عرض مشاركة واحدة
قديم 17-07-2010, 06:52 AM   رقم المشاركة : 15
مـعانق الـظلام
( ود نشِـط )
 
الصورة الرمزية مـعانق الـظلام
 





مـعانق الـظلام غير متصل


F.A.i.S.A.L

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة


إنه مِن أعـزّ أصدقائي , إنه رجُـل , ذلِك الذي إسمه ( فيصـل القحطانـي
) ..

كان طيِّبُ القلب . بشوش الوجه . دائِماً مُبتسِم .. لم أراه يوماً قاطِب جبينه أو حزين أبداً . مبد
أه في الحياة البساطة .. متواضع جِدَّاً جِدَّاً برغم شهرته بأوساط المجتمع . كنت أفتخر بِه حينما أسير معه .. كان لي شرف أخوَّته ..
كريم ويسابِق الخير لكي يخدم الجميع .. لا يترك فرضاً واحِداً للصلاة , كنت أراه دائِماً في المسجد وقت الفجـر ولست مزكّي له فيما لا أراه به ..
كانت صداقتنا منذ الطفولة , منذ أ وَّل ما خطوت قدماي على تراب الـ " دريدي " ..

كُنا في المدرسة . وخارج المدرسة .. ضحكنا سويَّةً وشاكسنا أيضاً ..
ولكِن بعدما وصلنا إلى المرحلة الثانويـة . بدأت ألاحِظ بأصدقاء جدد في حياته وهذا ماجعلني أخاف عليه من تأثير أصدقائه عليه , أو ربما سيتغيَّر ..
ولكِن لم يتغيَّر أبداً محافظ على أصالته معي لنبدأ مشاكساتنا لنملأ الدنيا سعادة ونوزِّع للنَّاس إبتسامات المحبَّة لكل من يقابلنا ..
كان يأخذ مني المشورة في إتخاذ القرارات كنت أقبل بعضها وأعترض على أشياء ستؤذيه كنت أخاف عليه كأخي ..
لانرتاح ساعة حينما لانرى بعضنا في اليوم , نخرج سويَّة في وقت العصر ونعود للبيت بعد صلاة العشاء ..
بدأت أرى صديقي يبتعد قليلاً لإنشغاله مع أصدقائه الجدد , فحز بخاطري هذا الشعور كنت أنظر إليه بنظرات العتاب بِلا شعور , ولا أعاتبه بأي كلمة وهو يشعر بنظرتي بأني غير راضي على ذلك ..
أصدقائه ليس بهم شيء , فليسوا أصدقاء سوء .. ففيصل لا يماشي إلا الطيّبون
ولكِن كان إحساسي عنهم لا أعرف كيف متهوّرين ومستهترين قليلاً ..
أتى يوماً إلي بعد غياب برغم لهفتي له ولكِن نفسي تعاتبه مجرَّد نظرات حزينه تجاهه . سألني يوماً :- لماذا تنظر إلي هكذا؟! ..
فقلت له :- لا أريد ان أتكلَّم , أنت تعرفني من نظرتي فقط ..
فقال :- أريدكَ أن تتكلَّم . فأنتَ دائماً أتعلَّم منك وآخذ منك المشورة ..
فغضبت عليه وقلت :- تريد مني المشورة وأنت لاتعمل بِها ؟! هاه ؟! ..
أنت تماشي أصدقاء مستهترين . لاحظت عليك وانت تركب معهم وتلك السرعة الجنونيَّة السخيفة في الشارع , دع عنك المراهقة وعد كما كنت .. فلن يأتي يوماً أحداً منهم سينصحك . أو سيحزن لحزنك . إنهم فقط يريدون الضحك والإستمتاع لا أكثر .. فيصل أنتَ صديق عزيز وأخ غالي علي لاتلوِّث أفكارك بمصاحبتهم ..
تركهم فيصل أياماً مِن أجلي ورضيت عليه . ففيصل لديه أصدقاء كثر ولكِن هؤلاء المجموعة مِن أصدقائه لم أرتاح لهم ..
وعدنا كالسابق نتمشَّى في ليالي قريتنا ونذكر بعض المواقف ونضحك ..
وذات يوم أتى أحد أصدقائه بسرعته المتهورة كالعادة وتلك السيارة التي متحمَّله معاناة السرعة والصابرة لتلك الخدوش وغيرها وأستأذنني بأخذ فيصل معه وابتسمت بإبتسامة منكسرة وعدت إلى البيت ..
كنت قلقاً عليه لا أرتاح إلا حينما يعود إلى بيته ..
فيوم من الأيام رأيته قبل أذان الفجر كان ينتظرني كالعادة . فقد كنا نجلس عند المسجد قبل أذان الفجر بعشر دقائق نتحدَّث سويَّة . جلست معه بعدما ألقيت السلام وقال لي :- لاتزعل علي ياعبدالله ..
فقلت له :- لن أعاتبك بعد اليوم . فكلمتي ونصائحي لا أكررها أكثر من مرّتين هذه حياتك وانت حر ..
تقبَّلت أن أتنازل عن هذا الإحساس .. إحساسي بأخوّتي له , ودخلنا المسجد على أذان الفجر لنصلي .. فنحن بعد الصلاة نخرج ونتمشَّى قليلاً ونذهب بعدها إلى بيوتنا ..
ذات يوم كالعادة على أذان الفجر , قابلتني سيّارة متهورة لينزل صديقي فيصل منها وقال لي :- أرجوك عبدالله قل لصديقي أن يصلي . إنه لايريد الصلاة ..
ابتسمت وقلت له : قل له انت فهو صديقك ..
فقال لي وهو منزعج :- تعبت معه ..
فوقفت عند باب السائق وسلّمت على صديقه وقلت له مبتسماً :- صلي يالغالي ماراح بتاخذ من وقتك عشر دقايق وبعدها ارجع منطقتكم ..
بعدها نزل صديقه من السيارة ليصلي معه .. رأيت السعادة في وجه فيصل وأنا سعدت بذلك ..
بعد الصلاة كالعادة أتاني يهرول .. عبدالله , عبدالله ..
لم ألتفت إليه . فقال لي :- وقِّف شوي ..
فوقفت ملتفتاً إليه وقال :- وش فيك تغيَّرت علي ؟! .
فقلت له :- ماتغيَّرت ولا شي بس أبي أرجع أنام .
فقال لي :- طيِّب وش رايك اليوم تروح معنا نتمشَّى بالدمَّام أنا وأصدقائي ..
نظرت إليه بنظرة حادة :- انت مِن جدِّك تتكلَّم ؟! . يصير خير ..
واشحت وجهي عنه وبعدت عنه قليلاً وانا ذاهب إلى البيت ولحق بي وقال لي :-
اليوم الساعة 4 العصر بعد الصلاة بتروح معنا ..
وكذبت عليه قائلاً :- اليوم أنا مشغول سأذهب إلى مقهى الإنترنت لديَّ قصَّة أريد أن أكمِل كتاباتها ..
فقال لي :- سأنتظرك .
حينما قال لي هذه الكلمة :- علّقني ..
وذهبت إلى البيت وأنا أفكِّر بهذه الكلمة ..
في الساعة الـ 3 والنصف عصراً بعد الصلاة رأيته حزيناً على رحيل أحد مِن رجال قريتنا قد مات وقال لي , آه راح فلان وفلان ماندري بكره من بيموت ..!
قلت له :- اذكر ربِّك كلنا بنموت مايبقى إلا وجهه سبحانه ..
فقال لي :- هاه بتروح معنا والا لا؟ ..
فقلت له :- لا والله قلت لك مشغول اليوم ..
رأيت وجهه قد تضايق قليلاً لأني دائماً يفرح بمرافقتي معه ..
عدت إلى البيت وتذكَّرت ملامحه كانت حزينة .. وبدّلت ملابسي لأتوجَّه إلى بيتهم
وسألت إخوانه عنه فقالوا : لقد ذهب مع أصدقائه قبل خمس دقائق ..
لم يكن لدينا هاتف ( جوَّال ) في ذلك الوقت ..
لأن كان الجوَّال في ذلك الوقت باهض الثمن , عدت إلى البيت ألوم نفسي . كنت أشعر بأني يجب أن أكون معه في هذا الوقت ..
سبحان الله هذا كان إحساسي .. كان يوم الخميس نعم أتذكر يوم الخميس العصر ..
كان هناك ليلة حفل زفاف لأحد أبناء عمومتي ألا وهو ( خيـَّال الأدهـَم ) لم أذهب لأني لا أحب التكلّف والمناسبات ..
فجلست في البيت أنتظر عودة فيصل ..
أوَّل مرَّة أنتظر فترة طويلة بعودته . سألت أحد إخوانه :- فيصل لحتَّى الحين ماجا ؟
فهو لم يأتي برغم أنه يتأخر في يوم الخميس . لكن إحساسي كان غريب ولا أعلم ماهو هذا الإحساس الذي أتاني ..
عدت إلى البيت أتابع الأفلام المُمِلَّة والمسلسلات السخيفة أنتظر عودة فيصل ..
عند الساعة الواحِدَة صباحاً . أتى إلي أحد إخواني ليفاجأني بخبر صدمني ..
أخي :- صحيح فيصل مات ؟! ..
إلتفت إليه سريعاً برغم كنت أشعر من يوم الخميس بأكمله بشعور غريب عن فيصل كنت بهذا اليوم بالذات أخاف عليه ..
فقلت :- وش تقول ؟! . الله يهديك فيصل مات؟
من وين هالكلام؟
قال :- ما أدري توني جاي من عرس ولد العم وسمعت شباب يقولون بأنه فيصل حنش مات ..
لَم أصدِّق وضحكت وقلت :- اليوم مصلي عليه معاه صلاة الفجر والعصر والرجال رايح يتمشى مع اخوياه حرام عليك ..
فقال لي :- صار له حادث مع صديقه ومات وهذا اللي سمعته من الشباب ..!
أنا وشحت وجهي عن أخي ولَم أهتم كنت أتابع التلفزيون ..
بعدها لَم أرتاح فذهبت إلى أخي عبدالمجيد وقلت له :- ممكن تروح عند بيت حنش تشوف هل فيه شي غريب برَّى البيت ؟
فراح أخوي وأتى إلي وقال :- عادي البيت هاديء وطبيعي ولكن شفت ابوه جالس برّى شكله يحاتي فيصل من التأخير كالعادة ..
أنا إنقبض قلبي ..
لَم أستطع أن أنام في تلك الليلة ..
لم يهدأ بالي كنت أنتظر صلاة الجمعة لكي أتأكَّد .
بعد صلاة الجمعة أتى إلي أحد الأصدقاء وسألني سؤال :- صحيح فيصل مات ؟
فهو لم يسألني إلا لأنني صديقه وأتى الآخر مِن الأصدقاء وسألني نفس السؤال ..
شعرت لم أستطع أن أقف على رجلي . شعرت بقلبي قد هبط إلى قدماي ..
فوجدت إثنان من الأصدقاء وكلّهم مذهولين فقلت لهم :- فيصل مامات حرام تطلقون عليه إشاعات وتفاولون عليه خلّونا نروح بيته الحين وأأكد لكم..
فقالوا لنذهب . وذهبت معهم وأنا كل ما أقتربت وأنا أمشي إلى بيتهم كل مرة قلبي يخفق ويخفق.
وإذا الطَّامَة الكبرى رأيت بيتهم حشود في الخارج والسيَّارات وواحِد مغطّى وجهه بالشماغ يبكي .
وقد كنت وسط اصدقائي الاثنان فسقطت على ركبتي في الرمل وأمسكوني فلم أستطع الوقوف .
كنت خائِفاً أن يكون الكلام صحيحاً ..
فوقفت وسقطت مرَّة أخرى مع مساعدة أصدقائي أن يحملوني من جديد وقلت ودمعتي على خدّي : لالا فيصل مامات دخلوني داخل دخلوني المجلس ..
ووجدت كل أهله يبكون وقبضت يدي بيد أحد أصدقائي لكي لا أسقط وعزّيتهم من غير شعور هل أبكي أو لا فلَم أصدِّق من الصدمة ..
ومسكت أحد إخوته وقلت له : فيصل مات؟؟؟؟
فقال وهو يبكي : نعم ..
فلم أستطع أن أتمالك نفسي وقلت لأصدقائي :- أرجوكم ودّوني البيت ما أقدر أمشي ..
فوجدت والدي ودمعته تسيل على خدّه لايستطيع كيف يقوم بواجب تعزيتي لأنه يعرف بأنه صديقي الحميم فقال : عظّم الله بموت أخوك فيصل ..
أخذ رأسي يثقل من حرارة الحزن الذي في داخلي ..
وأجهشت بالبكاء بجنون إلى أن تورمت عيناي فقد مات بحادث أليم بسبب السرعة ..
هذا ماكنت أخشاه عليه فقد حصل :- ليش يافيصل ماتطيع كلامي وش قلت لك من قبل ..
وأخذت بالقرآن لأقرأ على روحه قبل صلاة العصر لكي أذهب للصلاة عليه فلم أجد جثّته ..
فاستغربت فلم يدفنوه في منطقتي ..
منطقتي التي انولد وترعرع بها . فبكيت من حزني فكيف الآن أعرف مكان قبره ..!
فقد دفنوه في ( عنـك ) وأنا لا أعرف أين مكانه ولا أستطيع أن أسأل أخوته لعدم تذكيرهم بالحزن لمراعاة شعورهم فهم يحبونه كثيراً ..
أصبحت ألتفت دائِماً إلى مكانه فرأيت شخصاً أصبح يجلس مكانه دائِماً في ركن المسجد كعادة فيصل يكون شماغه من الجانب لايُرى وجهه فقد كنت أظنه بأنه فيصل ولَم يمت فذهبت مسرعاً إليه فقلت فيصل ؟؟؟؟
فأصبح شخص ثاني ..
فقد مكثت على هذه الفترة عن طيف صديقي لمدَّة شهرين أرى كل الناس هو ولم أصدّق بأنه مات ..
أما الآن فأنا أذكره كل سنة فلا يأتي شهر من غير لا أذكره وأترحَّم عليه وأدعي له في صلاتي والحمدلله ..
دائِماً أذكر إبتسامته وهرولته للصلاة وأخلاقه العالية فقد تعلّمت أسرار محبَّة الناس له وأصبحت أسير على خطاه ..
صحيح لا أحب أن أرى وجه أخوه الكبير كثيراً لأنه يذكّرني بفيصل فأنا لا أنظر كثيراً إلى وجه خالـد أخوه الكبير للسبب هذا ..
وبسبب أيضاً مشاعري الحسَّاسة لا أستطيع أن أمكث طويلاً حينما يكون أخوه الكبير في نفس المكان الذي أجلس فيه ليس لأجل شيء .
ولكنه يذكرني بصديقي فيصل وأخشى أن أبكي لا شعورياً ..


رحمك الله يافيصل وأسكنك فسيح جنّاته سأدعوا لك دائِماً صدّقني لم لن أنساك مهما حييت ستكون ذكراك الطيبة في لساني فأنا دائِماً أذكر خصالك الجميلة للذين يعرفونك والذين لايعرفونك ..
فسامحني إن أخطأت بحقّك يوماً أو قسيت عليك يا أعز إخوتي وأصدقائي ..


أخوك وصديقك الوفي :-/ عبدالله العوَّاد

كتب في تاريخ 29/10/2008
الساعة 11 صباحاً ..