عرض مشاركة واحدة
قديم 27-01-2009, 02:12 PM   رقم المشاركة : 89
!!! الرومـ ^_* ـانسي !!!
Band
 
الصورة الرمزية !!! الرومـ ^_* ـانسي !!!
 






!!! الرومـ ^_* ـانسي !!! غير متصل

هنا أقبلت أمي التي يبدو أنها سمعت بكاء رغد ... و وقفت إلى جانبي لحظة تنقل نظرها بني و بين رغد ، ثم تقدمت إلى رغد

" عزيزتي ؟؟ "


رغد ارتمت بقوة في حضن والدتي ... و هي تبكي بألم صارخ ... و تقول بين دموعها :


" لا تتركوني وحدي ... لا تتركوني وحدي ... "


أمي طوقت رغد بحنان و أخذت تربت عليها بعطف و تهدئها ...


ثم نظرت إلى باستياء و قالت :


" لماذا يا وليد ؟؟ "








في غرفة سامر ، أجلس على السرير ، أقلب صفحات كراسة رغد ...


الكثير من الرسومات الجميلة ...لأشياء كثيرة ... ليس من بينهم صورة لأحد أفراد العائلة غير دانة !


صورة لها و هي صغيرة و غاضبة !

و العديد من صور أشياء خيالية ... و أشباح !

لا أعرف ما الذي تقصده بها ...


كانت ساعتان قد انقضتا مذ خرجت من غرفتها تاركا إياها تهدأ في حضن والدتي

الآن أسمع طرقا على الباب


" تفضل "


و دخلت والدتي


" وليد ... العشاء جاهز "


تركت الكراسة على السرير و خرجت مع أمي قاصدين غرفة الطعام . قبل أن نصل، همست أمي لي :


" وليد ... لا تثر ذلك الأمر ثانية رجاءا "

فأومأت برأسي موافقا .




و لم أسمح لنظراتي أن تلتقي بعيني رغد أو للساني أن يكلمها طوال الوقت .


بعد ذلك ، ذهبت مع أبى نتابع آخر الأخبار عبر التلفاز ، في غرفة المعيشة


لا يزال الدمار ينتشر ... و الحرب التي هدأت نسبيا لفترة مؤقتة عادت أقوى و أعنف ... و أخذت تزحف من قلب البلدة إلى الجهات الأربع ...


تم غزو مدينتين أخريين مؤخرا ، لم تكن الحرب قد نالت منهما حتى الآن ... و تندرج المدينة الصناعية التي نحن فيها الآن ، في قائمة المدن المهددة بالقصف ...


كنت مندمجا في مشاهدة لقطات مصورة عن مظاهرات متفرقة حدثت صباح اليوم في مدن مختلفة من بلدنا .... و رؤية العساكر يضربون المدنيين و يقبضون على بعضهم ...


منظر مريع جعل قلبي ينتفض خوفا ... و أثار ذكريات السجن المؤلمة المرعبة ...


في هذا الوقت ، أقبلت رغد تحمل مجموعة من الكراسات و اللوحات الورقية ، و جاءت بها إلي !


" تفرج على هذه أيضا ... هذا كل ما لدي "


وضعتُ الكراسات علة المنضدة المركزية ، و جلست رغد على مقعد مجاور لمقعدي ... تراقبني و تنتظر تعليقاتي حول رسوماتها الجميلة ...


إن عيني كانت على الرسومات ، ألا أن أذني كانت مع التلفاز !


بعدما فرغت من استعراض جميع الرسومات قلت :


" رائعة جدا ! أنت فنانة صغيرتي ! أهذا كل شيء ؟؟ "


رغد ابتسمت بخجل و قالت :


" نعم ... عدا اللوحة الأخيرة "


و أخفت أنظارها تحت أظافر يديها !


لماذا قررت رغد رسمي أنا ؟ و أنا بالذات !؟؟

إنها لم ترسم أحدا من أفراد عائلتي ... فهاهي الرسومات أمامي و لا وجود لسامر مثلا فيما بينها !


قلت :


" متى تنهينها ؟ "


لا زالت تتأمل أظافرها و كأنها تراهم للمرة الأولى !


قالت :

" غدا أو بعد الغد ... "

قلت :

" خسارة ! لن أراها كاملة إذا ! "


رفعت رغد عينيها نحوي فجأة بقلق ، ثم قالت :

" لماذا ؟ "

أجبت :

" لأنني ... سأرحل غدا باكرا ... كما تعلمين ! "


اختفى صوت الأخبار فجأة ، التفت إلى التلفاز فإذا به موقف ، ثم إلى أبي ، و الذي كان يحمل جهاز التحكم في يده ، فرأيته ينظر إلي بعمق ... و إلى أمي فوجدتها متسمرة في مكانها ، تحمل صينية فناجين و إبريق الشاي ...


و كنت شبه متأكد ، من أنني لو نظرت إلى الساعة لوجدتها هي الأخرى متوقفة عن الدوران !

حملق الجميع بي ... فشعرت بالأسى لأجلهم ... كانت نظرات الاعتراض الشديد تقدح من أعينهم


أول من تحدث كان أمي :


" ماذا وليد ؟؟ و من قال أنك سترحل من جديد ؟؟ "


صمت قليلا ثم قلت :

" قلت ذلك منذ أتيت ... انتهت الزيارة و لابد لي من العودة "


قال والدي مقاطعا :

" ستبقى معنا يا بني "


هززت رأسي ، و قلت :

" و العمل ؟؟ ماذا أفعل ببقائي هنا ؟؟ "


و دار نقاش طويل حول هذا الموضوع ، و بدأت أمي بالبكاء ، و رغد كذلك !

و حين وصلت دانة ـ و التي كانت لا تزال تتناول العشاء مع خطيبها في غرفة الضيوف ، و جاءت تسأل أمي عن الشاي ، و رأت الوجوم على أوجهنا ثم عرفت السبب ـ بكت هي الأخرى !


أردت أن أختصر على نفسي و عليهم آلام الوداع .. سرعان ما قلت :

" سأخلد للنوم "


و ذهبت إلى غرفة سامر


أخذت أقلب كراسة رغد مجددا ...

كم أثارت ذكريات الماضي ... كم كانت شغوفة بالتلوين ! لقد كنت ألون معها ببساطة ! كم أتمنى لو ... تعود تلك الأيام ...



جمعت أشيائي في حقيبة سفري الصغيرة التي جئت بها من مدينتي


ضبطت المنبه ليوقظني قبل أذان الفجر بساعة ...


كنت أريد أن أخرج دون أن يحس أحد بذلك ، لئلا تبدأ سلسلة عذاب الفراق و ألم الوداع ... كالمرة السابقة ...


و حين نهضت في ذلك الوقت ، تسللت بهدوء و حذر خارجا من المنزل ...


كان السكون يخيم على الأجواء ... و الكون غارق في الظلام الموحش ... إلا عن إنارة خافتة منبعثة من المصباح المعلق فوق الباب


خرجت إلى الفناء الخارجي ، و كان علي أن أترك الباب غير موصد ... و سرت إلى البوابة الخارجية ... فإذا بي أسمع صوت الباب يفتح من خلفي ..


استدرت إلى الوراء ... فإذا بي أرى رغد تطل من فتحة الباب !


صمدت في مكاني مندهشا !


رغد أخذت تنظر إلى و إلى الحقيبة التي في يدي ... ثم تهز رأسها اعتراضا ... ثم تقبل إلي مسرعة ...

" وليد ... لا ... لا ترحل أرجوك "


حرت و لم يسعفني لساني بكلمة تناسب مقتضى الحال ... سألتها :


" لم ... أنت مستيقظة الآن ؟؟ "


رغد حدقت بي مدة ، و بدأت الدموع تنحدر من محجريها ...


" أوه ... كلا أرجوك ! "


قلت ذلك بضيق ، فأنا قد خرجت في هذا الوقت خلسة هروبا من هذا المنظر ...


ألا أن رغد بدأت تبكي بحدة ...


" لا تذهب وليد أرجوك ... أرجوك ... ابق معنا "


قلت :


" لا أستطيع ذلك ... أعني ... لدي عمل يجب أن أعود إليه "

و في الحقيقة ، لدي واقع مر يقف أمامي ... علي أن أهرب منه ...


رغد تهز رأسها اعتراضا و استنكارا ... ثم تقول :


" خذني معك "


ذهلت لهذه الجملة المجلجلة ! و اتسعت حدقتا عيني دهشة ...


رغد قالت :


" أريد أن أعود إلى بيتنا "


" رغد !! "


دخلت رغد في نوبة بكاء متواصل ، خشيت أن يخترق صوتها الجدران فيصل إلى البقية و يوقظهم ... و نبدأ دوامة جديدة من الدموع ...


قلت :

" رغد ... أرجوك كفى ... "


رغد قالت بانفعال ، و صوتها أقرب للنوح منه إلى الكلام :

" أنا ... وفيت بوعدي ... و لم أخن اتفاقنا ... لكنك كذبت علي ... و لم تعد ... و الآن بعد أن عدت ... تبادر بالرحيل ... و تنعتني بالخائنة ؟ إنك أنت الخائن يا وليد ... تتركني و ترحل من جديد "


كالسم ... دخلت هذه الكلمات إلى قلبي فقتلته ... و زلزلتني أيما زلزلة ...


قلت مندهشا غير مستوعب لما التقطت أذناي من النبأ الصاعق :


" لم ... لم ... تخبري أحدا ... ؟؟ "


رغد هزت رأسها نفيا ...


قلت بذهول :


" و لا ... حتى ... سامر ؟؟ "


و استمرت تهز رأسها نفيا و بألم ...

فشعرت بالدنيا هي الأخرى تهتز و ترتجف من هول المفاجأة ... تحت قدمي ّ


قالت :


" كنت أنتظر أن تعود ... لكنهم أخبروني أنك لن تعود ... و لا تريد أن تعود ... و كلما اتصلت بهاتفك ... وجدته مقفلا ... و لم تتصل لتسأل عني و لا مرة طوال هذه السنين ... لماذا يا وليد ؟؟ "


لحظتها تملكتني رغبة مجنونة بأن أضحك ... أو ... أو حتى أتقيأ من الصدمة !
لكن ...
ما الجدوى الآن ...


كبتّ رغبتي في صدري و معدتي ، و رفعت نظري إلى السماء ... أُشهد ملائكة الليل على حال ٍ ليس لها مثيل ...


و حسبي الله و نعم الوكيل ...


سمعت صوت تغريد عصفور شق سكون الجو ... و نبهني للوقت الذي يمضي ...

و الوقت الذي قد مضى ...

و الوقت القادم المجهول ...

كم سخرت الدنيا مني ... فهل من مزيد ؟؟؟


" صغيرتي ... أنا ذاهب ... "


رغد ظلت تنظر إلي و تبكي بغزارة ... و لم يكن باستطاعتي أن أمسح دموعها ...


استدرت موليا إياها ظهري ... لكن صورتها بقيت أمام عيني مطبوعة في مخيلتي ...


سرت خطى مبتعدا عنها ... نحو البوابة الرئيسية للفناء ، و فتحتها ...

قلت :

" اقفلي الباب من بعدي .. "


دون أن التفت نحوها ... فهو دوري لأذرف الدموع ... التي لا أريد لأحد أن يراها و يسبر غورها ...



" وليــــــــــد "



و كعصفور يطير بحرية ... بلا قيود و لا حدود ... و لا اعتبار لأي شيء ... أقبلت نحوي ...



استدرت ... و تلقيت سهما اخترق صدري و ثقب قلبي ... و بعثر دمائي و مشاعري في لحظة انطلقت فيها روحي تحلق مع الطيور المرفرفة بأجنحتها ... احتفالا بمولد يوم جديد ...



منذ الساعة التي أجريت فيها المقابلة الشخصية ، و طرح علي السؤال عن خبراتي و مؤهلاتي و عملي في السابق ، أدركت أن الأمر لن يكون يسيرا ...



حصلت على الوظيفة رغم ذلك بتوصية حادة من صديقي سيف ، الذي ما فتئ يشجعني و يحثني على السير قدما نحو الأمام



و خلال الأشهر التالية ، واجهت الكثير من المصاعب ... مع الآخرين .

بطريقة ما انتشر نبأ كوني خريج سجون بين الموظفين ، و تعرضت للسخرية و المعاملة القاسية من قبل أكثرهم




كنت أعود كل يوم إلى المنزل مثقلا بالهموم ، و عازما على عدم العودة للشركة مجددا ، ألا أن لقاءا قصيرا أو مكالمة عابرة مع صديقي سيف تنسيني آلامي و تزيح عني تلك الهموم ...



أصبح صديقي سيف هو باختصار الدنيا التي أعيشها ...




توالت الأشهر و أنا على هذه الحال ، و كنت اتصل بأهلي مرتين أو ثلاث من كل شهر ... اطمئن على أحوالهم و أحيط علما بآخر أخبارهم



علمت أن رغد التحقت بكلية الفنون و أن دانه قد حددت موعدا لزفافها بعد بضعة أشهر .. و أن والديّ يعتزمان تأدية الحج هذا العام ...


أما سامر ، فقليلا جدا ما كنت أتحدث إليه ، حين أتصل و يكون صدفة متواجدا في المنزل ، إذ انه كان يعمل في مدينة أخرى ...



في الواقع ، أنا من كان يتعمد الاتصال في أيام وسط الأسبوع أغلب الأوقات .



لقد تمكنت بعد جهد طويل ، من طرد الماضي بعيدا عن مخيلتي ، ألا أنني لازلت احتفظ بصورة رغد الممزقة موضوعة على منضدتي قرب سريري ـ إلى جانب ساعتي القديمة ـ ألمها ثم أبعثرها كل ليلة !



حالتي الاقتصادية تحسنت بعض الشيء ، و اقتنيت هاتفا محمولا مؤخرا ، ألا أني تركت هاتف المنزل مقطوعا عن الخدمة .



أما أوضاع البلد فساءت عما كانت عليه ... و أكلت الحرب مدنا جديدة ...
و أصبح محظورا علينا العبور من بعض المناطق أو دخول بعض المدن ...



في مرات ليست بالقليلة نتبادل أنا و سيف الزيارة ، و نخرج سوية في نزهات قصيرة أو مشاوير طويلة ، هنا أو هناك ...




في إحدى المرات ، كنت مع صديقي سيف في مشوار عمل ، و كنا نتأمل مشاهد الدمار من حولنا ...

الكثير الكثير من المباني المحطمة ... و الشوارع الخربة ...



مررنا في طريقنا بأحد المصانع ، و لم يكن من بين المباني التي لمستها يد الحرب ... فتذكرت مصنع والدي الذي تدمر ...


قلت :


" سبحان الله ! نجا هذا من بين كل هذه المباني المدمرة ! ألا يزال الناس يعملون فيه ؟؟ "


أجاب سيف :


" نعم ! إنه أهم مصنع في المنطقة يا وليد ! ألا تعرفه ؟ "


" كلا ! لا أذكر أنني رأيته مسبقا ! "


ابتسم سيف و قال :


" إنه مصنع عاطف ... والد عمّار ... يرحمهما الله ! "



دهشت ! فهي المرة الأولى التي أرى فيها هذا المبنى ... !



أخذت أتأمله بشرود ... ثم ، انتبهت لكلمة علقت في أذني ...


" ماذا ؟ رحمهما الله ؟؟ "


سألت سيف باستغراب ، معتقدا بأنه قد أخطأ في الكلام ... قال سيف :


" نعم ... فعاطف قد توفي العام الماضي ... رحمه الله "







]]]يتبع]]]