عرض مشاركة واحدة
قديم 11-05-2014, 04:02 AM   رقم المشاركة : 17
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏122‏)‏
‏{‏ أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون ‏}‏
هذا مثل ضربه اللّه تعالى للمؤمن الذي كان ميتاً أي في الضلالة هالكاً حائراً، فأحياه اللّه، أي أحيا قلبه بالإيمان وهداه ووفقه لاتباع رسله، ‏{‏وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس‏}‏ أي يهتدي كيف يسلك وكيف يتصرف به، والنور هو القرآن، كما روي عن ابن عباس، وقال السدي‏:‏ الإسلام، والكل صحيح، ‏{‏كمن مثله في الظلمات‏}‏ أي الجهالات والأهواء والضلالات المتفرقة ‏{‏ليس بخارج منها‏}‏ أي لا يهتدي إلى منفذ ولا مخلص مما هو فيه‏.‏

وفي الحديث عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏إن اللّه خلق خلقة في ظلمة، ثم رش عليهم من نوره، فمن أصابه ذلك النور اهتدى، ومن أخطأه ضل‏)‏ ‏"‏رواه أحمد في المسند‏"‏، كما قال تعالى‏:‏{‏اللّه ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏أفمن يمشي مكباً على وجهه أهدى أم يمشي سوياً على صراط مستقيم‏}‏‏؟‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏مثل الفريقين كالأعمى والأصمّ والبصير والسميع هل يستويان مثلاً أفلا تذكرون‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وما يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور وما يستوي الأحياء ولا الأموات إن اللّه يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور * إن أنت إلا نذير‏}‏، والآيات في هذه كثيرة، ووجه المناسبة في ضرب المثلين ههنا بالنور والظلمات ما تقدم في أول السورة ‏{‏وجعل الظلمات والنور‏}‏، وزعم بعضهم‏:‏ أن المراد بهذا المثل رجلان معينان، فقيل عمر بن الخطاب هو الذي كان ميتاً فأحياه اللّه وجعل له نوراً يمشي به في الناس، وقيل‏:‏ عمار بن ياسر، وأما الذي في الظلمات ليس بخارج منها أبو جهل عمرو بن هشام لعنه اللّه‏.‏ والصحيح أن الآية عامة يدخل فيها كل مؤمن وكافر، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون‏}‏ أي حسنَّا لهم ما كانوا فيه من الجهالة والضلالة قدراً من اللّه وحكمة بالغة، لا إله إلا هو وحده لا شريك له‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏123 ‏:‏ 124‏)‏
‏{‏ وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون ‏.‏ وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله الله أعلم حيث يجعل رسالته سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله وعذاب شديد بما كانوا يمكرون ‏}‏
يقول تعالى‏:‏ وكما جعلنا في قريتك يا محمد أكابر من المجرمين، ورؤساء ودعاة إلى الكفر والصد عن سبيل اللّه وإلى مخالفتك وعداوتك، كذلك كانت الرسل من قبلك يبتلون بذلك، ثم تكون لهم العاقبة، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً من المجرمين‏}‏ الآية، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أكابر مجرميها ليمكروا فيها‏}‏، قال ابن عباس‏:‏ سلطنا شرارهم فعصوا فيها، فإذا فعلوا ذلك أهلكناهم بالعذاب‏.‏ وقال مجاهد وقتادة‏:‏ ‏{‏أكابر مجرميها‏}‏ عظماؤها، قلت‏:‏ وهكذا قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون‏}‏، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون‏}‏ والمراد بالمكر ههنا دعاؤهم إلى الضلالة بزخرف من المقال والفعال، كقوله تعالى إخباراً عن قوم نوح‏:‏ ‏{‏ومكروا مكراً كباراً‏}‏، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين‏}‏، قال سفيان‏:‏ كل مكر في القرآن فهو عمل، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون‏}‏ أي وما يعود وبال مكرهم وإضلالهم إلا على أنفسهم، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وليحملن أثقالهم وأثقالاً مع أثقالهم‏}‏، وقال‏:‏ ‏{‏ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون‏}‏‏.‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل اللّه‏}‏ أي إذا جاءتهم آية وبرهان وحجة قاطعة ‏{‏قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل اللّه‏}‏ أي حتى تأتينا الملائكة من اللّه بالرسالة كما تأتي إلى الرسل، كقوله جلَّ وعلا‏:‏ ‏{‏وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا‏}‏ الآية‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏اللّه أعلم حيث يجعل رسالته‏}‏ أي هو أعلم حيث يضع رسالته ومن يصلح لها من خلقه، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم * أهم يقسمون رحمة ربك‏}‏ الآية، يعنون لو نزل هذا القرآن على رجل عظيم كبير جليل مبجل في أعينهم ‏{‏من القريتين‏}‏ أي مكة والطائف، وذلك أنهم قبحهم اللّه كانوا يزدرون بالرسول صلوات اللّه وسلامه عليه بغياً وحسداً، وعناداً واستكباراً، كقوله تعالى مخبراً عنه‏:‏ ‏{‏وإذا رآك الذين كفروا إن يتخذونك إلا هزواً، أهذا الذي يذكر آلهتكم وهم بذكر الرحمن هم كافرون‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وإذا رأوك إن يتخذونك إلا هزواً أهذا الذي بعث اللّه رسولاً‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏ولقد استهزىء برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون‏}‏، هذا وهم معترفون بفضله وشرفه ونسبه، وطهارة بيته ومرباه، ومنشئه صلى اللّه وملائكته والمؤمنون عليه، حتى إنهم يسمونه بينهم قبل أن يوحى إليه ‏(‏الأمين‏)‏، وقد اعترف بذلك رئيس الكفار أبو سفيان حين سأله هرقل ملك الروم‏:‏ وكيف نسبه فيكم‏؟‏ قال‏:‏ هو فينا ذو نسب، قال‏:‏ هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏‏.‏ الحديث بطوله الذي استدل ملك الروم بطهارة صفاته عليه السلام على صدق نبوته وصحة ما جاء به، وقال الإمام أحمد عن وائلة بن الأسقع رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏إن اللّه اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من بني إسماعيل بني كنانة، واصطفى من بني كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم‏)‏ ‏"‏رواه مسلم وأحمد‏"‏، وفي صحيح البخاري
عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏بعثت من خير قرون بني آدم قرناً فقرناً حتى بعثت من القرن الذي كنت فيه‏)‏ وقال الإمام أحمد قال العباس‏:‏ بلغه صلى اللّه عليه وسلم بعض ما يقول الناس فصعد المنبر فقال‏:‏ ‏(‏من أنا‏؟‏‏)‏ قالوا أنت رسول اللّه، فقال‏:‏ ‏(‏أنا محمد بن عبد اللّه بن عبد المطلب، إن اللّه خلق الخلق فجعلني في خير خلقه، وجعلهم فريقين فجعلني في خير فرقة، وخلق القبائل فجعلني في خير قبيلة، وجعلهم بيوتاً فجعلني في خيرهم بيتاً، فأنا خيركم بيتاً وخيركم نفساً‏(‏ صدق صلوات اللّه وسلامه عليه‏.‏

وفي الحديث أيضاً المروي عن عائشة رضي اللّه عنها قالت، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏قال لي جبريل قلبت الأرض مشارقها ومغاربها فلم أجد رجلاً أفضل من محمد، وقلبت الأرض مشارقها ومغاربها فلم أجد بني أب أفضل من بني هاشم‏)‏ ‏"‏رواه الحاكم والبيهقي‏"‏، وقال الإمام أحمد عن عبد اللّه بن مسعود قال‏:‏ إن اللّه نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه، فبعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد فجعلهم وزراء نبيه يقاتلوون عن دينه، فما رآه المسلمون حسناً فهو عند اللّه حسن، وما رآه المسلمون سيئاً فهو عند اللّه سيء ‏"‏أخرجه الإمام أحمد عن ابن مسعود موقوفاً‏"‏‏.‏ وأبصر رجل ابن عباس وهو داخل من باب المسجد، فلما نظر إليه راعه فقال‏:‏ من هذا‏؟‏ قالوا‏:‏ ابن عباس ابن عم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال‏:‏ ‏{‏اللّه أعلم حيث يجعل رسالته‏} ‏"‏أخرجه ابن أبي حاتم‏"‏، وقوله تعالى‏:‏{‏سيصيب الذين أجرموا صغار عند اللّه وعذاب شديد‏} الآية، هذا وعيد شديد من اللّه وتهديد أكيد لمن تكبر عن اتباع رسله والانقياد لهم فيما جاءوا به، فإنه سيصيبه يوم القيامة بين يدي اللّه ‏{‏صغار‏}‏ وهو الذلة الدائمة كما أنهم استكبروا فأعقبهم ذلك ذلاً يوم القيامة لما استكبروا في الدنيا، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين‏}‏ أي صاغرين ذليلين حقيرين‏.‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وعذاب شديد بما كانوا يمكرون‏}‏ لما كان المكر غالباً إنما يكون خفياً وهو التلطف في التحيل والخديعة قوبلوا بالعذاب الشديد من اللّه يوم القيامة جزاء وفاقاً ‏{‏ولا يظلم ربك أحداً‏}‏، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏يوم تبلى السرائر‏}‏ أي تظهر المستترات والمكنونات والضمائر، وجاء في الصحيحين عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏ينصب لكل لواء غادر لواء عند أسته يوم القيامة فيقال هذه غدرة فلان بن فلان‏)
‏، والحكمة في هذا أنه لما كان الغدر خفياً لا يطلع عليه الناس فيوم القيامة يصير علماً منشوراً على صاحبه بما فعل‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏125‏)‏
‏{‏ فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون ‏}‏
يقول تعالى‏:‏ ‏{‏فمن يرد اللّه أن يهديه يشرح صدره للإسلام‏}‏ أي ييسره له وينشطه ويسهله لذلك، فهذه علامات على الخير، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أفمن شرح اللّه صدره للإسلام فهو على نور من ربه‏}‏ الآية، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏ولكنّ اللّه حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم‏}‏، وقال ابن عباس معناه يوسع قلبه للتوحيد والإيمان به وهو ظاهر‏.‏ سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ أي المؤمنين أكيس‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏أكثرهم ذكراً للموت وأكثرهم لما بعده استعداداً‏)‏، وسئل عن هذه الآية‏:‏ ‏{‏فمن يرد اللّه أن يهديه يشرح صدره للإسلام‏}‏ قالوا‏:‏ كيف يشرح صدره يا رسول اللّه‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏نور يقذف فيه فينشرح له وينفسح‏)‏، وقالوا‏:‏ فهل لذلك من أمارة يعرف بها‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل لقاء الموت‏)‏ ‏"‏وراه عبد الرزاق، وابن جرير بنحوه وأخرجه ابن أبي حاتم كما في الرواية الأخرى‏"‏‏.‏ وعن عبد اللّه بن مسعود قال‏:‏ تلا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هذه الآية‏:‏ ‏{‏فمن يرد اللّه أن يهديه يشرح صدره للإسلام‏}‏ قالوا‏:‏ يا رسول اللّه ما هذا الشرح‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏نور يقذف به في القلب‏)‏، قالوا يا رسول اللّه فهل لذلك من أمارة تعرف‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏نعم‏)‏، قالوا‏:‏ وما هي قال‏:‏ ‏(‏الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل الموت‏)‏ ‏"‏رواه ابن أبي حاتم، قال ابن كثير‏:‏ ولهذا الحديث طرق مرسلة ومتصلة يشد بعضها بعضاً‏"‏‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً‏}‏ حرجاً بفتح الحاء والراء، وهو الذي لا يتسع لشيء من الهدى، ولا يخلص إليه شيء من الإيمان ولا ينفذ فيه، وقد سأل عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه رجلاً من الأعراب من أهل البادية من مدلج عن الحرجة‏؟‏ فقال‏:‏ هي الشجرة تكون بين الأشجار لا تصل إليها راعية ولا وحشية ولا شيء، فقال عمر رضي اللّه عنه‏:‏ كذلك قلب المنافقين لا يصل إليه شيء من الخير‏.‏ وقال ابن عباس‏:‏ يجعل اللّه عليه الإسلام ضيقاً والإسلام واسع، وذلك حين يقول‏:‏ ‏{‏وما جعل عليكم في الدين من حرج‏}‏ يقول‏:‏ ما جعل عليكم في الإسلام من ضيق‏.‏ وقال مجاهد والسدي‏:‏ ‏{‏ضيقاً حرجاً‏}‏ شاكاً، وقال عطاء الخراساني‏:‏ ‏{‏ضيقاً حرجاً‏}‏ أي ليس للخير فيه منفذ، وقال ابن المبارك‏:‏ ‏{‏ضيقاً حرجاً‏}‏ بلا لا إله إلا اللّه حتى لا تستطيع أن تدخل قلبه، ‏{‏كأنما يصَّعد في السماء‏}‏ من شدة ذلك عليه‏.‏ وقال سعيد بن جبير‏:‏ ‏{‏يجعل صدره ضيقاً حرجاً‏}‏ لا يجد فيه مسلكاً إلا صعد‏.‏ وقال عطاء الخراساني‏:‏ ‏{‏كأنما يصعد في السماء‏}‏ يقول‏:‏ مثله كمثل الذي لا يستطيع أن يصعد إلى السماء، وقال ابن عباس‏:‏ ‏{‏كأنما يصعد في السماء‏}‏ يقول‏:‏ فكما لا يستطيع ابن آدم أن يبلغ السماء فكذلك لا يستطيع أن يدخل التوحيد والإيمان في قلبه حتى يدخله اللّه في قلبه، وقال الأوزاعي‏:‏ كيف يستطيع من جعل اللّه صدره ضيقاً أن يكون مسلماً‏.‏ وقال ابن جرير‏:‏ وهذا مثل ضربه اللّه لقلب هذا الكافر في شدة ضيقه عن وصول الإيمان إليه يقول‏:‏ فمثله في امتناعه عن قبول الإيمان وضيقه عن وصوله إليه مثل امتناعه عن الصعود إلى السماء وعجزه عنه، لأنه ليس في وسعه وطاقته، وقال في قوله‏:‏ ‏{‏كذلك يجعل اللّه الرجس على الذين لا يؤمنون‏}‏ يقول‏:‏ كما يجعل اللّه صدر من أراد إضلاله ضيقاً وحرجاً، كذلك يسلط اللّه الشيطان عليه وعلى أمثاله ممن أبى الإيمان باللّه ورسوله فيغويه ويصده عن سبيل اللّه، قال ابن عباس‏:‏ ‏{‏الرجس‏}‏ الشيطان، وقال مجاهد‏:‏ ‏{‏الرجس‏}‏ كل ما لا خير فيه‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏126 ‏:‏ 127‏)‏
‏{‏ وهذا صراط ربك مستقيما قد فصلنا الآيات لقوم يذكرون ‏.‏ لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون ‏}‏
لما ذكر تعالى طريق الضالين عن سبيله الصادين عنها، نبّه على شرف ما أرسل به رسوله من الهدى ودين الحق، فقال تعالى‏:‏ ‏{‏وهذا صراط ربك مستقيماً‏}‏ أي هذا الدين الذي شرعناه لك يا محمد بما أوحينا إليك هذا القرآن هو صراط اللّه المستقيم، كما تقدم في الحديث في نعت القرآن‏:‏ ‏{‏هو صراط اللّه المستقيم، وحبل اللّه المتين وهو الذكر الحكيم‏}‏ ‏"‏رواه أحمد والترمذي عن علي كرم اللّه وجهه وهو حديث طويل‏"‏، ‏{‏قد فصلنا الآيات‏}‏ أي وضحناها وبيناها وفسرناها ‏{‏لقوم يذكرون‏}‏ أي لمن له فهم ووعي يعقل عن اللّه ورسوله، ‏{‏لهم دار السلام‏}‏ وهي الجنة ‏{‏عند ربهم‏}‏ أي يوم القيامة، وإنما وصف اللّه الجنة ههنا بدار السلام لسلامتهم فيما سلكوه من الصراط المستقيم، المقتفي أثر الأنبياء وطرائقهم فكما سلموا من آفات الأعوجاج أفضوا إلى دار السلام، ‏{‏وهو وليهم‏}‏ أي حافظهم وناصرهم ومؤيدهم، ‏{‏بما كانوا يعملون‏}‏ أي جزاء على أعمالهم الصالحة تولاهم وأثابهم الجنة بمنه وكرمه‏.‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس