عرض مشاركة واحدة
قديم 24-04-2014, 04:48 AM   رقم المشاركة : 4
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم‏(‏8‏:‏9‏)‏
{‏ ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين ‏.‏ يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون ‏}

لما تقدم وصف المؤمني في صدر السورة بأربع آيات، ثمّ عرف حال الكافرين بآيتين، شرع تعالى في بيان حال المنافقين، الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر، ولمّا كان أمرهم يشتبه على كثير من الناس، أطنب في ذكرهم بصفات متعددة، كلٌ منها نفاق، كما أنزل سورة براءة وسورة المنافقين فيهم، وذكرهم في سورة النور وغيرها من السور، تعريفاً لأحوالهم لتُجتَنَبَ ويُجتنب من تلبّس بها أيضاً، فقال تعالى‏:‏ {‏ومن الناس من يقول آمنا بالله ‏.‏‏.‏‏}
الآيات‏.‏
والنفاق‏:‏ هو إظهار الخير وإسرار الشر،
وهو أنواع‏:‏ اعتقادي‏:‏ وهو الذي يخلد صاحبه في النار، وعملي‏:‏ وهو من أكبر الذنوب، لأن المنافق يخالف قولُه فعله، وسره علانيَتَه، وإنما نزلت صفات المنافقين في السورة المدنية، لأن مكّة لم يكن فيها نفاق بل كان خلافه، ولهذا نبّه اللّه سبحانه على صفات المنافقين لئلا يغتر بظاهر أمرهم المؤمنون، فيقع لذلك فساد عريض من عدم الإحتراز منهم، ومن اعتقاد إيمانهم وهم كفّار في نفس الأمر، وهذا من المحذورات الكبار أن يظنَّ بأهل الفجور خيراً، فقال تعالى‏:‏ {‏ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر‏} أي يقولون ذلك قولاً كما قال تعالى‏:‏ {‏إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله‏}‏، أي إنما يقولون ذلك إذا جاءوك فقط لا في نفس الأمر، وليس الأمر كذلك، كما كذبهم اللّه في شهادتهم بقوله‏:‏{‏والله يشهد إن المنافقين لكاذبون‏} وفي اعتقادهم بقوله‏:‏ ‏{‏وما هم بمؤمنين‏}‏‏.‏
وقوله تعالى‏:‏{‏يخادعون الله والذين آمنوا‏}‏ أي بإظهار ما أظهروه من الإيمان مع إسرارهم الكفر، يعتقدون - بجهلهم - أنهم يخدعون اللّه بذلك وأن ذلك نافعهم عنده، وأنه يروج عليه كما قد يروج على بعض المؤمنين، ولهذا قابلهم على اعتقادهم ذلك بقوله‏:‏ {‏وما يخدعون إلا أنفسَهم وما يشعرون‏}‏ أي ما يغرّون بصنيعهم هذا إلا أنفسهم، وما يشعرون بذلك من أنفسهم كما قال تعالى‏:‏{‏إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم‏}
‏، ومن القراء من قرأ‏:‏
وما يخادعون وكلا القراءتين يرجع إلى معنى واحد‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة


الآية رقم ‏(‏10‏)‏
{‏ في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون ‏}

‏{‏ في قلوبهم مرضٌ‏}
أي شكٌّ{‏فزادهم الله مرضا‏} شكاً، وعن ابن عباس ‏{‏مرضٌ‏}‏ نفاقٌ {‏فزادهم الله مرضاً‏} نفاقاً، وهذا كالأول‏.‏ وقال عبد الرحمن بن أسلم‏:‏ هذا مرضٌ في الدين وليس مرضاً في الأجساد، والمرض الشك الذي دخلهم في الإسلام ‏{‏فزادهم الله مرضاً‏}‏ أي زادهم رجساً‏.‏ وقرأ‏:‏ ‏{‏فأما الذين آمنوا فزادتهم إيماناً وهم يستبشرون‏.‏ وأمّا الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجساً إلى رجسهم‏}‏ يعني شراً إلى شرهم، ضلالة إلى ضلالتهم وهذا الذي قاله هو الجزاء من جنس العمل ‏{‏ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون‏}
‏ وقرئ
يَكْذبون و ويُكَذّبون وقد كانوا متصفين بهذا وهذا، فإنهم كانوا كذبة ويكذبون بالغيب، يجمعون بين هذا وهذا، وحكمة كفّه عليه الصلاة والسلام عن قتل المنافقين، مع علمه بأعيان بعضهم ما ثبت في الصحيحين أنه صلى اللّه عليه وسلم قال لعمر رضي اللّه عنه‏:‏ ‏(‏أكره أن يتحدث العرب أن محمداً يقتل أصحابه‏)‏ ‏"‏هو جزء من حديث شريف أخرجه الشيخان‏"‏ومعنى هذا خشيته عليه السلام أن يقع بسبب ذلك تغير لكثير من الأعراب عن الدخول في الإسلام، ولا يعلمون حكمة قتله لهم، وأن قتله إياهم إنما هو على الكفر، فإنهم إنما يأخذونه بمجرد ما يظهر لهم فيقولون‏:‏ إن محمداً يقتل أصحابه‏.‏ وقال الشافعي‏:‏ إنما منع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من قتل المنافقين ما كانوا يظهرونه من الإسلام مع العلم بنفاقهم، لأن ما يظهرونه يجبُّ ما قبله، وفي الحديث المجمع على صحته‏:‏ ‏(‏أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على اللّه عز وجل‏)‏ ‏"‏أخرجه الشيخان وهو حديث متواتر‏"‏ومعنى هذا أن من قالها جرت عليه أحكام الإسلام ظاهراً، فإن كان يعتقدها وجد ثواب ذلك في الآخرة، وإن لم يعتقدها لم ينفعه جريان الحكم عليه في الدنيا ‏
{‏ينادونهم ألم نكن معكم قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله‏}‏ الآية فهم يخالطونهم في المحشر فإذا حقت المحقوقية تميزوا منهم وتخلفوا بعدهم ‏{‏وحيل بينهم وبين ما يشتهون‏}
‏‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة


الآية رقم ‏(‏11‏:‏12‏)‏
{‏وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون‏.‏ ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون ‏}

قال السُّدي عن ابن مسعود وعن أُناسٍ من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ هم المنافقون، والفساد في الأرض هو الكفر والعمل بالمعصية، وقال أبو العالية‏:‏{‏لا تفسدوا في الأرض‏}
يعني لا تعصوا في الأرض، وكان فسادهم ذلك معصية اللّه، لأنه من عصى اللّه في الأرض، أو أمر بمعصيته فقد أفسد في الأرض، لأن صلاح الأرض والسماء بالطاعة، وقال مجاهد‏:‏ إذا ركبوا معصية اللّه فقيل لهم‏:‏ لا تفعلوا كذا وكذا قالوا‏:‏ إنما نحن على الهدى مصلحون‏.‏
قال ابن جرير‏:‏ فأهل النفاق مفسدون في الأرض بمعصيتهم ربهم، وركوبهم ما نهاهم عن ركوبه، وتضييعهم فرائضه، وشكهم في دينه، وكذبهم المؤمنين بدعواهم غير ما هم مقيمون عليه من الشك والريب، ومظاهرتهم أهل التكذيب باللّه وكتبه ورسله على أولياء اللّه إذا وجدوا إلى ذلك سبيلاً، فذلك إفساد المنافقين في الأرض، وهم يحسبون أنهم بفعلهم ذلك مصلحون فيها‏.‏ فالمنافق لما كان ظاهره الإيمان اشتبه أمره على المؤمنين، وغرَّهم بقوله الذي لا حقيقة له، ووالى الكافرين على المؤمنين، ولو أنه استمر على حاله الأول لكان شره أخف، ولهذا قال تعالى‏:‏ {‏وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون‏}‏ أي نريد أن نداري الفريقين من المؤمنين والكافرين، ونصطلح مع هؤلاء وهؤلاء، قال ابن عباس {‏إنما نحن مصلحون‏} أي إنما نريد الإصلاح بين الفريقين من المؤمنين وأهل الكتاب يقول اللّه تعالى‏:‏
{‏ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون‏}‏ يقول‏:‏ ألا إن هذا الذي يزعمون أنه إصلاح هو عين الفساد، ولكن من جهلهم لا يشعرون بكونه فساداً‏.‏


الآية رقم ‏(‏13‏)‏
{‏ وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون ‏}

يقول تعالى‏:‏{‏وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس‏} أي كلإيمان الناس باللّه وملائكته وكتبه ورسله، والبعث بعد الموت، والجنة والنار، وغير ذلك مما أخبر المؤمنين به، وأطيعوا اللّه ورسوله في امتثال الأوامر، وترك الزواجر ‏{‏قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء‏}
‏‏؟‏ يعنون - لعنهم اللّه - أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقولون‏:‏ أنصير نحن وهؤلاء بمنزلة واحدة وعلى طريقة واحدة، وهم سفهاء‏؟‏
والسفيه‏:‏ هو الجاهل الضعيف الرأي، القليل المعرفة بالمصالح والمضار، ولهذا سمى اللّه النساء والصبيان سفهاء في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل اللّه لكم قياما‏}‏ وقد تولى سبحانه جوابهم في هذه المواطن كلها فقال‏:‏{‏ألا إنهم هم السفهاء‏} فأكد وحصر السفاهة فيهم
{‏ولكن لا يعلمون‏}‏ يعني ومن تمام جهلهم أنه لا يعلمون بحالهم في الضلالة والجهل، وذلك أبلغ في العمى والبعد عن الهدى‏.‏


الآية رقم ‏(‏14 ‏:‏ 15‏)‏
{‏ وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون ‏.‏ الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون ‏}

أي، وإذا لقي هؤلاء المنافقون المؤمنين‏:‏ قالوا آمنا، وأظهروا لهم الإيمان والموالاة، غروراً منهم للمؤمنين ونفاقاً ومصانعة وتقية، وليشركوهم فيما أصابوا من خير ومغنم ‏{‏وإذا خلوا إلى شياطينهم‏} يعني إذا انصرفوا وخلصوا إلى شياطينهم، فضمّن خلوا معنى انصرفوا لتعديته بإلى ليدل على الفعل المضمر، وشياطينهم سادتهم وكبراؤهم، ورؤساؤهم من أحبار اليهود، ورؤوس المشركين والمنافقين، قال السُّدي عن ابن مسعود ‏{‏وإذا خلوا إلى شياطينهم‏} يعني رؤساءهم في الكفر، وقال ابن عباس‏:‏ هم أصحابهم من اليهود الذين يأمرونهم بالتكذيب وخلاف ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال مجاهد‏:‏ أصحابهم من المنافقين والمشركين، وقال قتادة‏:‏ رؤوسهم وقادتهم في الشرك والشر ‏"‏وهو قول أبي العالية والسُّدي والربيع بن أنَس وغيرهم‏"‏، قال ابن جرير‏:‏ وشياطين كل شيء مردته، ويكون الشيطان من الإنس والجن كما قال تعالى‏:‏ {‏شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً‏}‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏قالوا إنا معكم‏}‏ أي إنا على مثل ما أنتم عليه‏{‏إنما نحن مستهزءون‏}‏ أي إنما نستهزىء بالقوم ونلعب بهم، وقال ابن عباس‏:‏ ‏{‏مستهزئون‏}‏ ساخرون بأصحاب محمد صلى اللّه عليه وسلم، وقوله تعالى جواباً لهم ومقابلة على صنيعهم‏:‏ ‏{‏الله يستهزىء بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون‏}، قال ابن عباس‏:‏ يسخر بهم للنقمة منهم ‏{‏ويمدهم‏}‏ يملي لهم، وقال مجاهد‏:‏ يزيدهم كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون‏}، قال ابن جرير‏:‏ أخبر تعالى أنه فاعل بهم ذلك يوم القيامة في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم‏} الآية، وفي قوله‏:‏ ‏{‏ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما‏}‏ الآية، قال‏:‏ فهذا وما أشبهه من استهزاء اللّه تعالى ومكره وخديعته بالمنافقين وأهل الشرك، وقال آخرون‏:‏ استهزاؤه بهم توبيخه إياهم، ولومه لهم على ما ارتكبوا من معاصيه، وقال آخرون‏:‏ قوله‏:‏ ‏{‏الله يستهزىء بهم‏}‏، وقوله‏:‏{‏يخادعون الله وهو خادعهم‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏نسوا الله فنسيهم‏}
‏ وما أشبه ذلك إخبار من اللّه أنه مجازيهم جزاء الاستهزاء، معاقبهم عقوبة الخداع، فأخرج الخبر عن الجزاء مخرج الخبر عن الفعل الذي استحقوا العقاب عليه، فاللفظ متفق والمعنى مختلف يسمى هذا النوع عند علماء البيان المشاكلة وهو أن تتفق الجملتان في اللفظ وتختلفا في المعنى كقول القائل‏:‏
قالوا اقترح شيئاً نجد لك طبخه * قلت‏:‏ اطبخوا لي جبة وقميصا
كما قال تعالى‏:‏{‏وجزاء سيئة سيئة مثلها‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه‏}‏ فالأول ظلم والثاني عدل، فهما وإن اتفق لفظهما فقد اختلف معناهما، وإلى هذا المعنى وجهوا كل ما في القرآن من نظائر ذلك والعمه‏:‏ الضلال، يقال‏:‏ عمه عمهاً إذا ضل، وقوله‏:‏ ‏{‏في طغيانهم يعمهون‏}‏ أي في ضلالتهم وكفرهم يترددون حيارى، لا يجدون إلى المخرج منه سبيلاً لأن اللّه قد طبع على قلوبهم، وختم عليها، وأعمى أبصارهم عن الهدى فلا يبصرون رشداً ولا يهتدون سبيلاً، وقا بعضهم‏:‏ العمه في القلب، والعمى في العين، وقد يستعمل العمى في القلب أيضاً كم قال تعالى‏:‏
{‏فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور‏}‏‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏16‏)‏
‏{‏ أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين‏}

قال السدي عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابه ‏{‏أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى‏} أخذوا الضلالة وتركوا الهدى، وعن ابن عباس ‏{‏أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى‏}‏ أي الكفر بالإيمان، وقال مجاهد‏:‏ آمنوا ثم كفروا، وقال قتادة‏:‏ استحبوا الضلالة على الهدى‏.‏ وهذا الذي قاله قتادة يشبهه في المعنى قوله تعالى في ثمود‏:‏ ‏{‏فأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى‏}‏
‏.‏
وحاصل قول المفسرين فيما تقدم‏:‏ أن المنافقين عدلوا عن الهدى إلى الضلال، واعتاضوا عن الهدى بالضلالة، وهو معنى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى‏} أي بذلوا الهدى ثمناً للضلالة ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين‏}‏ أي ما ربحت صفقتهم في هذه البيعة، وما كانوا مهتدين أي راشدين في صنيعهم ذلك وقال ابن جرير عن قتادة‏:‏
{‏فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين‏} قد والله رأيتموهم خرجوا من الهدى إلى الضلالة، ومن الجماعة إلى الفرقة، ومن الأمن إلى الخوف، ومن السنة إلى البدعة‏.‏




الآية رقم ‏(‏17:‏18‏)‏
{‏ مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون ‏.‏ صم بكم عمي فهم لا يرجعون ‏}

يقال‏:‏ مَثَل، والجمع أمثال، قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقِلها إلا العالمون‏}
‏، وتقدير هذا المثل أن الله سبحانه شبههم في اشترائهم الضلالة بالهدى، وصيرورتهم بعد البصيرة إلى العمى، بمن استوقد ناراً، فلما أضاءت ما حوله، وانتفع بها وأبصر بها ما عن يمينه وشماله، وتأنس بها ‏.‏‏.‏‏.‏ فبينما هو كذلك إذا طفئت ناره وصار في ظلام شديد، لا يبصر ولا يهتدي وهو مع هذا أصم لا يسمع، أبكم لا ينطق، أعمى لو كان ضياء لما أبصر، فهذا لا يرجع إلى ما كان عليه قبل ذلك، فكذلك هؤلاء المنافقون في استبدالهم الضلالة عوضاً عن الهدى، واستحبابهم الغي على الرشد، وفي هذا المثل دلالة على أنهم آمنوا ثم كفروا، كما أخبر تعالى عنهم في غير هذا الموضع والله أعلم‏.‏
وقال الرازي‏:‏ والتشبيه ههنا في غاية الصحة لأنهم بإيمانهم اكتسبوا أولاً نوراً، ثم بنفاقهم ثانياً أبطلوا ذلك فوقعوا في حيرة عظيمة، فإنه لا حيرة أعظم من حيرة الدين‏.‏
وصح ضرب مثل الجماعة بالواحد كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏مثل الذين حُمِّلوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا‏} وقال بعضهم‏:‏ تقدير الكلام مثل قصتهم كقصة الذين استوقدوا ناراً، وقد التفت في أثناء المثل من الواحد إلى الجمع في قوله تعالى‏:‏ ‏
{‏فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون‏.‏ صم بكم عمي فهم لا يرجعون‏}
‏، وهذا أفصح في الكلام وأبلغ في النظام‏.‏
وقوله تعالى‏:‏{‏ذهب الله بنورهم‏} أي ذهب عنهم بما ينفعهم وهو النور وأبقى لهم ما يضرهم وهو الإحراق والدخان، ‏{‏وتركهم في ظلمات‏}‏ وهو ما هم فيه من الشك والكفر والنفاق‏.‏ ‏{‏لا يبصرون‏}‏ لا يهتدون إلى سبيل خير ولا يعرفونها، وهم مع ذلك ‏{‏صم‏}‏ لا يسمعون خيراً، ‏{‏بكم‏}‏ لا يتكلمون بما ينفعهم، ‏{‏عمي‏}‏ في ضلالة وعماية البصيرة، كما قال تعالى‏:‏ ‏
{‏فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور‏}
‏ فلهذا لا يرجعون إلى ما كانوا عليه من الهداية التي باعوها بالضلالة‏.‏
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله تعالى‏:‏{‏مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً‏} إلى آخر الآية‏.‏‏.‏‏.‏ قال‏:‏ هذه صفة المنافقين، كانوا قد آمنوا حتى أضاء الإيمان في قلوبهم كما أضاءت النار لهؤلاء الذين استوقدوا ناراً، ثم كفروا فذهب الله بنورهم فانتزعه كما ذهب بضوء هذه النار فتركهم في ظلمات لا يبصرون‏.‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس