عرض مشاركة واحدة
قديم 06-05-2014, 03:03 AM   رقم المشاركة : 22
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏95 ‏:‏96‏)‏
{‏ لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما ‏.‏ درجات منه ومغفرة ورحمة وكان الله غفورا رحيما‏}‏
قال البخاري عن البراء قال‏:‏ لما نزلت ‏{‏لا يستوي القاعدون من المؤمنين‏}‏ دعا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم زيداً فكتبها، فجاء ابن أم مكتوم فشكا ضرارته، فأنزل اللّه ‏{‏غير أولي الضرر‏}‏ وقال البخاري أيضاً عن سهل بن سعد الساعدي‏:‏ أنه رأى مروان بن الحكم في المسجد قال‏:‏ فأقبلت حتى جلست إلى جنبه، فأخبرنا أن زيد بن ثابت أخبره أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أملي عليَّ‏:‏ ‏{‏لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل اللّه‏}‏، فجاءه ابن أم مكتوم وهو يمليها عليَّ قال‏:‏ يا رسول اللّه ‏:‏ والله لو استطيع الجهاد لجاهدت وكان أعمى، فأنزل اللّه على رسوله صلى اللّه عليه وسلم وكان فخذه على فخذي فثقلت عليَّ حتى خفت أن تُرضَّ فخذي ثم سري عنه فأنزل اللّه ‏:‏ ‏
{‏غير أولي الضرر‏}‏
وعن ابن عباس قال‏:‏ ‏{‏لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر‏}‏ عن بدر والخارجون إلى بدر، ولما نزلت غزوة بدر قال عبد اللّه بن جحش وابن أم مكتوم‏:‏ إنا أعميان يا رسول اللّه فهل لنا رخصة‏؟‏ فنزلت‏:‏ ‏{‏لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر‏}‏ وفضل اللّه المجاهدين على القاعدين درجة فهؤلاء القاعدون غير أولي الضرر ‏{‏وفضل اللّه المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً درجات منه‏}‏ على القاعدين من المؤمنين غير أولي الضرر
‏.‏ فقوله ‏{‏لا يستوي القاعدون من المؤمنين‏}‏ كان مطلقاً فلما نزل بوحي سريع ‏{‏غير أولي الضرر‏}‏ صار ذلك مخرجاً لذوي الأعذار المبيحة لترك الجهاد من العمى والعرج والمرض عن مساواتهم للمجاهدين في سبيل اللّه بأموالهم وأنفسهم‏.‏
ثم أخبر تعالى بفضيلة المجاهدين على القاعدين قال ابن عباس‏:‏ ‏{‏غير أولي الضرر‏}‏ وكذا ينبغي أن يكون كما ثبت في صحيح البخاري
عن أنس أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏إن بالمدينة أقواماً ما سرتم من مسير وقال قطعتم من واد إلا وهم معكم فيه قالوا‏:‏ وهم بالمدينة يا رسول اللّه ‏؟‏ قال‏:‏ نعم حبسهم العذر‏)‏ وفي رواية عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏لقد تركتم بالمدينة أقواماً ما سرتم من مسير ولا أنفقتم من نفقة ولا قطعتم من واد إلا وهم معكم فيه‏)‏ قالوا‏:‏ وكيف يكونون معنا فيه يا رسول اللّه ‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏نعم حبسهم العذر‏)‏
قال الشاعر في هذا المعنى‏:‏
يا راحلين إلى البيت العتيق لقد * سرتم جسوما وسرنا نحن أرواحا
إنا أقمنا على عذر وعن قدر * ومن أقام على عذر فقد راحا
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وكلاً وعد اللّه الحسنى‏}‏ أي الجنة والجزاء الجزيل، وفيه دلالة على ان الجهاد ليس بفرض عين بل هو فرض على الكفاية، قال تعالى‏:‏ ‏{‏وفضل اللّه المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً‏}‏ ثم أخبر سبحانه بما فضلهم به من الدرجات، في غرف الجنات العاليات، ومغفرة الذنوب والزلات، وأحوال الرحمة والبركات، إحساناً منه وتكريماً ولهذا قال‏:‏ ‏{‏درجات منه ومغفرة ورحمة وكان اللّه غفوراً رحيماً‏}‏‏.
وقد ثبت في الصحيحين
عن أبي سعيد الخدري أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏إن في الجنة مائة درجة أعدها اللّه للمجاهدين في سبيله، ما بين كل درجتين كما بين السماء والارض‏)‏

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏97 ‏:‏ 100‏)
‏{‏ إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا ‏.‏ إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا ‏.‏ فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا ‏.‏ ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفورا رحيما ‏}‏
عن ابن عباس أن ناساً من المسلمين كانوا مع المشركين، يكثرون سوادهم على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يأتي السهم يرمي به فيصيب أحدهم فيقتله أو يضرب عنقه فيقتل، فأنزل اللّه ‏:‏ ‏{‏إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم‏} ‏"‏رواه البخاري‏"‏وقال ابن أبي حاتم عن عكرمة عن ابن عباس قال‏:‏ كان قوم من أهل مكة أسلموا وكانوا يستخفون بالإسلام، فأخرجهم المشركون يوم بدر معهم فأصيب بعضهم، قال المسلمون‏:‏ كان أصحابنا هؤلاء مسلمين وأكرهوا فاستغفروا لهم فنزلت ‏{‏إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم‏}‏ الآية، قال‏:‏ فكتب إلى من بقي من المسلمين بهذه الآية لا عذر لهم‏.‏ قال‏:‏ فخرجوا فلقيهم المشركون فأعطوهم التقية فنزلت هذه الآية‏:‏ ‏{‏ومن الناس من يقول آمنا باللّه‏}‏ ‏"‏أخرجه ابن أبي حاتم‏"‏الآية، قال الضحاك‏:‏ نزلت في ناس من المنافقين تخلفوا عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بمكة وخرجوا مع المشركين يوم بدر فأصيبوا فيمن أصيب، فنزلت هذه الآية الكريمة عامة في كل من أقام بين ظهراني المشركين وهو قادر على الهجرة وليس متمكناً من إقامة الدين فهو ظالم لنفسه مرتكب حراماً بالإجماع، وبنص هذه الآية حيث يقول تعالى‏:‏ ‏{‏إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم‏}‏ أي بترك الهجرة ‏{‏قالوا فيم كنتم‏}‏ أي لم مكثتم ها هنا وتركتم الهجرة‏؟‏ ‏{‏قالوا كنا مستضعفين في الأرض‏}‏ أي لا نقدر على الخروج من البلد، ولا الذهاب في الأرض ‏{‏قالوا ألم تكن أرض اللّه واسعة‏}‏ الآية، وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏)‏من جامع المشرك وسكن معه فإنه مثله‏)‏
"‏أخرجه أبو داود في السنن‏"‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إلا المستضعفين‏}‏ إلى آخر الآية، هذا عذر من اللّه لهؤلاء في ترك الهجرة وذلك أنهم لا يقدرون على التخلص من أيدي المشركين ولو قدروا ما عرفوا يسلكون الطريق، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً‏}‏ قال مجاهد‏:‏ يعني طريقاً، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فأولئك عسى اللّه أن يعفو عنهم‏}‏ أي يتجاوز اللّه عنهم بترك الهجرة، و عسى من اللّه موجبة ‏{‏وكان اللّه عفواً غفوراً‏}‏
قال البخاري عن أبي هريرة قال‏:‏ بينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يصلي العشاء إذ قال‏:‏ سمع اللّه لمن حمده؛ ثم قال قبل أن يسجد‏:‏ ‏(‏اللهم أنج عياش بن أبي ربيعة، اللهم أنج سلمة بن هشام، اللهم أنج الوليد بن الوليد اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك على مضر، اللهم اجعلها سنين كسني يوسف‏}‏، وقال البخاري عن ابن عباس‏:‏ ‏{‏إلا المستضعفين‏}‏ قال‏:‏
كنت أنا وأمي ممن عذر اللّه عزَّ وجلَّ‏.‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ومن يهاجر في سبيل اللّه يجد في الأرض مراغماً كثيراً وسعة‏}‏ وهذا تحريض على الهجرة، وترغيب في مفارقة المشركين وأن المؤمن حيثما ذهب وجد عنهم مندوحة وملجأ يتحصن فيه، والمراغم مصدر تقول العرب‏:‏ راغم فلان قومه مراغماً ومراغمة، قال النابغة ابن جعدة‏:‏
كطود يلاذ بأركانه * عزيز المراغم والمهرب
وقال ابن عباس‏:‏ المراغم التحول من أرض إلى أرض، وقال مجاهد ‏{‏مراغماً كثيراً‏}‏ يعني‏:‏ متزحزحاً عما يكره، والظاهر واللّه أعلم أنه المنع الذي يتخلص به ويراغم به الأعداء، قوله‏:‏ ‏{‏وسعة‏}‏ يعني الرزق قاله غير واحد منهم قتادة حيث قال في قوله ‏{‏يجد في الأرض مراغماً كثيراً وسعة‏}‏ أي من الضلالة إلى الهدى، ومن القلة إلى الغنى‏.‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى اللّه ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على اللّه‏}‏ أي ومن يخرج من منزله بنية الهجرة فمات في أثناء الطريق فقد حصل له عند اللّه ثواب من هاجر كما
ثبت في الصحيحين عن عمر بن الخطاب قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏إنما الاعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى، فمن كانت هجرته إلى اللّه ورسوله فهجرته إلى اللّه ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه‏)وهذا عام في الهجرة وفي جميع الأعمال، ومنه الحديث الثابت في الصحيحين في الرجل الذي قتل تسعا وتسعين نفساً، ثم أكمل بذلك العابد المائة ثم سأل عالماً هل له من توبة، فقال له‏:‏ ومن يحول بينك وبين التوبة‏؟‏ ثم أرشده إلى أن يتحول من بلده إلى بلد أخرى يعبد اللّه فيه، فلما ارتحل من بلده مهاجراً إلى البلد الأخرى أدركه الموت في أثناء الطريق فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فقال هؤلاء إنه جاء تائباً، وقال هؤلاء‏:‏ إنه لم يصل بعد، فأمروا أن يقيسوا ما بين الأرضين فإلى أيهما كان أقرب فهو منها، فأمر اللّه هذه أن تقترب من هذه، وهذه أن تبعد فوجدوه أقرب إلى الأرض التي هاجر إليها بشبر، فقبضته ملائكة الرحمة‏
.‏
قال الإمام أحمد عن عبد اللّه بن عتيك قال‏:‏ سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏من خرج من بيته مجاهداً في سبيل اللّه، فخرَّ عن دابته فقد وقع أجره على اللّه، أو لدغته دابة فمات فقد وقع أجره على اللّه، أو مات حتف أنفه فقد وقع أجره على اللّه ‏)‏
وقال ابن ابي حاتم عن عكرمة عن ابن عباس رضي اللّه تعالى عنهما قال‏:‏ خرج ضمرة بن جندب إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فمات في الطريق قبل أن يصل إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فنزلت الآية، وقال الحافظ أبو يعلى عن أبي هريرة قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏من خرج حاجاً فمات كتب له أجر الحاج إلى يوم القيامة، ومن خرج معتمراً فمات كتب له أجر المعتمر إلى يوم القيامة، ومن خرج غازياً في سبيل اللّه فمات كتب له أجر الغازي إلى يوم القيامة‏)


اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏101‏)
‏{‏ وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا‏}‏
يقول تعالى‏:‏ ‏{‏وإذا ضربتم في الأرض‏}‏ أي سافرتم في البلاد كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وآخرون يضربون في الأرض‏}‏ وقوله‏:‏ ‏{‏فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة‏}‏ أي تخففوا فيها إما من كميتها بأن تجعل الرباعية ثنائية كما فهمه الجمهور من هذه الآية، واستدلوا بها على

قصر الصلاة في السفرعلى اختلافهم في ذلك فمن قائل لا بد أن يكون سفر طاعة‏:‏ من جهاد، أو حج أو عمرة، أو طلب علم، أو زيارة، أو غير ذلك‏.‏
ومن قائل لا يشترط سفر القربة، بل لا بد أن كون مباحاً لقوله‏:‏ ‏{‏فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم‏}‏ الآية، كما أباح له تناول الميتة مع الإضطرار بشرط أن لا يكون عاصياً بسفره، وهذا قول الشافعي وأحمد وغيرهما من الأئمة، ومن قائل‏:‏ يكفي مطلق السفر سواء كان مباحاً أو محظوراً حتى لو خرج لقطع الطريق وإخافة السبيل ترخص لوجود مطلق السفر وهذا قول أبي حنيفة والثوري وداود لعموم الآية وخالفهم الجمهور، وأما قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا‏}‏ فقد يكون هذا خرج مخرج الغالب حال نزل هذه الآية، فإن في مبدأ الإسلام بعد الهجرة كان غالب أسفارهم مخوفة، بل ما كانوا ينهضون إلا إلى غزو عام، أو في سرية خاصة، وسائر الأحيان حرب للإسلام وأهله، والمنطوق إذا خرج مخرج الغالب أو على حادثة فلا مفهوم له كقوله تعالى‏:‏
{‏ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصناً‏}وكقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم‏}‏‏.‏ وقال الإمام أحمد عن يعلى بن أُمية قال‏:‏ سألت عمر بن الخطاب قلت له قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا‏}‏ وقد أمن الناس، فقال لي عمر رضي اللّه عنه‏:‏ عجبتُ مما عجبتَ منه، فسألت رسول اللّه عن ذلك فقال‏:‏ ‏(‏صدقة تصدق اللّه بها عليكم فاقبلوا صدقته‏)وعن أبي حنظلة الحذاء قال‏:‏ سألت ابن عمر عن صلاة السفر فقال‏:‏ ركعتان، فقلت أين قوله‏:‏ ‏{‏إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا‏}‏ ونحن آمنون، فقال‏:‏ سنّة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم"‏أخرجه ابن أبي شيبة‏"‏وقال ابن مردويه عن أبي الوداك قال‏:‏ سألت ابن عمر عن ركعتين في السفر فقال‏:‏ هي رخصة نزلت من السماء فإن شئتم فردوهما‏.‏ وقال أبو بكر بن أبي شيبة عن ابن عباس قال‏:‏ صلينا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بين مكة والمدينة ونحن آمنوا لا نخاف بينهم ركعتين ركعتين‏.‏ وقال البخاري عن أنس يقول خرجنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من المدينة إلى مكة فكان يصلي ركعتين ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة، قلت‏:‏ أقمتم بمكة شيئاً قال‏:‏ أقمنا بها عشراً‏.‏ وقال البخاري عن عبد اللّه بن عمر قال‏:‏ صليت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ركعتين وابي بكر وعمر وعثمان صدراً من إمارته ثم أتمها،وحدثنا إبراهيم قال‏:‏ سمعت عبد اللّه بن يزيد يقول‏:‏ صلى بنا عثمان بن عفان رضي اللّه عنه بمنى أربع ركعات فقيل في ذلك لعبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه فاسترجع، ثم قال‏:‏ صليت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بمنى ركعتين وصليت مع أبي بكر بمنى ركعتين وصليت مع عمر ابن الخطاب بمنى ركعتين، فليت حظي من أربع ركعات ركعتان متقبلتان
"‏أخرجه البخاري ومسلم، واللفظ للبخاري‏"‏‏.‏
فهذه الأحاديث دالة صريحاً على أن القصر ليس من شرطه وجود الخوف ولهذا قال من قال من العلماء إن المراد من القصر ههنا إنما هو قصر الكيفية لا الكمية وهو قول مجاهد والضحاك والسدي كما سيأتي بيانه، واعتضدوا أيضاً بما رواه الإمام مالك عن عائشة رضي اللّه عنها أنها قالت‏:‏ فرضت ركعتين ركعتين في السفر والحضر فأقرت صلاة السفر؛ وزيد في صلاة الحضر، قالوا‏:‏ فإذا كان أصل الصلاة في السفر اثنتين فكيف يكون المراد بالقصر ههنا قصر الكمية لأن ما هو الأصل لا يقال فيه‏:‏ ‏{‏فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة‏}‏ وأصرح من ذلك دلالة على هذا ما رواه الإمام أحمد عن عمر رضي اللّه عنه قال‏:‏ صلاة السفر ركعتان، وصلاة الأضحى ركعتان، وصلاة الفطر ركعتان، وصلاة الجمعة ركعتان تمام غير قصر على لسان محمد صلى اللّه عليه وسلم، زاد مسلم والنسائي عن عبد اللّه بن عابس قال‏:‏ فرض اللّه الصلاة على لسان نبيكم محمد صلى اللّه عليه وسلم في الحضر أربعاً وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة، فكما يصلي في الحضر قبلها وبعدها فكذلك يصلي في السفر‏.‏ فهذا ثابت عن ابن عباس رضي اللّه عنهما، ولا ينافي ما تقدم عن عائشة رضي اللّه عنها لأنها أخبرت أن اصل الصلاة ركعتان ولكن زيد في صلاة الحضر، فلما استقر ذلك صح أن يقال‏:‏ إن فرض صلاة الحضر أربع كما قاله ابن عباس واللّه أعلم لكن اتفق حديث ابن عباس وعائشة على أن صلاة السفر ركعتان وأنها تامة غير مقصورة كما هو مصرح به في حديث عمر رضي اللّه عنه، وإذا كان كذلك فيكون المراد بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة‏}‏ قصر الكيفية كما في صلاة الخوف، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا‏}‏ الآية، ولهذا قال بعدها‏:‏ ‏{‏وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة‏}‏ الآية، فبين المقصود من القصر ههنا وذكر صفته وكيفيته ولهذا لما عقد البخاري كتاب صلاة الخوف صدَّره بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإذا ضربتم في الارض فليس علكيم جناح أن تقصروا من الصلاة‏}‏، وقال مجاهد‏:‏ ‏{‏فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة‏}‏ يوم كان النبي صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه بعسفان والمشركون بضجنان فتوافقوا فصلى النبي صلى اللّه عليه وسلم بأصحابه صلاة الظهر أربع ركعات بركوعهم، وسجودهم، وقيامهم معاً جميعاً، فهمَّ بهم المشركون أن يغيروا على أمتعتهم واثقالهم‏.‏
وقال ابن جرير عن أمية بن عبد اللّه بن خالد بن أسيد قال لعبد اللّه بن عمر‏:‏ إنا نجد في كتاب اللّه قصر صلاة الخوف ولا نجد قصر صلاة المسافر فقال عبد اللّه‏:‏ إنا وجدنا نبينا صلى اللّه عليه وسلم يعمل عملاً عملنا به، فقد سمى صلاة الخوف مقصورة وحمل الآية عليها لا على قصر صلاة المسافر، وأقره ابن عمر على ذلك واحتج على قصر الصلاة بفعل الشارع لا بنص القرآن، واصرح من هذا ما رواه ابن جرير أيضاً عن سماك الحنفي قال‏:‏ سألت ابن عمر عن صلاة السفر فقال‏:‏ ركعتان تمام غير قصر إنما القصر في صلاة المخافة فقلت‏:‏ وما صلاة المخافة‏؟‏ فقال‏:‏ يصلي الإمام بطائفة ركعة ثم يجيء هؤلاء إلى مكان هؤلاء ويجيء هؤلاء إلى مكان هؤلاء فيصلي بهم ركعة فيكون للإمام ركعتان ولكل طائفة ركعة ركعة‏.‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس