عرض مشاركة واحدة
قديم 04-05-2014, 02:57 AM   رقم المشاركة : 2
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

إخوة الإسلام:
ومع التأكيد في الترغيب، والتشديد في الوعيد صوبَ البيئة وجودًا وعدمًا،
إلا أنها في كثيرٍ من الأقطار، وبجهلِ الجاهلين واعتِساف العابِثين أصبحَت رسمًا محيلاً،
وأثرًا مُشوَّهًا ضئيلاً، وبلقعًا وبيلاً، بعد أن كانت مغنًى مُمتعًا جميلاً.
فكم من بيئةٍ قميئةٍ وبيئةٍ، تغمُرها الرَّثاثةُ والقَذَى، وظاهرُها الفوضَى والإهمالُ والأذى؟!
إن السعيَ في إفساد المنظومة البيئية داءٌ قميءٌ عُضال،
لا يتلبَّسُ به إلا من هو عن سبيل الذَّوق العامِّ مُنحرِفٌ وضالٌّ،
عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما :
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
( ما من إنسانٍ قتلَ عصفورًا فما فوقَها بغير حقِّها
إلا سألَه الله - عز وجل – عنها )
أخرجه أحمد والنسائي.
وقال - صلى الله عليه وسلم -:
( من قطعَ سِدرةً صوَّبَ الله رأسَه في النار )
أخرجه البيهقيُّ وأبو داود،
وقال مُعلِّقًا: " أي: عبثًا وظُلمًا بغير حاجةٍ تكونُ له فيها ".
ذلكم الوعيدُ في سِدرةٍ في فلاة، وشجرةٍ في نوماة؛ فكيف بالصيد والاحتِطابِ الجائر؟
وانبِعاث دُخان المصانِع، وعوادِم المركَبات، وأكوام النفايات، وآسِن المُستنقعَات،
وطفحِ الصَّرف الصحِّيِّ، ونحو ذلك من البيئات الطارِدة.
وأخطرُ من ذلك: ما حسبُنا الله عليه، ثم حسبُنا من جبروت الظُّلم والطُّغيان،
وأسلِحة الدمار الشامِل، والأسلحة النووية والكيماوية، والغازَات السامَّة،
والألغام المُتفجِّرة، وبراميل النيران،
التي أبادَت جموعَ النساء والرجال والولدان دون شفقةٍ أو رحمةٍ أو تَحنان،
ومحَقَت بكل وحشيَّةٍ وبُهتان مصادرَ البيئة والحياة،
وجعلَت منها مورِدَ الأسقام والهلَكَات، ومن منابِع الخيرات مغيضَ البركات،
ومسرحًا للحروب والصِّراعات.
وفي مُقدِّمة ذلك: المُمارساتُ الصهيونيَّة ضدَّ المُقدَّسات الإسلامية، والأزمةُ السورية،
وتدهوُر الأوضاع الإنسانيَّة في بلاد الشام في إرهابٍ فظيعٍ ضدَّ الإسلام
والإنسان والبيئة.
ألا بِئسَت الطُّغمةُ الأشرار التي محَت من جمال البيئة كلَّ الآثار،
وهلُمَّ جرًّا من جرائِم التلوُّث السمعيِّ والبصريِّ واللفظيِّ مما يُخجِلُ الفضيلة،
وتئِنُّ منه المروءةُ، والله المُستعان.
أيها المؤمنون:
إن الوعيَ التامَّ، والتثقيفَ العامَّ بالرِّياد عن البيئة، وحفظِ مُقوِّماتها،
وعناصرها ومُهمَّاتها، والوعي البيئيِّ والإصحاح البيئيِّ أمانةٌ شرعيةٌ،
ومسؤوليةٌ خُلُقيَّة، وحاجةٌ وطنيَّة، وضرورةٌ اجتماعية، وقيمةٌ حضاريَّة،
لا تزيدُ الأُممَ إلا تحضُّرًا وعلوًّا، ورُقيًّا ونمُوًّا، ولخلالِها سدًّا ورفُوًّا.
ولـك الـحـقـولُ وزهـرُهــا وأريـجُـهــا
ونـسـيـمُــهــا والـبــلــبــلُ الـمُــتــرنِّــمُ
والــمــاءُ حــولــك فــضَّـــةٌ رقــراقـــةٌ
والـشـمـسُ فـوقَـك عـسـجَـدٌ يـتـضـرَّمُ
فـامـشِـي بـعـقـلِـك فـوقَـهـا مُـتـفـهِّـمًـا
إن الـمَــلاحَــةَ مُــلــكُ مـــن يـتــفــهَّــمُ
إخوة الإسلام:
وعندما ترتقِي فهومُ الأُمم إلى مدارات الإسلام وتشريعاته الحُكميَّة،
وأسراره الحِكَميَّة، وإشراقاته الإنسانية والبيئية، وإجراءاته الطبية والوقائيَّة،
تتسنَّمُ قمَّةَ السُّؤدَد والتغيير، الموجَد في قول العزيز القدير:
{ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ }
[ الزلزلة: 7، 8 ]
وسيكونُ الفوزُ - بإذن الله - حليفَها، والخيرُ أليفَها، والنصرُ ديدَنَها وهِجِّيراها،
وتفترِعُ معاقِدَ الأمجاد وذُراها.
أمة الإسلام:
ويمتدُّ الحِفاظُ على البيئة العامَّة إلى البيئة الاجتماعية، والوطنية،
والأُسرية، والسياسيَّة، والمُجتمعيَّة، والاقتصاديَّة، وحماية الحياة الفِطريَّة،
والبيئةِ التعبُّديَّة والعمليَّة الجاذِبة، وذروة سنامِها، ودُرَّة تمامها:
البيئة الروحيَّة بالتوحيد والإيمان، والقرآن والسنة،
التي تُزكِّي المُجتمعات من الذنوبِ والآفات، وتُطهِّرُها من أدران الإلحاد والشِّرك،
والبِدَع والمعاصِي والمُنكرات، وموجات الغلُوِّ والتشكيك، واهتِزاز الثوابِت والقِيَم،
وهَدر المُقدَّرات والمُكتسَبَات، فتغدُو أضوعَ من النسيمِ الأرِيج، وآلَق من السُّكون البَهيج.
وبعد إخوة الإيمان:
فإن الحِفاظَ على البيئة قرينُ الأخلاق الحَميدة العليَّة، وعنوانُ التمسُّك بالسنَّة السنيَّة؛
لأن المنهجَ الإسلاميَّ الفريد مصدرُ انبِثاقها، ومنبعُ اشتِقاقها،
وعليه لزِمَ تقويمُ رؤية العالَم والمُجتمعات إزاءَ البيئة،
وذلك بإخراجها من الحيِّز الماديِّ المحدود إلى الحيِّز التعبُّديِّ المودود.
وأن نُعزِّز مفاهيمَها الدقيقة المُنيفة، ذات المغازي الشريفة لدى فلَذَات الأكباد،
والأجيال والشباب، في المعاهِد والجامِعات، والمدارِس والكليات،
وعلى شتَّى الصُّعُد والمجالات، وأن نُذكِيَ في طموحاتهم الثقافة البيئية شريعةً،
وعبادةً، وقُربةً إلى الله، لا ذوقًا فحسدًا وعادة.
مع تجليَة آثار النفع والجمال فيها، وكذا في مغبَّاتها ومعانِيها،
كي تنعكِسَ على أرواحِهم بالهُدى والندى والسعادة،
وتُرقِّيَ ذائقَتَهم فتُلفِي نحو الإصلاح والفلاح أُنفًا مُنقادة.
تلكم الأُمنية المُبتغاة المُرادة، ونِعمَت العزيمةُ والإرادة.
أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم:
{ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ
وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ
وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ }
[ البقرة: 204، 205 ].
بارك الله لي ولكم في السنة والقرآن، ونفعَنا بما فيهما من الذكر والهُدى والبيان،
أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ الله العظيمَ الجليلَ لي ولكم،
فاستغفِرُوه وتوبُوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس