عرض مشاركة واحدة
قديم 24-06-2014, 02:43 AM   رقم المشاركة : 8
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏73 ‏:‏ 74‏)‏
‏{‏ ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السماوات والأرض شيئا ولا يستطيعون ‏.‏ فلا تضربوا لله الأمثال إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون ‏}‏

يقول تعالى إخباراً عن المشركين الذين عبدوا معه غيره مع أنه هو المنعم المتفضل الخالق الرازق وحده لا شريك له، ومع هذا يعبدون من دونه الأصنام والأنداد والأوثان ‏{‏ما لا يملك لهم رزقا من السماوات والأرض شيئا‏}‏ أي لا يقدر على إنزال مطر ولا إنبات زرع ولا شجر، ولا يملكون ذلك لأنفسهم، أي ليس لهم ذلك ولا يقدرون عليه لو أرادوه، ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏فلا تضربوا للّه الأمثال‏}‏ أي لا تجعلوا له أنداداً وأشباهاً وأمثالاً ‏{‏إن اللّه يعلم وأنتم لا تعلمون‏}‏
أي أنه يعلم ويشهد أنه لا إله إلا هو وأنتم بجهلكم تشركون به غيره‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏75‏)‏
‏{‏ ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء ومن رزقناه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا هل يستوون الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون ‏}‏

قال ابن عباس‏:‏ هذا مثل ضربه اللّه للكافر والمؤمن، وكذا قال قتادة، واختاره ابن جرير، فالعبد المملوك الذي لا يقدر على شيء مثل الكافر، والمرزوق الرزق الحسن فهو ينفق منه سراً وجهراً هو المؤمن، وقال مجاهد‏:‏ هو مثل مضروب للوثن وللحق تعالى، فهل يستوي هذا وهذا‏؟‏ ولكا كان الفرق بينهما ظاهراً واضحاً بيناً لا يجهله إلا كل غبي قال اللّه تعالى‏:‏
‏{‏الحمد للّه بل أكثرهم لا يعلمون‏}‏‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏76‏)‏
‏{‏ وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كل على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم ‏}‏

قال مجاهد‏:‏ وهذا أيضاً المراد به الوثن والحق تعالى، يعني أن الوثن أبكم لا يتكلم ولا ينطق بخير ولا بشيء ولا يقدر على شيء بالكلية، فلا مقال ولا فعال، وهو مع هذا ‏{‏كلٌّ‏}‏ أي عيال وكلفة على مولاه ‏{‏أينما يوجهه‏}‏ أي يبعثه ‏{‏لا يأت بخير‏}‏ ولا ينجح مسعاه ‏{‏هل يستوي‏}‏ من هذه صفاته ‏{‏ومن يأمر بالعدل‏}‏ أي بالقسط فمقاله حق وفعاله مستقيمة ‏{‏وهو على صراط مستقيم‏}‏، وقال ابن عباس‏:‏ هو مثل للكافر والمؤمن أيضاً كما تقدم‏:‏ وقال ابن جرير‏:‏ نزلت في رجل من قريش وعبده يعني قوله‏:‏ ‏{‏عبدا مملوكا‏}‏ الآية، وفي قوله‏:‏ ‏{‏وضرب اللّه مثلا رجلين أحدهما أبكم - إلى قوله - وهو على صراط مستقيم‏}‏ قال‏:‏ هو عثمان بن عفان، قال‏:‏ والأبكم الذي أينما يوجهه لا يأت بخير قال‏:‏ هو مولى لعثمان بن عفان، كان عثمان ينفق عليه ويكفله ويكفيه المؤونة، وكان الآخر يكره الإسلام ويأباه، وينهاه عن الصدقة والمعروف، فنزلت فيهما ذكر السهيلي‏:‏ أن الأبكم هو أبو جهل لعنه اللّه، واسمه عمرو بن هشام بن المغيرة‏.‏ والذي يأمر بالعدل‏:‏ هو عمار بن ياسر العنسي المذحجي، وكان أبو جهل يعذبه على الإسلام، ويعذّب أُمه سمية، وكانت مولاة لأبي جهل، وقد طعنها بالرمح في قلبها فماتت، فهي أول شهيدة في الإسلام ‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏77 ‏:‏ 79‏)‏
‏{‏ ولله غيب السماوات والأرض وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب إن الله على كل شيء قدير ‏.‏ والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون ‏.‏ ألم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء ما يمسكهن إلا الله إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون ‏}‏

يخبر تعالى عن كمال قدرته على الأشياء في علمه غيب السماوات والأرض واختصاصه بعلم الغيب، فلا اطلاع لأحد على ذلك إلا أن يطلعه تعالى على ما يشاء، وفي قدرته التامة التي لا تخالف ولا تمانع، وأنه إذا أراد شيئاً فإنما يقول له كن فيكون كما قال‏:‏ ‏{‏وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر‏}‏ أي فيكون ما يريد كطرف العين، وهكذا قال ههنا‏:‏ ‏{‏وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب إن اللّه على كل شيء قدير‏}‏، ثم ذكر تعالى منته على عباده في إخراجه إياهم من بطون أمهاتهم لا يعلمون شيئاً، ثم بعد هذا يرزقهم السمع الذي به يدركون الأصوات، والأبصار التي بها يحسون المرئيات، والأفئدة وهي العقول، وهذه القوى والحواس تحصل للإنسان على التدريج قليلاً قليلاً، كلما كبر زيد في سمعه وبصره وعقله حتى يبلغ أشده، وإنما جعل تعالى هذه في الإنسان ليتمكن بها من عبادة ربه تعالى، فيستعين بكل جارحة وعضو وقوة على طاعة مولاه، كما جاء في صحيح البخاري عن أبي هريرة، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏ يقول تعالى‏:‏ من عادى لي ولياً فقد بارزني بالحرب، وما تقرّب إليّ عبدي بشيء أفضل من أداء ما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن دعاني لأجبيبنه، ولئن استعاذ بي لأعيذنه، وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض نفس عبدي المؤمن، يكره الموت وأكره مساءته، ولا بد منه‏)‏ فمعنى الحديث أن العبد إذا أخلص الطاعة صارت أفعاله كلها للّه عزَّ وجلَّ، فلا يسمع إلا للّه، ولا يبصر إلا للّه أي ما شرعه اللّه له، ولا يبطش ولا يمشي إلا في طاعة اللّه عزَّ وجلَّ مستعيناً باللّه في ذلك كله‏.‏ ولهذا جاء في بعض رواية الحديث في غير الصحيح‏:‏ ‏(‏فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يمشي‏)‏، ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون‏}‏، كقوله تعالى في الآية الأُخرى‏:‏ ‏{‏قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون‏}‏، ثم نبّه تعالى عباده إلى النظر إلى الطير المسخر بين السماء والأرض كيف جعله يطير بجناحين بين السماء والأرض في جو السماء ما يملكه هناك إلا اللّه بقدرته تعالى التي جعل فيها قوى تفعل ذلك، وسخر الهواء يحملها، وبسير الطير كذلك كما قال تعالى في
سورة
الملك‏:‏ ‏{‏ألم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ما يمسكهن إلا الرحمن إنه بكل شيء بصير‏}‏، وقال ههنا‏:‏ ‏{‏إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون‏}‏‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏80 ‏:‏ 83‏)‏
‏{‏ والله جعل لكم من بيوتكم سكنا وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين ‏.‏ والله جعل لكم مما خلق ظلالا وجعل لكم من الجبال أكنانا وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون ‏.‏ فإن تولوا فإنما عليك البلاغ المبين ‏.‏ يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون ‏}‏

يذكر تبارك وتعالى تمام نعمه على عبيده بما جعل لهم من البيوت التي هي سكن لهم يأوون إليها، ويستترون بها وينتفعون بها بسائر وجوه الانتفاع‏.‏ وجعل لهم أيضاً من جلود الأنعام بيوتاً، أي من الأدم يستخفون حملها في أسفارهم ليضربوها لهم في إقامتهم في السفر والحضر‏.‏ ولهذا قال‏:‏ ‏{‏تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم ومن أصوافها‏}‏ أي الغنم، ‏{‏وأوبارها‏}‏ أي الإبل، ‏{‏وأشعارها‏}‏ أي المعز، والضمير عائد على الأنعام ‏{‏أثاثا‏}‏ أي تتخذون منه أثاثاً، وهو المال وقيل‏:‏ المتاع، وقيل‏:‏ الثياب، والصحيح أعم من هذا كله فإنه يتخذ من الأثاث البسط والثياب وغير ذلك، ويتخذ مالاً وتجارة‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏إلى حين‏}‏ أي إلى أجل مسمى ووقت معلوم‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏والله جعل لكم مما خلق ظلالا‏}‏، قال قتادة يعني الشجر ‏{‏وجعل لكم من الجبال أكنانا‏}‏ أي حصوناً ومعاقل كما ‏{‏جعل لكم سرابيل تقيكم الحر‏}‏ وهي الثياب من القطن والكتان والصوف ‏{‏وسرابيل تقيكم بأسكم‏}‏ كالدروع من الحديث المصفح والزرد وغير ذلك، ‏{‏كذلك يتم نعمته عليكم‏}‏ أي هكذا يجعل لكم ما تستعينون به على أمركم وما تحتاجون إليه ليكون عوناً لكم على طاعته وعبادته، ‏{‏لعلكم تسلمون‏}‏ أي من الإسلام، وقوله‏:‏ ‏{‏فإن تولوا‏}‏ أي بعد هذا البيان وهذا الامتنان فلا عليك منهم، ‏{‏فإنما عليك البلاغ المبين‏}‏ وقد أديته إليهم، ‏{‏يعرفون نعمة اللّه ثم ينكرونها‏}‏ أي يعرفون أن اللّه تعالى هو المسدي إليهم ذلك وهو المتفضل به عليهم، ومع هذا ينكرون ذلك ويعبدون معه غيره ويسندون النصر والرزق إلى غيره ‏{‏وأكثرهم الكافرون‏}‏، عن مجاهد أن أعرابياً أتى النبي صلى اللّه عليه وسلم فسأله فقرأ عليه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏{‏واللّه جعل لكم من بيوتكم سكنا‏}‏ فقال الأعرابي‏:‏ نعم، قال‏:‏ ‏{‏وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا‏}‏‏.‏ الآية، قال الأعرابي‏:‏ نعم، ثم قرأ عليه كل ذلك، يقول الأعرابي‏:‏ نعم، حتى بلغ‏:‏ ‏{‏كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون‏}‏ فولَّى الأعرابي، فأنزل اللّه‏:‏ ‏{‏يعرفون نعمة اللّه ثم ينكرونها‏}‏ ‏"‏أخرجه ابن أبي حاتم‏"‏‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏84 ‏:‏ 88‏)‏
‏{‏ ويوم نبعث من كل أمة شهيدا ثم لا يؤذن للذين كفروا ولا هم يستعتبون ‏.‏ وإذا رأى الذين ظلموا العذاب فلا يخفف عنهم ولا هم ينظرون ‏.‏ وإذا رأى الذين أشركوا شركاءهم قالوا ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعوا من دونك فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون ‏.‏ وألقوا إلى الله يومئذ السلم وضل عنهم ما كانوا يفترون ‏.‏ الذين كفروا وصدوا عن سبيل اللّه زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون ‏}‏
يخبر تعالى عن شأن المشركين يوم معادهم في الدار الآخرة، وأنه يبعث من كل أمة شهيداً وهو نبيها، يشهد عليها بما أجابته فيما بلغها عن اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏ثم لا يؤذن للذين كفروا‏}‏ أي في الاعتذار لأنهم يعلمون بطلانه وكذبه كقوله‏:‏ ‏{‏هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون‏}‏، فلهذا قال‏:‏ ‏{‏ولا هم يستعتبون * وإذا رأى الذين ظلموا‏}‏ أي الذين أشركوا ‏{‏العذاب فلا يخفف عنهم‏}‏ أي لا يفتر عنهم ساعة واحدة ‏{‏ولا هم ينظرون‏}‏ أي لا يؤخر عنهم، بل يأخذهم سريعاً من الموقف بلا حساب، ثم أخبر تعالى عن تبري آلهتهم منهم أحوج ما يكونون إليها فقال‏:‏ ‏{‏وإذا رأى الذين أشركوا شركاءهم‏}‏ أي الذين كانوا يعبدونها في الدنيا ‏{‏قالوا ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعوا من دونك * فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون‏}‏ أي قالت لهم الآلهة كذبتم ما نحن أمرناكم بعبادتنا كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏ومن أضل ممن يدعو من دون اللّه من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون‏}‏ وقوله‏:‏ ‏{‏وألقوا إلى اللّه يومئذ السلم‏}‏ قال‏:‏ قتادة وعكرمة‏:‏ ذلوا واستسلموا يومئذ، أي استسلموا للّه جميعهم، فلا أحد ألا سامع مطيع، وكقوله‏:‏ ‏{‏أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا‏}‏ أي ما أسمعهم وما أبصرهم يومئذ، وقال‏:‏ ‏{‏ولو ترى إذا المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا‏}‏ الآية، وقال‏:‏ ‏{‏وعنت الوجوه للحي القيوم‏}‏ أي خضعت وذلت واستكانت وأنابت واستسلمت‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏وألقوا إلى اللّه يومئذ السلم وضل عنهم ما كانوا يفترون‏}‏ أي ذهب واضمحل ما كانوا يعبدونه افتراء على اللّه فلا ناصر لهم ولا معين ولا مجير، ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏الذين كفروا وصدوا عن سبيل اللّه زدناهم عذابا‏}‏ الآية، أي عذاباً على كفرهم وعذاباً على صدهم الناس عن اتباع الحق، وهذا دليل على تفاوت الكفار في عذابهم كما يتفاوت المؤمنون في منازلهم في الجنة ودرجاتهم، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون‏}‏‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏89‏)‏
‏{‏ ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيدا على هؤلاء ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين ‏}‏

يقول تعالى مخاطباً عبده ورسوله محمداً صلى اللّه عليه وسلم‏:‏
‏{‏ويوم نبعث في كل أمة
شهيداً عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيدا على هؤلاء‏}‏
يعني أمتك، أي اذكر ذلك اليوم وهوله وما منحك اللّه فيه من الشرف العظيم والمقام الرفيع، وهذه الآية شبيهة بقوله‏:‏ ‏{‏فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء‏}‏ قال ابن مسعود‏:‏ قد بين لنا في هذا القرآن كل علم وكل شيء، وقال مجاهد‏:‏ كل حلال وكل حرام‏.‏ وقول ابن مسعود أعم وأشمل، فإن القرآن اشتمل على كل علم نافع من خبر ما سبق، وعلم ما سيأتي، وكل حلال وحرام، وما الناس إليه محتاجون في أمر دنياهم ودينهم ومعاشهم ومعادهم، ‏{‏وهدى‏}‏ أي للقلوب، ‏{‏ورحمة وبشرى للمسلمين‏}‏‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏90‏)‏
‏{‏ إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ‏}‏

يخبر تعالى أنه يأمر عباده بالعدل وهو القسط، ويندب إلى الإحسان كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على اللّه‏}‏، وقال‏:‏ ‏{‏والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له‏}‏ إلى غير ذلك من الآيات الدالة على شرعية العدل والندب إلى الفضل‏.‏ وقال ابن عباس‏:‏ ‏{‏إن اللّه يأمر بالعدل‏}‏ قال‏:‏ شهادة أن لا إله إلا اللّه، وقال سفيان ابن عيينة‏:‏ العدل في هذا الموضع هو استواء السريرة والعلانية من كل عامل للّه عملاً، والإحسان أن تكون سريرته أحسن من علانيته، وقوله‏:‏ ‏{‏وإيتاء ذي القربى‏}‏ أي يأمر بصلة الأرحام، كما قال‏:‏ ‏{‏وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏وينهى عن الفحشاء والمنكر‏}‏، فالفواحش المحرمات والمنكرات ما ظهر منها من فاعلها؛ ولهذا قال في الموضع الآخر‏:‏ ‏{‏قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن‏}‏، وأما البغي فهو العدوان على الناس‏.‏ وقد جاء في الحديث‏:‏ ‏(‏ما من ذنب أجدر أن يعجل اللّه عقوبته في الدنيا مع ما يدخر لصاحبه في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم‏)‏، وقوله‏:‏ ‏{‏يعظكم‏}‏ أي يأمركم بما يأمركم به من الخير وينهاكم عما ينهاكم عنه من الشر ‏{‏لعلكم تذكرون‏}‏‏.‏ وقال الشعبي، عن ابن مسعود يقول‏:‏ إن أجمع آية في القرآن في
سورة
النحل‏:‏ ‏{‏إن اللّه يأمر بالعدل والإحسان‏}‏ الآية ‏"‏أخرجه ابن جرير الطبري‏"‏، وقال قتادة‏:‏ ليس من خلق حسن كان أهل الجاهلية يعملون به ويستحسنونه إلا أمر اللّه به، وليس من خلق سيء كانوا يتعايرونه بينهم إلا نهى اللّه عنه وقدم فيه، وإنما نهى عن سفاسف الأخلاق ومذامها، وفي الحديث‏:‏ ‏(‏إن اللّه يحب معالي الأخلاق ويكره سَفْسَافها‏)‏ وقال الحافظ أبو يعلى عن علي بن عبد الملك بن عمير عن أبيه قال‏:‏ بلغ أكثم بن صيفي مخرج النبي صلى اللّه عليه وسلم فأراد أن يأتيه فأبى قومه أن يدعوه وقالوا‏:‏ أنت كبيرنا لم تكن لتخف إليه، قال‏:‏ فليأته من يبلغه عني ويبلغني عنه، فانتدب رجلان، فأتيا النبي صلى اللّه عليه وسلم فقالا‏:‏ نحن رسل أكثم بن صيفي، وهو يسألك من أنت وما أنت‏؟‏ فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أما من أنا فأنا محمد بن عبد اللّه، وأما ما أنا فأنا عبد اللّه ورسوله‏(‏، قال، ثم تلا عليهم هذه الآية‏:‏ ‏{‏إن اللّه يأمر بالعدل والإحسان‏}‏ الآية، قالوا‏:‏ ردد علينا هذا القول، فردد عليهم حتى حفظوه، فأتيا أكثم فقالا‏:‏ أبى أن يرفع نسبه، فسألنا عن نسبه فوجدناه زاكي النسب وسطاً في مضر - أي شريفاً - وقد رمى إلينا بكلمات قد سمعناها، فلما سمعهن أكثم قال‏:‏ إني أراه يأمر بمكارم الأخلاق وينهى عن ملائمها، فكونوا في هذا الأمر رؤوساً ولا تكونوا فيه أذناباً‏.‏ وعن عثمان بن أبي العاص قال‏:‏ كنت عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم جالساً إذ شخص بصره فقال‏:‏ ‏(‏أتاني جبريل فأمرني أن أضع هذه الآية بهذا الموضع من هذه السورة‏:‏ ‏{‏إن اللّه يأمر بالعدل والإحسان‏}‏ ‏"‏أخرجه الإمام أحمد في المسند‏"‏‏)‏ الآية‏.‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس