عرض مشاركة واحدة
قديم 25-04-2014, 02:56 AM   رقم المشاركة : 9
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏31 ‏:‏ 33‏)‏
{‏ وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين ‏.‏ قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ‏.‏ قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون ‏}

هذا مقام ذَكَر اللّه تعالى فيه شرفُ آدم على الملائكة، بما اختصه من علم أسماء كل شيء دونهم، وهذا كان بعد سجودهم له، وإنما قدم هذا الفصل على ذاك لمناسبة ما بين هذا المقام وعدم علمهم بحكمة خلق الخليقة، حين سألوا عن ذلك فأخبرهم تعالى بأنه يعلم ما لا يعلمون، ولهذا ذكر اللّه هذا المقام عقيب هذا ليبيّن لهم شرف آدم بما فضل به عليهم في العلم، فقال تعالى‏:{‏وعلم آدم الأسماء كلها‏} قال السدي عن ابن عباس‏:‏ {‏وعلم آدم الأسماء كلها‏} علمه أسماء ولده إنساناً إنساناً، والدواب فقيل هذا الحمار، هذا الجمل، هذا الفرس ‏"‏هذه رواية السدي عن بن عباس، والثانية رواية الضحاك عنه‏"‏وقال الضحاك عن ابن عباس{‏وعلم آدم الأسماء كلها‏} قال‏:‏ هي هذه الأسماء التي يتعارف بها الناس‏:‏ إنسان، ودواب، وسماء، وأرض وسهل، وبحر، وخيل، وحمار، وأشباه ذلك من الأمم وغيرها‏.‏ وقال مجاهد {‏وعلم آدم الأسماء كلها‏}‏‏:‏ علمه اسم كل دابة، وكل طير، وكل شيء، وكذلك روي عن سعيد بن جبير وقتادة وغيرهم من السلف أنه علمه أسماء كل شيء والصحيح أنه علمه أسماء الأشياء كلها ذواتها وصفاتها وأفعالها، ولهذا قال البخاري في تفسير هذه الآية عن أنَس عن النبي صلى اللَه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏يجتمع المؤمنون يوم القيامة فيقولون لو استشفعنا إلى ربنا فيأتون آدم فيقولون أنت أبو الناس خلقك اللّه بيده، وأسجد لك ملائكته، وعلَّمك أسماء كل شيء، فاشفع لنا إلى ربك حتى يريحنا من مكاننا هذا ‏"(4)‏أخرجه البخاري عن أنَس بن مالك ورواه مسلم والنسائي وابن ماجة‏ ‏‏) "‏أخرجه البخاري عن أنَس بن مالك ورواه مسلم والنسائي وابن ماجة‏ ‏‏) "‏أخرجه البخاري عن أنَس بن مالك ورواه مسلم والنسائي وابن ماجة‏ ‏‏) "‏أخرجه البخاري عن أنَس بن مالك ورواه مسلم والنسائي وابن ماجة‏ ‏‏)"‏أخرجه البخاري عن أنَس بن مالك ورواه مسلم والنسائي وابن ماجة‏"‏‏)‏ الحديث‏.‏ فدل هذا على أنه علمه أسماء جميع المخلوقات ولهذا قال‏:‏ {‏ثم عرضهم على الملائكة‏} يعني المسميات {‏فقال أنبئوني باسماء هؤلاء إن كنتم صادقين‏}
‏، قال مجاهد‏:‏ ثم عرض أصحاب الأسماء على الملائكة‏.‏
وقال ابن جرير عن الحسن وقتادة قال‏:‏ علَّمه اسم كل شيء، وجعل يسمي كل شيء باسمه وعرضت عليه أمة أمة، وبهذا الإسناد عن الحسن وقتادة في قوله تعالى
{‏إن كنتم صادقين‏} إني لم أخلق خلقا إلى كنتم أعلم منه فأخبروني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين، وقال السدي {‏إن كنتم صادقين‏} أن بني آدم يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء، {‏قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم‏} هذا تقديس وتنزيه من الملائكة للّه تعالى أن يحيط أحد بشيء من علمه إلا بما شاء، وأن يعلموا شيئاً إلا ما علّمهم اللّه تعالى ولهذا قالوا‏:{‏سبحانك لا علم لنا إلى ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم‏}‏ أي العليمُ بكل شيء الحكيمُ في خلقك وأمرك، وفي تعليمك ما تشاء ومنعك ما تشاء، لك الحكمة في ذلك والعدل التام‏.‏ عن ابن عباس ‏{‏سبحان اللّه‏}‏ قال‏:‏ تنزيه اللّه نفسه عن السوء‏.‏
قوله تعالى‏{‏قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون‏}‏‏:‏ لما ظهر فضل آدم عليه السلام على الملائكة عليهم السلام في سرده ما علمه اللّه تعالى من أسماء الأشياء، قال اللّه تعالى للملائكة‏:‏‏{‏ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون‏}‏ أي ألم أتقدم إليكم إني أعلم الغيب الظاهر والخفي، كما قال تعالى‏:‏ {‏وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى‏} وكما قال إخباراً عن الهدهد أنه قال لسليمان‏:{‏ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السموات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون‏}‏، وعن ابن عباس{‏وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون‏}‏‏:‏ أعلم السر كما أعلم العلانية، يعني ما كتم إبليس في نفسه من الكبر والإغترار‏.‏ وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس {‏وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون‏} فكان الذي أبدوا هو قولهم‏:‏ {‏أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء‏} وكان الذي كتموا بينهم هو قولهم‏:‏ لن يخلق ربنا خلقاً إلا كنا أعلم منه وأكرم‏.‏ فعرفوا أن اللّه فضّل عليهم آدم في العلم والكرم وقال ابن جرير‏:‏ وأولى الأقوال في ذلك قول ابن عباس، وهو أن معنى قوله تعالى {‏وأعلم ما تبدون‏}‏‏:‏ وأعلم مع علمي غيب السماوات والأرض ما تظهرونه بألسنتكم وما كنتم تخفون في أنفسكم فلا يخفى علي شيء سواء عندي سرائركم وعلانيتكم‏.‏ والذي أظهروه بألسنتهم قولهم أتجعل فيها من يفسد فيها، والذي كانوا يكتمونه ما كان عليه منطوياً إبليس من الخلاف على اللّه في أوامره والتكبر عن طاعته، قال‏:‏ وصح ذلك كما تقول العرب‏:‏ قتل الجيش وهزموا، وإنما قتل الواحد أو البعض وهزم الواحد أو البعض، فيخرج الخبر عن المهزوم منه والمقتول مخرج الخبر عن جميعهم، كما قال تعالى‏:‏{‏إن الذي ينادونك من وراء الحجرات‏} ذُكِر أن الذي نادى إنما كان واحداً من بني تميم، قال وكذلك قوله‏:‏ ‏{‏وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون‏}‏‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏34‏)‏
{‏ وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين ‏}

وهذه كرامة عظيمة من اللّه تعالى لآدم امتَنَّ بها على ذريته، حيث أخبر أنه تعالى أمر الملائكة بالسجود لآدم وقد دل على ذلك أحاديث أيضاً كثيرة منها حديث الشفاعة المتقدم، وحديث موسى عليه السلام‏:‏ ‏(‏رب أرني آدم الذي أخرجنا ونفسه من الجنة، فلما اجتمع به قال‏:‏ أنت آدم الذي خلقه اللّه بيده ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته‏؟‏‏)
قال وذكر الحديث كما سيأتي إن شاء اللّه‏.‏
والغرض أن اللّه تعالى لما أمر الملائكة بالسجود لآدم دخل إبليس في خطابهم، لأنه وإن لم يكن من عنصرهم إلا أنه كان قد تشبه بهم وتوسم بأفعالهم، فلهذا دخل في الخطاب لهم وذم في مخالفة الأمر‏.‏
قال طاووس عن ابن عباس‏:‏ كان إبليس قبل أن يركب المعصية من الملائكة اسمه عزرايل وكان من سكان الأرض، وكان من أشد الملائكة اجتهاداً، وأكثرهم علماً، فذلك دعاه إلى الكبر، وكان من حيٍّ يسمون جناً وقال سعيد بن المسيب‏:‏ كان إبليس رئيس ملائكة سماء الدنيا‏.‏ وقال ابن جرير عن الحسن‏:‏ ما كان إبليس من الملائكة طرفة عين قط وإنه لأصل الجن، كما أن آدم أصل الإنس، وهذا إسناد صحيح عن الحسن‏.‏ وقال شهر ابن حوشب‏:‏ كان إبليس من الجن الذين طردتهم الملائكة فأسره بعض الملائكة فذهب به إلى السماء، رواه ابن جرير، وعن سعد بن مسعود قال‏:‏ كانت الملائكة تقاتل الجن فسبي إبليس وكان صغيراً فكان مع الملائكة يتعبد معها فلما أُمروا بالسجود لآدم سجدوا فأبى إبليس فلذلك قال تعالى‏:‏ ‏{‏إلا إبليس كان من الجن‏} وقال أبو جعفر‏:‏ ‏{‏وكان من الكافرين‏} يعني من العاصين‏.‏ قال قتادة في قوله تعالى ‏{‏وإذا قلنا للملائكة اسجدوا لآدم‏}‏‏:‏ فكانت الطاعة للّه والسجدة لآدم، أكرم اللّه آدم أن اسجد له ملائكته، وقال بعض الناس‏:‏ كان هذا سجود تحية وسلام وإكرام كما قال تعالى‏:‏ {‏ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا‏}
وقد كان هذا مشروعاً في الأمم الماضية ولكنه نسخ في ملتنا‏.‏
قال معاذ‏:‏ ‏(‏قدمت الشام فرأيتهم يسجدون لأساقفتهم وعلمائهم فأنت يا رسول اللّه أحق أن يسجد لك، فقال‏:‏ ‏(‏لا، لو كنت آمراً بشراً أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها‏)‏
ورجحه الرازي‏.‏ وقال بعضهم‏:‏ بل كانت السجدة للّه وآدم قبلة فيها، والأظهر أن القول الأول أولى والسجدة لآدم كانت إكراما وإعظاماً واحتراماً وسلاماً، وهي طاعة للّه عزّ وجلّ لأنها امتثال لأمره تعالى، وقد قوّاه الرازي في تفسيره وضعَّف ما عداه من القولين الآخرين، وهما‏:‏ كونه جعل قبلة إذ لا يظهر فيه شرف، والآخر أن المراد بالسجود الخضوع لا الإنحناء ووضع الجبهة على الأرض، وهو ضعيف كما قال‏.‏
وقال قتادة في قوله تعالى ‏{‏فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين‏}‏‏:‏ حسد عدوّ اللّه إبليس آدم عليه السلام على ما أعطاه اللّه من الكرامة وقال‏:‏ أنا ناري وهذا طيني، وكان بدء الذنوب الكبر، استكبر عدوّ اللّه أن يسجد لآدم عليه السلام‏.‏ قلت‏:‏ وقد ثبت في الصحيح‏:‏‏(‏ لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر‏)‏ وقد كان في قلب إبليس من الكبر، والكفر والعناد ما اقتضى طرده وإبعاده عن جناب الرحمة وحضرة القدس، قال بعض المعربين {‏وكان من الكافرين‏}‏‏:‏ أي وصار من الكافرين بسبب امتناعه، كما قال‏:‏ ‏{‏فكان من المغرقين‏}‏، وقال‏:‏ ‏{‏فتكونا من الظالمين‏}
‏، وقال الشاعر‏:‏
بتيهاء قفر والمطي كأنها * قطا الحزن قد كانت فراخاً بيوضها
أي قد صارت، وقال ابن فورك تقديره‏:‏ وقد كان في علم اللّه من الكافرين، ورجَّحه القرطبي، وذكر ههنا مسألة فقال، قال علماؤنا‏:‏ من أظهر اللّه على يديه ممن ليس بنبي كرامات وخوارق للعادات فليس ذلك دالاً على ولايته خلافاً لبعض الصوفية والرافضة‏.‏
قلت‏:‏ وقد استدل بعضهم على أن الخارق قد يكون على يدي غير الولي، بل قد يكون على يد الفاجر والكافر أيضاً بما ثبت عن ابن صياد أنه قال‏:‏ هو الدخ، حين خبأ له رسول اللّه صلى اللَه عليه وسلم ‏:‏ ‏{‏فارتقب يوم تأت السماء بدخان مبين‏}‏، وبما كان يصدر عنه، أنه كان يملأ الطريق إذا غضب حتى ضربه عبد اللّه بن عمر، وبما تثبتت به الأحاديث الدجال بما يكون على يديه من الخوارق الكثيرة، من أنه يأمر السماء أن تمطر فتمطر والأرض أن تنبت فتنبت، وتتبعه كنوز الأرض مثل اليعاسيب وأنه يقتل ذلك الشاب ثم يحييه إلى غير ذلك من الأمور المهولة‏.‏ وكان الليث بن سعد يقول‏:‏ إذا رأيتم الرجل يمشي على الماء ويطير في الهواء فلا تغتروا به حتى تعرضوا أمره على الكتاب والسنّة‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏35 ‏:‏ 36‏)‏
{‏ وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين ‏.‏ فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين ‏}

يبين اللّه تعالى إخباراً عما أكرم به آدم، بعد أن أمر الملائكة بالسجود له فسجدوا إلا إبليس أنه أباحه الجنة يسكن منها حيث يشاء ويأكل منها ما شاء رغدا أي هنيئاً واسعاً، طيباً‏.‏ وقد اختلف في الجنة التي أسكنها آدم هي في السماء أم في الأرض‏؟‏ فالأكثرون على الأول، وحكى القرطبي عن المعتزلة والقدرية القول بأنها في الأرض، وسيأتي تقرير ذلك في سورة الأعراف إن شاء اللّه تعالى، ويساق الآية يقتضي أن حواء خلقت قبل دخول آدم الجنة، ويقال‏:‏ إن خلق حواء كان بعد دخول الجنة كما قال السدي في خبر ذكره عن ابن عباس وعن ناس من الصحابة ‏(‏أخرج إبليس من الجنة وأسكن آدم الجنة، فكان يمشي فيها وحيداً ليس له زوج يسكن إليه، فنام نومة فاستيقظ وعند رأسه امرأة قاعدة خلقها اللّه من ضلعه، فسألها‏:‏ من أنت‏؟‏ قالت‏:‏ امرأة، قال‏:‏ ولم خلقت‏؟‏ قالت‏:‏ لتسكن إليّ، قالت له الملائكة ينظرون ما بلغ من علمه‏:‏ ما اسمها يا آدم‏؟‏ قال‏:‏ حواء، قالوا‏:‏ ولمّ حواء‏؟‏ قال‏:‏ إنها خلقت من شيء حي‏)‏‏.

وأما قوله‏:‏ ‏{‏ولا تقربا هذه الشجرة‏}‏ فهو اختبار من اللّه تعالى وامتحان لآدم‏.‏ وقد اختلف في هذه الشجرة ما هي‏؟‏ فقال السدي عن ابن عباس‏:‏ الشجرة التي نهى عنها آدم عليه السلام هي الكرم، وتزعم يهود أنها الحنطة‏.‏ وقال ابن جرير عن ابن عباس‏:‏ الشجرة التي نهي عنها آدم عليه السلام هي السنبلة، وقال ابن جرير بسنده‏:‏ حدثني رجل من بني تميم أن ابن عباس كتب إلى أبي الجلد يسأله عن الشجرة التي أكل منها آدم، والشجرة التي تاب عندها آدم، فكتب إليه أبو الجلد‏:‏ سألتني عن الشجرة التي نهي عنها آدم وهي السنبلة، وسألتني عن الشجرة التي تاب عندها آدم وهي الزيتونة‏.‏ وقال سفيان الثوري عن أبي مالك ‏{‏ولا تقربا هذه الشجرة‏}‏ ‏:‏النخلة، وقال ابن جرير عن مجاهد ‏{‏ولا تقربا هذه الشجرة‏}
‏:‏ التينة‏.‏
قال الإمام العلّامة أبو جعفر بن جرير رحمه اللّه‏:‏ والصواب في ذلك أن يقال‏:‏ إن اللّه عزّ وجلّ ثناؤه نهى آدم وزوجته عن أكل شجرة بعينها من أشجار الجنة دون سائر أشجارها فأكلا منها، ولا علم عندنا بأي شجرة كانت على التعيين، لأن اللّه لم يضع لعباده دليلاً على ذلك في القرآن ولا من السنّة الصحيحة وقد قيل‏:‏ كانت شجرة البر، وقيل‏:‏ كانت شجرة العنب، وقيل‏:‏ كانت شجرة التين‏.‏ وجائز أن تكون واحدة منها وذلك عِلْمٌ إذا عُلِم لم ينفع العالم به علمه، وإن جَهِلَه جاهل لم يضره جهله به واللّه أعلم‏.‏
وقوله تعالى‏:‏ {‏فأزلهما الشيطان عنها‏} يصح أن يكون الضمير في قوله عنها عائداً إلى الجنة، فيكون معنى الكلام فأزلهما أي فنحاهما، ويصح أين يكون عائداً على أقرب المذكورين وهو الشجرة فيكون معنى الكلام فأزلهما أي من قبل الزلل، فعلى هذا يكون تقدير الكلام ‏{‏فأزلهما الشيطان عنها‏}‏ أي بسببها، كما قال تعالى‏:‏ {‏يؤفك عنه من أفك‏}‏ أي يصرف بسببه من هو مأفوك، ولهذا قال تعالى‏:‏{‏فأخرجهما مما كانا فيه‏} أي من اللباس والمنزل الرحب والرزق الهنيء والراحة ‏
{‏وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين‏}
أي قرار وأرزاق وآجال إلى حين أي إلى وقت مؤقت ومقدار معيّن ثم تقوم القيامة، وقد ذكر المفسرون من السلف كالسدي بأسانيده، وأبي العالية، ووهب بن منبه وغيرهم، ههنا أخباراً إسرائيلية عن قصة الحية وإبليس، وكيف جرى من دخول إبليس إلى الجنة ووسوسته، وسنبسط ذلك إن شاء الّله في سورة الأعراف فهناك القصة أبسط منها ههنا واللّه الموفق‏.‏
فإن قيل‏:‏ فإذا كانت جنة آدم التي أخرج منها في السماء كما يقوله الجمهور من العلماء فكيف تمكن إبليس من دخول الجنة وقد طرد من هنالك‏؟‏ وأجاب الجمهور بأجوبة، وأحدها أنه منع من دخول الجنة مكرماً، فأما على وجه السرقة والإهانة فلا يمتنع ولهذا قال بعضهم - كما في التوراة - إنه دخل في فم الحية إلى الجنة‏.‏ وقد قال بعضهم‏:‏ يحتمل أنه وسوس لهما وهو خارج باب الجنة‏.‏ وقال بعضهم‏:‏ يحتمل أنه وسوس لهما وهو في الأرض وهما في السماء‏.‏ ذكرها الزمخشري وغيره‏.‏ وقد أورد القرطبي ههنا أحاديث في الحيات وقتلهن، وبيان حكم ذلك فأجاد وأفاد‏.‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس