عرض مشاركة واحدة
قديم 12-05-2014, 03:49 AM   رقم المشاركة : 7
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏55 ‏:‏ 56‏)‏
‏{‏ ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين ‏.‏ ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها وادعوه خوفا وطمعا إن رحمة الله قريب من المحسنين ‏}‏

أرشدك تبارك وتعالى عباده إلى دعائه الذي هو صلاحهم في دنياهم وأخراهم، فقال‏:‏ ‏{‏ادعوا ربكم تضرعاً وخفية‏}‏، قيل معناه‏:‏ تذللاً واستكانة وخفية، كقوله‏:‏ ‏{‏واذكر ربك في نفسك‏}‏ الآية، وفي الصحيحن عن أبي موسى الأشعري قال‏:‏ رفع الناس أصواتهم بالدعاء، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أيها الناس أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصماً ولا غائباً، إن الذي تدعون سميع قريب‏)‏ الحديث، وقال ابن عباس في قوله‏:‏ ‏{‏تضرعاً وخفية قال‏:‏ السر، وقال ابن جرير‏:‏ ‏{‏تضرعاً‏}‏ تذللاً واستكانة لطاعته ‏{‏وخفية‏}‏ يقول‏:‏ بخشوع قلوبكم وصحة اليقين بوحدانيته وربوبيته فيما بينكم وبينه، لا جهاراً مراءاة‏.‏ وقال الحسن البصري‏:‏ إن كان الرجل لقد جمع القرآن وما يشعر به الناس، وإن كان الرجل لقد فقه الفقه الكثير وما يشعر به الناس، وإن كان الرجل ليصلي الصلاة الطويلة في بيته وعنده الزور وما يشعرون به، ولقد أدركنا أقواماً ما كان على الأرض من عمل يقدرون أن يعملوه في السر، فيكون علانية أبداً، ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء وما يسمع لهم صوت، إن كان إلا همساً بينهم وبين ربهم، وذلك أن اللّه تعالى يقول‏:‏ ‏{‏ادعوا ربكم تضرعاً وخفية‏}‏، وذلك أن اللّه ذكر عبداً صالحاً رضي فعله فقال‏:‏ ‏{‏إذ نادى ربه نداء خفيا‏}‏، وقال ابن جريج‏:‏ يكره رفع الصوت والنداء والصياح في الدعاء، ويأمر بالتضرع والاستكانة، ‏{‏إنه لا يحب المعتدين‏}‏ في الدعاء ولا في غيره‏.‏

وقال الإمام أحمد إن سعداً سمع ابناً له يدعو وهو يقول‏:اللهم إني اسألك الجنة ونعيمها واستبرقها، ونحواً من هذا، وأعوذ بك من النار وسلاسلها وأغلالها، فقال‏:‏ لقد سألت اللّه خيراً كثيراً، وتعوذت به من شر كثير، وإني سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏إنه سيكون قوم يعتدون في الدعاء، وقرأ هذه الآية‏:‏ ‏{‏ادعوا ربكم تضرعا‏}‏ الآية - وإن بحسبك أن تقول‏:‏ اللهم إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل‏)‏ ‏"‏رواه أحمد وأبو داود‏"‏،
وسمع عبد اللّه بن مغفل ابنه يقول‏:‏ اللهم إني اسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها، فقال‏:‏ يا بني سل اللّه الجنة وعُذْ به من النار، فإني سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏يكون قوم يعتدون في الدعاء والطهور‏)‏ ‏"‏رواه أحمد وابن ماجه وأبو داود قال ابن كثير‏:‏ وإسناده حسن‏"‏، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها‏}‏ ينهى تعالى عن الإفساد في الأرض، وما أضره بعد الإصلاح‏!‏ فإنه إذا كانت الأمور ماشية على السداد، ثم وقع الإفساد بعد ذلك كان أضر ما يكون على العباد، فنهى تعالى عن ذلك وأمر بعبادته والتضرع إليه والتذلل لديه، فقال‏:‏ ‏{‏وادعوه خوفا وطمعا‏}‏ أي خوفاً مما عنده من وبيل العقاب وطمعاً فيما عنده من جزيل الثواب، ثم قال‏:‏ ‏{‏إن رحمة اللّه قريب من المحسنين‏}‏ أي إن رحمته مرصدة للمحسنين الذين يتبعون أوامره ويتركون زواجره، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون‏}‏ الآية، وقال‏:‏ ‏{‏قريب‏}‏ ولم يقل‏:‏ قريبة لأنه ضمن الرحمة معنى الثواب، أو لأنها مضافة إلى اللّه، فلهذا قال‏:‏ قريب من المحسنين‏.‏ وقال مطر الوراق‏:‏ استنجزوا موعود اللّه بطاعته، فإنه قضى أن رحمته قريب من المحسنين‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏57 ‏:‏ 58‏)‏
‏{‏وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون ‏.‏ والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا كذلك نصرف الآيات لقوم يشكرون‏}‏

لما ذكر تعالى أنه خالق السموات والأرض وأنه المتصرف الحاكم المدبر المسخر وأرشد إلى دعائه لأنه على ما يشاء قادر نبه تعالى على أنه الرزاق وأنه يعيد الموتى يوم القيامة فقال‏:‏ ‏{‏وهو الذي يرسل الرياح بشرا‏}‏ أي مبشرة بين يدي السحاب الحامل للمطر، ومنهم من قرأ بشراً، كقوله‏:‏ ‏{‏ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏بين يدي رحمته‏}‏ أي بين يدي المطر، كما قال‏:‏ ‏{‏وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد‏}‏، وقال‏:‏ ‏{‏فانظر إلى آثار رحمت اللّه كيف يحيي الأرض بعد موتها إن في ذلك لمحيي الموتى وهو على كل شيء قدير‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏حتى إذا أقلت سحابا ثقالا‏}‏ أي حملت الرياح سحاباً ثقالاً أي من كثرة ما فيها من الماء تكون ثقيلة قريبة من الأرض مدلهمة، كما قال زيد بن عمرو بن نفيل رحمه اللّه‏:‏
وأسلمت وجهي لمن أسلمت * له المزن تحمل عذاباً زلالاً
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏سقناه لبلد ميت‏}‏ أي إلى أرض ميتة مجدبة لا نبات فيها، كقوله‏:‏ ‏{‏وآية لهم الأرض الميتة أحييناها‏}‏ الآية، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى‏}‏ أي كما أحيينا هذه الأرض بعد موتها، كذلك نحيي الأجساد بعد صيرورتها رميماً يوم القيامة، ينزل اللّه سبحانه وتعالى ماء من السماء فتمطر الأرض أربعين يوماً فتنبت منه الأجساد في قبورها كما ينبت الحب في الأرض، وهذا المعنى كثير في القرآن، يضرب اللّه مثلاً ليوم القيامة بإحياء الأرض بعد موتها، ولهذا قال‏:‏ ‏
{‏لعلكم تذكرون‏}‏،

وقوله‏:‏ ‏{‏والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه‏}‏ أي والأرض الطيبة يخرج نباتها سريعاً حسناً كقوله‏:‏ ‏{‏وأنبتها نباتا حسنا‏}‏، ‏{‏والذي خبث لا يخرج إلا نكدا‏}‏، قال مجاهد وغير‏:‏ كالسباخ ونحوها، وقال ابن عباس في الآية‏:‏ هذا مثل ضربه اللّه للمؤمن والكافرن وقال البخاري عن أبي موسى الأشعري قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏‏(‏مثل ما بعثني اللّه به من العلم والهدى كمثل الغيث الكثير أصاب أرضاً، فكانت منه نقية قبلت الماء فأنبت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع اللّه بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصاب منها طائفة أخرى، إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين اللّه ونفعه ما بعثني اللّه به فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدى اللّه الذي أرسلت به‏)‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏59 ‏:‏ 62‏)‏
‏{‏ لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم ‏.‏ قال الملأ من قومه إنا لنراك في ضلال مبين ‏.‏ قال يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين ‏.‏ أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون‏}‏

لما ذكر تعالى قصة آدم في أول السورة وما يتعلق بذلك وما يتصل به وفرغ منه، شرع تعالى في ذكر قصص الأنبياء عليهم السلام‏:‏ الأول، فالأول، فابتدأ بذكر نوح عليه السلام، فإنه أول رسول بعثه اللّه إلى أهل الأرض بعد آدم عليه السلام‏.‏ قال محمد بن إسحاق‏:‏ ولم يلق نبي من قومه من الأذى مثل نوح إلا نبي قتل، وقال يزيد الرقاشي‏:‏ إنما سمي نوحاً لكثرة ما ناح على نفسه، وقد كان بين آدم إلى زمن نوح عليهما السلام عشرة قرون كلهم على الإسلام‏.‏ قال ابن عباس وغير واحد من علماء التفسير‏:‏ وكان أول ما عبدت الأصنام أن قوماً صالحين ماتوا فبنى قومهم عليهم مساجد، وصوروا صور أولئك فيها، ليتذكروا حالهم وعبادتهم، فيتشبهوا بهم، فلما طال الزمان جعلوا أجساداً على تلك الصور، فلما تمادى الزمان عبدوا تلك الأصنام، وسموها بأسماء أولئك الصالحين وداً وسواعاً ويغوث ويعوق ونسراً ، فلما تفاقم الأمر بعث اللّه سبحانه وتعالى - وله الحمد والمنة - رسوله نوحاً، فأمرهم بعبادة اللّه وحده لا شريك له فقال‏:‏ ‏{‏يا قوم اعبدوا اللّه ما لكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم‏}‏ أي من عذاب يوم القيامة إذا لقيتم اللّه وأنتم مشركون به، ‏{‏قال الملأ من قومه‏}‏ أي الجمهور والسادة والقادة والكبراء منهم‏:‏ ‏{‏إنا لنراك في ضلال مبين‏}‏ أي في دعوتك إيانا إلى ترك عبادة هذه الأصنام التي وجدنا عليها آباءنا، وهكذا حال الفجار إنما يرون الأبرار في ضلالة كقوله‏:‏ ‏{‏وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون‏}‏، ‏{‏وإذا لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم‏}‏ إلى غير ذلك من الآيات، ‏{‏قال يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين‏}‏ أي ما أنا ضال ولكن أنا رسول من رب كل شيء ومليكه،

‏{‏أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من اللّه ما لا تعلمون‏}‏،

وهذا شأن الرسول أن يكون مبلغاً فصيحاً ناصحاً عالماً باللّه لا يدركهم أحد من خلق اللّه في هذه الصفات، كما جاء في صحيح مسلم أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال لأصحابه يوم عرفة‏:‏ ‏(‏أيها الناس إنكم مسؤولون عني، فما أنتم قائلون‏؟‏‏)‏ قالوا‏:‏ نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت، فجعل يرفع أصبعه إلى السماء وينكسها عليهم ويقول‏:‏ ‏(‏اللهم اشهد، اللهم اشهد‏)‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس