عرض مشاركة واحدة
قديم 08-05-2014, 05:21 AM   رقم المشاركة : 17
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إنما وليكم اللّه ورسوله والذين آمنوا‏}‏ أي ليس اليهود بأوليائكم، بل ولايتكم راجعة إلى اللّه ورسوله والمؤمنين، وقوله‏:‏ ‏{‏الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة‏}‏ أي المؤمنون المتصفون بهذه الصفات من إقام الصلاة التي هي أكبر أركان الإسلام، وهي له وحده لا شريك له، وإيتاء الزكاة التي هي حق المخلوقين ومساعدة للمحتاجين من الضعفاء والمساكين، وأما قوله‏:‏ ‏{‏وهم راكعون‏}‏ فقد توهم بعض الناس أن هذه الجملة في موضع الحال من قوله‏:‏ ‏{‏ويؤتون الزكاة‏}‏ أي في حال ركوعهم، ولو كان هذا كذلك لكان دفع الزكاة في حال الركوع أفضل من غيره لأنه ممدوح، وليس الأمر كذلك عند أحد من العلماء‏.‏ قال السدي‏:‏ نزلت هذه الآية في جميع المؤمنين، ولكن عليّ بن ابي طالب مر به سائل وهو راكع في المسجد فأعطاه خاتمه، وقد تقدم في الأحاديث التي أوردناها أن هذه الآيات نزلت في عبادة بن الصامت رضي اللّه عنه حين تبرأ من حلف اليهود، ورضي بولاية اللّه ورسوله والمؤمنين، ولهذا قال تعالى بعد هذا كله‏:‏{‏ومن يتول اللّه ورسوله والذين آمنوا فإن حزب اللّه هم الغالبون‏}‏ كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏كتب اللّه لأغلبن أنا ورسلي إن اللّه قوي عزيز‏.‏ لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد اللّه ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم، أولئك كتب في قلوبهم الإيمان‏}‏ الآية‏.‏ فكل من رضي بولاية اللّه ورسوله والمؤمنين فهو مفلح في الدنيا والآخرة ومنصور في الدنيا والآخرة، ولهذا قال تعالى في هذه الآية الكريمة‏:‏ ‏{‏ومن يتول اللّه ورسوله والذين آمنوا فإن حزب اللّه هم الغالبون‏}‏‏.‏

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏57 ‏:‏ 58‏)‏
‏{‏ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين ‏.‏ وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا ذلك بأنهم قوم لا يعقلون ‏}‏
هذا تنفير من موالاة أعداء الإسلام الذين يتخذون شرائع الإسلام المطهرة المحكمة، المشتملة على كل خير دنيوي وأخروي، يتخذونها هزواً ويستهزئون بها، ولعباً يعتقدون أنها نوع من اللعب في نظرهم الفاسد، وفكرهم البارد، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار‏}‏ من ههنا لبيان الجنس كقوله‏:‏ ‏{‏فاجتنبوا الرجس من الأوثان‏}‏، والمراد بالكفار ههنا ‏{‏المشركون‏}‏،{‏واتقوا اللّه إن كنتم مؤمنين‏}‏ أي اتقوا اللّه أن تتخذوا هؤلاء الأعداء لكم ولدينكم أولياء، إن كنتم مؤمنين بشرع اللّه الذي اتخذه هؤلاء هزواً ولعباً، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين‏}‏ وقوله‏:‏ ‏{‏وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزواً ولعباً‏}‏ أي وكذلك إذا أذنتم داعين إلى الصلاة التي هي أفضل الأعمال لمن يعقل ويعلم من ذوي الألباب ‏{‏اتخذوها‏}‏ أيضاً ‏{‏هزواً ولعباً ذلك بأنهم قوم لا يعقلون‏}‏ معاني عبادة اللّه وشرائعه، وهذه صفات أتباع الشيطان الذي إذا سمع الأذان أدبر، فإذا قضى التأذين أقبل، فإذا ثوَّب للصلاة أدبر، فإذى قضى التثويب أقبل، حتى يخطر بين المرء وقلبه، فيقول‏:‏ اذكر كذا، اذكر كذا، ما لم يكن يذكر، حتى يظل الرجل لا يدري كم صلى، فإذا وجد أحدكم ذلك فليسجد سجدتين قبل السلام‏.‏ كما هو في الصحيحين، وقال الزهري‏:‏ قد ذكر اللّه التأذين في كتابه فقال‏:‏ ‏{‏وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزواً ولعباً ذلك بأنهم قوم لا يعقلون‏}‏‏.‏

وقال السدي في قوله‏:‏ ‏{‏وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزواً ولعباً‏}‏ قال‏:‏ كان رجل من النصارى بالمدينة إذا سمع المنادي ينادي‏:‏ أشهد أن محمداً رسول اللّه، قال‏:‏ حرق الكذاب، فدخلت خادمه ليلة من الليالي بنار وهو نائم وأهله نيام فسقطت شرارة، فأحرقت البيت، فاحترق هو وأهله‏.‏ رواه ابن جرير وابن أبي حاتم‏.‏ وذكر محمد بن إسحاق في السيرة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم دخل الكعبة عام الفتح ومعه بلال، فأمره أن يؤذن وأبو سفيان بن حرب وعتاب بن أسيد والحارث بن هشام جلوس بفناء الكعبة، فقال عتاب بن أسيد‏:‏ لقد أكرم اللّه أسيداً أن لا يكون سمع هذا فيسمع منه ما يغيظه، وقال الحارث بن هشام‏:‏ أما والله لو أعلم أنه محق لاتبعته، فقال أبو سفيان لا أقول شيئاً لو تكلمت لأخبرت عني هذه الحصى، فخرج عليه النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال‏:‏ ‏(‏قد علمت الذي قلتم‏)‏، ثم ذكر ذلك لهم فقال الحارث وعتاب‏:‏ نشهد أنك رسول، ما اطلع على هذا أحد كان معنا فنقول أخبرك‏.‏ وقال الإمام أحمد عن عبد اللّه بن محيريز وكان يتيماً في حجر أبي محذورة قال‏:‏ قلت لأبي محذورة يا عم إني خارج إلى الشام، وأخشى أن أسأل عن تأذينك، فأخبرني أن أبا محذورة قال له‏:‏ نعم، خرجت في نفر وكنا في بعض طريق حنين، مقفل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من حنين، فلقينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ببعض الطريق، فأذن مؤذن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فسمعنا صوت المؤذن ونحن متنكبون، فصرخنا نحكيه ونستهزىء به، فسمع رسول اللّه فارسل إلينا إلى أن وقفنا بين يديه، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏ايكم الذي سمعت صوته قد ارتفع‏)‏‏؟‏ فأشار القوم كلهم إلي، وصدقوا، فأرسل كلهم وحبسني، وقال‏:‏ ‏(‏قم فأذن‏)‏ فقمت ولا شيء أكره إلي من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ولا مما يأمرني به، فقمت بين يدي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فألقى عليّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم التأذين هو بنفسه، قال‏:‏ ‏(‏قل‏:‏ اللّه أكبر، أشهد أن لا إله إلا اللّه، أشهد أن لا إله إلا اللّه، أشهد أن محمداً رسول اللّه أشهد أن محمداً رسول اللّه، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، اللّه أكبر، اللّه أكبر، لا إله إلا اللّه‏)‏، ثم دعاني حين قضيت التأذين، فأعطاني صرة فيها شيء من فضة، ثم وضع يده على ناصية أبي محذورة، ثم أمَرَّها على وجهه، ثم بين ثدييه، ثم على كبده حتى بلغت يد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سرة أبي محذورة ثم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏‏(‏بارك اللّه فيك وبارك عليك‏)‏ فقلت‏:‏ يا رسول اللّه مرني بالتأذين بمكة، فقال‏:‏ ‏(‏قد أمرتك به‏)‏، وذهب كل شيء كان لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من كراهة، وعاد ذلك كله محبة لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقدمت على عتاب بن أسيد عامل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأذنت معه بالصلاة عن أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وأخبرني ذلك من أدركت من أهلي ممن أدرك ابا محذروة على نحو ما أخبرني عبد اللّه بن محيريز‏.‏ هكذا رواه الإمام أحمد، وقد أخرجه مسلم في صحيحه وأهل السنن الأربعة‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏59 ‏:‏ 63‏)‏
‏{‏ قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون ‏.‏ قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل ‏.‏ وإذا جاؤوكم قالوا آمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به والله أعلم بما كانوا يكتمون ‏.‏ وترى كثيرا منهم يسارعون في الإثم والعدوان وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون ‏.‏ لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون‏}‏

يقول تعالى‏:‏ قل يا محمد لهؤلاء الذين اتخذوا دينكم هزواً ولعباً من أهلك الكتاب‏:‏ ‏{‏هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل‏}‏ أي هل لكم علينا مطعن أو عيب إلا هذا‏؟‏ وهذا ليس بعيب ولا مذمة، فيكون الاستثناء منقطعاً كما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا باللّه العزيز الحميد‏}‏ وكقوله‏:‏ ‏{‏وما نقموا إلا أن أغناهم اللّه ورسوله من فضله‏}‏‏.‏ وقول‏:‏ ‏{‏وأن أكثركم فاسقون‏}‏ معطوف على ‏{‏أن آمنا باللّه وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل‏}‏ أي وآمنا بأن أكثركم فاسقون أي خارجون عن الطريق المستقيم في اللباب‏:‏ أتى النبي صلى اللّه عليه وسلم نفر من اليهود فسألوه عمن يؤمن به من الرسل، قال‏:‏ أومن باللّه وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل ويعقوب والأسباط، وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم، فلما ذكر عيسى جحدوا نبوته وقالوا‏:‏ لا نؤمن بعيسى ولا بمن آمن به، فنزلت الآية

ثم قال‏:‏ ‏{‏قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند اللّه‏}
أي هل أخبركم بشر جزاء عند اللّه يوم القيامة مما تظنونه بنا‏؟‏ وهم أنتم المتصفون بهذه الصفات المفسرة بقوله‏:‏ ‏{‏من لعنه اللّه‏}‏ أي أبعده من رحمته، ‏{‏وغضب عليه‏}‏ أي غضباً لا يرضى بعده أبداً، ‏{‏وجعل منهم القردة والخنازير‏}‏ كما تقدم بيانه في سورة البقرة، وقد قال سفيان الثوري عن ابن مسعود قال‏:‏ قال‏:‏ سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن القردة والخنازير أهي مما مسخ اللّه ‏؟‏ فقال‏:‏ ‏(‏إن اللّه لم يهلك قوماً - أو قال لم يمسخ قوماً - فيجعل لهم نسلاً ولا عقباً، وإن القردة والخنازير كانت قبل ذلك‏)‏، رواه مسلم، وقال أبو داود الطيالسي عن ابن مسعود قال‏:‏ سألنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن القردة والخنازير أهي من نسل اليهود‏؟‏ فقال‏:‏ ‏(‏لا، إن اللّه لم يلعن قوماً قط فيمسخهم فكان لهم نسل، ولكن هذا خلق كان، فلما غضب اللّه على اليهود فمسخهم جعلهم مثلهم‏)‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وعبد الطاغوت‏}‏ قرىء ‏{‏وعَبَدَ الطاغوت‏}‏ على أنه فعل ماض، والطاغوت منصوب به، أي وجعل منهم من عبد الطاغوت، وقرىء ‏{‏وعَبَدِ الطاغوت‏}‏ بالإضافة، على أن المعنى وجعل منهم خدم الطاغوت أي خدامه وعبيده، والمعنى يا أهل الكتاب الطاعنين في ديننا الذي هو توحيد اللّه وإفراده بالعبادات دون ما سواه، كيف يصدر منكم هذا وأنتم قد وجد منكم جميع ما ذكر‏؟‏ ولهذا قال ‏{‏أولئك شر مكاناً‏}‏ أي مما تظنون بنا ‏{‏وأضل عن سواء السبيل‏}‏
وهذا من باب استعمال أفعال التفضيل فيما ليس في الطرف الآخر مشاركة‏.‏

وقوله تعالى‏:‏{‏وإذ جاءوكم قالوا آمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به‏}
‏ وهذه صفة المنافقين منهم أنهم يصانعون المؤمنين في الظاهر وقلوبهم منطوية على الكفر، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏وقد دخلوا‏}‏ أي عندك يا محمد ‏{‏بالكفر‏}‏ أي مستصحبين الكفر في قلوبهم ثم خرجوا وهو كامن فيها لمن ينتفعوا بما قد سمعوا منك من العلم، ولا نجعت فيهم المواعظ ولا الزواجر، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏هم قد خرجوا به‏}‏ فخصهم به دون غيرهم، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏والله أعلم بما كانوا يكتمون‏}‏ أي عالم بسائرهم وما تنطوي عليه ضمائرهم وإن أظهروا لخلقه خلاف ذلك وتزينوا بما ليس فيهم، فإن اللّه عالم الغيب والشهادة أعلم بهم منهم، وسيجزيهم على ذلك أتم الجزاء‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏وترى كثيراً منهم يسارعون في الغثم والعدوان وأكلهم السحت‏}‏ أي يبادرون إلى ذلك من تعاطي المآثم والمحارم والاعتداء على الناس وأكلهم أموالهم بالباطل ‏{‏لبئس ما كانوا يعملون‏}‏ أي لبئس العمل كان عملهم وبئس الاعتداء اعتداؤهم‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون‏}‏ يعني‏:‏ هلا كان ينهاهم الربانون والأحبار منهم عن تعاطي ذلك‏؟‏ و ‏{‏الربانيون‏}‏ هم العلماء العمال‏}‏، أرباب الولايات عليهم‏.‏ والأحبار هم العلماء فقط ‏{‏لبئس ما كانوا يصنعون‏}‏ يعني من تركهم ذلك، قاله ابن عباس‏.‏ وقال ابن جرير عن ابن عباس قال‏:‏ ما في القرآن آية أشد توبيخاً من هذه الآية‏:‏ ‏{‏لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون‏}‏، قال‏:‏ كذا قرأ وكذا قال الضحاك‏:‏ ما في القرآن آية أخوف عندي منها إنا لا ننهى‏.‏ وقال بان أبي حاتم عن يحيى بن يعمر قالك خطب لعي بن أبي طالب‏"‏فحمد اللّه وأثنى
عليه ثم قال‏:‏ ‏(‏أيها الناس إنا هلك من كان قبلكم بركوبهم المعاصي، ولم ينههم الربانيون والأحبار، فلما تمادوا في المعاصي أخذتهم العقوبات، فمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، قبل أن ينزل بكم مثل الذي نزل بهم، واعلموا أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقطع رزقاً ولا يقرب أجلاً‏)‏ وروى أبو داود عن جرير قال‏:‏ سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏ما من رجل يكون في قوم يعمل فيهم بالمعاصي يقدرون أن يغيروا عليه فلا يغيرون إلا أصابهم اللّه بعقاب قبل أن يموتوا‏)‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏64 ‏:‏ 66‏)‏
‏{‏ وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين ‏.‏ ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ولأدخلناهم جنات النعيم ‏.‏ ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون ‏}‏

يخبر تعالى عن اليهود عليهم لعائن اللّه المتتابعة بأنهم وصفوه بأنه بخيل كما وصفوه بأنه فقير، وهم أغنياء وعبروا عن البخل بأن قالوا‏:‏ ‏{‏يد اللّه مغلولة‏}‏، قال ابن عباس ‏{‏مغلولة‏}‏ أي بخيلة‏.‏ لا يعنون بذلك أن يد اللّه موثقة، ولكن يقولون‏:‏ بخيل، يعني أمسك ما عنده بخلاً، تعالى اللّه عن قولهم علواً كبيراً‏.‏ وقد قال عكرمة إنها نزلت في فنحاص اليهودي عليه لعنة اللّه، وقد تقدم أنه الذي قال‏:‏ ‏{‏إن اللّه فقير ونحن أغنياء‏}‏ فضربه أبو بكر الصديق رضي اللّه عنه‏.‏ وقال محمد بن إسحاق عن ابن عباس قال، قال رجل من اليهود يقال له شاس بن قيس ‏"‏أخرج الطبراني‏:‏ عن ابن عباس، أن قائل ذلك‏:‏ شاس بن قيس، وأخرج أبو الشيخ أنه فنحاص‏"‏‏:‏ إن ربك بخيل لا ينفق، فأنزل اللّه‏:‏{‏وقالت اليهود يد اللّه مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء‏}‏ وقد رد اللّه عزَّ وجلَّ عليهم ما قالوه وقابلهم فيما اختلقوه وافترواه وائتفكوه فقال‏:‏{‏غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا‏}‏، وهكذا وقع لهم، فإن عندهم من البخل والحسد والجبن والذلة أمر عظيم، كما قال تعالى‏:‏{‏أم يحسدون الناس على ما آتاهم اللّه من فضله‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏ضربت عليهم الذلة‏}‏ الآية، ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء‏}أي بل هو الواسع الجزيل العطاء الذي ما من شيء إلا عنده خزائنه الذي خلق لنا كل شيء مما نحتاج إليه، كما قال‏:‏{‏وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمة اللّه لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار‏}‏ والآيات في هذا كثيرة‏.‏ وقد قال أبو هريرة قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏إن يمين اللّه ملأى لا يغيضها نفقة سحاء الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض، فإنه لم يغض ما في يمينه - قال - وعرشه على الماء وفي يده الأخرى الفيض - أو القبض - يرفع ويخفض، وقال‏:‏ يقول اللّه تعالى‏:‏ ‏(‏أَنفق أُنفق عليك‏)‏ أخرجاه في الصحيحين‏.‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وليزيدن كثيراً منها ما أنزل إليك من ربك طغياناً وكفراً‏}‏ أي يكون ما آتاك اللّه يا محمد من النعمة نقمة في حق أعدائك من اليهود وأشباههم، فكما يزداد به المؤمنون تصديقاً وعملاً صالحاً وعلماً نافعاً، يزداد به الكافرون الحاسدون لك ولأمتك طغياناً وهو المبالغة والمجاوزة للحد في الأشياء ‏{‏وكفراً‏}‏ أي تكذيباً كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد‏}‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولايزيد الظالمين إلا خساراً‏}‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة‏}‏ يعني أنه لا تجتمع قلوبهم، بل العداوة واقعة بين فرقهم بعضهم في بعض دائماً، لأنهم لا يجتمعون على حق وقد خالفوك وكذبوك‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها اللّه‏}‏ أي كلما عقدوا أسباباً يكيدونك بها، وكلما أبرموا أموراً يحاربونك بها أبطلها اللّه ورد كيدهم عليهم وحاق مكرهم السيء بهم ‏{‏ويسعون في الأرض فساداً واللّه لا يحب المفسدين‏}‏ أي من سجيتهم أنهم دائماً يسعون في الإفساد في الأرض فساداً، واللّه لا يحب من هذه صفته، ثم قال جلَّ وعلا‏:‏ ‏{‏ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا‏}‏ أي لو أنهم آمنوا باللّه ورسوله، واتقوا ما كانوا يتعاطونه من المآثم والمحارم ‏{‏لكفرنا عنهم سيئاتهم ولأدخلناهم جنات النعيم‏}‏، أي لأزلنا عنهم المحذور وأنلناهم المقصود، ‏{‏ولو أنهم أقاموا التوراة والأنجيل وما أنزل إليهم من ربهم‏}‏ قال ابن عباس‏:‏ هو القرآن، ‏{‏لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم‏}‏، أي لو أنهم عملوا بما في الكتب التي بأديهم عن الأنبياء، على ما هي عليه من غير تحريف ولا تبديل ولا تغيير، لقادهم ذلك إلى اتباع الحق والعمل بمقتضى ما بعث اللّه به محمداً صلى اللّه عليه وسلم، فإن كتبهم ناطقة بتصديقه والأمر باتباعه حتماً لا محالة‏.‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم‏}‏ يعني بذلك كثرة الرزق النازل عليهم من السماء، والنابت لهم من الأرض، وقال ابن عباس‏:‏ ‏{‏لأكلوا من فوقهم‏}‏ يعني لأرسل السماء عليهم مدراراً، ‏{‏ومن تحت أرجلهم‏}‏ يعني يخرج من الأرض بركاتها، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والارض‏}‏ الآية، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس‏}‏ الآية‏.‏ وقال بعضهم‏:‏ معناه ‏{‏لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم‏}‏ يعني من غير كد ولا تعب ولا شقاء ولا عناء‏.






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس