهدوا من فعل الله بعدوهم فرعون من العذاب والنكال والغرق له ولجنوده في اليم، وهم ينظرون لتقر به أعينهم وما بالعهد من قدم، ثم ينكلون عن مقاتلة أهل بلد هي بالنسبة إلى ديار مصر لا توازي عشر المعشار في عدة أهلها وعددهم فظهرت قبائح صنيعهم للخاص والعام، وافتضحوا فضيحة لا يغطيها الليل، ولا يسترها الذيل، هذا وهم في جهلهم يعمهون، وفي غيهم يترددون، وهم البغضاء إلى الله وأعداؤه، ويقولون مع ذلك نحن أبناء اللّه وأحباؤه، فقبح اللّه وجوههم التي مسخ منها الخنازير والقرود، وألزمهم لعنة تصحبهم إلى النار ذات الوقود، ويقضى لهم فيه بتأبيد الخلود، وقد فعل، وله الحمد من جميع الوجود‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏27 ‏:‏ 31‏)‏
‏{‏ واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين ‏.‏ لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين ‏.‏ إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين ‏.‏ فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين ‏.‏ فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه قال يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي فأصبح من النادمين ‏}‏
يقول تعالى مبينا وخيم عاقبة البغي والحسد والظلم في خبر ابني آدم وهما قابيل وهابيل ، كيف عدا أحدهما على الآخر، فقتله بغياً عليه وحسداً له، فيما وهبه الله من النعمة وتقبل القربان الذي أخلص فيه لله عزَّ وجلَّ ففاز المقتول بوضع الآثان والدخول إلى الجنة، وخاب القاتل ورجع بالصفقة الخاسرة في الدارين، فقال تعالى‏: ‏{‏واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق‏}‏ أي اقصص على هؤلاء البغاة الحسدة أخوان الخنازير والقردة من اليهود وأمثالهم وأشباههم خبر ابني آدم وهما هابيل وقابيل فيما ذكره غير واحد من السلف والخلف‏.‏ وقوله‏:‏{‏بالحق‏}‏ أي على الجلية والأمر الذي لا لبس فيه ولا كذب، ولا وهم ولا تبديل، ولا زيادة ولا نقصان؛ كقوله تعالى‏: ‏{‏إن هذا لهو القصص الحق‏}‏، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏نحن نقص عليك نبأهم بالحق‏} كان من خبرهما فيما ذكره غير واحد من السلف والخلف، أن اللّه تعالى شرع لآدم عليه السلام أن يزوج بناته من بنيه لضرورة الحال، ولكن قالوا‏:‏ كان يولد له في كل بطن ذكر وأنثى، فكان يزوج أنثى هذا البطن لذكر البطن الآخر، وكانت أخت هابيل دميمة وأخت قابيل وضيئة، فارد أن يستأثر بها على أخيه، فأبى آدم ذلك إلا أن يقربا قرباناً، فمن تقبل منه فهي له، فتقبل من هابيل، ولم يتقبل من قابيل، فكان من أمرهما ما قصه الله في كتابه‏.‏

قال السدي عن ابن عباس وعن ابن مسعود‏:‏ أنه كان لا يولد لآدم مولود إلا ومعه جارية، فكان يزوج غلام هذا البطن جارية هذا البطن الآخر، ويزوج جارية هذا البطن غلام هذا البطن الآخر، حتى ولد له ابنان يقال لهما هابيل وقابيل، كان قابيل صاحب زرع، وكان هابيل صاحب ضرع، وكان قابيل أكبرهما، وكان له أخت أحسن من أخت هابيل، وأن هابيل طلب أن ينكح أخت قابيل، فأبى عليه، وقال هي أختي ولدت معي، وهي أحسن من أختك، وأنا أحق أن أتزوج بها، وأنهما قربا قرباناً إلى اللّه عزَّ وجلَّ أيهما أحق بالجارية، قرب هابيل جذعة سمينة، وقرب قابيل حزمة سنبل، فوجد فيها سنبلة عظيمة ففركها وأكلها، فنزلت النار فأكلت قربانا هابيل، وتركت قربان قابيل، فغضب، وقال لأقتلنك حتى لا تنكح أختي، فقال هابيل ‏{‏إنما يتقبل الله من المتقين‏}‏ ‏"‏رواه ابن جرير‏"‏وقال ابن جرير
عن عبد الله بن عمرو قال‏:‏ إن ابني آدم اللذين قربا قرباناً فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر، كان أحدهما صاحب حرث، والآخر صاحب غنم، وإنهما أمرا أن يقرباً قرباناً، وإن صاحب الغنم قرب أكرم غنمه وأسمنها وأحسنها طيبة بها نفسه، وأن صاحب الحرث قرَّب أشر حرثه الكوزن والزوان غير طيبة بها نفسه وإن اللّه عزَّ وجلَّ تقبل قربان صاحب الغنم، ولم يتقبل قربان صاحب الحرث، وكان من قصتهما ما قص الله في كتابه، قال‏:‏ وايم الله إن كان المقتول لأشد الرجلين، ولكن منعه التحرج أن يبسط يده إلى أخيه‏.‏ وروى محمد بن إسحاق عن بعض أهل العلم بالكتاب الأول‏:‏ أن آدم أمر بانه قابيل أن ينكح أخته توأمة هابيل، وأمر هابيل أن ينكح أخته توأمة قابيل، فسلم لذلك هابيل ورضي، وأبى ذلك قابيل وكره تكرماً عن هابيل، ورغب بأخته عن هابيل، وقال‏:‏ نحن من ولادة الجنة، وهما من ولادة الأرض، وأنا أحق بأختي‏.‏ ويقول بعض أهل العلم بالكتاب الأول‏:‏ كانت أخت قابيل من أحسن الناس، فضن بها على أخيه وأرادها لنفسه فقال له أبوه‏:‏ يا بني إنها لا تحل لك، فأبى قابيل أن يقبل ذلك من قول أبيه، قال له أبوه‏:‏ يا بني قرب قرباناً ويقرب أخوك هابيل قرباناً فأيكما تقبل قربانه فهو أحق بها، وكان قابيل على بذر الأرض، وكان هابيل على رعاية الماشية، فقرب قابيل قمحاً، وقرب هابيل أبكاراً من أبكار غنمه، وبعضهم يقول‏:‏ قرب بقرة؛ فأرسل اللّه ناراً بيضاء فأكلت قربان هابيل، وتركت قربان قابيل، وبذلك كان يقبل القربان إذا قبله‏.‏‏"‏رواه ابن جرير‏"‏، ثم المشهور عند الجمهور أن الذي قرب الشاة هو هابيل، وأن الذي قرب الطعام هو قابيل، وأنه تقبل من هابيل شاته، حتى قال ابن عباس وغيره‏:‏ إنها الكبش الذي فدي به الذبيح وهو مناسب، واللّه أعلم‏.‏ ولم يتقبل من قابيل، كذلك نص عليه غير واحد من السلف والخلف وهو المشهور عن مجاهد أيضاً‏.‏

ومعنى قوله‏:‏{‏إنما يتقبل اللّه من المتقين‏}‏
أي ممن اتقى الله في فعله ذلك‏.‏ وفي الحديث عن معاذ بن جبل، قال‏:‏ يحبس الناس في بقيع واحد ينادي مناد، أي المتقون‏؟‏ فيقومون في كنف من الرحمن لا يحتجب الله منهم ولا يستتر، قلت‏:‏ من المتقون‏؟‏ قال‏:‏ قوم اتقوا الشرك وعبادة الأوثان، وأخلصوا العبادة فيمرون إلى الجنة‏.‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس