عرض مشاركة واحدة
قديم 15-12-2008, 11:19 PM   رقم المشاركة : 4
أسيرة الود
( وِد ماسي )
 
الصورة الرمزية أسيرة الود

الحب العُذْري

وهو ذاك الحب المنزه عن احتياجات الجسد والمتسامي على دوافع الغريزة، قال ابن علاثة: دخلت على رجل من الأعراب خيمته وهو يئنّ، فقلت: ما شأنك؟ قال: عاشق، فقلت: ممن الرجل: قال من قوم إذا عشقوا ماتوا عِفَّة.
وقال عمر بن بكير: قال أعرابي: علقت امرأة كنت آتيها فأحدثها سنين، وما جرت بيننا ريبة قط إلا أنني رأيت بياض كفها في ليلة ظلماء، فوضعت يدي على يدها فقالت: مَهْ (بمعنى اكفف) لا تفسد ما بيني وبينك، فإنه ما نُكح حبٌ قط إلا فَسَد.
قال: فقمت وقد تصببت عرقاً وحياء، ولم أعد إلى شيء من ذلك.
ولم يزل الناس يفتخرون بالعفة قديماً وحديثاً، قال إبراهيم بن هَرمة:
ولــرُبَّ لــذةِ ليـــلة قــد نلتها

وحــرامها بحـــــلالها مدفــوع


وقال غيره:
إذا ما هَمَمْنــا صَـــدَّنا وازعُ التُّقَى

فَوَلَّــى علــى أعقــابه الهَمُّ خاسئا





وقال آخر:

كــم خــلوت بمــن أهوى فيمنعني



منــه الحيــاء وخــوف اللهِ والحذر


وإننا لنجد في تراثنا العربي شمم المرأة العربية، وأنفتها حين تقف قوية المراس أمام عواطفها .. فقد قيل لعتبة بعد موت عاشقها - ما كان يضرك لو أمتعته بوجهك؟
قالت: منعني من ذلك خوف العار، وشماتة الجار، ومخافة الجبّار، والله إن بقلبي أضعاف ما بقلبه - غير أنني أجد ستره أبقى للمودة وأحمد للعاقبة وأطوع للرب، وأخوف للذنب.
وقيل: نظر عاشق إلى معشوقته، فارتعدت فرائصه، وغُشِي عليه، فقيل لحكيم: ما الذي أصابه؟ فقال نظر إلى من يحب فانفرج قلبه. وتحرك الجسم بانفراج القلب. فقيل له: نحن نحب أهلنا وأولادنا ولا يصيبنا ذلك؛ فقال تلك محبة العقول. وهذه محبة الروح.
فهذا هو الحب العذري الذي لا تمسه شائبة، ولقد عرف التاريخ عدداً كثيراً من هؤلاء العشاق مثل كُثَيِّر عزة، حتى قيل: إن امرأة لقيته فقالت: كيف توزن بالقوم وأنت لا تُعرف إلاّ بعزّة؟ قال: والله لئن قلت ذلك فقد رفع الله بها قدري وزَيَّن بها شعري، وإنها كما قلت:

بأطيـب من أرد أن عــزة موهنـــا



وقد أُوقدت بالندل الرطب نـــــارُها


فإن بــرزت كانــت لعينــيك قُـرّةً



وإن غِبت عنها لم يَعُمَّك عــــــارها



أما جميل بثينة فقال في محبوبته:

يموت الهــــــوى مني إذا ما لقيتها



ويحيــــا إذا فارقتها فيعـــــود


وقال الزبير بن بكار عن عباس بن سهل الساعدي قال: بينما أنا بالشام إذ لقيني رجل من أصحابي فقال: هل لكم في جميل نعوده؟ فدخلنا عليه وهو يجود بنفسه، وما يخيل إليّ إلا أن الموت يكرثه (يشتد عليه). فنظر إلي ثم قال: يا ابن سهل، ما تقول في رجل لم يشرب الخمر قط، ولم يَزْنِ، ولم يقتل نفساً؟ ويشهد أن لا إله إلا الله فقلت: أظنه قد نجا، وأرجو له الجنة، فمن هذا الرجل؟ قال: أنا قلت والله ما أحسبك سلمت وأنت تَشَبَّب (تتغزل) منذ عشرين سنة في بثينة قال: لا نالتني شفاعة محمد (صلى الله عليه وسلم) إن كنت وضعت يدي عليها لريبة. فما برحنا حتى مات.
وها هو أيضاً قيس بن المُلَوَّح (مجنون ليلى) يعاقب قلبه الذي يأبى نسيان ليلى فيقول:

إذا مـــا تُبتُ عن ليلى تتــــوبُ؟



ألســت وعدتنــي يـــا قلبُ أنّـي


فمـــا لك كلمـــا ذُكرت تــذوبُ



فهـا أنا تـائبٌ عن حُــبِّ ليلــــى



وقيل لبعضهم وقد هوى إحداهن، فطال عشقه بها: ما أنت صانعٌ لو ظفرت بها ولا يراكما إلا الله؟ قال: والله لا أجعلنه أهون الناظرين إليّ، حنينٌ طويلٌ، ولحظٌ من بعيد، وأترك ما يسخط الرب، ويفسد الحب.
والحقيقة أن لهذه العفة في الحب أسبابًا كثيرة، منها الحياء وكرم الطبع وشرف النفس وعلو الهمة، أو ما تعقبه من اللذة المحرمة من المضار والمفاسد والفجور أو خوف العار، ولكن أقوى الأسباب على الإطلاق وأعلاها شأناً إجلال ومحبة الجبّار سبحانه وتعالى.
فالإنسان القوي عندما يقاوم شهوته، ويتحدى ضعفه، يرتفع ويسمو، ويحلق في أجواء الفضيلة، ويحقق إنسانيته؛ لذلك فإنه يشعر في أعماقه بلذة عظيمة، لذة الانتصار على النفس، لذة الانتصار على الضعف، لذة النجاح في قهر النشوة التي تستعبد الآخرين؛ فيَخِرُّون تحت وطأتها صرعى نتيجة ضعفهم ووهن عزيمتهم، وهذه اللذة التي يعبر عنها الحديث القدسي لذة الإيمان

منقوووووووووووووول







رد مع اقتباس