عرض مشاركة واحدة
قديم 04-08-2013, 12:54 AM   رقم المشاركة : 35
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور


ذات النطاقين
(أسمــاء بنت أبى بكر)
أسلمت مبكرًا، وعاشت حياتها تنصر الإسلام فى شجاعة وبطولة، وتضرب المثل فى التضحية والفداء، فتقول: لما خرج رسول اللَّه ( أتانا نفر من قريش، منهم أبو جهل عمرو بن هشام، فوقفوا على باب أبى بكر، فخرجت إليهم، فقالوا: أين أبوك يا بنت أبى بكر؟ قلتُ: لا أدرى واللَّه أين أبي، فرفع أبو جهل يده، وكان فاحشًا خبيثًا، فلطم خدِّى لطمة خرَّ منها قُرْطي(نوع من حلى الأذن)، ثم انصرفوا.
فمضت ثلاث ليالٍ ما ندرى أين توجّه رسولُ اللَّه ( ، إذ أقبل صوت من أسفل مكة، يغنى بأبيات شعرٍ غنى بها العربُ، وإن الناس ليتبعونه يسمعون صوته ولا يرونه، حتى خرج بأعلى مكة، فقال:
جَزَى اللَّـهُ رَبُّ النَّاسِ خَيْرَ جَزَائِـهِ
رَفِيقَـيْنِ قَالا خَـيْمَـتَى أمِّ مَعْــبَـدِ
هُمَـا نَزَلا بِالهُـــدَي، فَاهْـَتَـدَتْ بِهِ
فَأفْلَحَ مَنْ أمْسَى رَفِيقَ مُحَـمَّــدِ
لِيهْنِ بنى كَـعْـبٍ مَـكَانُ فَـتَاتِـهِـمْ
وَمَقْعَدُهَـا لِلْمُـؤْمِنِينَ بِمَـرْصَــدِ
[ابن هشام].
فلما سمعنا قوله - عَرَفْنا حيث وجَّه رسول اللَّه (، وأن وَجْهَهُ إلى المدينة، وكانوا أربعة: رسول اللَّه (، وأبو بكر، وعامر ابن فهيرة مولى أبى بكر، وعبد اللَّه بن أريقط دليلهم.
إنها السيدة الفاضلة أسماء بنت أبى بكر الصديق بن أبى قحافة، وأمها قُتيلة بنت عبد العُزّى بن عبد بن أسعد بن نصربن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي، وأخت عبد اللَّه بن أبى بكر لأبيه وأمه، وأخت عائشة لأبيها، وكانت أَكبر من عائشة فى السن، ووالدة عبد الله بن الزبير، وآخر المهاجرات وفاة.
ولدت أسماء قبل الهجرة النبوية بسبع وعشرين سنة. وتزوجت من الزبير بن العوام قبل هجرتها إلى المدينة.. فلما استقر النبي ( وصحبه هاجرت مع زوجها وكانت حاملاً، وفى المدينة، ولدت عبد اللَّه بن الزبير، فكان أول مولود فى الإسلام بالمدينة بعد هجرة المصطفى (، كما ولدت له عروة، والمنذر، والمهاجر، وعاصم، وخديجة الكبري، وأم حسن، وعائشة.
وسُميت "ذات النطاقين" لأنه لما تجهز رسول اللَّه للهجرة ومعه أبو بكر الصديق أرادت أن تجهز طعامًا، ولم تجد ما تربطه به، فشقت نطاقها نصفين، نصفًا تربط به الطعام، ونصفًا لها. [البخارى ومسلم وابن هشام].
فقال لها رسول اللَّه (: "قد أبدلكِ اللَّه بنطاقكِ هذا نطاقين فى الجنة". فقيل لها: ذات النطاقين.[ابن سعد].
وكانت -رضى الله عنها- صامدة صابرة، بعد هجرة أبيها (أبى بكر) إلى المدينة، حسنة التصرف والتدبير، قالت: ولما توجه رسول اللَّه ( من مكة إلى المدينة -ومعه أبوبكر- حمل أبو بكر معه جميع ماله: خمسة آلاف أوستة آلاف، فأتانى جدى أبوقحافة، وقد ذهب بصره، فقال: إن هذا واللَّه قد فجعكم بمالِه مع نَفسه! فقلت: كلا يا أبتِ! قد ترك لنا خيرًا كثيرًا.
فعمدتُ إلى أحجار فجعلتهن فى كوة فى البيت - كان أبو بكر يجعل ماله فيها - وغطيت على الأحجار بثوب، ثم جئتُ به، فأخذتُ بيده فوضعتُها على الثوب، فقلتُ: ترك لنا هذا ! فجعل يَجِدُ مسّ الحجارة من وراء الثوب. فقال: لا بأس، إن كان ترك لكم هذا، فقد أحسن، ففى هذا لكم بلاغ. قالت: لا والله ما ترك لنا شيئًا، لكن أردت أن أسكن الشيخ بذلك [أبو نعيم].
وكانت تثق فيما عند الله ورسوله، وترتاح إليه، فذات يوم بعثت إلى أختها عائشة -لما أصابها ورم فى رأسها ووجهها-: اذكرى وجعى لرسول اللَّه (، لعل اللَّه يشفيني. فذكرت عائشة لرسول اللَّه ( وجعَ أسماء، فانطلق رسول اللَّه ( حتى دخل على أسماء، فوضع يده على وجهها ورأسها من فوق الثياب. وقال: "اللهم عافها من فحشه وأذاه" [ابن سعد].
وكانت -رضى الله عنها- تؤثر رضا الله تعالى، وتجعل دونه كل رضا، فلما جاءتها أمها "قتيلة بنت عبد العزى" -وكانت مشركة- وقدَّمت لها هدايا، فرفضت أن تقبلها، وقالت: لا أقبلها حتى يأذن لى رسول اللَّه (، ولا تدخلى علي. فذكرت ذلك عائشةُ للنبى ( فأنزل اللَّه: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم و تقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين)[الممتحنة: 8].
وكانت تقول ما تراه حقًا وما تتمناه صدقًا، مصرحة بذلك من غير إيماء ولا استحياء، فقد حدّث هشام بن عروة عن أبيه، قال: دخلت أنا وعبد اللَّه بن الزبير على أسماء -قبل قتل ابن الزبير بعشر ليالٍ، وأنها وَجِعَة- فقال عبد اللَّه: كيف تجدينك؟ قالت: وجِعَة. قال: إن فى الموت لعافية. قالت: لعلك تشتهى موتي، فلذلك تتمناه، فلا تفعل. فالتفت إلى عبد اللَّه فضحكت، فقالت: واللَّه ما أشتهى أن أموت حتى يأتى على أحد طرفيك: إما أن تُقتل فأحتسبك، وإما أن تظفر فتقرَّ عينى عليك.
وإياك أن تُعرضَ على خطة فلا توافق. فتقبلها كراهية الموت. [أبو نعيم وابن إسحاق].
وكانت باحثة عن الحق، فإذا وجدته كانت أسرع الناس عملاً به، ومرشدة غيرها إليه؛ حرصًا على عموم النفع والخير، وتوضيحًا لما استشكل من الأمور، فقد دخل عليها عبد اللَّه -بعد أن خذله أنصاره مستيئسين من النصر على الحَجَّاج- فقال لها: يا أماه! ما ترين؟ قد خذلنى الناس، وخذلنى أهل بيتي! فقالت: لايلعَبنَّ بك صبيان بنى أمية. عِشْ كريمًا أو مِتْ كريمًا. فخرج فأسند ظهره إلى الكعبة ومعه نفر يسير، فجعل يقاتل -فى شجاعة- جيش الحجاج.






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس