عرض مشاركة واحدة
قديم 09-03-2014, 03:41 AM   رقم المشاركة : 2
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور


إنها كلمةٌ تتكرَّر في تصرُّفاتنا اليومية، وقد لا تَعني عادةً أن صاحبَها يزهُو بنفسِه،
أو أن لها هدفًا أكثر من أن يُعرِّفَ بنفسِه،
ومع ذلكم كرِهَها النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ ليُؤصِّلَ في أمَّته معنى التواضُع واللِّين،
والنَّأْيِ بالنفس عن أي سبيلٍ من سُبُل الغُرور والإعجابِ
وحبِّ النفس دون ما أباحَ الله للمرء.
وبعدُ، يا رعاكم الله:
فلقد طغَت الأثَرَةُ في كثيرٍ من المُجتمعات، وضربَت بأطنابِها في الأُسرة والجِيران
وساحَة المعرفة، وسوق العمل، فأفرزَت الكسلَ في العمل التطوُّعيِّ،
وأذكَت التنافُسَ في العمل المصلحِيِّ، كما أنها وأدَت الشفاعة ونفعَ الناس،
وأذكَت الرِّشوَة، والغُلولَ، والابتِزازَ.
فإن كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد حرَّم على أمَّته منعًا وهات،
فإن الأثَرَة تُصيبُ صاحبَها بسعَار النَّهَم، وحبِّ التشبُّع، فلا يعرِفُ إلا قول:
هاتِ وهاتِ. وما آفةُ المُجتمعات إلا بمثلِ ذلكم.
قال ابنُ القيم - رحمه الله -:
[ وليحذَر كلَّ الحذَر من طُغيانِ: أنا، ولي وعندي.
فإن هذه الألفاظ الثلاثة ابتُلِيَ بها إبليس، وفرعون، وقارون،
فـ { أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ }
[ الأعراف: 12 ]
لإبليس،
و{ لِي مُلْكُ مِصْرَ }
[ الزخرف: 51 ]
لفرعون،
و{ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي }
[القصص: 78] لقارون ]
اهـ كلامُه - رحمه الله -.
فيا للهِ؛ ما أعظمَ هديِ نبيِّنا وقُدوتنا - صلى الله عليه وسلم -،
وهو يُرشِدُ أمَّتَه ألا يُقابِلُوا الأثَرَة بأثَرَةٍ مثلِها، فيُقابِلُوا الداءَ بالداء،
وإنما أرشدَهم إلى ما تسمُو به النفسُ، ويتحقَّقُ به صالِحُ الأمة والمُجتمع الواحِد.
وهو - صلى الله عليه وسلم - لا يدلُّ إلا إلى الخير، ولا يُحذِّرُ إلا من الشرِّ،
فقد قال - صلوات الله وسلامه عليه -:
( إنكم سترَون بعدِي أثَرَةً وأمورًا تُنكِرونَها
قالوا: فما تأمُرُنا يا رسول الله؟
قال: أدُّوا إليهم حقَّهم، وسلُوا اللهَ حقَّكم وفي روايةٍ:
فاصبِروا حتى تلقَونِي )
رواه البخاري.
باركَ الله لي ولكم في القرآن والسنة،
ونفعَني وإياكم بما فيهما من الآياتِ والذكرِ والحكمة، قد قلتُ ما قلتُ،
إن كان صوابًا فمن الله، وإن كان خطأً فمن نفسِي والشيطان،
وأستغفرُ الله لي ولكم ولسائر المُسلمين والمُسلمات من كل ذنبٍ وخطيئةٍ،
فاستغفِروه وتوبوا إليه؛ إنه هو الغفورُ الرحيم.
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة


الحمد لله على إحسانِه، والشكرُ له على توفيقِه وامتِنانه.

أمابعد ....

فإن الإسلام - عباد الله - لا يذُمُّ شيئًا إلا ويمدحُ ضِدَّه،
فإذا ما ذُمَّت كلمةُ "أنا" في مواطِنِها التي لا تليقُ بها،
فإن ثمَّة مواطِن تُمدَحُ فيها كلمةُ "أنا":
فإن كلمة "أنا" في مقام الإصلاح بينها وبين كلمة "أنا"
في مقام الإفساد والكِبر والغُرور كما بين الثَّرى والثُّريَّا. فحسنٌ قولُ من قال:
{ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ }
[ النمل: 40 ]
استجابةً لأمر نبيٍّ من الأنبياء.
وحسنٌ قولُ من قال:
{ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ }
[ يوسف: 45 ]
سعيًا منه في تفسير مُعضِلةٍ أحلَّت بهم.
وحسنٌ قولُ من قال:
{ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ }
[ النمل: 39 ]
استِحضارًا للأمانة والمصلحة العامَّة؛
لأن شيئًا من تلكُم الأمور لم يكُن لمصلحةٍ شخصيَّة
تُقدَّم فيها مصلحةُ النفسِ على المصلَحةِ الأعمِّ.
وهذا هو ما يُسمَّى بالإيثار الذي امتدَحَه الله بقولِه:
{ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ }
[ الحشر: 9 ]
فربما تنازلَ المرءُ عن مصلحَته لتحقيقِ المصلحة الأعمِّ،
وتلك خصلةٌ لا يُوفَّقُ لها إلا من رحِمَ الله وأسبغَ عليه نِعَمَه ظاهرةً وباطنةً،
وذلك فضلُ الله يُؤتيه من يشاءُ، والله ذو الفضلِ العظيمِ.
ففي "صحيح البخاري" أن النبي - صلى الله عليه وسلم –
قال للحسن بن عليٍّ - رضي الله تعالى عنهما -:
( إن ابنِي هذا سيِّدٌ، ولعلَّ الله أن يُصلِحَ به بين فِئتَين من المُسلمين عظيمَتَين )
وقد وقع ذلك بإيثارِ الحسن بن عليٍّ الخلافةَ ليجعلَها لمُعاوية
كاتِبِ وحيِ النبي - صلى الله عليه وسلم -، ورضِي الله عنهم أجمعين.
وهنا يتجلَّى الإيثارُ، وكبت حُظوظ النفس ومصلَحَتها
حينما تُعارِضُ مصلحةَ المُسلمين العامَّة، فتُحقَنُ بها الدماءُ، وتُجمعُ بها الكلمةُ.
وقد ذكر أهلُ السِّيَر على وجهِ الاستِحسان قصةَ عبد الله بن حُذافَةَ السَّهميِّ
حينما وقعَ أسيرًا هو وبعضُ الصحابة في قبضة قيصر الرُّوم، فسامَه سُوءَ العذابِ،
إلى أن قال له قيصر: هل لك أن تُقبِّلَ رأسي فأُخلِّيَ عنك ؟
فقال عبدُ الله: وعن جميع أسرَى المُسلمين ؟
قال قيصر: وعن جميعهم.
فقال عبدُ الله بن حُذافَة في نفسِه:
عدُوٌّ من أعداء الله أُقبِّلُ رأسَه ليُخلِّيَ عن أسرَى المُسلمين، لا ضيرَ في ذلك.
فقبَّلَه، فأطلقَ له الأسرى.
فلما علِمَ الفاروقُ - رضي الله تعالى عنه - بذلك
قبَّل رأسَ عبد الله بن حُذافة - رضي الله تعالى عنهم أجمعين -.
هكذا هو الإيثارُ الذي يئِدُ الأثَرَة في مهدِها،
يعيشُ بها المرءُ شمعةً يُضِيءُ بها أهلَه ومُجتمعَه، ينبِضُ قلبُه وتطرِفُ عينُه،
ولا يغيبُ عنه قولُ المُصطفى - صلى الله عليه وسلم -:
( لا تحاسَدوا، ولا تناجَشُوا، ولا تباغَضُوا، ولا تدابَرُوا،
ولا يبِع بعضُكم على بيعِ بعضٍ، وكُونوا عبادَ الله إخوانًا )
رواه مسلم.






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس