عرض مشاركة واحدة
قديم 20-08-2014, 03:48 AM   رقم المشاركة : 40
حايـ الدمعه ـر
( ود متميز )
 
الصورة الرمزية حايـ الدمعه ـر
 






حايـ الدمعه ـر غير متصل

الصحة تاج على رؤوس الأصحاء ، هذه عبارة مأثورة ، أغلب الظن قائلها رجل مريض ، فالأصحاء نادرا ما يعيرونها اهتماما .. ولماذا يهتمون لشيء هم يملكونه أصلا ؟! .. أحد هؤلاء الأصحاء ، وهو شاب عاطل عن العمل ، علق مرة على هذه العبارة قائلا : "ما فائدة هذا التاج الوهمي ؟ .. أنا أريد ذهبا حقيقيا . أعطني بيتا وسيارة وخذ التاج مني " .. فنظر أليه أحد المرضى الأغنياء بحسرة وقال : "أنا على استعداد لأن أبذل كل ما املك في سبيل ذاك التاج .. وأنت تبدله بسيارة !".

وروي قديما بأن ملكا ذو شأن وسلطان أصابه مرض أعجزه عن البول ، فراح يهرول إلى الحمام جيئة وذهابا وهو يعاني آلاما مبرحة ، حتى أصابه اليأس وأقعده الإعياء فطفق يبكي ويتوسل قائلا : " يا وزراء يا جيش يا رعية .. أنجدوني ، أريد أن أبول! .. سأعطي مملكتي كلها مقابل أن أبول". وقد وصلت مقولته هذه لاحقا إلى أسماع أحد الحكماء فعلق عليها ساخرا : "قبح الله مُلكا قيمته بولة"!.

نعم عزيزي القارئ .. عند المرض ، حتى أعظم الأشياء وأحسنها تفقد بريقها ورونقها ، فالإنسان المريض قد يبذل كل ما يملك لقاء صحته ، أما الصحيح المتعافي فغافل عما هو فيه من نعمة ، تراه غير قانع بنصيبه ، يطلب من ربه ألف حاجة .. مال .. ملابس .. عملية تجميل للأنف! .. كل ما يخطر على بال . في حين لا يسأل المريض سوى أمر واحد ... كل ليلة ، بعد أن تنام عنه العيون ويرهقه طول سهاده ورقاده ، يمد للسماء راحتيه ، تغتسل بالدموع وجنتيه ، ترتعش بالرجاء شفتيه ، يضج إلى خالقه باكيا متضرعا : " ربي إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين ..".

ويا له من منظر مؤثر وحزين .. منظر أولئك المادون أكفهم للسماء ، الضاجون بالدعاء .
لكن ألم يكن هؤلاء أنفسهم يوما أصحاء ؟ .. ألم يكن فيهم من هو ظالم وجبار ومتكبر .. أنظر كيف أصبحوا .. أنظر إلى ذلك الوالد القاسي كيف أصبح حملا وديعا يتملق أبناءه بعد أن هدّه المرض . وذلك الغني المتكبر الذي كانت قدمه تكاد لا تطأ الأرض لشدة غروره وخيلاءه .. أنظر إليه كيف أصبح يستجدي دعاء الفقراء ! .. وتلك الغادة الهيفاء التي أدمنت تحطيم القلوب .. غدت وحيدة بعد أن زال جمالها وزال معه حشد المعجبين والعاشقين ..

اللهم لا شماتة في مرض .. لكن اختلاف أحوال الناس عند العافية والسقم هو أمر يوجب التأمل ، وفيه عظة وعبرة لكل معتبر . قبل أيام ذهبت لعيادة قريب لي اعتراه داء خبيث في رأسه ، ولم أكن قد رأيته منذ فترة ، وكان عهدي به شابا قوي البنيان حسن البيان . وقد علمت بأنهم أجروا له عدة عمليات جراحية وعالجوه بالكيماوي ، فرأيته وقد نحل جسده ، وثقل لسانه ، وأحول بصره ، وتساقط شعره ، وخف عقله . أكلمه فيكتفي بهز شفتيه وقد زاغت عيناه ، كأنه عاجز عن الإدراك وغائب عن المنطق ، فشق علي حاله والله ، وتأثرت بمحنته أيما تأثر ، وانعكس كل ذلك على نفسي ، فارتأيت أن أكتب مقالا عن غرائب الأمراض ، أنبه فيه الأصحاء الغافلون لما هم فيه من نعمة ، وأسلي عن المرضى بعرض مصائب الآخرين ، لعل من يرى مصائب الناس تهون عليه بلواه







رد مع اقتباس