عرض مشاركة واحدة
قديم 04-08-2004, 12:14 AM   رقم المشاركة : 1
أشرف محمد كمال
( ود فعّال )
 
الصورة الرمزية أشرف محمد كمال
 






أشرف محمد كمال غير متصل

الصرخــــة 00(وا معتصماه)

[l]

الصرخـــــــة


… غريباً أنه كان يتصور نفسه بعيداً عن دائرة الأحداث.. فلم يأت فى حياته أى حدث ما يثير الانتباه.. ويجعله يستنفر قواه.. كان دائماً هادئ الطباع.. قليل الاحتكاك بدروب الحياة.. كان عالمه الخاص الذى يحيا فيه.. وينظر إلى الناس حوله من خلاله.. عالم البلاد المحجوبة.. عالم العدل والمساواة.. عالم الخير والسلام والمحبة.. لم يكن يعرف الكثير عن الألوان.. بل كان يرى كل ما حوله من خلال منظور هواه.. ومن خلف زجاج نافذته.. كان يسمع ما بين الحين والحين.. عن تلك الشرور المحيطة بعالمه.. لكن لم يكن يستطيع أن يستوعب الفكرة أو أن يتصور صورتها.. كان يحسبها خيالات فنان.. أو لا تعدو أن تكون مبالغات العامة من الناس..لم يكن يتصور أنها ضرورة من ضرورات الحياه00لابد من وجودها حتى تكتمل الصورة.. كان يتصورها خطأ غير مقصود.. ومن الممكن إصلاحه.. لكن فاته أن ينظر إلى نواميس الكون أجمعين.. لابد من قطبين للصراع.. بين شقى الرحى.. لابد للحبل من طرفين.. لابد أن تتنازعنا الأهواء.. حتى نصل إلى مرحلة الاتزان.. أو يغلبنا أحد الاتجاهين.. فنخسر أو نفوز فى المعركة.. كان عليه أن يعرف الدرس.. ويعى الحكمة.. لكن أنّى يتسنى له ذلك وهو حبيس جدران حجرته فى ملكوته.. يحكم عالمه الذى يتكون من نفسه وأفكاره..!! بالحب والتراحم والإخاء.. عالم بلا أخطاء..
إلى أن جاء ما زلزل كيانه وأيقظ وجدانه.. فجعله ينتفض من غيبوبته.. ويخرج من عزلته.. وينطلق يعدو خارج أسوار حجرته.. بغير هدى.. أو أن يعرف لوجهته هوية.. انطلق يلبى نداء تلك الصرخة.. التى سمعها (المعتصم)..
ذهب ليحرر الخير من براثن الشر.. ويطلق عقال ثورته من مكمنها.. ذهب ليعيد الحق إلى أصحابه.. ويمحو خطأ فكرته.. بعد أن اهتز عرشه من جراء تلك الصرخة التى جاءت مدوية فى أذنيه.. تدعوه أن ينتبه من حلمه.. أن يثبت وجوده.. وأن يتغلب على الخوف داخله..
… كان عليه أن يواجه الشر وجهاً لوجه.. ولأول مرة..!! ويواجه أسلحته وهو أعزل منها بحكم نشأته.. كان عليه أن يثبت رجولته.. حتى ولو كان الثمن حياته..!!
وقف صامتاً.. صامداً.. شجاعاً.. أمام نصل خسته.. أخذ يُعمل فكرة ليواجه شبح الشر الماثل أمامه.. والذى طالما أنكر وجوده..
تعجب من كونه لا يخشاه بقدر خشيته هو منه.. وتعجب من قوته.. وضعفه هو.. إنه جبان.. أجبن من أن يظهر فى النور.. أجبن أن يصمد أمام المواجهة.. لكنه يتستر وراء قناع الشجاعة ويحتمى بمديته.. يلوح بها فى يده.. أخذ يحث نفسه ويحمسها.. لو خسر معركته هذه.. لخسر نفسه وتقوض عالمه.. يجب أن يثبت أن الخير من ينتصر دوماً.. لأن الحق يؤيده..!!
لماذا لا تُقطع يد الشر حتى لا تمتد به مرة أخرى..؟! لماذا نجعله طليقاً ليعسى فساداً مرة ثانية..؟!! لماذا لا نجتث تلك النبتة الخبيثة من جذورها..ونمنحها الفرصة لتبث سمومها من جديد وتشوه الصورة..؟! لماذا نتمسك بقوانين بالية ونتخلى عن الشرائع السماوية..؟! لماذا نورث الشر جيلاً بعد جيل..؟! يجب أن نحاربه ونواجهه ونضرب عليه بأيد من حديد..؟!
… استجمع قوته.. ووجه إليه ضربته..
فبهت أمام ردة فعله.. وكأنه لم يكن يتوقعها..!! وشدد من قبضته على مديته.. وكأنه يلتمس منها العون ويستمد منها قوته..
تقدم منه فى ثبات..
فتراجع أمامه مذعوراً..
أمسك بأذرع الشر المرتعدة الخائفة.. شل حركته..
حاول التملص هارباً..
اعتصر قبضته.. تلاقت نظراتهما.. نظرته الواثقة والنظرة الزائغة الخائفة الآثمة.. حاول أن ينتزع سلاحه منه..
قاوم فى استماتة.. دفعه يأسه أن يدفع بنصل مديته نحو صدره.. كمحاولة أخيرة للفرار..
حادت الضربة لتصيب ذراعه.. التهبت أوتار مشاعره.. زادته الدماء الحارة التى تسيل على يديه هياجاً..
استجمع إصراره.. انتزع المدية من يده.. بإمكانه الآن أن يمزقه إرباً.. لكن يده الجريحة هذه لم تمتد بالشر أبداً..
لن يسمح لشياطين الشر أن تهزمه.. لقد انتصر فى الجولة الأولى.. فكيف يُهْزَم فى الثانية..‍‍!! سيتغلب على روح الانتقام ويكبح جماح ثورته ويترك العدالة تأخذ مجراها.. لابد ألا يفقد أبداً مبادئه وإيمانه.. وعاد المارد مرة ثانية داخله.. ورجع إلى حجرته.. ينتظر صرخة أخرى كى تحرره من معقله..!!






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة


white heart