عرض مشاركة واحدة
قديم 02-03-2014, 01:03 AM   رقم المشاركة : 2
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

أيها المسلمون:
أمَّتُنا المسلمة العظيمة المُمتدَّةُ في التاريخ عُمقًا، وفي الرِّيادة عُلُوًّا،
المُتسيِّدة على الدُّنيا حِينًا من الدَّهر، قدْرُها وقدَرُها أن تبقَى في الصَّدارة دومًا؛
إذ هي خاتمةُ الأُمم، وتمام الشرائع، والشاهِدةُ على الناس كافَّة،
ووارِثةُ الشرائع السماوية والدين الحقِّ.
استقرَّت الدنيا حين سادَت، ونعِمَ الناس بالعدل حين حكَمَت،
وهُدِيَ الناس لخالِقِهم حين دَعَت وأرشَدَت،
واتَّصَلَت الأرضُ بأسباب السعادةِ إلى السماء،
وكان المُسلِمون حينَها برِيَادة أُمرائِهم وعُلمائِهم وذوِي الرأيِ فيهم على وعيٍ
بحقيقةِ أمَّتِهم وقدرِها، ضحَّوا وصبَروا وصابَروا،
فنَعِموا ونعِمَت أمَّتُهم والناسُ كافَّةً بثمرة هيمَنَة الدين الخاتم
حتى وصلَ الأثرُ للبهائِم والطير والنباتِ.
واليوم وقد اختلَفَت الموازِينُ، وطغَت حضارةُ الآلةُ على حضارة الإنسان،
وتسيَّدَت المصالِحُ وتَوارَت الأخلاق، ووهَنَ كثيرٌ من حمَلَة هذا الدين،
وأدرَكهم داءُ الأُمم قبلَهم، وقصَّر كثيرٌ من حُكَّام المُسلمين؛ أصبَحَت هذه الأمةُ مِزَعًا،
وأمرُهم فُرُطًا، ذهبَت رِيحُهم، وخبَت نارُهم، وتضعضَعَت بين الأُمم كلمتُهم.
فأصبحَ الناسُ ينشُدون الهُدى عند غيرِهم، ويبتَغون الرَّشاد عند سِواهم،
وعوَّلُوا كثيرًا على ما أنتَجَته حضارةُ المادَّة، وعُصارة الفِكر الحديث،
فما زادَهم ذلك إلا تِيهًا فوق تِيه. والعزاءُ في ذلك العَثار
هو أن الداء ليس في الدين نفسِه، وإنما في كثيرٍ من حمَلَته.
فلم تنطَفِئ الشُّعلةُ وإنما كلَّ حامِلُها، ولم تغِب الشمسُ وإنما عمِيَ البصير؛
فهذا الدينُ عصِيٌّ على الفناء، لا يقبلُ الذَّوَبان وإن ذابَ بعضُ أتباعه
وإذا قصَّر في حقِّه جيلٌ أتى الله من بعدِهم بأجيال.
كلُّ هذا وغيرُه يقتَضِي منا وقفةَ تأمُّلٍ نتدبَّرُ فيها طريقَ الخلاص،
وخُطَّةً مُثلَى للنهضَة بأمَّتنا، وتجنِيبِها الفتن والحروب، والفقر والحاجَة،
والمرض والجهل .
إن الصراعَ بين الأُمم اليوم ليس صِراع مُغالبَةٍ فحسب؛
بل هو صراعُ بقاءٍ أو فناءٍ، أن تكون أو لا تكون !
في زمن عولَمة الفِكر والثقافة قبل عولَمة الاقتصاد والسياسة،
في زمن هيمَنة القُوى وفرض الرأي بالقوة
فالتضامُن بين المُسلمين في هذا العصر ضرورةٌ للبقاء، والعالَمُ حولنا يتكتَّلُ،
ولا يحترِمُ إلا الأقوياءَ المُتَّحِدين.
إن الشعوبَ الإسلامية لا تُريد غيرَ الإسلام عقيدةً تُؤمنُ بها، ونظامًا يحكمُها،
ودينًا يجمع شتاتَها، وأُخُوَّةً تُوحِّدُ صفوفَها، وعملاً صادِقًا يُحقِّقُ أهدافَها،
وعدالةً تسودُ مُجتمعاتها، ومُساواةً تنتظِمُ طبقاتها؛ لتعيشَ في سلام، وتعبُد الله في أمان
أيها المسلمون :
التكاتُف والتعاوُن فِطرةٌ في الخلق، ومبدأٌ إسلاميٌّ أصيل، وأمرٌ إلهيٌّ جليل
{ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ }
[ المائدة: 2 ]
وقال - عزَّ من قائلٍ -:
{ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا
وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا
وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا
كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }
[ آل عمران: 103 ].
وقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -:
( مثَلُ المُؤمنين في توادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفِهم
مثَلُ الجسَد الواحِد إذا اشتَكَى منه عضوٌ تداعَى له سائرُ الجسَد بالسَّهَر والحُمَّى )
أخرجه الشيخان
وقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -:
( المُؤمنُ للمُؤمن كالبُنيان يشُدُّ بعضُه بعضًا )
متفق عليه.
وفي "مسند الإمام أحمد" بإسنادٍ حسنٍ:
قال - صلى الله عليه وسلم -:
( الجماعةُ رحمةٌ، والفُرقةُ عذابٌ )
وأولُ شيءٍ فعلَه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بعد مُهاجَره إلى المدينة:
أن آخَى بين المُهاجِرين والأنصار، وتكرَّرَت الآيات والأحاديث في الحثِّ على الاجتماع
ونبذ التفرُّق، ومع أنه مأمورٌ شرعًا إلا أنه مُتحتِّمٌ عقلاً.
فالاختلافُ من عدم العقل، قال الله - عز وجل -:
{ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ }
[ الحشر: 14 ]
وقد عذَّب الله قومًا بالتِّيه والشَّتَات أربعين سنةً يَتيهُون في الأرضِ.
عباد الله :
إن هذه الأمة المسلمة تملِك إرثًا تاريخيًّا وحضاريًّا في الاتِّحاد والاجتِماع،
وتملِك من مُقوِّمات الوحدة أكثر من غيرِها، ولقد جرَّبَت طُرقًا تائِهة، وأنفاقًا مسدودة،
وسُبُلاً مُظلِمة، فلم تنجَح في ذهابِها، ولم ترشُد في إيابِها.
إن على الأمَّةِ الإسلاميَّةِ أن تسعَى بكل صِدقٍ وإخلاصٍ إلى التمسُّكِ بأسبابِ بقائِها كأمَّةٍ،
وأن تعود إلى سبب رِيادَتها وإلى ذاتِ رِسالتِها.
إننا نطمَحُ أن يُبادِرَ المعنِيُّون من رجالِ الحُكم والدعوة والسياسَة والاقتِصاد،
والتربية والاجتماع في عالمنا الإسلاميِّ إلى تبنِّي ذلك، والدعوة إليه بصِدقٍ وإخلاصٍ،
وعزيمةٍ وإرادةٍ، حتى تقتَعِدَ أمَّتُنا مكانَها اللائِقَ بين الأُمم،
وتُحقِّق إخبارَ الله - عز وجل - في كتابه الكريم:
{ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ
تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ }
[ آل عمران: 110 ]
والعالَمُ يشهَدُ إفلاسَ القِيَم الغربية، وتهاوِي الأنظِمة الوضعيَّة، وكثرة المآسِي الإنسانيَّة،
وإهدار الكرامَة الآدميَّة، إضافةً إلى دعمٍ لدعواتٍ عُنصريَّة، ومواقِف طائفيَّة،
تسفِكُ دماءَ المُسلمين، وتشُقُّ صفوفَهم، وتُبدِّلُ دينَهم،
وتجتَرُّ عداواتِ الماضِي وأحزان السالِفِين، وتُجذِّرُ للعداوات والانتِقام.
ويزيدُ شَتاتَ المُسلمين ثوَرَان حُمَّى التصنيف، وكثرة الانتِسابات،
حتى كادَ الاسمُ الشريفُ لأفراد الأمة - والذي هو "المسلمون" –
يذوبُ في بحر الانتِسابِ للطوائِف والأحزاب والجماعات، ما بين مُنسِبٍ بإرادتِه،
أو منسوبٍ رغمًا عنه، في تفتيتٍ للمُفتَّت، وتفريقٍ للمُفرَّق،
حتى صارَ المُنشغِلون بتصنيف المُسلمين يُصنِّفُونَهم على كلمةٍ مُحتملَة،
أو خطأٍ في فهم المُصنِّف نفسِه، مُضيفين طعَنَاتٍ للجسَد الجريح.
إن هذا يتطلَّبُ من المُسلمين جميعًا أن يُدرِكًُوا عِظَم المسؤوليَّة،
وأن يُحافِظُوا على ما بقِيَ لهم من أوطانِهم واجتماعِهم،
وأن يشرَعوا في التضامُن فيما بينهم، وتقريب شُقَّة الخلاف،
والعمل الجادِّ الدَّؤُوب للسَّير في طريق الوحدة على هديٍ من الكتابِ والسنَّة،
مع فهمٍ لمُجرَيَات العصر، وتقدير ظُروفِه،
والتحرُّك بخُطًى ثابتةٍ بعيدةٍ عن الارتِجال ورُدودِ الأفعال،
والتعامُل مع الأحداث والوقائِع بأسلوبِ العصر ومنهَج الشرعِ
{ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ }
[ الأنفال: 1 ]






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس